x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

علم الحديث

تعريف علم الحديث وتاريخه

أقسام الحديث

الجرح والتعديل

الأصول الأربعمائة

الجوامع الحديثيّة المتقدّمة

الجوامع الحديثيّة المتأخّرة

مقالات متفرقة في علم الحديث

علم الرجال

تعريف علم الرجال واصوله

الحاجة إلى علم الرجال

التوثيقات الخاصة

التوثيقات العامة

مقالات متفرقة في علم الرجال

أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)

اصحاب الائمة من التابعين

اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني

اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث

علماء القرن الرابع الهجري

علماء القرن الخامس الهجري

علماء القرن السادس الهجري

علماء القرن السابع الهجري

علماء القرن الثامن الهجري

علماء القرن التاسع الهجري

علماء القرن العاشر الهجري

علماء القرن الحادي عشر الهجري

علماء القرن الثاني عشر الهجري

علماء القرن الثالث عشر الهجري

علماء القرن الرابع عشر الهجري

علماء القرن الخامس عشر الهجري

البحث حول الراوي المفضّل بن عمر الجعفيّ.

المؤلف:  الشيخ محمد طالب يحيى آل الفقيه

المصدر:  سدرة الكمال في علم الرجال

الجزء والصفحة:  ص 480 ـ 500.

27/12/2022

1432

المفضّل بن عمر الجعفيّ:

اختلف المتقدّمون والمتأخّرون أشدّ الاختلاف في المفضّل حتّى جعله بعضهم من أقرب المقرّبين من المعصوم (عليه السلام) فهو بابه ووكيله وحافظ عهده، وقد أعلوا من شأنه حتّى كأنّه أعلى شأناً من زرارة بن أعين وأنّه كان كالوالد للإمام الكاظم (عليه السلام) وقد ترحّم عليه الإمام كثيراً وأوصاه بوصايا وعهد إليه عهده بعد ابن أبي يعفور.

في حين كفّره آخرون واعتبروه مشرك بالله العظيم ولا أقلّ من أنّه كان فاسقاً تاركاً للصلاة وكان من أتباع أبي الخطّاب (لعنه الله).  ولهذا كثُرت فيه الكلمات والأخبار ومن بعدها الأدلّة الدالّة على فضله أو طغيانه، ولبيان ما توصّل إليه النظر لا بدّ من سرد شيء من الأدلّة ليُصار إلى القول الأول أو الثاني أو التوقّف مع عدم الترجيح، فنقول والله المستعان:

أدلة التوثيق:

الأول: بما أفاده المفيد (رحمه الله) في الإرشاد تحت عنوان: "فصل في النصّ عليه - الكاظم (عليه السلام) - عن أبيه (عليه السلام)، فممّن روى صريح النص بالإمامة عن أبي عبد الله (عليه السلام) على ابنه أبي الحسن موسى (عليه السلام) من شيوخ أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وخاصّته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين (رضوان الله عليهم)، المفضّل بن عمر الجعفيّ ومعاذ بن كثير..." (1).

وهذا توثيق بليغ وصريح من المفيد (رحمه الله) للمفضّل بن عمر.

الثاني: ما ذكره الشيخ في كتابه الغَيبة تحت عنوان: "فصل في ذكر طرف من أخبار السفراء الذين كانوا في حال الغيبة.. ونذكر من كان ممدوحاً منهم حسن الطريقة.. في المحمودين حمران بن أعين.. ومنهم المفضّل بن عمر.." (2).

وهذا مدح من الشيخ إلا أنّه وصفه بأنّه حسن الطريقة ما ينفي معها كونه مغالياً خطّابيّاً أو كافراً أو مشركاً.

الثالث: قول الشيخ في التهذيب حيث ضعّف محمد بن سنان في سند فيه المفضّل بن عمر ولم يتعرّض للمفضّل، وسكوته عنه قرينة على توثيقه كما أفاده السيد الخوئيّ في المعجم، قال (رحمه الله): "وروى الشيخ رواية بسنده عن محمد بن سنان عن المفضّل بن عمر، وقال في ذيلها: فأوّل ما في هذا الخبر أنّه لم يروه غير محمد بن سنان عن المفضّل بن عمر، ومحمد بن سنان مطعون عليه ضعيف جداً.

أقول: كلام الشيخ هذا كالصريح في اعتماده على المفضّل بن عمر، وأنّه غير مطعون عليه" انتهى كلامه (رحمه الله) (3).

بل يمكن تأييد كلام السيد أيضاً بما أضافه الشيخ من عبارته على قوله السابق "وما يستبد - أيّ: محمد بن سنان - بروايته ولا يشركه فيه غيره لا يُعمل عليه، ثم إنّ الخبر يتضمّن أنّه المهر لا يزاد على خمسمائة درهم.." وهو ما يظهر منه أنّ الشيخ أعمل جهده في بيان ضعف الخبر، فلو كان المفضّل عنده ضعيفاً لبيّنه وأظهره وأضعف الخبر به للوصول إلى الغاية والتي هي لزوم ترك الخبر وإسقاطه عند المعارضة.

أقول: عدم التعرّض لضعف المفضّل بن عمر غير كافٍ للقول بوثاقته، إذ لعلّ الشيخ اكتفى بذكر ضعف محمد بن سنان ليبيّن الخدشة في السند وهو كافٍ ومغنٍ عن بيان ضعف كلّ ضعيف في السند، وهذه الطريقة رائجة عند الشيخ وغيره.

أضف إلى ذلك أنّ الشيخ عند كتابته كلماته تلك كان عمره ما يقارب سبعة وعشرين سنة، ولم يعلم حينها أنّه كان له في كل راوٍ رأي من جهة ضعفه أو صحّته، إذ أنّ التهذيب كان باكورة أعماله، فعدم التعرّض له لعلّه لعدم علمه بوثاقته أو ضعفه، خاصّة مع الاختلاف الشديد فيه، ولهذا لا يُعتبر سكوته عنه توثيقاً له.

وممّا يؤيد ما نقول أنّ محمد بن سنان هذا الذي ضعّفه هنا في التهذيب قد مدحه واعتبره من الوكلاء الممدوحين في كتابه الغيبة، أي: بعد حين.

الرابع: ما ذكره ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب قال: "ومن خواصّ أصحابه معاوية بن عمّار مولى بن دهن، وهي حيّ من بجيلة.. والمفضّل بن عمر الجعفيّ.

وفي مورد آخر ذكر أنّه من الثقات الذين رووا صريحة النصّ على موسى بن جعفر عن أبيه: المفضّل بن عمر، وذكر أيضاً أنّ المفضّل باب موسى بن جعفر" (4) انتهى.

فإن قيل: إنّ توثيقات المتأخّرين حدسيّة، قلنا: إنّ ابن شهر آشوب ممّن توسّط المتقدّمين والمتأخّرين كابن ادريس، بل يُحسب من المتقدّمين، إذ المتقدّمون هم ممّن عاشوا عصر النصّ إلى زمن ما يعرف بانتهاء الكتب الأربعمائة، ومن المعلوم أنّ الأصول والمصنّفات قد وصلت إلى زمن الشيخين ومن بعدهم إلى زمن ابن إدريس وقد نقل عنها مستطرفات السرائر مباشرة من تلك الكتب ما يعتبر معه ابن إدريس وابن شهر آشوب من المتقدّمين بخلاف ابن طاووس - أحمد - والعلّامة وابن داود والمحقّق ومن بعدهم.

فالتوثيق المذكور هو من توثيقات المتقدّمين، نعم، اعتمد ابن شهر آشوب كثيراً على ما ذكره الشيخ في الفهرست وغيره من كتبه حتّى أنّه نقل عنه دون أن يغيّر بعبارة الشيخ بل أنّه من المعلوم أنّ كتاب معالم العلماء له هو تتمّة فهرست الشيخ، ما يُعلم معه من أنّ توثيقاته ليست معتمدة على كتب القدماء كابن عقدة وابن فضّال والبرقيّ وغيرهم، وإنّما هي معتمدة على ما أفاده الشيخ، وعليه فلا تزيد أقواله في التوثيق والتضعيف عمّا أفاده الشيخ، إذ ليست كلماته بعرض كلماته إنّما هي بطولها ومعتمدة عليها..

وقد عُلم من هذا أنّ توثيق ابن شهر آشوب تكرار لكلمات المفيد في الإرشاد والشيخ في الغيبة وغيرها، وليس توثيقاً مستقلا مبنيّاً على نقل الحسّ إلا بما أفاده المفيد والشيخ وغيرهما .

الخامس: عدم استثناء محمد بن الحسن بن الوليد للمفضّل بن عمر من نوادر محمد بن أحمد بن يحيى، إذ أنّه (رحمه الله) قد استثنى من النوادر الضعفاء والغلاة ما يلزم منه وثاقة من لم يستثنِ من النوادر ومنهم المفضّل بن عمر - على ما حكي ـ .

السادس: توثيق بعض المتأخّرين له كابن طاووس والميرداماد والوحيد والخاقاني وغيرهم وهو توثيق صريح لمن راجع كلماتهم.

وفيه: أنّه توثيق حدسيّ معتمد على الرواية وما قيل فيه من مدح وذم وإسقاط طائفة والعمل بأخرى، وليس مبنيّاً على حس ولا على نقله كما هو واضح

ولهذا قلنا بأنّ توثيق المتأخّرين لا يصلح للتوثيق بعد حدسيّته.

نعم، قد تشكّل قرينة للقول بالوثاقة إلا أنّها ليست علّة تامّة لتكون دليلاً على القول بالوثاقة.

بل يُقال أخرى: إنّ توثيقات المتأخّرين لا تتعدّى كلمات المتقدّمين للقول بالوثاقة أو الضعف، لهذا كما نحن والمتقدّمين من الأصحاب إن أثبتوا أثبتنا وإن أنكروا أنكرنا إلا في موارد الاختلاف كما سيأتي بحثه.

السابع: رواية الأجلّاء عنه ومنهم البزنطيّ وابن أبي عمير ويونس بن عبد الرحمن وغيرهم كالحسن بن راشد ومحمد بن خالد البرقيّ.

نعم، ممّن روى عنه كثيراً محمد بن سنان، ولعلّ أكثر تراثه مرويّ عنه حتّى أنّه يمكن القول بأنّ رواياته عنه قد تساوي كلّ ما روى عنه غيره، ممّا يُشعر بأنّ السند سند غلو.

لكن وعلى كل حال قد ذكرنا تكراراً ومراراً أنّ رواية الأجلّاء عن راوٍ لا تجبر ضعفه، إذ كان من دأبهم الرواية عن الثقة والضعيف.

نعم، كانت الخدشة لمن يُكثر الرواية عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، وأمّا مجرد الرواية عنه فلم تكن عيب، ولهذا نرى الأجلّاء قد رووا فعلاً عمّن نصّ الأصحاب على ضعفهم كيونس بن ظبيان ومحمد بن سنان وأبي جميلة المفضّل بن صالح وعلي بن حديد وغيرهم.

الثامن: الأخبار وهي مستفيضة ونذكر لذلك أهمها:

الأولى: ما رواه الكلينيّ بسند صحيح عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن يونس بن يعقوب قال: "أمرني أبو عبد الله (عليه السلام) أن آتي المفضّل وأعزّيه بإسماعيل وقال: أقرئ المفضّل السلام وقل له: إنّا قد أصبنا بإسماعيل فصبرنا، فاصبر كما صبرنا، إنّا أردنا أمراً وأراد الله (عزّ وجل) أمراً فسلّمنا لأمر الله (عزّ وجلّ)" (5).

والصحيحة دالّة على قرب المفضّل من الإمام (عليه السلام) وارتباطه به حتّى أرسل إليه الصادق (عليه السلام) مَن يعزّيه بولده، فهي لا أقلّ دالّة على كون المفضّل مقبولاً عند الإمام (عليه السلام).

الثانية: صحيحة الاختصاص المرويّة عن محمد بن علي - الصدوق - عن محمد بن موسى بن المتوكّل عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن أبي أحمد الأزديّ - ابن أبي عمير - عن عبد الله بن الفضل الهاشميّ قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) إذ دخل المفضّل بن عمر فلمّا بصر به ضحك إليه ثم قال: إليّ يا مفضّل فوربّي إنّي لأحبّك وأحبّ مَن يحبّك، يا مفضّل لو عرف جميع أصحابي ما تعرف ما اختلف اثنان، فقال له المفضّل: يا ابن رسول الله لقد حسبتُ أن أكون قد أنزلت فوق منزلي، فقال: بل أُنزلت المنزلة التي أنزلك الله بها (6).

وقد أُوردَ على الصحيحة بعدّة إيرادات منها ما قيل من عدم معلوميّة نسبة الكتاب للمفيد، إنّما هو مجموعة ممّا جمعه جمع من القدماء، وبما أنّ مقدّمته مرويّة عن المفيد أسند الكتاب كلّه إليه وهو ليس له كما عليه التحقيق.

كما أورد على السند بضعف محمد بن موسى بن المتوكل - شيخ الصدوق وذلك لعدم توثيقه في كتب القدماء.

لكنّه تقدّم معك أن ترحّم الصدوق والترضّي المتكرّر يكشف عن استقامة الرجل وهو كافٍ في دعوى الوثاقة.

الثالثة: صحيحة الكشّي المرويّة عن جعفر بن محمد قال: حدّثني الحسن بن علي بن النعمان قال: حدّثني أبو يحيى عن هشام بن سالم قال: كنّا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله (عليه السلام) أنا ومؤمن الطاق أبو جعفر، قال والناس مجتمعون على أنّ عبد الله صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والنّاس مجتمعون عند عبد الله، وذلك أنّهم رووا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّ الأمر في الكبير ما لم يكن به عاهة، فدخلنا نسأله عمّا كنّا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ قال: في مئتين وخمسة، قلنا: ففي مائة ؟ قال: درهمان ونصف درهم، قال: قلنا له: والله ما تقول المرجئة هذا! فرفع يديه إلى السماء فقال: لا والله ما أدري ما تقول المرجئة! قال: فخرجنا من عنده ضلّالاً لا ندري إلى أين نتوجّه أنا وأبو جعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقّة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى مَن نقصد وإلى من نتوجّه.. ثم لقيت المفضّل بن عمر وأبا بصير، قال: فدخلوا عليه - أي: الكاظم (عليه السلام) - فسمعوا كلامه وسألوه، قال: ثم قطعوا عليه (عليه السلام)، ثم قال..." (7).

ودلالة الصحيحة في اتّباع المفضّل بن عمر بعد الصادق (عليه السلام) ولده الكاظم (عليه السلام) ممّا لا تُنكر فتنفي بذلك كونه خطّابيّاً كما ذكره ابن الغضائريّ في الكتاب المنسوب إليه.

الرابعة: حسنة الكشّي المرويّة عن محمد بن مسعود قال: حدّثني عبد الله بن محمد بن خلف، قال: حدّثنا علي بن حسان الواسطيّ قال: حدّثني موسى بن بكر قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول لمّا أتاه موت المفضّل بن عمر قال: رحمه الله كان الوالد بعد الوالد، أما أنّه قد استراح (8).

وقد ذكرنا أنّ الترحّم الخاصّ يفيد مدحة بخلاف العام، فإنّ قوله (عليه السلام)" رحم الله المفضّل" بخلاف قوله "رحم الله شيعتنا" فإنّ الأول يفيد مدحاً خاصّاً بينما الثاني - والله العالم - هو مدح مرجعه للتشيّع وليس لكلّ فرد فرد، أو "شیعتنا" الذين لهم قابليّة انطباق الترحّم عليهم، وهذا لا يدلّ على التوثيق. أو أن يُقال بأنّ مراده (عليه السلام) هو الشيعيّ بالمعنى الأخصّ وهو بعيد عن ظاهر الإطلاق.

على كلٍّ فقد ينتقد على قولنا "حسنة" وذلك لمجهوليّة عبد الله بن محمد بن خلف فإنّه لم يذكر في كتب الرجال، لكنّه يُقال: إنّه عبد الله بن محمد بن خالد وليس بن خلف، وقد اشتبه الأمر على النسّاخ، وقرينة ذلك أنّ ابن مسعود إنّما يروي عن عبد الله بن محمد بن خالد خاصّة وليس عن ابن خلف، بل ليس في كتاب الكشّي ولا بأيّ من المصادر الرجاليّة مَن اسمه عبد الله بن محمد بن خلف مطلقاً ما يُعلم معه أنّ التحريف قد وقع بالاسم، وهذا الأمر ليس بعزيز.

والحسنه مادحة للمفضّل إذ أنّه كان بمنزلة الوالد للكاظم (عليه السلام) ما يعني اهتمام المفضّل بالإمام (عليه السلام) أشدّ اهتمام حتّى كان بمنزلة الوالد، وهو يعني القرب من الإمام واعتقاده به (عليه السلام).

