صوم الإمام زين العابدين
المؤلف:
المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
المصدر:
أعلام الهداية
الجزء والصفحة:
ج 6، ص131-134
13/10/2022
2635
وقضى الإمام معظم أيام حياته صائما ، وقد قالت جاريته حينما سئلت عن عبادته : « ما قدّمت له طعاما في نهار قطّ » وقد أحبّ الصوم وحثّ عليه إذ قال ( عليه السّلام ) : « إنّ اللّه تعالى وكّل ملائكة بالصائمين »[1] ، وكان ( عليه السّلام ) لا يفطر إلّا في يوم العيدين وغيرهما ممّا كان له عذر .
وكان له شأن خاص في شهر رمضان ، أنّه لم يترك نوعا من أنواع البرّ والخير إلّا أتى به ، وكان لا يتكلم إلّا بالتسبيح والاستغفار والتكبير ، وإذا أفطر قال : « اللّهم إن شئت أن تفعل فعلت »[2].
وكان ( عليه السّلام ) يستقبل شهر رمضان بشوق ورغبة لانّه ربيع الأبرار ، وكان يدعو لدى دخول شهر اللّه تعالى بدعاء نقتطف منه بعض الفقرات ، قال ( عليه السّلام ) :
« الحمد للّه الذي هدانا لحمده وجعلنا من أهله ؛ لنكون لإحسانه من الشاكرين ، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين .
والحمد للّه الذي حبانا بدينه ، واختصّنا بملّته ، وسبّلنا[3] في سبل إحسانه ، لنسلكها بمنّه إلى رضوانه . . . والحمد للّه الذي جعل من تلك السبل شهره شهر رمضان شهر الصيام وشهر الإسلام وشهر الطهور وشهر التمحيص وشهر القيام . . .
اللّهم صلّ على محمد وآله ، وألهمنا معرفة فضله ، وإجلال حرمته ، والتحفّظ ممّا حظرت فيه ، وأعنّا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك ، واستعمالها فيه بما يرضيك ، حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو ، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو ، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور ، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور ، وحتى لا تعي بطوننا إلّا ما أحللت ، ولا تنطق ألسنتنا إلّا بما مثّلت ، ولا نتكلّف إلّا ما يدني من ثوابك ، ولا نتعاطى إلّا الذي يقي من عقابك ، ثم خلّص ذلك كلّه من رئاء المرائين وسمعة المسمعين ، لا نشرك فيه أحدا دونك ، ولا نبتغي فيه مرادا سواك . . .
اللهمّ اشحنه[4] بعبادتنا إيّاك ، وزيّن أوقاتنا بطاعتنا لك ، وأعنّا في نهاره على صيامه ، وفي ليله على الصلاة والتضرع إليك والخشوع لك والذلّة بين يديك حتى لا يشهد نهاره علينا بغفلة ولا ليله بتفريط .
اللهمّ واجعلنا في سائر الشهور والأيام كذلك ما عمّرتنا . . . »[5].
وكان الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) في كلّ يوم من أيام شهر رمضان يأمر بذبح شاة وطبخها . . . فإذا نضجت يقول : « هاتوا القصاع » ويأمر بأن يفرّق على الفقراء والأرامل والأيتام حتى يأتي على آخر القدور ولا يبقي شيئا لإفطاره ، وكان يفطر على خبز وتمر[6].
ومن مبرّات الإمام ( عليه السّلام ) في شهر رمضان المبارك كثرة عتقه وتحرير أرقّائه من رقّ العبودية ، على أنهم كانوا يعيشون في ظلاله محترمين ، فكان يعاملهم كأبنائه ، وكان ( عليه السّلام ) لا يعاقب أمة ولا عبدا إذا اقترفا ذنبا ، وإنّما كان يسجّل اليوم الذي أذنبوا فيه ، فإذا كان آخر شهر رمضان جمعهم وأظهر الكتاب الذي سجّل فيه ذنوبهم ، ويقول :
« ارفعوا أصواتكم وقولوا : يا عليّ بن الحسين ! إنّ ربّك قد أحصى عليك كلّ ما عملت ، كما أحصيت علينا ما عملناه ، ولديه كتاب ينطق بالحقّ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيت إلّا أحصاها ، وتجد كلّ ما عملت لديه حاضرا ، كما وجدنا كلّ ما عملنا لديك حاضرا ، فاعف واصفح ، كما ترجو من المليك العفو ، وكما تحبّ أن يعفو المليك عنك ، فاعف عنّا تجده عفوّا ، وبك رحيما ولك غفورا ، ولا يظلم ربّك أحدا . . . كما لديك كتاب ينطق بالحقّ علينا ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيناه إلّا أحصاها ، فاذكر يا عليّ بن الحسين ذلّ مقامك بين يدي ربّك الحكم العدل الذي لا يظلم مثقال حبّة من خردل ، ويأتي بها يوم القيامة ، وكفى باللّه حسيبا وشهيدا ، فاعف واصفح يعف عنك المليك ويصفح ، فإنّه يقول : وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ[7].
وكان يلقّنهم بتلك الكلمات التي تمثّل انقطاعه التامّ إلى اللّه تعالى واعتصامه به ، وهو واقف يبكي من خشيته تعالى ويقول :
« ربّ إنّك أمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا ، وقد عفونا عمّن ظلمنا كما أمرت فاعف عنّا فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين ، وأمرتنا أن لا نردّ سائلا عن أبوابنا ، وقد أتيناك سؤّالا ومساكين ، وقد أنخنا بفنائك وببابك نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك فامنن بذلك علينا ، ولا تخيّبنا فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين ، إلهي كرمت فأكرمني ، إذ كنت من سؤّالك وجدت بالمعروف فأخلطني بأهل نوالك يا كريم . . . » .
ثم يقبل عليهم بوجهه الشريف وقد تبلّل من دموع عينيه قائلا لهم بعطف وحنان : « قد عفوت عنكم ، فهل عفوتم عنّي ؟ وممّا كان منّي من سوء ملكة ، فإنّي مليك سوء لئيم ظالم ، مملوك لمليك كريم جواد عادل محسن متفضّل . . . » وينبري العبيد قائلين له : قد عفونا عنك يا سيّدنا ، فيقول لهم : « قولوا : اللهمّ اعف عن عليّ بن الحسين كما عفا عنّا ، فاعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرق » .
فيقولون ذلك ، ويقول بعدهم : « اللهمّ آمين ربّ العالمين ، اذهبوا فقد عفوت عنكم ، وأعتقت رقابكم رجاء للعفو عنّي وعتق رقبتي » فإذا كان يوم عيد الفطر أجازهم جائزة سنيّة تغنيهم عمّا في أيدي الناس[8].
[2] فروع الكافي : 4 / 88 .
[4] أي : املأه بعبادتنا إيّاك .
[5] الصحيفة الكاملة السجادية : الدعاء 44 .
[6] بحار الأنوار : 46 / 72 .
[7] سورة النور ( 24 ) : 22 .
[8] بحار الأنوار : 46 / 103 - 105 .
الاكثر قراءة في مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة