الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
المشهورون بعلوم الأوائل
المؤلف:
أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر:
نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة:
مج3، ص: 375-380
12/12/2022
1503
[ المشهورون بعلوم الأوائل](1)
161- وأول من اشتهر في الأندلس بعلم الأوائل والحساب والنجوم أبو عبيدة مسلم بن أحمد المعروف بصاحب القبلة ، لأنه كان يشرق في صلاته ، وكان عالما بحركات الكواكب وأحكامها ، وكان صاحب فقه وحديث ، دخل المشرق وسمع بمكة من علي بن عبد العزيز ، وبمصر من المزني وغيره.
ومنهم يحيى بن يحيى المعروف بابن السمينة من أهل قرطبة ، وكان بصيراً بالحساب والنجوم والنحو(2) واللغة والعروض ومعاني الشعر والفقه والحديث والأخبار والجدل ودخل إلى المشرق وقيل : إنه كان معتزلي المذهب وأبو القاسم أصبغ بن السمح ، وكان بارعا في علم النجوم(3) والهندسة والطب وله تأليف منها كتاب " المدخل إلى الهندسة في تفسير إقليدس "، وكتاب كبير في الهندسة ، وكتابان(4) في الأسطرلاب ، وزيج على مذاهب الهند المعروف بالسند هند.
وأبو القاسم ابن الصفار ، وكان عالما بالهندسة والعدد والنجوم ، وله زيج مختصر على مذاهب السند هند ، وله كتاب في عمل الأسطرلاب.
ومنهم أبو الحسن الزهراوي وكان عالما بالعدد والطب والهندسة ، وله
۳۷٥
كتاب شريف في المعاملات على طريق البرهان.
ومنهم أبو الحكم عمر الكرماني ، من أهل قرطبة ، من الراسخين في علم العدد والهندسة ، ودخل المشرق ، واشتغل بحران ، وهو أول من دخل برسائل إخوان الصفا إلى الأندلس.
ومنهم أبو مسلم ابن خلدون من أشراف إشبيلية ، وكان متصرفاً في علوم الفلسفة والهندسة والنجوم والطب ، وتلميذه ابن برغوث ، وكان عالماً بالعلوم الرياضية ، وتلميذه أبو الحسن مختار الرعيني ، وكان بصيراً بالهندسة والنجوم ، وعبد الله بن أحمد السرقسطي ، كان نافذاً في علم الهندسة والعدد والنجوم ، ومحمد بن الليث ، كان بارعا في العدد والهندسة وحركات الكواكب ، وابن حي ، قرطبي بصير بالهندسة والنجوم ، وخرج عن الأندلس سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة ، ولحق بمصر ، ودخل اليمن ، واتصل بأميرها الصليحي القائم بدعوة المستنصر ' العبيدي ، فحظي عنده ، وبعثه رسولا إلى بغداد إلى القائم بأمر الله ، وتوفي باليمن بعد الصرافه من بغداد ، وابن الوقشي الطليطلي ، عارف بالهندسة والمنطق والزيوج ، وغيرهم ممن يطول تعدادهم.
وكان الحافظ أبو الوليد هشام الوقشي من أعلم الناس بالهندسة وآراء الحكماء والنحو واللغة ومعاني الأشعار والعروض وصناعة الكتابة والفقه والشروط والفرائض وغيرها ، وهو كما قال الشاعر :
وكان من العلوم بحيث يقضى له في كل فن بالجميع
ومن شعره قوله :
قد بينت فيه الطبيعة أنها بدقيق أعمال المهندس ماهره
عنيت بمبسمه فخطت فوقه بالمسك خطأ من محيط الدائرة
۳۷٦
وعزم على ركوب البحر إلى الحجاز فهاله ذلك ، فقال :
لا أركب البحر ولو أني ضربت فيه بالعصا فانفلق
ما إن رأت عيني أمواجه في فرق إلا تناهى الفرق
. وكان الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن مهند(5) مصنف الأدوية المفردة آية الله تعالى في الطب وغيره ، حتى إنه عانى جميع ما في كتابه من الأدوية المفردة ، وعرف ترتيب قواها ودرجاتها ، وكان لا يرى التداوي بالأدوية ما أمكن بالأغذية أو ما يقرب منها ، وإذا اضطر إلى الأدوية فلا يرى التداوي بالمركبة ما وجد سبيلا إلى المفردة ، وإذا اضطر إلى المركب لم يكثر التركيب ، بل يقتصر على أقل ما يمكنه وله غرائب مشهورة في الإبراء من الأمراض الصعبة والعلل المخوفة بأيسر علاج وأقربه.
