إلى هدى كتاب الله

بقلم: آية الله الشيخ لطف الله الصافي الگلپایگاني "رض"

 

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [آل عمران: 103].

{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30]

" إذا التبسَتْ عَليكم الفتنُ كقِطَع اللَّيل المُظلم فعليكم بالقُرآن"[1].

هل نحن مسلمون ؟

هل نحن مؤمنون ؟

هل نتلو القرآن حق تلاوته ؟ هل نؤمن به ونستعذب حيـاض مـعارفه وتعاليمه ؟ هل اتخذناه منهاجاً لدنيانا وآخرتنا نحكمه في قضايانا الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، ومصدراً لأنظمتنا، ونظاماً لأمورنا ؟

أخي المسلم : إنك إن كنت تريد استعادة مجدك الذاهب، مجد آبائك وأجدادك ، إن كنت تريد النصر والغلبة على أعداء أمتك ، وإن كنت تريد النجاة بنفسك، وإنقاذ أبناء أمتك من هذه الشبكات التي حاكتها يد الاستعمار ونشرتها في بلادنا ومدارسنا وكلياتنا وأسواقنا، وحتى في بيوتنا ، وإن كنت مــن طـلاب الصلاح والإصلاح والفوز والفلاح، فتعال، تعال لنتمسك بحبل القرآن، نهتدي بهداه، ونستضيء بنوره، ونعيش في ظلاله بأمن وطمأنينة، ونستشفـي بـه مـن أدوائنا ، ونستعين به على لأوائنا، ونرتله ترتيلاً.

إننا يا أخي مسؤولون غداً عند الله تعالى عن هذا القرآن في محكمته العادلة: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ  إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89] وسيخاصمنا نبينا (ص) إذا كنا من الذين نبذوه وراء ظهورهم، يحتج علينا بكل آية من آياته ويحاكمنا على كل حكم أهملناه من أحكامه.

إن داء المسلم المعاصر ليس إلا في تركه العمل بالقرآن، والاكتفاء باسم الإسلام مسجّلاً على بطاقة هويته، محققاً بذلك قول الرسول الصادق الأمين " سيأتي زمان على أُمتي لا يبقى من القرآن إلا رسمه ولا من الإسلام إلا اسمه ؛ يسمون به وهم أبعد الناس منه"[2].

إنني أدعوك أيها المسلم لأن ننظر بعين البصيرة إلى الآيات التالية ، كرر، وأعد ، ثم أعد تلاوتها ، وتفكّر ثمّ تفكر في معانيها وما تستهدفه من أغراض حكيمة وتعاليم سامية، ثم عرّج بالنظر إلى واقع عالمنا الإسلامي، وإلى النظم الاجتماعية في بلاد المسلمين، فهل تجد بلداً طبّق هذه الآيات ، أو بعضها فيها كمنهاج للحياة في نظمه الاجتماعية أو السياسية أو مناهجه التثقيفية أو التربوية ؟

أنا لا أقول بأنك لم تسمع الآيات التي سأتلوها عليك، بل لاشك أنك قد قرأتها كثيراً في صباحك ومسائك، وفي شهر صومك ، وعند دعائك، وحينما أردت استكثار الثواب بقراءة كتاب الله تعالى، ولكن مجرد القراءة لا يكفينا، ولا ينجينا إذا نحن لم نتفهم معانيه ومقاصده ولم نأخذ بمضمون ما نقرأ، ولم نعمل بأوامره، ولم ننزجر بزواجره.

إن الغاية من نقلها إليك أيها الأخ المسلم إنّما هي محاولة الاستفادة من تعاليمها السامية ؛ علها تشحذ في الهمّة وتقوّي عزائمنا، وتدفعنا إلى العمل على ضوئها ؛ لنعيد بناء مجدنا وعظمتنا ، ونترفع بأنفسنا ـ التي أراد الله لها أن تظل كريمة عزيزة ـ عن الإعتساف في الشهوات التي أدت بنا إلى هذا السقوط ؛ ممّا جعل أعداءنا يغزوننا في عُقر دارنا بعد أن كانوا هم هدفاً لغزونا لهم في عقر دارهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

قال الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } [المجادلة: 22].

