أقرأ أيضاً
التاريخ: 19/12/2022
1769
التاريخ: 2024-07-06
456
التاريخ: 2024-05-06
658
التاريخ: 9-1-2023
954
|
من العوامل الأخرى التي تلعب دوراً مؤثراً في بناء شخصية الطفل ، ويبرز هذا الدور سلباً أو إيجاباً خلال مرحلتي البلوغ والشباب، هي الحالة الاقتصادية والوضع المالي للأسرة.
فالأب الذي يوازي دخله نفقات الأسرة ، ويدبر أسرته بما يحفظ سمعته وكرامته أمام المجتمع ، يعتبر من الطبقة المتوسطة. والطفل وسط أسرة كهذه يكون طبيعياً من الناحية النفسية ، لأنه يستطيع إرضاء ميوله ورغباته بالشكل المطلوب ، ولذا فإنه سيصبح ذا شخصية جيدة ومناسبة إن لم تعترضه عقبات أخرى. وقد اعتبر أئمتنا (عليهم السلام) كفاف العيش من حيث الدخل والنفقة بأنه أفضل العيش وأنه ركن من أركان السعادة .
فقد روي عن العالم (الإمام موسى بن جعفر) عليه السلام أنه قال : طوبى لمن آمن وكان عيشه كفافاً(1).
أثر الحالة الاقتصادية في الشخصية :
(إن الوضع المالي والاجتماعي للأسرة ينعكس بشكل مباشر أو غير مباشر على نمو شخصية الطفل وتكاملها ، فالطفل الذي تتوفر له جميع وسائل الحياة ويتم إرضاء ميوله بصورة جيدة ، قلما يواجه صعوبات في حياته ، وهذا ما يساعد على نمو شخصيته بشكل جيد ، أما الطفل الذي يكون محروماً من هذه النعمة ، فإنه يشعر في قرارة نفسه على الدوام بالنقص والحقارة)(2).
أما الآباء الذين لا يوازي مدخولهم نفقاتهم اليومية، وهم عاجزون عن تحقيق متطلبات أسرهم من لوازم العيش الضرورية ، فيعدون من الطبقة الفقيرة للمجتمع. والطفل في ظل أسرة فقيرة غالباً ما يعاني من النقص والحرمان، ويشعر في اعماقه بالتخلف . ولا شك أن مرارة هذا الشعور تنعكس سلباً على بناء شخصيته ، وتشكل عقبات وموانع كثيرة في طريق التآلف مع المجتمع .
ويعاني الفرد الذي يربى وسط أسرة فقيرة الحال معدمة من ضعف في الشخصية خاصة في مرحلة الشباب ، فهو يشعر بالحقارة وأحياناً بالتخلف والحرمان نتيجة الفقر والعوز ، وهذا الشعور المؤلم يربك نفسيته ويؤثر في عقله وفطنته ، ويولد في نفسه الإحساس بضعف الشخصية.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): الفقر يخرس الفطن عن حجته والمقل غريب في بلدته(3).
وعنه (عليه السلام) : إن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل ، داعية للمقت(4).
«للعوز تأثير سلبي على شخصيتنا ، فهو يولد الهم والغم والكآبة ، والإنسان الذي لا يستطيع أن يؤمن احتياجات اسرته من مأكل ومشرب وملبس ومأوى ، تراه على الدوام قلقاً مضطرباً حيراناً يسيء الظن بالآخرين وينقم عليهم» .
وهذه هي حال كل من يعاني من الفقر والعوز، وهذه المعاناة لا شك أنها تنعكس سلباً على صفات الإنسان وخلقه ، بحيث أننا لا نستطيع ان نتوقع من مثله خلقاً جميلاً وتضحية ووفاء بالعهد وما إلى ذلك من خصال حميدة» .
«والفقير المعدم الذي يشعر بضعفه وحطته أمام الآخرين ، يعاني دائماً من الضعف والقلق والخوف ، مما يفقده الكثير من استعداداته ونشاطه وحسن خلقه ، ومثل هذا الإنسان سيصبح إذا ما استغنى يوماً مغروراً عديم الشفقة والرحمة والحياء»(5).
«لقد أعلنت رابطة التعاون الوطني للطلبة الجامعين في كرّاس صدر عنها ان ألفاً من أصل مائة ألف طالب جامعي يعانون من أمراض نفسية ، فهم يشعرون في الأحياء الجامعية والمطاعم الخاصة بالجامعات وكأنهم داخل سجون مغلقة ، لأنهم يشعرون بالتبعية لها على الدوام من الناحية الاقتصادية ، أي أنهم في حالة انتظار مستمر لأموال تصلهم من ذويهم أو شيكات تأتيهم من أسرهم يؤمنون بها احتياجاتهم التي لا خلاص منها ، وهذا ما يجعلهم رغم ثقافتهم يتخلفون عن اولئك الذين تمتلئ جيوبهم بالمال من ناحية النمو الفكري. وشباب اليوم يرى في المال رمزا للإستقلال»(6).
ولا يخفى على أحد أن ثروة الآباء وأموالهم قد يكون لها مردود سلبي على الأبناء كما هو الحال بالنسبة للفقر والعوز ، فقد تسهم الثروة في بناء شخصية الشاب بشكل فاضح وسيء ، مما سيجعله امام مشاكل وعقبات كبيرة في مسيرته الحياتية.
فالجهلة من الآباء والأمهات ممن ينفقون ثرواتهم دون حساب إرضاء لميول ابنائهم، ويزرعون في نفوسهم روح الأنانية وعبادة الهوى والشهوات، ليس بمقدورهم ابداً ان يبنوا لأبنائهم شخصية حسنة ومسؤولة ، ويعدوهم إعداداً سليماً للتآلف مع مجتمعهم.
إن تبديد ثروة الأسرة بشكل عشوائي ، يشكل أخطاراً كبيرة على الأبناء ، وقد يزرع في نفوسهم روح التمرد والعداء وحب الشهوة والرذيلة والكسل والإسراف والكبر والغرور ، ونتيجة لكل هذه الصفات الذميمة يصبح الشاب عاجزاً عن تكيف نفسه مع محيطه الاجتماعي، وبالتالي فإنه يواجه موجة من الاستياء والنفور الاجتماعي .
قال تعالى في كتابه العزيز: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7].
وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام) : المال مادة الشهوات(7).
ومن العوامل الأخرى التي لا شك أنها تترك أثراً بالغاً في بناء شخصية الأبناء ، هي الصفات الأخلاقية للوالدين والمربين وسائر أفراد المجتمع. فالخشونة والليونة والنقمة والرحمة وحسن المعاشرة وسوء التعامل والشجاعة والجبن والسخاء والبخل والتواضع والتكبر وعزة النفس والتملق، وما إلى من صفات أخلاقية تجتمع في الأبوين، تنتقل بشكل ديناميكي إلى الأبناء وتؤثر كل التأثير في بناء شخصيتهم ونجاحهم أو فشلهم في التكيف مع المجتمع. كما تلعب الأساليب التربوية الأخلاقية التي ينتهجها المدير والمعلم والطلبة في محيط المدرسة ، والمرأة والرجل وعامة الناس في محيط المجتمع ، تلعب دوراً كبيراً في التأثير على الصفات الأخلاقية للطلبة وتكوين شخصيتهم ، فالمحيط بمعناه الواسع الذي يشمل البيت والمدرسة والمجتمع يعتبر قاعدة تكوين جانب مهم من شخصية الإنسان ، ويعود نجاح الإنسان أو فشله في التآلف الاجتماعي إلى الصفات التي يكتسبها من محيط الأسرة والمدرسة والمجتمع .
إن أولئك الذين يترعرعون في ظل تربية سليمة يوفرها لهم الآباء والأمهات والمربون الأكفاء ، ويتعلمون منهم الإيمان والصدق والتواضع والرحمة وحسن الخلق والتعامل، وبالتالي يكتسبون كل الفضائل الأخلاقية والصفات الحميدة ، تكون لهم شخصية تليق بهم كأفراد داخل مجتمعاتهم ، ويحظون بحب الناس واحترامهم وتقديرهم ، وغالباً ما يكون النجاح من نصيبهم في التعامل الاجتماعي العام.
قال تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96].
عن أبي جعفر الإمام الباقر (عليه السلام) قال : البِشرُ الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة وقربة من الله(8).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : التواضع اصل كل شرف نفيس ومرتبة رفيعة(9).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : من تألف الناس أحبوه (10).
وعن أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) قال : من كان رفيقاً في امره نال ما يريد من الناس(11).
أما أولئك الذين يترعرعون في ظل تربية خاطئة يوفرها لهم الآباء والأمهات والجهلة من المربين ، ويتعلمون منهم عدم الإيمان وسوء الخلق والقساوة والتكبر والأنانية والحرص والطمع ، ويكتسبون من محيطهم الاجتماعي الأخلاق الذميمة ، فإنهم يكونون من أصحاب الشخصية المريضة المنبوذة ، يستحقرهم الناس وينفرون منهم ، وغالباً ما يكون الفشل حليفهم في التعامل الاجتماعي العام.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ}[يونس:27].
الصفات الذميمة :
عن أبي جعفر الإمام الباقر (عليه السلام) قال : عبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت وبعد من الله(12).
وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه(13).
وعنه (عليه السلام) قال : من غلب عليه الحرص عظمت ذلته (14) .
والملاحظ من خلال ما ورد من أحاديث ان هناك تأكيداً على التحلي بالصفات الحميدة ونبذ الصفات الذميمة ، لتحقيق النجاح في التآلف الاجتماعي واكتساب مودة الناس وحبهم واحترامهم . فقد حرص أئمتنا الأطهار (عليهم السلام) على دعوة الناس من خلال برنامج تربوي متكامل يهدف إلى بناء الشخصية وحسن التآلف الاجتماعي ، إلى التحلي بفضائل الأخلاق والصفات ، محذرين إياهم من سوء الأخلاق ورذائل الصفات .
_________________________
(1) بحار الانوار 15 ، القسم 2، ص236.
(2) علم نفس النمو، ص419.
(3) سفينة البحار، فقر، ص379.
(4) نهج البلاغة، الكلمة311.
(5) البهجة، ص167.
(6) مجلة حقوق اليوم، السنة الاولى، العدد 6 .
(7) نهج البلاغة، الكلمة 55.
(8) بحار الأنوار، 17 ،164.
(9) المحجة البيضاء 6 ، ص 225.
(10) غرر الحكم ، ص 622.
(11) الكافي، ص120.
(12) بحار الانوار 17، ص164.
(13) نهج البلاغة، الكلمة 6.
(14) غرر الحكم، ص629.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|