ومنهم ابن البيطار(6) وهو عبد الله بن أحمد المالقي الملقب بضياء الدين ، وله عدة مصنفات في الحشائش لم يسبق إليها ، وتوفي بدمشق سنة ست وأربعين وستمائة أكل عقارا قاتلا فمات من ساعته رحمه الله تعالى .
١٦٢ – ومن حكاياتهم في الحفظ أن الأديب الأوحد حافظ إشبيلية ، بل الأندلس في عصره ، أبا المتوكل الهيثم بن أحمد بن أبي غالب كان أعجوبة دهره في الرواية للأشعار والأخبار ، قال ابن سعيد(7): أخبرني من أثق به أنه حضر معه ليلة عند أحد رؤساء إشبيلية فجرى ذكر حفظه ، وكان ذلك في أول الليل ، فقال لهم : إن شئتم تختبروني أجبتكم ، فقالوا له : بسم الله ، إنا نريد أن تحدث عن تحقيق ، فقال : اختاروا أي قافية شئتم لا أخرج عنها ، حتى
۳۷۷
تعجبوا(8)، فاختاروا القاف ، فابتدأ من أول الليل إلى أن طلع الفجر ، وهو ينشد وزن:
أرق على أرق ومثلي يأرق
وسماره قد نام بعض وضج بعض ، وهو ما فارق قافية القاف.
وقال أبو عمران ابن سعيد : دخلت عليه يوما بدار الأشراف بإشبيلية ، وحوله أدباء ينظرون في كتب منها ديوان ذي الرمة ، فمد الهيثم يده " إلى الديوان المذكور ، فمنعه منه أحد الأدباء ، فقال : يا أبا عمران ، أواجب أن يمنعه مني وما يحفظ منه بيتاً ، وأنا أحفظه ؟ فأكذبته الجماعة ، فقال : اسمعوني وأمسكوه ، فابتدأ من أوله حتى قارب نصفه ، فأقسمنا عليه أن يكف ، وشهدنا له بالحفظ .
وكان آية في سرعة البديهة ، مشهوراً بذلك ، قال أبو الحسن ابن سعيد : عهدي به في إشبيلية يملي على أحد الطلبة شعراً ، وعلى ثان موشحة ، وعلى ثالث زجلا ، كل ذلك ارتجالا.
ولما أخذ الحصار بمختنق إشبيلية في مدة الباجي خرج خروج القارظين(9)، ولا يدري حيث ولا أبن.
ومن شعره وقد نزل بداره عبيد السلطان ، وكتب به إلى صاحب الأنزال :
كم من يد لك لا أقوم بشكرها وبها أشير إليك إن خرست فمي
وقد استشرتك في الحديث فهل ترى أن يدخل الغربان وكثر الهيثم
۳۷۸
وله(10):
يجفى الفقير ويغشى الناس قاطبة باب الغني، كذا حكم المقادير
وإنما الناس أمثال الفراش فهم بحيث تبدو مصابيح الدنانير
وله :
عندي لفقدك أوجال أبيت بها كأنني واضع كفتي على قبس
ولا ملامة إن لم أهد نيره حتى تمد إليها كف مقتبس
قد كنت أودع سر الشوق في طرس لكنني خفت أن يعدو على الطرس
وأنشد له أبو سهل شيخ دار الحديث بالقاهرة في إملائه:
قف بالكثيب لغيرك التأنيب إن الكثيب هوى لنا محبوب
يا راحلين لنا عليكم وقفة ولكم علينا دمعنا المسكوب
تخلى الديار من المحبة والهوى أبدأ وتعمر أضلع وقلوب
وقال ارتجالا في صفة فرس أصفر :
أطرف فات طرفي أم شهاب هفا كالبرق ضرمه التهاب
أعار الصبح صفحته نقاباً نفر به وضح له النقاب
فمهما حث خال الصبح وافي ليطلب ما استعار فما يصاب
إذا ما انقض كل النجم عنه وضلت عن مسالكه السحاب
فيا عجبا له فضل الدراري فكيف أذال أربعه التراب
سل الأرواح عن أقصى مداه فعند الريح قد يلفى الجواب
163 - وقال أبو عمر الطلمتكي : دخلت مرسية ، فتشبث بي أهلها
۳۷۹
يسمعوا علي الغريب المصنف ، فقلت : انظروا من يقرأ لكم وأمسكت أنا كتابي، فأتوني برجل أعمى يعرف بابن سيده ، فقرأه(1١) علي من أوله إلى آخره فعجبت من حفظه ، وكان أعمى ابن أعمى ، وابن سيده المذكور هو أبو الحسن علي بن أحمد بن سيده ، وهو صاحب كتاب " المحكم " ومن نظمه مما كتب به إلى ابن الموفق:
ألا هل إلى تقبيل راحتك اليمنى سبيل فإن الأمن في ذاك واليمنا
ومنها :
ضحيت فهل في برد ظلك نومة لذي كبد حرى وذي مثقلة وسنني
وتوفي ابن سيده المذكور سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ، وعمره نحو الستين ، رحمه الله تعالى .
164- ومن حكاياتهم في حب العلم أن المظفر بن الأفطس صاحب بطليوس كان كما قال ابن الأبار كثير الأدب ، جم المعرفة ، محبا لأهل العلم ، جماعة للكتب ، ذا خزانة عظيمة ، لم يكن في ملوك الأندلس من يفوقه في أدب ومعرفة ، قاله ابن حيان.
وقال بن بسام(12): كان المظفر أديب ملوك عصره غير مدافع ولا منازع ، وله التصنيف الرائق، والتأليف الفائق ، المترجم بالتذكرة والمشتهر أيضاً اسمه بالكتاب المظفري ، في خمسين مجلداً ، يشتمل على فنون وعلوم من مغاز وسير ومثل وخبر وجميع ما يختص به علم الأدب ، أبقاه للناس(13) خالدا ، وتوفي المظفر سنة ستين وأربعمائة . وكان يحضر العلماء للمذاكرة ، فيفيد
۳۸۰
ويستفيد ، رحمه الله تعالى .
165- ومن التأليف الكبار لأهل الأندلس كتاب " السماء والعالم "(14) الذي ألفه أحمد بن أبان صاحب شرطة قرطبة ، وهو مائة مجلد ، رأيت بعضه بفاس ، وتوفي ابن أبان سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة ، رحمه الله تعالى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- يعتد المقري في هذا الفصل على طبقات صاعد ٦٤ – ۷۲ ويستمد أيضاً من المطرب : ۳۲۳ - ٢٢٤ ، وللمقارنة انظر ابن أبي أسبيعة ٢ : ٣٦ - ٤٩ .
2- والنحو : سقطت من م.
3- ق ب : علم النحو .
4- ب: وكتاب .
5- في أصول النفح ودوزي : شهيد ؛ والتصويب من ابن أبي أصيبعة ( ٢ : ٤٩).
6- ابن أبي أصيبعة ٢ : ۱۳۳ والنفح ٢ : 691.
7-اختصار القدح :158 والمغرب 1: 258 والتكملة رقم : 2025.
8- ق ب : تعجوا .
9- يعني خرج ولم يعد ، فعل القارظين المضروب بهما المثل في عدم الأوبة.
11- ب : قرأه
12- الذخيرة ٢ :255
13- الذخيرة : في الناس .
14- الجذوة : ۱۱۰ ، ۳۸۱