{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء: 144].

{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].

{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 19].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [التوبة: 123].

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10].

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59].

{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران: 149].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38].

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].

{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].

{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].

{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31].

{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34].

{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2].

{ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].

{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].

{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135].

{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 113].

{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41].

هذه الآيات ومثيلاتها - ممّا تضمَّن تحديد السلوك العام للإنسان المسلم والأمة المسلمة - تعرفها أنت ويعرفها كلّ مسلم غيرك ؛ ولكن أين هو التطبيق؟

اقرأ القرآن كتاب الله ودستور دينك الذي تعتقد في قرارة نفسك أحقيته بالاتباع، وقف عند كل آية من آياته بتدبّر ، ثم قارن بين ما تضمنته من أمر أو نهي وبين سلوكك أنت وسير النظام في بلدك وطريقة حياة قومك، فهل تجد في كافّة هذه الجهات من يأخذ بها ، أو يبني مسلكه في الحياة على هداها ؟

بل إنك لن تجد غير الانفصال التام في حياتك ونظام حكومتك وسلوك مجتمعك عنها، لا بل سوف تجدها خارجة عن نطاق دنياك ، وكأنها لا تعنيك ولا تقصدك في الخطاب.

أجل، إنني أكرر الطلب لمبادرة قراءة هذه الآيات، ثم البحث في مطاوي تاريخنا الإسلامي ، فهل تجده قد تحدّث في عصر من عصور أمّتنا السالفة عن جيل اتخذ القرآن مهجوراً كما اتخذه أبناء جيلنا في عصرنا وزماننا هذا؟

لعن الله العلمانية ومن جاء بها، ومن سنّ شرعية هذا المبدأ الخبيث الذي قلب الإسلام ظهراً لبطن.

تعال معي لنتجول في أسواق المسلمين، فنرى أن أكثر ما يباع فيها سلع مستوردة من الأعداء، وأكثرها ممَّا لا ضرورة في بيعها ولا في شرائها، بل منها ما له خطر الأثر على مقومات وجودهم وأخلاقهم ، كأنواع الخمور وآلات اللهو وأدوات القمار. ثمّ لِنُعرّج معاً على معاهد العلم ومدارسه وكلياته، حيث لا نرى فـي مناهجها وأساليب تعليمها إلّا ما يدفع الشباب إلى الانحراف عن العقائد الصحيحة، ويشوّقهم إلى ترك الالتزام بالآداب والتعاليم الإسلامية، وما ذلك إلا لأنها من وضع أعداء الإسلام والمتربصين به وبأهله الدوائر.

ثم لتلق نظرة على ثكنات الجيش ومراكز القوات المسلحة في البلاد الإسلامية ومحافل موظفي حكوماتها ، لنرى أن أعظم شعار إسلامي وهو الصلاة لا تقام في أوقاتها بينهم.

ثم انظر إلى الشوارع والأزقة والأسواق، لتراها غاصة بأفواج النساء المتبرجات السافرات العاريات تقريباً ، وهن يزاحمـن الرجـال بالمناكب والصدور، وفي ذلك ما فيه من إغراء للشباب ودفعه إلى هاوية الرذيلة وانعدام الرجولة، مما يؤدي حتماً إلى انهيار المجتمع و دماره و تفككه.

وهيا لنذهب ونراقب ما يجري في قاعات البرلمان ومجالس الأمة ونصغي إلى ما يطرحه أعضاؤها من مشاريع وقرارات، لنرى كيف يسوغون لأنفسهم حق التشريع والتقنين حتى على خلاف أحكام القرآن وضد مصالح المسلمين؟!

ولا تغفل يا أخي عن استعراض أراضينا المغتصبة من وطننا الإسلامي، وخصوصاً الجزء المقدّس منها، أعني أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فهل ترى من سبب لبقائها في أيدي الأعداء إلّا اختلاف الرؤساء المتغلّبين على بلاد المسلمين، وتفرّقهم وعدم اعتصامهم بحبل الله ؟ وهل تجد لهؤلاء من عذر الله تعالى في تنصيب كلّ واحد منهم نفسه رئيساً أو أميراً أو سلطاناً أو ملكاً على مجموعة من المسلمين في بقعة من بقاع وطننا الإسلامي الكبير، من غير أن يتنازلوا عن هذه العروش المصلحة الإسلام واجتماع كلمة المسلمين ووحدتهم، تحقيقاً لقول النبي الأعظم "وهم يد على من سواهم"[3]، حـتـى غــدا العالم الإسلامي موزعاً إلى دويلات ضعيفة واهية مشتقة متباعدة في المشارب والأهواء والسياسات؟!

فهذه عميلة لأمريكا، وتلك تعمل لمصلحة روسيا، هذه تقتل الفدائيين وتريد اجتثاثهم من الأرض، ومن كانت حاله أحسن منها في ذلك تترك نصرتهم بحجة أنها بعيدة عن منطقة المعركة، أو بدعوى ضعف إمكاناتها العسكرية والهجومية، إلى غير ذلك من الترهات والأباطيل.

ولقد أصبح المسلمون - ويا للأسف الشديد ـ في كافة مظاهر حياتهم وعاداتهم وأوضاعهم مقلدين لأعدائهم، ولو كان هذا التقليد فيما ينفع لكان نعمة وهو ليس بمعيب، إذ أنّ الأمم العاقلة هي التي تقتبس عن مثيلاتها كلّ مـا تـراه صالحاً لها، ولكنّ الذي اقتبسناه نحن عن الأجنبي من عادات وتقاليد أكثره يكمن فيه الضرر إن لم يكن جميعه كذلك.

فبالله عليك يا أخي قل ، وليكن قولك الحق ، أنحن في أكثر عاداتنا ومظاهر حياتنا وقوانين حكوماتنا مسلمون، أم أننا في وادٍ و تعاليم ديننا ومفاهيمه فــي واد آخر؟

ولن أتعرض لما عليه صحافتنا وسائر وسائل إعلامنا ، فإن ما هي عليه من الفساد وسوء الأخلاق والتشجيع على الدعارة، والدعوة إلى الخلاعة، والاستهتار بالقيم، والحثّ على الإلحاد ، كلّ ذلك أمر بديهي لا يحتاج إلى برهنة.

ومن أشدّ أمراضنا: مرض النفاق، إذ أنّنا نقول بإذاعاتنا ومآذننا وأثناء صلواتنا : "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله ، وعبده ورسوله"، مع أننا خارجون عن سلطان دين الله وسلطان أحكامه، متمسكون بالمناهج الكافرة الداعية إلى الشرك أو الإلحاد، نقرأ القرآن، ونردّد في مفتتح كل سورة "بسم الله الرّحمن الرّحيم"؛ إلّا أنّ منّا من يُردّد ويهتف في افتتاحية مقاله وفي الكتابات الرسمية وغيرها باسم سمو الأمير ، أو فخامة الرئيس، أو جلالة الملك والسلطان، غير آبهين بما أمرنا الله تعالى بالأخذ به، وجعله شعاراً لهذه الأمة ، أمّة التوحيد ، من الابتداء باسمه المجيد.

الله أكبر ! ما أبعدنا عن مفاهيم الإسلام وتعاليمه ! ما الباعث لنا يا ترى على قبول الذل والصغار تجاه عبد ذليل مثلنا، مع أننا نسمع قول الله سبحانه ونردّده {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 64]، نؤمن لرسالة رسول الله محمد (ص)، لكننا مع ذلك لا تتبع ما جاء به من عند الله ولا نتأسى به، ثم نأخذ بمبادئ أعدائنا ، فإذا لم يكن ذلك من النفاق، فما معنى النفاق إذن ... ؟!

اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك مما نحن فيه من ضلال ماحِقٍ لعزّنا ، دافع لنا إلى نسيان ديننا وكتابنا وسنّة نبينا.

ميلاد جديد

أجل ، إنه لا ريب ولا شكّ في تحقق جميع ما تقدم ممَّا نحن عليه ، إلا أنّ المسلمين أو أكثرهم من الواعين قد أدركوا داءهم، وعرفوا دواءهم، ولولا نفوذ عالمنا بعض المفاهيم الاستعمارية، والدعاية الشديدة لها في عدة أقطار من عالمنا الإسلامي بمختلف الأساليب الخداعة، ولولا سيطرة بعض الرؤساء والزعماء ممن أعمى أبصارهم الجاه وحبُّ الرئاسة، ولولا هذه التمزقات الإقليمية، والعصبيات العنصرية والقومية، التي وزّعت عالمنا الإسلامي ، وحالت بين كـلّ إقليم وإقليم آخر ، لولا كلّ ذلك لكان المسلمون اليــوم عـلى هامة التاريخ يعيشون في عالم كله نور، وفي مدنية علمية وصناعية هـي أرقى من جميع المدنيات.

وإننا ليحدونا الأمل رضوخاً لقول الله سبحانه : {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: 87]، {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53]، بانبعاث نهضة إسلامية واعـيـة عـلـى أيدي رجال مجاهدين، قد توزعوا هنا وهناك من بلاد المسلمين، وآلوا عـلـى أنفسهم أن يعيدوا الإسلام إلى واقع المسلمين، ويدفعوهم إلى طريق إعادة مجدهم الإسلامي الزاهر، وبناء مجتمعنا على دعائم العقيدة الإسلامية الحقة، والوقوف صفاً واحداً في وجه نوايا الاستعمار الخبيثة.

وإننا لنجد في كلّ قطر رجالاً مجاهدين قد ثاروا على الباطل، وتنبّهوا لأحابيل الاستعمار ، ووقفوا في وجه كلّ دعاية أجنبية تهدف إلى النيل من قداسة الإسلام وعزّ المسلمين ووحدتهم.

ولقد قام الاستعمار من جانبه، مستعملاً كل ما لديه من قوة سياسية ومادية لإبادة هؤلاء الأبطال والتضييق عليهم ومطاردتهم، يساعدهم على ذلك أعوانهم وعملائهم ؛ ذلك لأنه يعلم بأنّ عمل هؤلاء المصلحين الدائب سوف يؤدي إلى تيقظ المسلمين، وبالتالي إلى وحدتهم ولو سياسياً، وذلك من أعظم الموانع دون تحقيق نواياه الخبيثة فيهم ، إلّا أنّه بعون ال الله سيفشل في العاقبة، وستفشل أحابيل الصهيونية المتمثلة بإسرائيل والدول المؤيدة لها والمنفقة عليها ، فإنّ الحق لابد وأن ينتصر في النهاية على الباطل مهما طال الأمد، والله ينصر من ينصره.

والوصول إلى الغاية لا يتم إلا بالدعوة إلى الجهاد المتواصل، والعمل على إعادة مناهج الإسلام وإرشاداته ، وإلى واقع حياتنا الاجتماعية والسياسية، وذلك لا يتم إلا باشتراك الباحثين والكتاب المسلمين ومفكريهم ومصلحيهم في علاج جميع المشاكل، وبيانها لأبناء أمتهم، وعرض مفاهيم الإسلام وأساليبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها بأشكال واضحة ومفهومة لعموم المسلمين ؛ حتى لا ينخدع الجهلة بهذه الحقائق بالمبادئ الكافرة والنظم المستوردة، وللصحافة أكبر الأثر في القيام بهذا الواجب ونقل الأفكار الإسلامية إلى أبناء المسلمين.

ولا يخفى حاجتنا اليوم إلى دعاية إسلامية عالمية جامعة، تبلغ رسالات الإسلام في جميع نواحي الحياة إلى جميع الأجيال والأمم المعاصرة، وتعرض على العالم الإسلامي مشاكل المسلمين في كلّ إقليم من أقاليمهم، وتطلب من الجميع العمل على معالجة تلك المشاكل، وتشرح لجيلنا المعاصر ، سيما الشباب والطلاب والطالبات أهداف الإسلام وغاياته، وتقوم بالدفاع عن قداسة الإسلام ودفع شبهات المستعمرين عنه .

إنا نعلم يقيناً أن العالم سيلجأ إلى الإسلام ، ويقطع رجاءه وأمله عن الأفكار المادية والبرامج البهيمية الشرقية والغربية ، فقد ظهر عجز تلك المذاهب عن حلّ المشاكل الإنسانية، بل شدّدتها وكثّرتها هذه المذاهب التي لا ترى هدفاً للحياة، ولا ما يعانيه البشر في هذه البسيطة، ولا تفسّر لوجودنا وبقائنا هنا تفسيراً معقولاً مرضياً تطمئن به النفوس، وتسوق نحو العمل والحركة.

فهذا من خواص المذهب المادي أنه لا يعرف لهذا العالم مفهوماً معقولاً، ومعنى صحيحاً، وقصداً وهدفاً، ويوماً بعد يوم تجرب البشرية، وتذوق مرارة الأفكار والمذاهب التي بنيت على هذا الأساس، وتدرك أنها لا تشبع الإنسان، ولا يقنع الإنسان بها.

ولا شك أن الإسلام هو الدين الوحيد والرسالة الفــرد الـذي يـحـل كـلّ المشكلات، ويفسّر كلّ ما في العالم تفسيراً معقولاً، ويقوي في النفوس حبّ العمل والخير والإحسان والتضحية دون الحق والعدالة.

إذن فعلى عاتق الجيل الحاضر - سيما العلماء والكتاب والمثقفين والشبان ـ مسؤولية كبيرة ؛ لأنّ العالم يسير إلى نقطة لابد له من الالتجاء إلى الإسلام، وذلك لا يحصل إلا بالبلاغ المبين، وعرض الإسلام بمبادئه ونظمه للجيل الحاضر.

فاليوم الإسلام بحاجة كبيرة إلى تبليغ أهدافه وتعاليمه وإرشاداته ، كما أنّ العالم بحاجة ملحة إلى الإسلام وحكومته ونظامه.

فالمستقبل للإسلام، و { إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

[1] الكافي: ج ٢ ص ٥٩٩.

[2] ثواب الأعمال: ص ٢٥٣.

[3] الكافي: ج ١ ص ٤٠٣، ٤٠٤.

لا تَصحَبِ المائقَ فإنّهُ يُزيِّنُ . .
أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لله أَلاَّ . .
القديس أنسلم (1033م ـ 1109م) ..قراء . .
عقيدَتُنا في المَعادِ الجِسمانيِّ . .
أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّه . .
مظاهر التطرف الاجتماعي . .
جدلية تأثُرْ النحو العربي بالمنطق و . .
لا تَجعَلُوا عِلمَكُم جهلاً، ويَقين . .
صندوق المستقبل . .
عقيدَتُنا في المَعادِ الجِسمانيِّ . .
عقيدَتُنا في حَقِّ المُسلِمِ على ال . .
عقيدَتُنا في البَعثِ والمَعاد . .
كَمْ مِن مُستدرَجٍ بالإحسانِ إليهِ، . .
عقيدَتُنا في الدَّعوةِ إلى الوَحدَة . .
الْبُخْلُ عَارٌ، وَالْجُبْنُ مَنْقَ . .
المَبعَثُ النّبويُّ الشّريفُ . .
المزيد

ENGLISH

بحث في العناوين     بحث في المحتوى     بحث في اسماء الكتب     بحث في اسماء المؤلفين

القرأن الكريم وعلومه
العقائد الأسلامية
الفقه الأسلامي
علم الرجال
السيرة النبوية
الاخلاق والادعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الأدارة والاقتصاد
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الزراعة
الجغرافية
القانون
الإعلام