مكة بعهد الاتراك
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج1، ص 362-363
15-11-2020
981
النواحي العامة في عهد المماليك الأتراك والشراكسة
الحالة السياسية :
تقدم بنا ان مكة تعرضت في اعقاب العهد الأيوبي لأطماع جيرانها في اليمن بفعل الدسائس التي كان يحركها المختلفون من أشرافها على الحكم وأنها ظلت على ذلك الى ان استخلصها من الفوضى شخصان من كبار أشرافها هما الحسن وابنه أبو نمي الأول في عام ٦٤٧ واستقلا بإدارتها بعيدين عن كل نفوذ ، وقد استمر أبو نمي الأول بعد أبيه يضطلع بأعباء حكمه مستقلا الا أن هذا لم يدم طويلا لأن المماليك الأتراك الذين قهروا الايوبيين في مصر وأنشأوا على أنقاضهم حكومة جديدة ما لبثوا أن تطلعوا الى مد نفوذهم الى مكة ، وشرع سلطانهم الظاهر بيبرس في عام ٦٦٧ ثم قلاوون بعده يحاولان بجميع الوسائل التدخل في شؤون أبي نمي وحمله على الدعاء لهم على منبر مكة ، وقد بذلا في سبيل ذلك كثيرا من الاموال وأغرياه بكثير من الهدايا ثم جربا معه شيئا من الوعيد عندما علما ان سياسته شرعت تنحاز الى حكومة الرسوليين في اليمن حتى استطاع قلاوون في عام ٦٨١ أن يفرد الدعاء له في مكة وفرض فيها تداول النقود المطبوعة باسمه مع شروط أخرى بيناها في فصلنا السابق.
ولم يرضخ أبو نمي الأول للأمر الواقع مخلصا وقد حاولوا تأديبه فأعادهم كما اسلفنا مهزومين من خلف اسوار مكة ، ثم عاد فقبل هداياهم ورضي بالدعاء لهم على مضض لينتفع بأموالهم فيما احسب ويتفرغ لمناوئيه على الحكم من بني عمومته وأقربائه ، ثم ما لبث أن جفاهم ودعا للرسولين في اليمن بقية حياته.
وعندما اختلف اولاد أبي نمي بعده وجد المماليك الفرصة سانحة لتأييد فريق ضد آخر واستطاعوا أن يعيدوا الدعاء باسمهم على منبر مكة وأن ينشروا ظلا من نفوذهم فيها كما استطاع الفريق المضاد أن ينتزع الدعاء في بعض السنوات لملك التتار في بغداد، وقد رؤى الركب العراقي في هذا العهد يبذل الصدقات ويوزع الفضة والذهب حتى رخص ثمن الذهب في مكة لكثرة ما تصدقوا به ، ولست أشك أن ذلك كان دعاية لملك التتار.
ولم يدم أمر الدعاء للتتار طويلا في مكة لان المماليك كانوا يتحينون الفرص لاعادة نفوذهم الى مكة ويساعدون البيوت المتنافسة من الاشراف على الحكم ليظفروا بالمكانة التي يريدونها حتى تمت لهم رغائبهم بفعل التنافس بين بيوت الاشراف الحاكمة وحتى استطاعوا في عام ٧٦٠ أن يمكنوا لفرقة من جيشهم الاقامة في مكة بدعوى حفظ الامن وتثبيت الاشراف ـ محمد بن عطيفة ـ من اولاد أبي نمي وتمكينه من اقامة الا من في البلاد ، وبذلك دخلت البلاد في دور يتنافى مع الادوار التي سبقته ابتداء من ثورة جعفر بن محمد مؤسس حكم الاشراف في مكة الى ذلك اليوم واصبح الاهلون يشعرون بأنهم محتلون عسكريا بجنود المماليك لأول مرة في تاريخ استقلالهم ، ولم يدم أمر الاحتلال اكثر من سنة واحدة لان الاشراف ثاروا على الحامية ثورة عنيفة فاستسلمت الحامية وسيق بعض الاسرى منهم الى ينبع وبيعوا في أسواقها بيع الرقيق.
ويبدو أن المماليك الأتراك اقتنعوا بما جربوا وعادوا يستأنفون علاقتهم بمكة على الصورة التي سبق بها غيرهم ويتمثل ذلك في الدعاء لهم على المنبر وقبول الهدايا والاعانات لقاء تأييد الامير الجديد وكتابة المراسيم الخاصة بتوليته وارسال مرتبات القاضي والخطيب والائمة والمؤذنين والفراشين والقومة وما يحتاج له الحرم من الشمع والزيت في كل سنة.
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة