بقلم : حسن الجوادي
سألَ عليٌّ الشابُّ جَدَّهُ الحاجَّ سَعيداً، قائِلاً:
أخبِرْني يا جَدُّ عَنْ زِيارَةِ الأربعينَ، ولِـمَ تَسيرُ الناسُ في كُلِّ عامٍ أفواجاً إلى كربلاءَ؟
:- اجلِسْ يا بُنَي، إنَّ كربلاءَ حَديثُ الدُّموعِ والآهاتِ.. حديثُ المَجدِ والكبرياءِ والعَظَمَةِ.. حديثُ الارتقاءِ والتّكامُلِ..
ما تَراهُ مِنَ الأفواجِ البَشَريّةِ الذاهِبَةِ نحوَ كربلاءَ.. أُولئكَ هُم العَطاشى الذينَ يذهبونَ كُلَّ عامٍ للارتواءِ مِنْ فَيضِ الإمامِ السِّبطِ الشهيدِ.
يا جَدُّ، إنَّ الحُسينَ (عليهِ السَّلامُ) استُشهد عَطشاناً، فكيفَ يذهبونَ للارتواءِ مِنهُ؟!
:- نَعَمْ يا حَبيبي عَليّ، إنَّ الحُسينَ (عليهِ السَّلامُ) يُذهِبُ بظَمَأ القلوبِ، فَما إنْ تَدخُلَ إلى ضَريحِهِ المباركِ حَتّى تشعُرَ بالارتياحِ والانشراحِ، ثُمَّ تتذكَّرُ مُصيبَتَهُ الراتبةَ التي بَكَتْ لَها السماواتُ والأرضُ، فتدمَعُ عيناكَ ويخشَعُ قلبُكَ، وكأنَّكَ في عالمٍ آخَر.
:- يا جَدُّ، ولِـمَ يسيرُ الناسُ ويقطعونَ كُلَّ هذهِ المسافاتِ؟!
:- يا عَليّ، إنَّهُم يسيرونَ لأهدافٍ كثيرةٍ.. كُلُّ شَخصٍ وِفقَ ما يُدرِكُ وما يَعقِلُ في هذهِ النهضَةِ الخالدَةِ؛ فمنهم مَن يأتي ليستذكِرَ ما جَرى على الحُسينِ (عليهِ السَّلامُ) وعِيالِهِ..
وَمِنهُم مَن يأتي ليتغيّرَ نحوَ الأفضلِ، فمَنْ قَبِلَ الحُرَّ في رِكابِهِ يَقبَلُ كُلَّ المُذنبينَ الذينَ يطلبونَ التَّوبَةَ النصوحَ بمنزِلَتِهِ عندَ اللهِ تَعالى..
ومِنهُم مَن يأتي قاطعاً كُلَّ هذهِ المسافةِ بحثاً عَنِ الثّوابِ والأجرِ العَظيمِ..
ومِنهُمْ مَن يأتي شَوقاً لزيارَةِ الإمامِ (عليهِ السّلام) ولا رغبةَ لَهُ في أيِّ شيءٍ آخرَ..
إنَّ دوافعَ الزائرينَ نَحوَ الإمامِ الحُسينِ (عليهِ السَّلامُ) مُتعدِّدَةٌ، ولكنْ يجمَعُها في النهايَةِ الدافعُ المغروسُ في فِطرَتِهِم، الذي عَبَّرَ عَنهُ النبيُّ الأكرمُ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) بقولهِ: (إنَّ لقَتلِ الحُسينِ حَرارةً في قُلوبِ المؤمنينَ لا تبرُدُ أبداً).
:- أُقسِمُ باللهِ يا جَديَّ، إنَّ هذهِ الحرارةَ في صَدري، وأشعُرُ بِها كُلَّما مَرَّ ذِكرُ الإمامِ الحُسينِ (عليهِ السَّلامُ)، وكُلَّما دَخلتُ إلى كربلاءَ.
نَعَم، إنَّها الحرارةُ التي تقودُ جميعَ الزائرينَ نحوَ قَبرِ الحُسينِ (عليهِ السَّلامُ) وأخيهِ قَمَرِ العَشيرةِ العَبّاسِ بنِ عَليٍّ (عليهِ السَّلامُ).
إنَّها الحرارةُ التي تفتَحُ آفاقَ المؤمنِ نحوَ السَّماءِ، وتُقَرِّبُهُ مِنَ اللهِ تَعالى، كي يَصِلَ الى غايتِهِ التي أوجَدَهُ اللهُ تعالى مِنْ أجلِها.