x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

تاريخ الامريكتين

دولة الامام علي (عليه السلام)

المؤلف:  باقر شريف القرشي

المصدر:  حياة الامام الحسين ببن على (ع)

الجزء والصفحة:  ج2، ص 99- 111

25-9-2018

2689

أفول دولة الحق

وليس في تاريخ هذا الشرق ولا في غيره حاكم كالإمام امير المؤمنين (عليه السلام) في عدله ونزاهته، وايثاره للحق على كل شئ، فقد كان - فيما اجمع عليه المؤرخون - لم يخضع لاية نزعة عاطفية، ولم يستجب لاي هوى مطاع، وانما سار على الطريق الواضح، والمنهج السليم الذي سلكه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يحاب، ولم يداهن في دينه، وتبنى النصح الخالص لجميع المسلمين، وقد حاول جاهدا ايام حكومته ان يرفع راية الاسلام، ويحقق مبادئه التي كان منها رفع الحيف والظلم، ومنع الاستغلال، وازالة الفوارق بين ابناء المسلمين وكان من اعظم ما عنى به وضع اموال الدولة في مواضعها فلم ينفق اي شئ منها الا على مرافقها التي عينها الاسلام، وما تاجر بها ، ولو اشترى بها العواطف والضمائر - كما كان يفعل معاوية - لما تنكر عليه النفعيون في جيشه كالأشعث بن قيس وغيره من اقطاب الخيانة والعمالة .

لقد احتاط في اموال الدولة كاشد ما يكون الاحتياط، واجهد نفسه وحملها من امره رهقا من اجل أن يبسط العدل الاقتصادي بين الناس ، يقول عبد الله بن رزين :

دخلت على علي يوم الاضحى فقرب، إلينا حريرة ، فقلت له :

اصلحك الله لو قربت إلينا من هذا البط فان الله قد اكثر الخير ، فقال :

يابن رزين سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول :

لا يحل لخليفة من مال الله الا قصعتان قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين يدي الناس (1) وقد نقم على سياسته كل من استسلم لدوافع المادة وشهواتها، فراحوا يعملون جاهدين للاطاحة بحكومته، وتشكيل حكومة تضمن مصالحهم الاقتصادية والسياسية .

ومن المؤكد ان الامام كان يعلم كيف يجلب له الطاعة، وكيف يبسط سلطانه ونفوذه على اولئك الذين نقموا عليه، ولكن ذلك لا يتم الا بان يداهن في دينه فيوارب ويخادع ويعطي المال في غير حقه، فيكون كبقية عشاق الملك والسلطان، ومن الطبيعي ان الانحراف عن الحق، والمتاجرة بمصالح الامة مما ياباه علي وتاباه مثله العليا، فلا السلطة تغريه ولا اجتماع الناس حوله تزيده عزة، ولا تفرقهم عنه تزيده وحشة كما كان يقول .

لقد كان الامام يؤمن ايمانا خالصا بالدين، ويرى من الضرورة أن يكون هو المسيطر على قلوب الناس وتفكيرهم، وان لا يكون هناك اي ظل للمنافع والاهواء، ومما لا شك فيه ان هذا النوع الخالص من الايمان لم يتحقق الا للقلة القليلة من اصحابه كحجر بن عدي ومالك الاشتر وعدي بن حاتم وميثم التمار ونظرائهم ممن تغذوا بهديه، وهم الذين قرؤا القران فاحكموه ، وتدبروا الفرض فأقاموه احيوا السنة واماتوا البدعة - على حد تعبيره - اما الاكثرية الساحقة من جيشه وشعبه فانهم لم يعوا اهدافه ومبادئه ، وجهلوا القيم العليا في سياسته المشرقة التي كانت تهدف الى ضمان حقوق المظلومين والمضطهدين .

لقد تحرج الامام في سلوكه السياسي فاخضع سياسته العامة للقيم الدينية والخلقية، فبسط الحق بجميع رحابه ومفاهيمه، ولم يعد اي نفوذ للأقوياء، ولا سلطان للرأسمالية القرشية التي كانت تعتبر السواد بستانا لقريش.

وقد هبت القوى المنحرفة عن الحق في وجه الامام فاشعلت نار الحرب ، واوقفت مسيرة الامام في تطبيق العدل الاجتماعي، ووضعت السدود والحواجز في طريقه، وقد وقف الامام العظيم ملتاعا حزينا، قد احتوشته ذئاب الاثرة والاستغلال، وتناهب مشاعره الاحداث المفزعة التي تواكبت عليه ، وكان من افجعها الفتن الداخلية التي كانت تثيرها الخوارج الذين كانوا يعيشون معه وهم يجاهرونه بالعداء، وينشرون الفتن والاختلاف، ويتربصون الفرص للخروج عليه .

مؤتمر مكة :

ونزح فريق من الخوارج الى مكة، فعقدوا فيها مؤتمرا عرضوا فيه مصارع اخوانهم الذين قتلوا في النهروان، كما عرضوا فيه الاحداث الجسام التي يواجهها العالم الاسلامي، والتي ادت الى اختلافه وتفككه، وعزوها الى ثلاث - حسب ما يزعمون - الامام علي، ومعاوية وعمرو بن العاص ، وقد عقدوا النية بعد تبادل الراي على القيام باغتيالهم، وانبرى لتنفيذ هذا المخطط كل من .

1 - عبد الرحمن بن ملجم تعهد بقتل الامام علي .

2 - الحجاج بن عبد الله الصريمي تعهد بقتل معاوية .

3 - عمرو بن بكر التميمي التزم بقتل ابن العاص .

وقد اتفقوا على القيام بعملية الاغتيال في ليلة الثامن عشر من رمضان ساعة خروج هؤلاء الثلاثة الى صلاة الصبح، وقد اقاموا بمكة اشهرا ، واعتمروا في رجب، ثم تفرقوا وقصد كل واحد لتنفيذ ما عهد إليه .

راي رخيص :

من الاراء الزائفة التي تحملها بعض الكتب ما ذهب إليه الدكتور بديع شريف من اتهام الفرس بقتل علي (2) وهل وقف الدكتور على نسب ابن ملجم، وانه كان فارسيا؟ أليس هو من مراد احدى القبائل العربية التي كانت تقطن في الكوفة، وعلق الدكتور نوري جعفر على هذا الراي بقوله :

" ومن يدري فلعل حب الفرس لعلي هو الذي جعل هؤلاء الكتاب يبغضونهم، ويكيلون لهم التهم بغير حساب " (3).

اشتراك الامويين في المؤامرة :

وذكر المؤرخون هذا الحادث الخطير بشئ كثير من التحفظ فلم يكشفوا النقاب عن ابعاده، والذي نراه في كثير من الترجيح ان المؤامرة لم تكن مقتصر على الخوارج، وانما كان للحزب الاموي ضلع كبير فيها ، والذي يدعم ذلك ما يلي .

1 - ان أبا الاسود الدؤلي القى تبعة مقتل الامام على بني امية، وذلك في مقطوعته التي رثا بها الامام فقد جاء فيها :

الا أبلــغ معـــاوية بن حرب *** فلا قــرت عـيون الشامتينا

أفـي شهر الصيام فجعتمونا *** بخير النــاس طـرا اجمعينا

قتلتم خيـر من ركب المطايا *** ورحلها ومن ركب السفينا (4)

ومعنى هذه الابيات ان معاوية هو الذي فجع المسلمين بقتل الامام الذي هو خير الناس، فهو مسؤول عن اراقة دمه، ومن الطبيعي ان أبا الاسود لم ينسب هذه الجريمة لمعاوية الا بعد التأكد منها، فقد كان الرجل متحرجا أشد التحرج فيما يقول .

2 - ان القاضي نعمان المصري، وهو من المؤرخين القدامى قد ذكر قولا في أن معاوية هو الذي دس ابن ملجم لاغتيال الامام، قال ما نصه :

" وقيل ان معاوية عامله - اي عامل ابن ملجم - على ذلك - اى على اغتيال الامام - ودس إليه فيه، وجعل له مالا عليه.." (5)

3 - ومما يؤكد اشتراك الحزب الاموي في المؤامرة هو ان الاشعث ابن قيس قد ساند ابن ملجم، ورافقه اثناء عملية الاغتيال، فقد قال له :

" النجا فقد فضحك الصبح " ولما سمعه حجر بن عدي صاح به " قتلته يا اعور " وكان الاشعث من اقوي العناصر المؤيدة للحزب الاموي، فهو الذي ارغم الامام على قبول التحكيم وهدد الامام بالقتل قبل قتله بزمان قليل كما كان عينا لمعاوية بالكوفة .

إن المؤامرة - كما يقول الرواة - قد احيطت بكثير من السر والكتمان فما الذي اوجب فهم الاشعث ودعمه لها لولا الايعاز إليه من الخارج .

4 - ان مؤتمر الخوارج قد انعقد في مكة أيام موسم الحج، وهي حافلة - من دون شك - بالكثيرين من اعضاء الحزب الاموي الذين نزحوا الى مكة لإشاعة الكراهية والنقمة على حكومة الامام، واغلب الظن انهم تعرفوا على الخوارج الذين كانوا من اعدى الناس للامام، فقاموا بالدعم الكامل لهم على اغتيال الامام، ومما يساعد على ذلك ان الخوارج بعد انقضاء الموسم اقاموا بمكة الى رجب فاعتمروا في البيت ثم نزحوا الى تنفيذ مخططهم فمن المحتمل ان يكونوا في طيلة هذه المدة على اتصال دائم مع الحزب الاموي، وسائر الاحزاب الاخرى المناهضة لحكم الامام .

5 - والذي يدعو الى الاطمئنان في ان الحزب الاموي كان له الضلع الكبير في هذه المؤامرة هو ان ابن ملجم كان معلما للقران (6) وكان يأخذ رزقه من بيت المال، ولم تكن عنده اية سعة مالية فمن اين له الاموال التي اشترى بها سيفه الذي اغتال به الامام بألف وسمه بألف ؟ ؟ ومن اين له الاموال التي اعطاها مهرا لقطام وهو ثلاثة الاف وعبد وقينة ؟ كل ذلك يدعو الى الظن أنه تلقى دعما ماليا من الامويين ازاء قيامه باغتيال الامام .

6 - ومما يؤكد ان ابن ملجم كان عميلا للحزب الاموي هو انه كان على اتصال وثيق بعمرو بن العاص وزميلا له منذ عهد بعيد، فانه لما فتح ابن العاص مصر كان ابن ملجم معه، وكان أثيرا عنده فقد أمره بالنزول بالقرب منه (7) واكبر الظن انه احاط ابن العاص علما بما اتفق عليه مع زميليه من عملية الاغتيال له وللإمام، ومعاوية، ولذا لم يخرج ابن العاص الى الصلاة وانما استناب غيره، فلم تكن نجاته وليدة مصادفة وانما جاءت وليدة مؤامرة حكيت اصولها مع ابن العاص .

هذه بعض الامور التي توجب الظن باشتراك الحزب الاموي في تدبير المؤامرة ودعمها .

اغتيال الامام :

واطل على المسلمين شهر رمضان الذي أنزل فيه القران، وقد كان الامام على يقين بانتقاله الى حظيرة القدس في بحر هذا الشهر العظيم، فكان يجهد نفسه ويرهقها على ان يفطر على خبز الشعير وجريش الملح، وان لا يزيد على ثلاث لقم حسب ما يقوله المؤرخون، وكان يحيى ليالي هذا الشهر بالعبادة، ولما اقبلت ليلة الثامن عشر احسن الامام بنزول الرزء القاصم فكان برما تساوره الهموم والاحزان، وجعل يتأمل في الكواكب وهي مرتعشة الضوء كانها ترسل أشعة حزنها إلى الارض، وطفق يقول :

" ما كذبت ولا كذبت انها الليلة التي وعدت فيها " .

وأنفق الامام ليله ساهرا، وقد راودته ذكريات جهاده وعظيم عنائه في الاسلام، وزاد وجيبه وشوقه لملاقاة ابن عمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليشكو إليه ما عاناه من أمته من الاود .

وتوجه الامام بمشاعره وعواطفه الى الله يطلب منه الفوز والرضوان وقبل أن تشرق أنوار ذلك الفجر الذي دام في ظلامه على البؤساء والمحرومين انطلق الامام فاسبغ الوضوء، وتهيا الى الخروج من البيت، فصاحت في وجهه وز كانها صاحب ملتاعة حزينة تنذر بالخطر العظيم الذي سيدهم أرض العرب والمسلمين، وتنبا الامام من لوعتهن بنزول القضاء، فقال :

" لا حول ولا قوة إلا بالله صوائح تتبعها نوائح " (8) .

وخرج الامام الى بيت الله فجعل يوقظ الناس على عادته الى عبادة الله ثم شرع في صلاته وبينما هو ماثل بين يدي الله وذكره على شفيته إذ هوى عليه المجرم الخبيث عبد الرحمن بن ملجم، وهو يهتف بشعار الخوارج " الحكم لله لا لك " فعلا راس الامام بالسيف فقد جبهته الشريفة التي طالما عفرها بالسجود لله، وانتهت الضربة الغادرة الى.

دماغه المقدس الذي ما فكر فيه إلا في سعادة الناس، وجمعهم على صعيد الحق .

ولما أحس الامام بلذع السيف انفرجت شفتاه عن ابتسامة، وانطلق صوته يدوي في رحاب الجامع قائلا :

" فزت ورب الكعبة " .

لقد كنت - يا أمير المؤمنين - أول الفائزين، وأعظم الرابحين بمرضاة الله، فقد سايرت الحق منذ نعومة اظفارك، فلم تداهن في دينك ولم تؤثر رضا احد على طاعة الله، قد جاهدت وناضلت من أجل أن تعلو كلمة الله في الارض، ووقيت رسول الله (ص) بنفسك ومهجتك .

لقد فزت، وانتصرت مبادئك، وبقيت انت وحدك حديث الدهر بما تركته من سيرة مشرقة اضاءت سماء الدنيا، وغذت الاجيال بجوهر الحق والعدل .

وخف الناس مسرعين الى الجامع حينما اذيع مقتل الامام فوجدوه طريحا في محرابه وهو يلهج بذكر الله، قد نزف دمه، ثم حمل الى داره والناس تعج بالبكاء وهم يهتفون بذوب الروح .

قتل الامام الحق والعدل.

قتل ابو الضعفاء واخو الغرباء .

واستقبلته عائلته بالصراخ، فأمرهن (عليه السلام) بالخلود الى الصبر، وغرق الامام الحسن بالبكاء فالتفت إليه الامام قائلا :

" يا بني لا تبك فانت تقتل بالسم، ويقتل اخوك الحسين بالسيف.

" وتحقق تنبؤ الامام فلم تمض حفنة من السنين واذا بالحسن اغتاله معاوية بالسم، فذابت احشاؤه، واما الحسين فتناهب جسمه السيوف والرماح ، وتقطعت أوصاله على صعيد كربلاء .

ويقول المؤرخون ان الامام الحسين لم يكن حاضرا بالكوفة حينما اغتيل أبوه وانما كان في معسكر النخيلة قائدا لفرقة من الجيش الذي اعده الامام لمناجزة معاوية، وقد ارسل إليه الامام الحسن رسولا يعرفه بما جرى على ابيه، فقفل راجعا الى الكوفة، وهو غارق بالاسى والشجون، فوجد أباه على حافة الموت فالقى بنفسه عليه يوسعه تقبيلا ودموعه تتبلور على خديه.

واخذ الامام العظيم يوصي اولاده بالمثل الكريمة والقيم الانسانية، وعهد إليهم أن لا يقتلوا غير قاتله، وان لا يتخذوا من قتله سببا لاثارة الفتنة واراقة الدماء بين المسلمين كما فعل بنو أمية حينما قتل عميدهم عثمان.

الى الرفيق الاعلى:

واخذ الامام يعاني الام الاحتضار وهو يتلو آيات الذكر الحكيم ، وكان آخر ما نطق به قوله تعالى :

" لمثل هذا فليعمل العاملون " ثم فاضت روحه الزكية، تحفها ملائكة الرحمن، فمادت اركان العدل في الارض، وانطمست معالم الدين لقد مات ملاذ المنكوبين والمحرومين الذي جهد نفسه أن يقيم في ربوع هذا الكون دولة تكتسح الاثرة والاستغلال، وتقيم العدل والحق بين الناس .

وقام سبطا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتجهيز ابيهما فغسلا جسده الطاهر وادرجاه في اكفانه، وفي الهزيع الاخير من الليل حملوه الى مقره الاخير فدفنوه في النجف الاشرف، وقد واروا معه العدالة الاجتماعية، والقيم الانسانية ويقول المؤرخون ان معاوية لما وافاه النبأ بمقتل الامام فرح ، واتخذ يوم قتله عيدا رسميا في دمشق فقد تمت بوارق اماله، وتم له اتخاذ الملك وسيلة لاستعباد المسلمين وارغامهم على ما يكرهون .

متارك حكومة الامام :

وتركت حكومة الامام آثارا بالغة الاهمية والخطورة في المجتمع الاسلامي ولعل من اهممها ما يلي:

1 - انها ابرزت الواقع الاسلامي بجميع طاقاته في عالم السياسة والحكم، فقد كان الامام يهدف في حكمه الى ازالة الفوارق الاجتماعية بين الناس، وتحقيق الفرض المتكافئة بينهم على اختلاف قومياتهم واديانهم ، ومعاملة جميع الطوائف بروح المساواة والعدالة فيما بينهم من دون أن تتمتع اي طائفة بامتياز خاص وقد اوجدت هذه السياسة للامام رصيدا شعيبا هائلا، فقد ظل علي قائما في قلوب الجماهير الشعبية بما تركه من صنوف العدل والمساواة، وقد هام بحبه الاحرار، ونظروا إليه كاعظم مصلح اجتماعي في الارض، وقدموه على جميع اعلام تلك العصور، يقول ايمن ابن خريم الاسدي مخاطبا بني هاشم وعلى راسهم الامام :

أأجعلكــم واقوامــا سـواء *** وبينكـــم وبينهــم الهــــواء

وهم أرض لأرجلكم وأنتم *** لا رؤوسهم وأعينهم سماء (9)

2 - ان مبادئ الامام وآراءه النيرة ظلت تطارد الامويين وتلاحقهم في قصورهم فكانوا ينظرون إليها شبحا مخفيا يهدد سلطانهم، مما جعلهم يفرضون سبه على المنابر للحط من شانه، وصرف الناس عن قيمه ومبادئه .

3 - ان حكومة الامام التي رفعت شعار العدالة الاجتماعية الكبرى قد جرت لأبنائه كثيرا من المشاكل والمصاعب، والحقت بهم التنكيل والقتل من حكام عصرهم، وقد تنبا النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله) بذلك فقد روى أبو جعفر الاسكافي أن النبي (صلى الله عليه وآله) دخل على فاطمة فوجد عليا نائما فذهبت لتوقظه، فقال (صلى الله عليه وآله) :

" دعيه فرب سهر له بعدي طويل، ورب جفوة لأهل بيتي من اجله " فبكت فاطمة، فقال لها:

لا تبكي فانه معي وفي موقف الكرامة عندي (10) .

لقد امعن الحكم الاموي والعباسي في ظلم ابناء الامام لانهم تبنوا حقوق المظلومين والمضطهدين، وتبنوا المبادئ العليا التي رفع شعارها الامام امير المؤمنين فناضلوا كاشد ما يكون النضال في سبيل تحقيقها على مسرح الحياة، وكان من اشد ابناء الامام حماسا واندفاعا في حماية مبادئ ابيه الامام الحسين (عليه السلام) فقد انطلق الى ساحات الجهاد عازما على الموت آيسا من الحياة ليحمي مبادئ جده وأبيه ويرفع راية الاسلام عالية خفاقة وينكس اعلام الشرك والالحاد، ويحطم قيود العبودية والذل .

4 - وأوجد الامام في اثناء حكمه القصير وعيا اصيلا في مقارعة الظلم، ومناهضة الجور فقد هب في وجه الحكم الاموي اعلام اصحابه كحجر بن عدي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وعبد الله بن عفيف الازدي وامثالهم من الذين تربوا بهدي الامام، فدوخوا اولئك الظالمين بثورات متلاحقة اطاحت بزهوهم وجبروتهم، لقد كان حكم الامام - حقا - مدرسة للنضال والثورة، ومدرسة لبث الوعي الديني والادراك الاجتماعي، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن مخلفات حكومة الامام .

_____________

(1) جواهر المطالب في مناقب الامام ابي الحسن (ص 43) لشمس الدين ابو البركات، من مصورات مكتبة الامام امير المؤمنين.

(2) الصراع بين الموالي والعرب (ص 32 - 33).

(3) الصراع بين الموالي ومبادئ الاسلام (ص 103) .

(4) تاريخ ابن الاثير 3 / 198.

(5) المناقب والمثالب (ص 98) للقاضي نعمان المصري من مصورات مكتبة الامام الحكيم .

(6) لسان ميزان 3 / 440.

(7) لسان ميزان 3 / 440

(8) مروج الذهب 2 / 291.

(9) الاغاني 1 / 21 .

(10) شرح النهج 4 / 107.