أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-28
740
التاريخ: 2024-05-08
664
التاريخ: 2023-06-28
1277
التاريخ: 2024-07-12
551
|
غير أن «تحتمس الثالث» لم يكن قد كسر شوكة ملك «قادش» بعدُ؛ لأن شمالي سوريا كان لا يزال خارجًا عن سلطانه؛ إذ كان ملك المتني (النهرين) في ذلك الوقت المسمَّى «ساو ششتار» قد توغَّلَ في هذه الجهة، واستولى على مملكة «حلب» التي كانت إلى هذه اللحظة خاضعةً لحكم الخيتا؛(1)ولذلك نجد أن «تحتمس الثالث» قد اكتفى في هذه الحملة بما فتحه من أقاليم ونصب أمراء جددًا غير الذين ثاروا عليه، وقد اتبع مع هؤلاء الأمراء الجدد طريقةً تدل على بُعْد النظر في الاستعمار السلمي؛ إذ قد تركهم مدةً طويلةً يحكمون كما شاءوا ما داموا يدفعون الجزية السنوية بانتظام، بَيْدَ أنه ضمانًا لحُسْن نياتهم والوفاء بعهودهم صحب معه إلى مصر بكر ولد كلٍّ منهم، وأسكنهم في ناحية خاصة فخمة في «طيبة» في مكانٍ يُدعَى «القصر في طيبة»، وكان ينشئهم ويربيهم تنشئةً خاصةً تجعلهم يميلون كلَّ الميل بأرواحهم وأجسامهم إلى مصر والتفاني في خدمتها، وكان كلما خلا مكان أمير أو مات أحد الأمراء في تلك الجهات الآسيوية نصب «تحتمس» ابنه الذي تربَّى في مصر خلفًا له، وهذه هي نفس السياسة التي سار على منوالها الإنجليز في تربية أمراء الهنود في الكليات الإنجليزية، التي أُسِّست عن قصدٍ لتنفيذ هذا النظام، ونخصُّ بالذكر منها كليتي «أجمير» و«لاهور«. غير أن سياسة «تحتمس» ومن بعدها سياسة الإنجليز الذين اقتفوا أثرَه، لم تأتِ بالغرض المطلوب منها؛ لأن كلًّا منهما قد نسي أن التعليم يفتق الأذهان، وأن أول ما يستفيد منه الشخص هو حب الحرية والاستقلال، وهذا بعينه ما رأيناه بعد وفاة «تحتمس» ومَن اتبع هذه السياسة، فإن أولئك الأبناء الذين عادوا من مصر إلى بلادهم قد شقوا عصا الطاعة على مَن استعمر وطنهم، وهو نفس ما نجده اليوم مع الإنجليز وأولئك الأمراء الهنود، الذين يحاربون حتى النهاية لنيل استقلالهم في بلادهم ورفع النير الإنجليزي عنهم. وبعد أن تمَّ «لتحتمس الثالث» النصر على هذا الوجه، عاد إلى مصر بعد ستة أشهر من مغادرته لها، وهذه مدة قصيرة جدًّا إذا قيست بما أحاطها من المصاعب في تلك الأزمان السحيقة، بل تُعَدُّ سرعته في الواقع أعجوبةً؛ إذ ممَّا لا شك فيه أنه حتى في عصرنا هذا تُعَدُّ سرعةُ غزو بلادٍ كهذه والعودة منها بعد تنظيمها، من الأمور العظيمة، ولا بد أن المصريين قد شعروا أن «تحتمس الثالث» عندما عاد إلى مصر محمَّلًا بكل تلك الغنائم الهائلة، قد انتقَمَ لقومه انتقامًا أثلج صدورهم التي كانت تحترق غيظًا بسبب ما حاق بهم من الذل والخذلان في أيام سيادة الهكسوس، الذين ارتدوا بين أولئك الأمم الذين دحرهم «تحتمس»، وجعل بلاده الأولى بين دول العالم. ولا نزاع في أن الجملة المألوفة التي كان يستعملها كل فرعون لما قام به من جليل الأعمال، كانت جديرةً بأن تقال بحق عن أعمال «تحتمس الثالث» في غزوته الأولى هذه المنقطعة النظائر في تاريخ الحروب، وهي: «إذ لم يحدث مثلها قط في عهد الآلهة الذين سلفوا منذ الأزل «.
................................................
1- راجع: Meyer. “Gesch”., II. 11. § 125.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|