النواحي العامة في عهد الفاطميين
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج1، ص 243-245
8-11-2020
1079
النواحي العامة في عهد الفاطميين
الحالة السياسية :
يبدو أن العلوية التي جاهدت طويلا في سبيل انتزاع الخلافة من العباسيين صادفها شيء من النجاح تجلى اثره واضحا في انتصارات الفاطميين «شيعة علي» في هذا العهد الذي نؤرخه وفي استيلائهم على جزء هام من البلاد التابعة للعباسيين وانشاء حكومة مماثلة لها في اليمن واخرى باسم القرامطة في البحرين عدا الحركات الصغيرة التي وجدت بعض الفوز في انحاء شتى من بلاد الاسلام وكلها تتشيع للعلوية على اختلاف مبادئها وبعض معتقداتها.
وجاء دور المقيمين من احفاد العلويين في مكة فرأينا رأسا من رؤوسهم هو جعفر بن محمد جد الاشراف من حكام مكة يقوم في اعقاب سقوط حكومة الاخشيد ويعلن حكمه في مكة واستقلاله بها.
وقد بدأت الحركة كما رأينا فيما تقدم محدودة لا تخرج عن نطاق مكة واعمالها التابعة لها من جدة غربا الى الطائف شرقا وهي لهذا وجدت لدى الفاطميين جيرانها وشركائها في مباديء التشيع لآل علي تشجيعا أعانها على الخطوات الاولى ووطد مركزها كما وجدت من مؤهلات رئيسها جعفر ما ساقها الى النجاح والفوز إلا ان اغراض الحركة ما فتئت ان تكشفت عن نوايا جديدة عندما تولى امرها أبو الفتوح على اثر وفاة ابيه جعفر فقد ادعى لنفسه الخلافة ورأى أنه اولى بها من الفاطميين ونادى بنفسه خليفة في الحرم ودعى الى بيعته من والاه في الحجاز فبايعوه على ذلك ولقبوه بالراشد.
وقد حفز هذا جيرانه الفاطميين للعمل ضده فأغروا بعض مناصريه بالتخلي عنه فما لبث أن سقط وتولى الأمر أحد بني عمومته فلما شعر بسوء العاقبة عاد يسترضي الفاطميين ويجاور الأهالي حتى عاد الى الحكم والغى الدعوة الى الخلافة من رأسه كما الغاها بعده كل من ورث الحكم من طبقات الأشراف ولم يبعثها الا الحسين بن علي بعد مدة طويلة تزيد عن تسعة قرون ونصف قرن في ظروف خاصة سنأتي عليها في حينها.
ولقد بقيت الامارة في ذرية أبي الفتوح قريبا من مائة سنة ثم انقرض نسله فانتقل الامر الى بني عمومته «السليمانيين» وهم اولاد سليمان الجون «الطبقة الثانية» وقد شعر الفاطميون ان السليمانيين لا يميلون للدعوة لهم فانتدبوا شيعتهم في اليمن للهجوم على مكة فهاجموها واجلوا السليمانيين عنها وسلموا أمرها الى طبقة ثالثة من بني عمومتهم هم اولاد أبي هاشم محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين. (١)
وقد بقي الامر في هذه الطبقة الى سنة ٥٩٧ نحو قرن ونصف قرن ثم انتقل الى بني عمومتهم الطبقة الرابعة.
ولقد ظل استقلال الاشراف بمكة مشوبا بنفوذ دول الاسلام القوية ويبدو أثر ذلك في دعاء مكة للعباسيين مرة وللفاطميين أخرى وللزنكيين في غيرها وفي الجمع بين دولتين في بعض هذه الفترات ـ وقد قدمنا ذلك ـ كما يبدو في احداث بعض المنشآت والمرافق العامة التي كانت ترى هذه الدول أن من حقها ان ننشئها في هذا البلد كأي مدينة تابعة.
ويجب الا يفوتنا ان نفوذ هذه الدول ما كان ليشوب استقلال مكة الا بمقدار ما تدعو اليه ضرورة الدعاء على المنبر وقبول المنح والعطايا ولعل أشراف مكة كانوا معذورين في هذا فقد استقلوا بمكة وليس في تعدادها وما يتبعها ما يكفي لاعداد جيش قوي يدافع عنهم وليس في مواردها ما يكفي لبعض نفقاتها لهذا كان لا مناص لهم من مهادنة الأقوياء وقبول المنح والهدايا من هؤلاء مرة ومن أولئكم أخرى.
_______________
(١) فى الشجرة السابقة : ابو هاشم : محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن ابي هاشم بن الحسين الامير بن محمد الثائر.
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة