الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
التقسيمات المنطقية للمعنى
المؤلف:
عايش الحسن
المصدر:
نظرية المعنى عند قدامة بن جعفر
الجزء والصفحة:
ص16ـــــــــ19
1-04-2015
3578
لقد قدمنا القول - فيما سبق - أن قدامة كان يسعى إلى إقامة علم خاص بنقد الشعر؛ وهو علم يستند إلى مقولات فلسفية، ومنطقية، تسعى إلى بناء منطق خاص بالشعر، يميزه من غيره من الفنون الأخرى، واقتضى هذا المنطق صحة التقسيم، وصحة المقابلات، وصحة التفسير، مثلما أنكر هذا المنطق فساد التقسيم، وفساد المقابلات، وفساد التفسير.
أمّا صحة التقسيم - على المستوى المنطقي - فهي أن يبتدىء الشاعر فيصنع أقساماً [ فيستوى فيها، ولا يغادر قسماً منها، كقول نُصيب :
فَقَالَ فَرِيقُ القَوْمِ : لا، وَفَرِيْقُهمْ ... نَعَمْ، وَفَرِيْقٌ قَالَ : وَيْحَكَ ما نَْدْرِي
أو كقول الشاعر :
أَمَّا إذا اسْتَقَبْلَتَهُ فَكأَّنه ... بَاْزٌ يُكَفْكِفُ أَنْ يَطِيْرَ وَقَدْ رَأَى
أَمَّا إذا اسْتَدْبَْرتَهُ فَتَسوقُهُ ... سَاقٌ قَمُوصُ الوَقْعِ عَارِيَةُ النَّسا
أَمَّا إذا اسْتَعْرَضْتَهُ مُتَمَطَّراً ... فَتَقُولُ هَذا مِثْلُ سِرْحانِ اْلغَضَا
فلم يدع هذا الشاعر قسماً من أقسام النصبة التي ترى في الفرس إذا رئي عليها إلا أتى به ](1).
وواضح أن هذه نظرة منطقية، عقلية، صارمة للمعنى الشعري، ولا ينكر أن صحة التقسيم قد تكون سبباً في جودة الشعر، ولكنها ليست - بالضرورة - خالقة لهذه الجودة، فقد يتوفر للبيت من الشعر صحة التقسيم ثم لا تميزه هذه الصفة عن مستوى الكلام العادي، وبذلك سعى قدامة إلى تحكيم المنطق في شيء غير منطقي، فالشعر لا ينضبط تماماً بالقواعد المنطقية التي افترضها قدامة، لأن منبعه العواطف والأحاسيس.
ومن الواضح أن صحة التقسيم التي أوردها قدامة على هذا النحو المنطقي، تخلق ما يمكن أن يسمى النموذج في الوصف، فالشاعر لا يدعُ شيئاً فيما يصفه إلاّ ذكره، فهو يصف [ الجهات التي يراها الإنسان من الفرس إذا كان على بسيط الأرض ](2) ويلتقي هذا النموذج مفهوم الماهية عند قدامة، والماهية تعني وصف الشيء على ما هو عليه، أو الوقوف عند الصفات الثابتة، والراسخة في الشيء، وعلى هذا الأساس أصاب الشاعر في وصف هذه الفرس، وأصاب ماهيتها، واستوفى جوانب وصفها، وخلق منها صورة نموذجية، متكاملة، على أن هذه الصورة لا تفارق الصواب المنطقي الذي يرتضيه العقل، وهو صواب يغفل - تماما - ما يمكن أن يثيره الوصف من تداعيات عاطفية، أو انفعالات نفسية.
وتتحقق صحة المعنى -أيضاً- على المستوى المنطقي - من خلال صحة المقابلات، وهي أن [ يضع الشاعر معاني يريد التوفيق بين بعضها وبعض، أو المخالفة، فيأتي في الموافق بما يوافق، وفي المخالف بما يخالف، على الصحة، كقول بعضهم :
فَوا عَجَباً كَيْفَ اتَّفَقْنَا فَنَاصِحٌ ... وَفِيٌّ، وَمَطْوِيٌ على الِغلَّ غَاْدِرُ(3)
ولا يخفى أن صحة المقابلات - على المستوى المنطقي الذي فكر فيه قدامة - تغفل - أيضاً - الجوانب النفسية المتناقضة التي تعيش في الذات الإنسانية، وقبول قدامة لها ليس اعترافاً ضميناً بهذه المشاعر المتناقضة، ولكنه اعتراف منطقي بالتقابل، المتضاد في هذه الذات، ولا يختلف الأمر - أيضاً - في نظرة قدامة إلى صحة التفسير، وهي أن [ يضع الشاعر معاني يريد أن يذكر أحوالها في شعره الذي يصنعه، فإذا ذكرها أتى بها من غير أن يخالف معنى ما أتى به منها، ولا يزيد ولا ينقص، مثل الفرزدق :
لقد خُنْتَ قَوْماً لَوْ لَجَأْتَ إليهم ... طَرِيدَ دمٍ أو حامِلاً ثِقْلَ مَغْرَمِ
... فلما كان هذا البيت محتاجاً إلى تفسير قال :
لأَلَفْيتَ فيهم مُطْعِما ومُطاعِنا ... وَراءَك شَزْراً باْلوَشِيج الِمُقْوَّمِ
ففسر قوله [ حاملاً ثقل مَغْرم ] بأن يلقي فيهم من يعطيه، وفسر قوله طريداً ] بقوله [ إنه يلقي فيهم مَنْ يطاعن دونه ويحميه ](4)، صحيح أن هذا التفسير أضفى جمالاً على المعنى المتكامل في هذين البيتين، ولكنْ قصور محاولته يتمثل في النظرة المنطقية إلى هذا الأمر، فهناك تكامل في المشاعر النفسية للشاعر ولكنه تكامل لا تفرضه قيود المنطق والعقل، بل تفرضه وحدة المشاعر الذاتية لدى الشاعر.
أما صحة التتميم عند قدامة، فهي [ أن يذكر الشاعر المعنى، فلا يدع من الأحوال التي تتم به صحته، وتكمل معها جودته شيئاً إلاّ أتى به، مثل قول طرقة :
فَسَقَى دِيَاْرَكِ غَيْرََ مُفْسِدِها ... صَوْبُ الرَّبِيعِ وَدِيْمَةٌ تَهْمِي
فقوله [ غير مفسدها ] إتمام لجودة ما قاله ](5).
ولا يخفى أن هذا التتميم إكمال منطقي أكسب المعنى جودة فيما قاله قدامة، ولكنه إكمال أغفل - عبره - ما يرافق هذا المعنى من مشاعر، وأحاسيس عاطفية، فعبارة [ غير مفسدها ] توضح العلاقة النفسية بين الشاعر وهذه الديار، بلْ هناك دعاء أسطوري يتخلل هذه العبارة، ولكنّ قدامة - كغيره من النقاد العرب القدماء - يغفل تماماً سيكولوجية الشاعر، ولا يسمح لنفسه الخوض فيها، لأنها تربط، على المستوى النقدي، بين خالق القصيدة، وخالق الكون، ومن هنا لم يتمكن عقل قدامة المنطقي أن يفهم موطن الجمال في قول الشاعر ذي الرمة :
ألا يا اسْلَِمَي يا دارَ ميًّ على الْبِلَى ... ولا زَالَ مُنْهَلاًّ بِجَرْعَاْئِكِ الْقطْرُ
ويعيب قدامة هذا البيت لأن الشاعر لم يكمل جودة المعنى فيه، فلم يأتِ بلفظة [ غير مفسدها ]، وفي ذلك [إفساد للدار التي دعا لها، وهو أن تغرق بكثرة المطر](6)، والناظر إلى المعنى في هذا البيت من زاوية فنية، لا من زاوية منطقية - كما ذهب إلى ذلك قدامة - يرى أن هذا المعنى في البيت غاية في الجمال، وأن دعاء الشاعر على الدار بأن ينهل بجرعائها - القطر يحمل ظلالات نفسية، وأسطورية تباين التصور المنطقي الذي ذهب إليه قدامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نقد الشعر : 132.
2- نقد الشعر: 132.
3- نقد الشعر: 133.
4- المصدر نفسه : 137.
5- المصدر نفسه : 138.
6- المصدر نفسه : 139.
الاكثر قراءة في النقد القديم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
