الحكمة في اشتمال القرآن على المتشابه
المؤلف:
حامد جابر حبيب المؤمن الموسوي
المصدر:
متشابه القرآن والمختلف فيه
الجزء والصفحة:
ج1 ، ص17-19
10-06-2015
2477
ما هو السبب في
اشتمال الكتاب على المتشابه ؟
قال الزمخشري
في " الكشّاف " (1) :
" فإن قلت : فهلا
كان القرآن كله محكماً ؟
قلتُ : لو كان كله
محكماً ، لتعلق الناس به ، لسهولة مأخذه ، ولأعرضوا عما يحتاجون فيه الى الفحص ،
والتأمل من النظر ، والاستدلال . ولو فعلوا ذلك ، لعطلوا الطريق ، الذي لا يتوصل
الى معرفة الله ، وتوحيده إلا به ، ولما في المتشابه من الابتلاء ، والتمييز بين
الثابت على الحق ، والمتزلزل فيه ، ولما في تقادح العلماء ، وإتعابهم القرائح في
استخراج معانيه ، ورده الى المحكم من الفوائد الجليلة ، والعلوم الجمة ، ونيل
الدرجات عند الله ، ولأن المؤمن المعتقد أن لا مناقضة في كلام الله ، ولا اختلاف إذا
رأى فيه ما يتناقض في ظاهره . وأهمه طلب ما يوفق بينه ، ويجريه على سنن واحد ،
ففكر ، وراجع نفسه ، وغيره ، ففتح الله عليه وتبين مطابقة المتشابه المحكم ، ازداد
طمأنينة الى معتقده ، وقوة في إيقانه " .
وقال ابن شهرآشوب (2) :
" والحكمة في
إنزال المتشابه : الحث على النظر الذي يوجب العلم ، دون الاتكال على الخبر من غير
النظر ... ثم إن به يتميز العالم من الجاهل ، كما قال : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا
اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران : 7] .
وقد بسط السيد الطباطبائي في تفسيره " الميزان " (3) الحكمة في اشتمال القرآن على
المتشابه بقوله : " والذي يستحق
الإيراد والبحث من الأجوبة ، وجوه ثلاثة :
الأول : إن اشتمال القرآن الكريم على المتشابهات لتمحيص القلوب في التصديق به
، فإنه لو كان كل ما ورد في الكتاب معقولاً
، واضحاً ، لا شبهة فيه عند أحدٍ ، لما كان في الإيمان شيء من معنى الخضوع
لأمر الله - تعالى - والتسليم لرسوله .
الثاني : إن اشتماله على المتشابه ، إنما هو لبعث العقل على البحث ، والتنقير ،
لئلا يموت بإهماله بإلقاء الواضحات التي لا يعمل فيها عامل الفكر ، فإن العقل ،
أعز القوى الإنسانية التي يجب تربيتها بتربية الإنسان .
الثالث : إن الانبياء بعثوا الى الناس ، وفيهم العامة ، والخاصة ، والذكي
والبليد ، والعالم ، الجاهل ، وكان من
المعاني ما لا يمكن التعبير عنه بعبارة ، تكشف عن حقيقته ، وتشرح كنهه ، بحيث
يفهمه الجميع على السواء . فالحري في أمثال هذه المعاني أن تلقى بحيث يفهمه الخاصة
، ولو بطريق الكناية ، والتعريض ، ويؤمر العامة فيها بالتسليم ، وتفويض الأمر الى
الله - تعالى - " .
وقد قرن السيد الطباطبائي بين معنى التأويل والمتشابه ،
فقال (4) : " فسَّرَ قومٌ من المفسرين (التأويل) بـ (التفسير) . وإذا كان
المراد من بعض الآيات معلوماً بالضرورة ، كان المراد من بالتأويل - على هذا - من
قوله - تعالى - : {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}
[آل عمران : 7] هو المعنى المراد
بالآية المتشابهة ، فلا طريق الى العلم بالآيات المتشابهة - على هذا القول - لغير
الله سبحانه ، أو : لغيره ، وغيره الراسخين في العلم .
وقالت طائفة أخرى :
إن المراد بالتأويل : هو المعنى المخالف لظاهر اللفظ . وقد شاع هذا المعنى بحيث
عاد اللفظ حقيقة ثانية فيه ، ما كان - بحسب اللفظ - لمعنى مطلق الإجماع أو المرجع
" .
______________
1. الكشّاف ، 1 : 366
.
2. متشابه القرآن
والمختلف فيه ، 1 : 3 .
3. الميزان في تفسير
القرآن ، 3 : 65-66 .
4. الميزان في تفسير
القرآن ، 3 : 51 .
الاكثر قراءة في المحكم والمتشابه
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة