الإصلاح بين التاريخ والواقع..
مبادئ ثورة الإمام الحسين وانعكاساتها على المشهد السياسي العراقي المعاصر
شكلت ثورة الإمام الحسين بن علي عليه السلام في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة رمزا خالدا للثورات الإصلاحية على مر التاريخ في وجه الظلم والفساد والانحراف السياسي، لذلك أصبحت ثورة الإمام الحسين وأحياءها ثورة ضد الحكام والطغاة على مر العصور هذه الثورة التي لم تكن مجرد انتفاضة مسلحة أو صراع على السلطة، بل حركة إصلاحية أصيلة، عبر عنها الإمام الحسين في خطبته الشهيرة يوم عاشوراء بقوله "إني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله"
بهذه الكلمات، حدد الإمام الحسين جوهر ثورته وسقف مطالبها، وهي إصلاح المجتمع، وإعادة إحياء القيم الدينية، ومواجهة الانحراف السياسي والاجتماعي في المجتمع الذي استشرى في الدولة الأموية آنذاك، حيث تحولت السلطة إلى ملك لبني امية ، تمارس فيه مظاهر الفساد والاستبداد، وتهدر فيه حقوق الدولة و الناس وكرامتهم علناً.
إن ما يلفت الانتباه في هذا السياق، هو البعد الأخلاقي والإنساني العميق الذي رسخه الإمام الحسين حتى في أدق التفاصيل، ومنها موقفه من أصحاب الديون، حيث خاطب أصحابه ليلة العاشر من محرم قائلا "من كان عليه دين فهو في حل مني" هذه العبارة، وإن بدت بسيطة، إلا أنها تعبر عن وعي الإمام بحجم المسؤولية الفردية، وحرصه على ألا يكون لأحد دين في عنقه، حتى في أصعب اللحظات، وهو يعلم أنه مقبل على الشهادة.
ورغم مرور أكثر من أربعة عشر قرنا على هذه الثورة، إلا أن مبادئها لا تزال حاضرة في وجدان الأحرار، وتكتسب أهمية متجددة أمام الأوضاع السياسية الراهنة في العراق، الذي يعد امتدادا حيا لحضارة وادي الرافدين وموطنا لمرقد الحسين وأصحابه.
مع شديد الأسف، فان ما يشهده العراق اليوم من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، يعود في جزء كبير منه إلى استشراء الفساد داخل مؤسسات الدولة، وتورط اغلب الكتل السياسية المتنفذة بعد عام 2003 ( شيعية ، سنية ، كردية) في صفقات مشبوهة ونهب المال العام ووصل الامر حتى إلى التأمر والتخابر مع دول أخرى، وهو ما يتنافى كليا مع مبادئ الإصلاح التي ضحى من أجلها الإمام الحسين بل إن استغلال البعض لرمزية الحسين وثورته لأغراض سياسية ضيقة، في ظل غياب حقيقي لأي مشروع إصلاحي فعلي للبلد والمجتمع، يعد استخفافا بدماء الشهداء وبالقيم التي قامت عليها كربلاء.
إن استذكار كربلاء اليوم، يجب إلا يقتصر على الشعارات والمواكب فقط ، بل يتحول إلى مشروع وطني جامع يستلهم من ثورة الإمام الحسين معاني الإصلاح الحقيقي، ويواجه بجرأة ملفات الفساد وعلى الجميع الصغير منهم والكبير، ويعيد بناء مؤسسات الدولة على أساس الكفاءة والنزاهة والعدالة الاجتماعيةK وليس على مبدأ الانتماء والولاء الحزبي، كما يجب أن يدرك أبناء العراق، أن الإصلاح ليس مسؤولية الإمام الحسين وحده، بل هو مسؤولية كل فرد، وأن التاريخ لن يرحم من يتخاذل في مواجهة الفساد،
لم يرحم الإمام الحسين، أولئك الذين تواطئوا مع يزيد في الماضي أو الحاضر، ولن يرحم التاريخ أمثالهم. والمفسدون اليوم لا يملون من التفاخر زيفا بأن ما تحقق من مكاسب للمجتمع، مثل إحياء الشعائر الحسينية وغيرها، هو منجز يحسب لهم. ودائماً ما يروجون لفكرة أن برحيلهم سيعود النظام الدكتاتوري أو يظهر داعش من جديد كما حصل في عام 2014، في محاولة لتخويف الناس، وهي ذرائع لا تستند إلى أي حقيقة واقعية .
ومن خلال ذلك فمابين كربلاء الأمس وعراق اليوم، تقف الحقيقة واضحة لا إصلاح دون تضحيات، ولا كرامة دون مواجهة الفساد، ولا مستقبل دون أن نستلهم من الإمام الحسين موقفه الصارم من الظلم، ووعيه العميق بمسؤولية الإصلاح. فهل يكون العراقيون على قدر هذه المسؤولية أم سيبقى الفساد مستشريا باسم الحسين، والحسين منه براء.
أ . م . د . حميد ابولول جبجاب
جامعة ميسان / كلية التربية الأساسية







وائل الوائلي
منذ 5 ساعات
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN