x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

طرق الوقاية الأخلاقية

المؤلف:  عبد العظيم نصر مشيخص

المصدر:  المراهقة مشكلات وحلول

الجزء والصفحة:  ص13ــ35

27-6-2022

1719

لكي يستطيع الآباء والأمهات تحصين أسرهم، وإنقاذها من براثن الفساد الأخلاقي، وأن يحدثوا تغييراً جذرياً وعميقاً وواضحاً في مسيرة أسرهم ومجتمعاتهم، لا بد من معرفة بعض القواعد والمناهج والبصائر الإسلامية والسير وفقها، حتى يتسنى لنا الإصلاح الجذري لهذه المشكلة المتعددة الأطراف العميقة الجذور، وإلا لن نستطيع أن نحصل على أسرة مثالية في حياتنا.

لقد حاول الكثيرون من الناس من أبناء مجتمعنا الإسلامي، إصلاح أسرهم ولكنهم فشلوا منذ أول خطوة وفي بداية الطريق، ولم يستطيعوا أن يصنعوا انعطافة تغييرية في حياة أسرهم ومجتمعاتهم.

لماذا؟.

لأنهم لم يعرفوا أين يكمن الداء؟!

فالبعض منهم كان يعتقد أن المشكلة تتجسد في توفر المال، وآخر كان يعتقد أن الإعلام هو السبب الوحيد لهذه المشكلة، وثالث يتصور أن الفراغ سبب من الأسباب و.. وهكذا توالت المحاولات دون جدوى، وكما يقال (لقد صبوا الزيت على النار) دون فائدة مرجوة.

إذن: فعلينا أن نتعرف على بعض القواعد المهمة التي تساعدنا في نجاح العملية التربوية الأخلاقية في الأسرة والمجتمع، فقد أكد علماء النفس والتربية والأخلاق على هذه العلاجات، حيث لا تتم عملية الإصلاح الأخلاقي في الأسرة والمجتمع إلا بها وهي كما يلي:

أولا: معرفة المريض بوجود المرض:

أن نوضح له أنك مريض أخلاقياً، وبك بعض الصفات الذميمة التي لا تتناسب مع وضعك الأسري والاجتماعي، وينبغي لك أن تبادر إلى علاجها وحلها فوراً، حتى تحصل على متطلبات الحياة السعيدة، ينبغي مخاطبته هكذا:

واعلم يا بني: ليس بالإنسان الواعي الصالح المؤمن من تتوفر فيه الصفات المنفرة للطباع.. وديننا الإسلامي وأقوال رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرة السلف الصاح تنهى عنها على الإطلاق..

وهذه الطريقة أيها الآباء والأمهات تعتمد على أسلوبكم الجذاب مع الأبناء، لأن حياة الأبناء ولا سيما الأطفال منهم مليئة بالأخطار، منهم من يخطئ في كلامه ومشيه، وأكله، وتصرفاته و.. و.. الخ. والسبب ليس لأنهم لم يتعلموا بعد الأشياء والأمور جيدا. لا وإنما بسبب الأسلوب غير السليم في توجيههم إليها. ومن الفوادح الكبرى لدى الآباء والأمهات أن يظنوا بأن أخطاء أبنائهم غير قابلة للإصلاح.

عندها يجنون أسوأ النتائج التي تجعل الأبناء أكثر تمسكاً بها وامتناعاً عن تركها، وهذا فهم خاطئ، إذ أن الإنسان قابل للتغيير في أي وقت ومن أي أحد، ولكن بأسلوب حسن وموعظة مؤثرة وجذابة ومعرفة نوعية المرض في المريض.

وهذا ما يجب الانتباه إليه والحذر من الوقوع فيه.

وإليك بعض الدروس والنماذج المساعدة على فهم هذه الحقيقة:

1ـ ذات يوم، رأى الحسنان رجلاً كبيراً في السن يتوضأ بطريقة خاطئة، وكانا صغيرين في السن فجاءا إليه قائلين:

يا عم هل لك أن تخبرنا أي منا وضوؤه الأصح؟

وبدءا يتوضآن أمام الرجل فلما انتهيا قال: وضوؤكما هو الصحيح، ووضوئي أنا الخطأ.

وبهذه الطريقة المهذبة انتبه الرجل إلى خطئه واقتنع بما صنعه الحسنان.

٢- وينقل بعض الأساتذة أنه كان أحد مُدراء مصانع الصلب يشرف عليها، فوقع بصره على بعض العاملين وهم يدخنون، وفوق رؤوسهم مباشرة لافتة تحمل هذه العبارة (التدخين منوع) فهل أشار إلى اللافتة وعنف عماله؟ كلا بل سار إلى العاملين وناول كلاً منهم سيجاراً فاخراً وقال: سأقدر لكم صنيعكم، أيها الرفاق، لو دخنتم هذا السيجار في الردفة الخارجية، وقد عرفوا حالاً ما يرمي إليه، فأكبروا فيه امتناعه عن لومهم، وكان هذا الأسلوب كفيلاً بأن يحترموه ويقدروه.

وصدق الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما قال: (ما وقع اللين على شيء إلا زانه، وما رفع عن شيء إلا شانه).

ثانيا- معرفة منشأ المرض ووضع العلاج المناسب:

كثيرون هم الذين لا يعرفون أمراضهم، ويستمرون على الأخطاء الجسيمة والأمراض الأخلاقية والثقافية والدينية، وهم بعد لم يعرفوا أسباب المرض ومنشأه ودوافعه. وقديما قالوا (معرفة الداء نصف الدواء).

إذا عرف الآباء والأمهات منشأ الأمراض الأخلاقية في حياة أبنائهم، عندها يستطيعون أن يحدثوا تغييراً جذرياً أخلاقيا، وثقافياً، وتربوياً، في مسيرة أبنائهم، وإلا فلا.. وعندها سوف تكون محولاتهم العلاجية عبثاً ووبالاً عليهم وعلى أسرهم ومجتمعهم ولن يصلوا إلى نتيجة مثمرة في عملية التغيير والإصلاح والتربية.

يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) «من لم يعرف داءه، أفسد دواءه».

ولذلك نرى بعض الأمهات والآباء يلجؤون إلى عملية الضرب والسباب والشتم كعلاج لبعض مشكلاتهم الأخلاقية في الأسرة، حيث تكون النتيجة سلبية مئة بالمئة، لأن الفتاة والشاب حينما يتعرضان لعملية الضرب، ينظران الى اليد التي تبطش بهما وتضربهما، واللسان الذي ينهال عليهما بالسباب والكلمات البذيئة، لا على أنها يد رحمة وتوجيه إلى الخير، وانما يريانها يد قسوة وانتقام لا تحب لهما الخير إطلاقا، وعندها يزيد معدل التعنت والعناد والمشاكسة والانحراف الأخلاقي في سلوكياتهم داخل الأسرة ووسط المجتمع.

لابد للمربي ــ الأب والأم ــ مثلاً أن يبدأ بإصلاح نفسه أولاً ثم يسعى بعد ذلك إلى إصلاح الآخرين، حيث يقوم بنشر الصلاح والفضيلة والمحبة في الأرض، إذ أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعد بمثابة قانون وقائي، وقد عهد الإسلام بهذه المهمة الاجتماعية الخطيرة إلى المسلمين جميعا: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71].

وعن علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من كمال السعادة السعي في إصلاح الجمهور.

وإذا وجد في مجتمع من المجتمعات صنف من المعاندين الذين لا يسمعون الموعظة والتوجيه ولا يستجيبون لدعاة الإصلاح، حتى أصبحوا شبه ميؤوس منهم تماماً، ينبغي هنا على الآباء والأمهات الالتفات والحرص الشديدان على إصلاح وتحصين أسرهم من ذلك المجتمع وتلك الشرذمة المراهقة المريضة يقول تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6].  

وعن أبي بصير قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن تفسير هذه الآية، قلت له: هذه نفسي أقيها، فكيف أقي أهلي؟.

قال: «تأمرهم بما أمرهم الله به، وتنهاهم عما نهاهم الله عنه».

الأبوان المؤمنان اللذان يحسان بالخطر يتهدد أبناءهما ويعرضهم للتعاسة والسقوط في حمأة الرذيلة والفساد الأخلاقي، ينبغي عليهما أن يبادرا إلى هداية أبنائهما إلى طريق الصراط المستقيم، ويذكرونهم بالواجبات الإسلامية وبأوامر الله ونواهيه، ويحذرونهم من مغبة ارتكاب المعصية والفجور، ولا يتم ذلك إلا باتباع قواعد التربية الإسلامية الصحيحة، والسير وفق مناهج الوقاية والمكافحة الأخلاقية.

وقليل من الناس الذين نجحوا في تربيتهم لأسرهم عبر هذا المنهج، لأنهم عرفوا متى يستخدمون عامل الضرب؟ ومتى يستخدمون عامل اللين؟ وإلا فالدراسات تؤكد أن عامل الضرب لا يكون علاجاً شافيا، في كل الأحايين ومع كل صنف من الأبناء.

وقد كان لي قديماً صديق يسهر على توجيه الأمة وإرشاد الناس، فأخبرني أنه كان في بعض الدول الإسلامية، وكان أحد الآباء يمسك بتلابيب ابنه، وقد أشبعه ضرباً باليمين و لم يتركه حتى تدخل بعض الحاضرين وأنقذ الولد.

وبعد أن هدأت فورة الأب، قلت له سائلا:

لماذا كل هذا الضرب؟

قال: لأن ولدي اعتدى على أحد الرجال.

قلت: ولماذا اعتدى؟

قال باقتضاب: لأنه شيطان!!

قلت بعد أن اعتذرت له عن توالي الأسئلة:

وما هو السبب الذي جعل منه شيطانا؟

ثم أضفت قائلاً بصراحة بعد أن صمت الأب حائرا:

في تصوري أن السبب يرجع إلى التقصير في التربية.... أليس كذلك؟

قال: لا والله، لقد كنت أضربه كثيراً ومنذ صغره، لكنه كان يزداد سوء يوماً بعد يوم.

ثالثا: أن يمتلك المريض الأخلاقي العزم على العلاج:

يرجح بعض الباحثين النفسانيين، أن نسبة العلاجات الشافية في المصابين أخلاقياً، تعود لإصرارهم على تخطي العقبات الكؤودة لمرضهم الأخلاقي والنفسي معاً. ويعود ذلك أيضاً لاستمرارهم في تلقي العلاجات المتواصلة، وامتلاك الإرادة والعزم على مكافحة الأمراض الأخلاقية الذميمة لديهم، وبهذا استطاعت شريحة كبرى من المصابين التغلب على الأمراض الأخلاقية في حياتهم الأسرية.

ويرجح بعض الباحثين: أن عامل التشجيع له الأثر الكبير في مرحلة المكافحة الأخلاقية في الأسرة والمجتمع، بل هي من القواعد الأساسية لأنها (بمثابة الزيت للماكنة، والوقود للطائرة) فلولا التشجيع لما حلق الكثيرون في سماء الأخلاق والعلم والفضيلة.

حدثني بعض العلماء بقصة جديرة بالسرد هنا لأن لها اتصالاً بالموضوع. يقول: لا أتذكر أنني أخطأت في خطبة واحدة من خطاباتي، ولا أتذكر أنني تلكأت، أو تراجعت، أو نسيت ما أريد ذكره، ولا أتذكر أني تهيبت المنبر في أي يوم قط..

والسبب في ذلك يعود إلى عامل التشجيع الذي تلقيته منذ أربعين سنة تقريباً، فقد حدث أن مجلساً انعقد في بيتنا العائلي، ودعي للمحاضرة فيه أحد رجال العلم والفضيلة المعروفين بالتقوى والإيمان.. إلا أنه تأخر عن الموعد المحدد، وكنت أنا قد حفظت قصيدة شعرية، فارتقيت المنبر وبدأت أقرؤها بيتاً بيتاً، وكان في المجلس أحد العلماء الكبار، وكلما قرأت بيتاً من القصيدة رفع رأسه ويقول لي: أحسنت...ولم أكن أتوقع في ذلك الوقت هذه الكلمة على الإطلاق.. لقد مضى على هذه الحادثة ما يقارب أربعين عاماً وهي تأخذ مني مأخذها إلى هذا اليوم؟.

نعم: إن عامل التشجيع انعطافة كبرى في حياة المريض الأخلاقي والاجتماعي والثقافي والديني.

رابعاً: المباشرة الفعالة في تلقي العلاجات الأخلاقية:

لا ينبغي من الآباء والأمهات التثاقل عن تأدية العلاجات المناسبة لأبنائهم المرضى أخلاقيا، بل ينبغي المبادرة الفورية والاستمرارية، فالتأخير ليس في صالح الأسرة والمجتمع، فمثلما أن الشفاء من الأمراض الجسمية يتطلب المسارعة الفورية والمباشرة للمريض المصاب، وتجهيز الأدوية اللازمة، والقيام بالعمليات المستعجلة، والوقاية من بعض الأطعمة والمشروبات المضرة.. كل ذلك سبب للشفاء العاجل للمريض.

لذلك لا يحبذ الانتظار حتى يكبر الولد أو الفتاة ويتعلم عندها الدروس الأخلاقية المناسبة في وقتها، بل ينبغي أن يعلم الآباء والأمهات أن كل حركة، وكل كلمة، تصدر منهما أمام الأبناء يبقى أثرها في ذاكرتهم.

جاء في وصية لعلي (عليه السلام) يقول: «بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة».

ولكي لا يسبقنا أحد إلى زرع بذوره الفاسدة وأفكاره الهدامة، وثقافته المسمومة، ينبغي أن نبادر نحن إليهم ونهتم بهم و نعلمهم قبل أن يعلمهم غيرنا.

خامساً: مراعاة ضرورة الترفيه الأسري:

يعتبر الترفيه عاملاً قوياً في سعادة الإنسان، وعلى الأسرة الالتزام بقواعد مراعاة الأحاسيس والمشاعر الجياشة التي تنبعث من نفوس الأطفال والمراهقين على حد سواء، وفترات الترفيه هذه فطرية المنشأ إذ أن نفس الإنسان تحتاج إلى ساعات من الترفيه عنها بالضحك أو الألعاب المسلية أو الفكرية أو التمعن والتدبر في الكون والطبيعة والمخلوقات.. لذلك ترى كتب التاريخ مشحونة بأخبار المجالس التي قضى الأوائل فيها ترفيههم الفكري والنفسي، وما الكتب الأدبية والتاريخية والقصصية إلا من هذا القبيل.

وفي تصوري أن كتاب قصة (فيروز شاه ابن الملك سهراب) و (ألف ليلة وليلة) و(قصة عنتره) كانت فاكهة أندية القصاصين والأدباء في ذلك العصر، إذ هي قصص من أعجب ما يروى وأبدع ما يذكر. فقد كتبت في بطون الكتب وحفظتها صدور الرجال، وتداولتها ألسن الشعراء والأدباء والقصاصين.

وكذلك كتاب (الأغاني) بحوادثه وقصصه وتراجمه وما هو إلا نتاج المجالس والمناظرات والمحاورات الأدبية أعدها وجمعها الأصفهاني في الكتاب، بعدما سكب من عمره خمسين عاماً دائباً في تدوينها. وكذلك كتاب (زهر الربيع) الذي جاء نتيجة طبيعية لما يعيشه الناس في ذلك الوقت من الروتين القاتل، وقد أشار مؤلفه في المقدمة إلى ذلك الوضع بقوله: «ما أقدمت على هذا المصنف إلا لأنن أردت أن أروح عن النفس التي اعتادت على الأعمال الروتينية القاتلة وللحديث القائل «إن هذه القلوب تمل فابتغوا لها طرائف الحكم».

إلى غيرها من الكتب والموضوعات الكثيرة، لأن الترفيه الفكري والنفسي ضرورة لا بد منها، تمارسها الحياة الطفولية على شكل ألعاب، وتتخلق في الكبر بأشكال مختلفة في جوانح النفس وشوارد الفكر مما يبسطها ويثير نشاطها ويزيد حيويتها مجدداً. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «السرور يبسط النفس ويثير النشاط».

النتائج المرجوة من الترفيه:

لكل عمل من الأعمال سلبياته وإيجابياته، لكن بعضها ترجح سلبياتها على إيجابياتها، والبعض الآخر إيجابياتها أكثر من سلبياتها، وكما أن الترفيه خاضع للجوانب المالية المفروضة في كثير من الأحيان، وجوانب الهوى أيضاً إلا أنه إيجابي جداً، وله الأثر الواضح على حياة أفراد الأسرة في التربية الحالية والمستقبلية أيضاً، فقد يرفع الترفيه الملل الذي يحدث من جراء ممارسة الأعمال الكثيرة والروتينية التي اعتاد الإنسان عليها خلال اليوم والأسبوع والسنة.. فكم يقضي الإنسان بين المطالعات والأشياء وحرث الأرض وتعقيب المعاملات وإصلاح الأرض والطبيعة ومقابلات الأهل والأصدقاء.. و.. الخ مما اعتاد عليه الجميع من الناس حيث يترك هذا الروتين أثره الواضح على حياة الفرد والأسرة والمجتمع، لذلك تقل حركة العامل فيه كثيراً ويحتاج عندها إلى فترة زمنية يقضيها ترويحاً عن النفس، حتى يستعيد فيها نشاطه وأعماله بحيوية ونشاط متزايدين. يقول الإمام علي (عليه السلام) «لكل عضو من البدن استراحة».

وأكد على هذه الحقيقة بعض المتخصصين بقوله: يحتاج الإنسان لفترة زمنية يريح فيها نفسه وأعصابه من جراء الالتزامات الكثيرة التي تسبب له الروتين القاتل، ووسائل اللهو المختلفة هي بمثابة أدوات لتحرير وتخليص المشاعر المضغوطة والفرار من حقائق الحياة المرة، وكما يذكر (كيميال يانج) في كتابه الخاص بعلم الاجتماع فإن هذه الوسائل تسمح للأفراد بالتخلص لعدة ساعات من التزامهم كآباء أو قادة مجتمع والابتعاد عن القلق والاضطراب بالدخول في عالم أحلام مصطنع، ولهذا ينصرفون لمشاهدة المناظر المضحكة ويتقاطرون على المناطق المسلية...

وقرأت في بعض المجلات العربية: أن عامل الترفيه أصبح علاجاً نافعاً لكثير من الأمراض المختلفة، وخصوصاً أمراض المراهقة لدى الشباب والفتيات، مما ساعد على الحد من انتشار الجريمة والفساد في المجتمع. ولذا فتحت أكثر الدول الغربية والعربية على حد سواء، أبواب إنشاء النوادي الشبابية وتكثير الأنشطة الرياضية والثقافية وإيجاد أماكن الترفيه في كل منطقة من المناطق، حتى يتسنى لهم القضاء على بواعث الفساد الأخلاقي في حياة المراهق.

«لوحظ أن المنحرفين في مدينة شيكاغو الذين لم تتح لهم فرصة الاستكمال والاستفادة من أوقات الترفيه، تزايد ارتفاع معدل الجريمة والأمراض النفسية، ما يزيد على (70%) من الحالات وبصفة متكررة في بعض المدن الأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما قد تصل نسبة الجرائم والفساد والانحراف في بعضها إلى(٣0 في المائة) فقط من هؤلاء الذين

أتيحت لهم فرصة الترفيه٠٠)(١).

وأجمع أطباء علم النفس أن (الترفيه) واستثمار أوقاته عنصر مهم لنجاح الأسرة والمجتمع في الحياة الاستخلافية للإنسان في العالم الأرضي، حيث بهذا العامل يكتشف الآباء والأمهات القدرات الخارقة لأطفالهم وأبنائهم، وتقوية أجسامهم وعقولهم وتوسيع مداركهم بالتعرف على عالم (الترفيه). 

السفر والسياحة مهمان للأسرة:

حث الإسلام على هذا العامل، لما له من ثمرة عملية على علاقة أفراد الأسرة مع بعضهم البعض، وتغير نمط التفكير عند المراهقين والأبناء الصغار أيضاً، لما يترك (السفر والسياحة) من الأثر الواضح بأحداثه المختلفة السليمة منها والإيجابية في عقلية الأبناء ومسيرة حياتهم وتجاربهم المستقبلية. لذلك اعتبره الدين الإسلامي واحداً من وسائل الترويح عن النفس والعقل للفرد والأسرة والمجتمع، شريطة أن لا يكون سفرهم وسياحتهم للمعصية ومساندة الفساد والإفساد في الأرض. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «سافروا تصحوا» أي صحة عقلية وفكرية وجسمية كما أثبتت ذلك التجارب العلمية والعملية معاً.

وجاء في الديوان المنسوب للإمام علي (عليه السلام) توضيح لفوائد السفر والسياحة بقوله:

تغرب عن الأوطان في طلب العلى          وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفريج هم واكتساب معيشة                    وعلم و آداب وصحبة ماجد

كما يساعد السفر على تنقية الأجواء وإصلاح العلاقات الأسرية، ويزيد شد أواصر المحبة والأخوة بين الناس.. فكم أسرة سافرت وعادت بزيادة المعلومات والتعرف على معالم الحياة والطبيعة والإنسان، والتقاليد والعادات والمفاهيم والثقافات والمذاهب والأديان. حيث كان سائداً منذ القدم موضوع تغيير الماء والهواء بهذا الأسلوب فقد كانوا يعالجون بذلك المرضى المصابين بأمراض مزمنة لا علاج لها.

وقد أصبح السفر جزءاً من البرامج المؤكدة لدى الناس وواحداً من أهم عوامل السلامة، وبشكل عام فقد ثبت اليوم طبياً أن الروتين الذي يعتاده الإنسان سواء في طعامه أو نومه أو أعماله تؤدي به إلى الأمراض الخطيرة التي لاتحمد عقباها، ولذلك ينصح الأطباء بالذهاب إلى أماكن الترفيه والتشجيع على ممارسة الرياضة البدنية والسير على الأقدام عدة ساعات، والسياحة السفر تقلل عوامل الأمراض في جسم الإنسان وعقله وحياته، وربما أصبحت هذه العوامل أفضل من تناول الدواء أحياناً، كما ثبت ذلك بالدليل والبرهان العلمي.

سادساً: زرع بذور الإيمان في شخصيته:

يعتبر الإيمان عاملاً من عوامل الحياة السعيدة، في عالم البشرية، فهو سبب حقيقي لنزول خيرات السماء وتفجير ينابيع الخير من الأرض، وتعم بسببه سلامة الأرواح والأنفس أيضا، وتنتعش الأجسام ويستتب الأمن وترسو الراحة وترفرف معالم الرفاه والمحبة في المجتمع الإسلامي، بسبب تطبيقه على الواقع المعاش، وحينما نرى شخصاً أو مجتمعاً أو أمة يسيرون نحو الهاوية والانحطاط والرذيلة والفساد الأخلاقي يجب أن نعلم علماً يقيناً أن ذلك بسبب فقدانهم عامل الإيمان في حياتهم العلمية والعملية..

ولما كانت الأمة الإسلامية أمة دينية وحضارية وملتزمة بنظام الإسلام وقواعد الدين والأخلاق، وكانت شعوبها شعوباً مؤمنة بكل تعاليم الإسلام والدين، كانت في نظر الغرب شبحاً مرعباً يخيفهم، وكانت الانتصارات تتلو الأخرى وكانت الخيرات تعم المعمورة والنفس لا تشتكي سقماً والأجساد لا تحتاج علاجاً، وكانت موارد الحياة الاقتصادية بأيديهم حيث كان الواحد منهم يجري على يديه الخير للناس ونفعه المادي يعم الجميع، وكان يتمنى الواحد منهم أن يكون طعمة للسيوف والرماح دفاعاً عن وطنه ودينه ومبادئه وإخوانه ومجتمعه بكل ما أوتي من قوة مادية ومعنوية.. ولذلك وصل الإسلام والدين والتعاليم لما وصلت إليه اليوم !.

ولكونه ضرورة في حياة البشرية أكدت عليه الشريعة السمحاء في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وأشاد به العقلاء وأكد عليه العلماء في مصادرهم.

فهذا القرآن الكريم يزخر بعدد هائل من الآيات الكريمة التي تحث على التمسك به وبمعالمه واستثماره على الصعيد الفردي والأسري والاجتماعي. يقول تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].

{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة: 25].

وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الصف: 10، 11].

إلى غيرها من الآيات الكثيرة التي يزخر بما القرآن الكرم.

وأما الروايات والأحاديث فهي أكثر من أن تحصى على الإطلاق. فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :(إن القلب ليراوح فيما بين الصدر والحنجرة، حتى يعقد على الإيمان، فإذا عقد على الإيمان قر واستقر، وذلك قوله سبحانه: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11](2).

وعن عبد العزيز القراطيسي: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة فلا يقولن صاحب الواحد لصاحب الائنين لست على شيء ولو انتهى إلى العاشرة)(3).

ما هو المقياس الواقعي:

(تحت هذا العنوان أشاد الإمام الشيخ جعفر بن المقدس الشيخ محمد أبو المكارم (قدس)(٤) في بعض مصنفاته القيمة، أن الإيمان جزء هام في حياة الإنسان المسلم، فبدونه يتحول إلى هيكل خارج عن محتواه الواقعي، مثله مثل الحيوان الذي يسعى لإشباع غرائزه وشهواته ولذاته.. والإنسان ليس جسداً بمقدار ما هو روح وقيم وتعاليم ومبادئ وإيمان، وعقيدة متمثلة في مظهر الإنسان الخارجي على الساحة العلمية والعملية له.

ويؤكد على الإيمان الثابت أكثر من غيره باعتباره منهج الإنسان المؤمن، الذي يمنحه الحصانة الفكرية من الضياع والتشتت والانهزام أمام المشكلات والفوادح والعواصف الكثيرة، لأنه نابع من العقل والوجدان والتدبر والتجربة الطويلة.

وينبذ الإيمان المستودع، لأنه نابع من وحي الشهوات والأهواء، ولذلك تراه لا يستقر في روحه أبداً، باعتباره جاء عن تقليد وأتباع، ويؤكد (قدس) أن كل شيء يصدر عن الإيمان المستودع لا يصمد أمام مشكلة صغيرة فضلاً عن الكبيرة، وتراه أيضاً أمام العراقيل ينهزم وأمام الشبهات ينبهت ويندحر.. بينما الإيمان المستقر الثابت يصمد أمام الشبهات والمناظرات والتحديات الدينية والسياسية والتربوية والاقتصادية والثقافية وغيرها.

يقول في هذا النص: فمن أراد الله سبحانه توفيقه وأن يكون إيمانه مستقراً ثابتاً سبب له الأسباب التي تودي به إلى أخذ دينه من كتاب الله سبحانه وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعلم ويقين وبصيرة، فإذا الإنسان يكون أثبت في دينه من الجبال الرواسي، وتزول الجبال وهو لا يزول على الإطلاق.. ومن أراد الله سبحانه خذلانه وأن يكون إيمانه معاراً مستودعاً سبب له الأسباب والتقليد من غير علم وبصيرة، فهو في التيه، وإن جذبه السير جذباً لا يزيده كثرة السير إلا بعداً، وكلما رأى كبيراً من الكبراء مال إليه، وكلما رأى فكرة تعلق بها، وكلما رأى شيئاً استحسن ظاهره(5).

لذلك ترى التأكيد التام من الشارع المقدس على أهمية الإيمان المستقر، والسير وفق منهجه وتعاليمه الحقة حتى يصل الإنسان إلى سلم الكمالات الحقيقية، وحث الآباء والأمهات على تلقيه كمنهج تربوي في تربية أبنائهم، واًكد الشارع المقدس عليهم أن يغرسوا في نفوسهم بذوره الطيبة، حتى يحصلوا على أبناء صالحين إن شاء الله تعالى. ومن أهم الأمور التي ينبغي مراعاتها أن يفهم الآباء والأمهات أن الإيمان حركة يومية يمارسها الإنسان في أسرته ومجتمعه على الصعيد الفردي والأسري والاجتماعي على حد سواء، وليس الإيمان قوة أو حالة تمارس في زمان معين أو وقت معين ثم تمضي وتتلاشى مع الأيام والسنون، أو تمارس في مكان دون مكان، أو أمام شريحة بسيطة دون أخرى، كما هو حال أكثر الناس في هذا العصر المشؤوم. حيث تراه يكون مؤمناً داخل المسجد أو الحسينية أو أمام الآخرين، بينما في داخله شر كبير، وقلبه مليء بالأمراض الأخلاقية والدينية والأفكار الخرافية والفاسدة، وإذا اختلى بنفسه فهو شيطان وحيوان في التفكير والتطبيق.

ينبغي أن يفهم الآباء والأمهات أن الإيمان عقيدة وعمل يطبق على الواقع المعاشي للإنسان سواء في أسرته أو مجتمعه أو أمته، وفي علانيته وسره، بين الناس أو خلفهم، بمعنى آخر ينبغي أن يكون (ظاهره كباطنه) تماماً وهذه التربية لا يحصل عليها الشاب والفتاة إلا إذا ساعدهما على ذلك الآباء والأمهات.

يقول الحديث المروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) :(رحم الله والداً أعان ولده على بره) وفي حديث آخر (من حق الولد على والده أن يعلمه الرماية والكتابة وأن يزوجه إذا بلغ.

______________________________________

(1) راجع الموسوعة الطبية 16. محمد رفعت.

(2) البحار ج55 ، ص64.

(3) البحار ج22 ، ص35.

(4) هو الإمام الشيخ جعفر بن الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله آل أبي المكارم العوامي، ولد في العوامية عام 1218هـ ونشأ في ظل أبيه الفقيه النحرير الشيخ محمد وتلقى التربية الدينية والعلمية على يده وعلى يد جماعة من علماء المنطقة في ذلك الوقت، إلى أن رحل إلى النجف الأشرف واستقر بها طالباً العلم ما يقارب خمسة عشر سنة، ومن ثم عاد إلى وطنه وهو مجاز من قبل جهابذة الدين والعلم، له كثير من المصنفات وهي تربو على ثمانية واربعين مصنفاً في مختلف العلوم والفنون، كما أنه من أهل الورع والتقوى والزهد والعبادة والكرامات ، توفي في البحرين مسموماً في المستشفى الأمريكي ودفن بجانب قبر الفيلسوف الشيخ ميثم البحرين بوصية سابقة منه ، سنة ١٣٤١هـ.  وقد ترجمت له ترجمة اضافية في كتابي أعداء الأمة ودعاتها وكتاب العوامية مجد وحضارة كما خصصت له كتاباً خاصاً به في سلسلة مشاهير بلادي فراحع.

(5) , راجع (ملتقى البحرين ص٩٣ مخطوط). 

 شعار المرجع الالكتروني للمعلوماتية




البريد الألكتروني :
info@almerja.com
الدعم الفني :
9647733339172+