بقلم: آية الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي.
هناك كلامٌ عذبٌ لأفلاطون يقول فيه: "كنتُ أنهلُ من العلوم الأخرى لكي أرتوي، لكنّني ارتويت في العلم الإلهي من دون أن أنهل"
ففي العلوم الأخرى، إذا طالع الإنسان كتاباً، وأجْهَدَ نفسَه في فهم مسائله، فإنّه يلتذّ بنفس ذلك المقدار، شأنه في ذلك شأن الذي يبحث عن الماء، فيستخرج مقداراً منه ويشربه، فيلتذّ من ذلك
وأمّا في المعارف الحقيقيّة، فإنّ الارتواء يحصل للإنسان من دون أن يُجهد نفسه في الكتب وتحصيل الدروس وفهم اصطلاحات العلوم الحصولية والتعرّف على المفاهيم الذهنيّة و....
نظير الذي يُريد أن يشرب في الجنّة من ماء الكوثر، فإنّ شربه يحصل من دون تعب ولا جهد...
فالنتائج الحاصلة من أتعابنا مؤقّتة، وأمّا الألطاف الحقيقيّة، فهي التي يحصل عليها الإنسان من موضع آخر، وذلك لا يتأتّى له إلّا إذا كان ذا قلب طاهر، فجنود الله يُنزلون الفيض بشكل دائم، وهم يشترطون في ذلك وجود قلب طاهر ومهذّب
لكن للأسف، نحن الذين نسعى على الدوام لإثقال كواهلنا بالأحمال، مُسلّين أنفسنا بالعلوم الحصولية والمدرسيّة، وشاغلين إيّاها بهذا النحو في البحث والتنقيب، لعلّ الأرض تجود علينا بقليل من الماء
إلّا أنّنا لا نبذل الجهد في المقابل، لكي يتدفّق علينا من الأعلى كوثر العلم الإلهيّ، والذي يحصل من خلال الجهاد الأكبر، وهو من الأمور التي تشقّ علينا كثيراً، وذلك لأنّنا لا نقدر على حفظ أنفسنا في صلاة ذات ركعتين، مع أنّها لا تتطلّب إلّا خمس دقائق كحدٍ أكثر!