لم يَكُنِ الإمامُ الحُسينُ –عليهِ السَّلامُ- قائداً استغلاليّاً، وإنّما كانَ يستَقطِبُ الأنصارَ بناءً على قناعاتِهِمُ الشَّخصيّةِ؛ فَهُوَ لا يضمِرُ أيَّ شيءٍ مِنَ الحقائِقِ أمامَ أنصارِهِ ولهذا دعا أبناءَهُ وأبناءَ عمومَتِهِ وأصحابَهُ الى الابتعادِ عَن هذهِ المواجَهَةِ التي سيكونُ فيها مقتولاً؛ لأنَّ الأعداءَ إنّما يطلبونَهُ ولَو ظَفروا بهِ فسيذهَلونَ عَن غيرِهِ، لهذا هُوَ يطلبُ مِنهُم بأنْ يتَّخِذوا مِنَ الليلِ جَمَلًا فيُغادِروا بعيداً عَن أنْ يكونوا ضحيّةَ هذهِ المواجَهةِ.
غيرَ أنَّ عائلتَهُ وأبناءَ عمومَتِهِ وأصحابَهُ رَفضوا ذلكَ وقَالوا لَهُ ما أقبحَ العَيشَ بعدَكَ أبا عبدِ اللهِ، فإنَّنا نموتُ دُونَكَ ونفوسُنا دونَ نفسِكَ.
والعِبرَةُ والدّرسُ هِيَ في القيادَةِ الصّادقةِ والمُخلِصةِ التي يتحلّى بِها سيّدُ الشُّهداءِ الإمامُ الحُسينُ –عليهِ السّلامُ- فلَم يكُنْ مُحتَمِياً بأحدٍ، وإنَّما كانَ يحمِلُ هَمَّ المواجَهَةِ ولا يرغَبُ بأنْ يرى فرداً يتعرَّضُ للأذى.
والدرسُ الآخَرُ هُوَ: صِدقُ الأنصارِ مِن عائلَتِهِ وأصحابِهِ؛ فكانُوا يحملونَ هَمَّ قائدِهِم الحُسينِ –عليهِ السّلامُ- وينظرونَ الى قيمةِ الحياةِ في ظِلِّ وجودِهِ، وبِزوالِهِ لا تَبقى أيُّ قيمةٍ للحياةِ من دونِهِ؛ لأنّهُ بنظرهِم رمزُ العَدلِ والإيمانِ، والنموذجُ الذي يسيرونَ في ضوءِ هَديِهِ، فإذا كانَ وجودُهُ في خَطَرٍ فإنَّ المُبادَرةَ الى الدّفاعِ عنهُ واجِبٌ مُقدّسٌ ولا خيرَ في العَيشِ بعدَهُ.