بقلم : الشيخ عباس الاسدي
بعدَ أنْ ضَحَّتْ كربلاءُ الشَّهادَةِ بقَرابينِ القَدَاسَةِ، بدأَتْ مَسيرَةُ الشموخِ تحمِلُ معَها ذكرياتِ الأحبّةِ ...حيثُ النُّخبَةُ المختارةُ مِنَ اللهِ لتروي أرضَ كربلاءَ بدمائِها الزَّكيّةِ، لتَحيا بها الأمّةُ مِنْ جَديدٍ بالعِزّةِ والإباءِ ...نَعَمْ بدأتْ مَسيرَةُ الدُّموعِ التي أقضَّتْ مضاجعَ اللئامِ وأركعَتْ السَّلاطينَ والحُكّام .. لم تَكُنْ مَسيرةً عابِرَةً يتحكَّمُ بِها جلاوِزَةُ الشَّيطانِ، بَل كانتْ مدرسةً تَخرُجُ مِنها ينابيعُ الحِكمَةِ مِنَ العَقيلَةِ زينبَ عَليها السَّلامُ تارةً وأُخرى مِنْ زَينِ العِبادِ، تلكَ الخُطَبُ البَليغَةُ الرَّنَّانَةُ التي فَضَحَتْ كُلَّ مُخطَّطاتِ الدولةِ الأمويّةِ، وكشفَتْ الواقعةَ على حقِيقَتِها، فما مِنْ مَوضِعٍ أو مَكانٍ وَصَلُوا إليهِ إلّا وكانتْ للعِترَةِ الطاهِرَةِ خُطَبٌ تُبَيّنُ تلكَ الواقِعةَ الأليمَةَ والفاجِعَةَ الكبيرةَ، وما جَرى على سيّدِ الشُّهداءِ، وما أنْ يَسمَعَ النّاسُ واعيةَ الحُسينِ عليهِ السَّلامُ إلا وذُرِفَتِ الدُّموعَ وانهالَتْ على الوَجَناتِ ... نَعَمْ.. هذا حالُ الرَّكبِ الحُسينيِّ الثائرِ مِنْ كربلاءَ الشَّهادَةِ الى الكُوفَةِ حتى الشَّامِ، حيثُ الشيطانُ الأكبرُ يزيدُ اللعينُ، وهُناكَ كانتْ الهزيمةُ وانتصارُ الدَّمِ على السَّيفِ، فقَدْ قَلَبَتْ مولاتُنا زينبُ عَليها السَّلامُ الموازينَ على السُّلطَةِ الحاكِمَةِ الخارِجَةِ على إمامِ زَمانِها، فعَرَّتهُم وعَرَّفَتْهُم صِغَرَ قَدرِهِم عندَ اللهِ، وأنَّهُم أصغرُ مِنْ أنْ يمحُوا ذِكرَ الآلِ، فقالَتْ قولَتَها السماويّةَ وكأنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ يتكلَّمُ فأسمَعَتِ الحاضرينَ، وبَقيتْ خِطبَتُها تُدَوّي عِبرَ العُصورِ :(فكِدْ كيدَكَ، واسْعَ سَعيَكَ، وناصِبْ جَهدَكَ، فوَ اللهِ لا تمحُو ذِكْرَنا، ولا تُميتُ وَحيَنا) ... وها هُوَ الرَّكبُ الحُسينيُّ يَسيرُ مِنْ جَديدٍ على دَربِ الشَّهادَةِ مِنْ كُلِّ بقاعِ العالمِ تَهوي قُلوبُهُم الى قِبلَةِ العُشّاقِ كربلاءَ التضحيةِ (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) نَعَمْ.. تسيرُ القُلوبُ نحوَهُم قَبلَ الأرجُلِ يسيرُ الرَّكبُ والدُّموعُ مُنهَمِرَةً على وَجَناتِهِم مُستَذكِرَةً تلكَ المَسيرةَ الأليمَةَ الخالِدَةَ التي صَحَّحَتِ المَسارَ، وأصبَحَتْ مناراً لكُلِّ الأحرارِ، وأنارَتْ الطريقَ للعاشِقينَ نحوَ قِبلَةِ الأحرارِ نحوَ الحُسينِ عَليهِ السَّلامُ .