الخامسة: خبر الكلينيّ المرويّ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي (9).

والخبر ضعيف بابن سنان، وهو محّمد وليس بعبد الله، وذلك لتوسّطه بين أحمد بن محمد والمفضّل، وهو قرينه كونه محمد.

والخبر يظهر منه كون المفضّل وكيلاً للإمام (عليه السلام) وأنّ مال الإمام (عليه السلام) كان بيده، ولهذا أمره (عليه السلام) بأن يدفع من ماله (عليه السلام) ما يكشف عن كونه وكيلاً، وهو ما استظهره جمع من الرجاليّين ويؤيّده الخبر الآتي.

السادسة: خبر الكلينيّ المرويّ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن سنان - أي: محمد - عن أبي حنيفة سابق الحاج قال: مر بنا المفضّل أنا وختني نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة ثم قال لنا: تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتّى إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه قال: أما إنّها ليست من مالي، ولكن أبو عبد الله (عليه السلام) أمرني إذا تنازع رجلان في شيء أن أصلح بينهما وأفتديها من ماله، فهذا من مال أبي عبد الله (عليه السلام) (10).

والخبر ضعيف كسابقه بمحمد بن سنان، إلا أنّه دال على كون المفضّل من الوكلاء عند الصادق (عليه السلام) وأنّ ماله (عليه السلام) كان عنده.. وإنّ وكلاء المعصومين (عليهم السلام) ثقات ما لم يُعرف عدمه.

السابعة: ما رواه الكشّي - بسند ضعيف - عن محمد بن قولویه قال: حدّثني سعد بن عبد الله قال: حدّثني محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن محمد بن سنان عن المفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يوما ودخل عليه الفيض بن المختار، فذكر له آية من كتاب الله (عزّ وجلّ) تأوّلها أبو عبد الله (عليه السلام) فقال له الفيض: جعلني الله فداك ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟ قال: وأين الاختلاف يا فيض؟ فقال له الفيض: إنّي لأجلس في حلقهم بالكوفة فأكاد أن أشك في اختلافهم في حديثهم حتّى أرجع إلى المفضّل بن عمر فيوقفني من ذلك على ما تستريح إليه نفسي ويطمئن إليه قلبي، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أجل هو كما ذكرت يا فيض..." (11).

والخبر كما في سابقيه مروي عن محمد بن سنان وقد بان لك ضعفه عند البحث عنه.

أمّا دلالة الخبر فظاهرة في كون المفضّل من الأعلام حتّى أنّ الشيعة كانوا يرجعون إليه عند الاختلاف، وقد قرّر الإمام (عليه السلام) ما قاله الفيض من كون المفضّل ممّن يرجع إليه وأنّه كان عالماً فقيهاً فتستريح نفس السائل ويطمئن قلبه عند سماع جواب المفضّل.

لكنّك علمت بأنّ الراوي للخبر هو المفضّل نفسه ما يوجب الدور عند القول بتوثيقه من خبره.

الثامنة: ما رواه الكشّي عن حمدويه عن الحسن بن موسى - وهو الخشّاب - عن علي بن حسان الواسطيّ الخزّاز قال: حدّثنا علي بن الحسين العبيديّ قال: كتب أبو عبد الله (عليه السلام) إلى المفضّل بن عمر الجعفيّ حين

مضى عبد الله بن أبي يعفور: یا مفضّل عهدتُ إليك عهدي كان إلى عبد الله بن أبي يعفور صلوات الله عليه فمضى صلوات الله عليه موفيا لله (عزّ وجلّ) ولرسوله ولإمامه بالعهد المعهود لله (12).

والخبر ضعيف بعلي بن الحسين العبيديّ لجهالته، إلا أنّ الخبر دالّ على أنّ الصادق (عليه السلام) قد عهد إليه العهد بعد ابن أبي يعفور ما يدلّ على علوّ شأنه ورفعة مقامه.

التاسعة: ما رواه الكشّي عن شيخه محمد بن مسعود عن إسحاق بن محمد البصريّ قال: أخبرنا محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن يسير الدهّان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لمحمّد بن كثير الثقفي: ما تقول في المفضّل بن عمر؟ قال: ما عسيتُ أن أقول فيه، لو رأيت في عنقه صليباً وفي وسطه كستيجاً لعلمتُ على أنّه على الحقّ بعدما سمعتك تقول فيه ما تقول، قال: رحمه الله لكن حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة أتياني فشتماه عندي، فقلت لهما: لا تفعلا فإنّي أهواه، فلم يقبلا فسألتهما وأخبرتها أنّ الكفّ عنه حاجتي فلم يفعلا، فلا غفر الله لهما..(13).

والخبر ضعيف بمحمد بن سنان، ومتنه دالّ على وضعه والله العالم.

العاشرة: ما رواه الكشّي - بسند ضعيف - قال: حدّثني إبراهيم بن محمد قال: حدّثني سعد بن عبد الله القمّي قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن الحسين بن أحمد عن أسد بن أبي العلا عن هشام الأحمر، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن المفضّل بن عمر وهو في ضُييعة له في يوم شديد الحرّ، والعرق يسيل على صدره، فابتدأني فقال: نعم، والله الذي لا إله إلا هو، المفضّل بن عمر الجعفي حتّى أحصيت نيفاً وثلاثين مرّة ويكرّرها قال: إنّما هو والد بعد والد (14).

والخبر ضعيف بهشام بن الأحمر، ودلالته مادحة وواضحة.

الحادية عشرة: قال الكشّي: قال نصر بن الصباح، رفعه عن محمد بن سنان إنّ عدّة من أهل الكوفة كتبوا إلى الصادق (عليه السلام) فقالوا: إنّ المفضّل يجالس الشطّار (15) وأصحاب الحمام، وقوماً يشربون الشراب، فينبغي أن تكتب إليه وتأمره ألّا يجالسهم، فكتب إلى المفضّل كتاباً وختمه ودفعه إليهم وأمرهم أن يدفعوا الكتاب من أيديهم إلى يد المفضّل، فجاؤوا بالكتاب إلى المفضّل، منهم زرارة وعبد الله بن بكير ومحمد بن مسلم وأبو بصير وحجر بن زائدة، ودفعوا الكتاب إلى المفضّل ففكّه وقرأه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، اشترِ كذا وكذا واشترِ كذا، ولم يذكر قليلاً ولا كثيراً ممّا قالوا فيه، فلمّا قرأ الكتاب دفعه إلى زرارة ودفع زرارة إلى محمد بن مسلم حتّى دار الكتاب إلى الكلّ فقال المفضّل: ما تقولون؟ قالوا: هذا مال عظيم حتّى ننظر ونجمع ونحمل إليك لم ندرك إلا نراك بعد أن ننظر في ذلك، وأرادوا الانصراف فقال المفضّل حتّى تغدوا عندي، فحبسهم لغدائه ووجّه المفضّل إلى أصحابه الذين سعوا بهم، فجاؤوا فقرأ عليهم كتاب أبي عبد الله (عليه السلام)، فرجعوا من عنده وحبس المفضّل هؤلاء ليتغدّوا عنده، فرجع الفتيان وحمل كلّ واحد منهم على قدر قوته ألف وألفين وأقل وأكثر، فحضروا أو أحضروا ألفَي دينار وعشرة آلاف درهم قبل أن يفرغ هؤلاء من الغداء، فقال لهم المفضّل: تأمروني أن أطرد هؤلاء من عندي! تظنّون أنّ الله تعالى يحتاج إلى صلاتكم وصومكم!

ثم قال - الكشّي - وحكى نصر بن الصباح عن ابن أبي عمير بإسناده أنّ الشيعة حين أحدث أبو الخطّاب ما أحدث خرجوا إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقالوا: أقم لنا رجلاً نفزع إليه في أمر ديننا وما نحتاج إليه من الأحكام قال: لا تحتاجون إلى ذلك متى ما احتاج أحدكم عرّج إليّ وسمع منّي وينصرف، فقالوا: لا بدّ، فقال: قد أقمت عليكم المفضّل، اسمعوا منه واقبلوا عنه فإنّه لا يقول على الله وعليّ إلّا الحق (16).

وظاهر الخبر أنّ المفضّل أفضل عند الصادق (عليه السلام) من زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وغيرهم، حتّى أنّ ظاهره أيضا كون المفضّل من وكلاء الإمام (عليه السلام) وخواصّه والمقرّبين منه.

نعم، ذيل الرواية دالّ على كونه من الغلاة والخطّابيّة، فإنّ ما يظهر من قوله تظنّون أنّ الله تعالى يحتاج إلى صلاتكم وصومكم" أنّه كان يعتقد بأنّ من يؤمن بالمعصوم (عليه السلام) ويحبّه فإنّ ذلك يغنيه عن الصلاة والصوم وبقيّة العبادات الأخرى، وهؤلاء فرقة من فرق الغلاة، فإنّ كلّ معصية من ترك العبادات أو مجالسة الشطّار وشاربي الخمر وفاعلي المحرّمات لا تضرّ مع حبّ المعصوم (عليه السلام)، ولهذا ترك هؤلاء الواجبات اعتماداً على حبّهم (صلوات الله عليهم)، إلا أنّ هذا باطل عند الفرقة المحقّة بالإجماع وإنّ التكاليف شاملة للمكلّفين، سواء كان المكلّف معصوماً أم دونهم دونهم (عليهم الصلاة والسلام).

الثانية عشرة: ما رواه الكشّي عن علي بن محمد قال حدّثني سلمة بن الخطّاب عن علي بن حسّان عن موسى بن بكر قال: كنت في خدمة أبي الحسن (عليه السلام) ولم أكن أرى شيئاً يصل إليه إلا من ناحية المفضّل بن عمر، ولربّما رأيت الرجل يجيء بالشيء فلا يقبله منه ويقول: أوصله إلى المفضّل (17).

والخبر ضعيف بسلمة بن الخطّاب، ودلالته ظاهرة في كون المفضّل وكيلا للإمام (عليه السلام) وغيرها من الأخبار المستفيضة أيضا المرويّة في الكشّي وغيره المادحة للمفضّل كسابقاتها (18).

وقد تلخّص ممّا تقدّم أنّ المفيد في الإرشاد والشيخ في التهذيب - كما قاله السيد الخوئيّ – والغيبة وابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب قد وثّقوا المفضّل بن عمر إضافة إلى ما قيل من أنّ عدم استثناء ابن الوليد له من نوادر الحكمة دالّ على توثيقه، ويضاف إلى ذلك أيضا توثيق جمع من المتأخّرين له كابن طاووس والميرداماد والوحيد والخاقانيّ وغيرهم، كلّهم ذهبوا إلى توثيقه، ورواية أصحاب الإجماع عنه، بل دلالة الأخبار الصحيحة على مدحه وعلوّ شأنه ورفعة مقامه، واستفاضة الأخبار الدالّة على ذلك حتّى ازدادت عن العشرين، فإنّ كلّ ذلك دعى بالبعض إلى القول بوثاقته وكونه وكيلاً للإمام (عليه السلام) الدالّ على القرب منه (عليه السلام).

نعم، وعلى الرغم ممّا تقدّم فقد ذهب النجاشيّ وابن الغضائريّ والعلّامة وابن داود وغيرهم إلى ضعفه، بل قيل إنّه من الخطابيّة والغلاة، بل دلّت بعض الأخبار على كونه كافر، مشرك بالله (عزّ وجلّ)، ولإيضاح المطلب يُقال:

أدلة الضعف:

الأول: قال النجاشيّ في رجاله: مفضّل بن عمر، أبو عبد الله، وقيل: أبو محمد الجعفيّ، كوفيّ، فاسد المذهب، مضطرب الرواية، لا يُعبأ به، وقيل: إنّه كان خطّابيّ وقد ذكرت له مصنّفات لا يُعوّل عليها، وإنّما ذكره للشرط الذي قدمناه - أي في مقدّمة كتابه - له كتاب ما افترض الله على الجوارح من الإيمان، وهو كتاب الإيمان والإسلام، والرواة له مضطربون الرواية له (19).

ولا يخفى أنّ كلامه هذا أبلغ من التصريح بضعفه، إذ الضعف قد يصدق مع صدق الرواية لعدم الملازمة، لكنّه (رحمه الله) صرّح بأنّه مضطرب الرواية من جهة وأنّها لا يعوّل عليها من جهة أخرى، ما يعني أنّه غير معتمد في الرواية التي هي الغاية من القول بالضعف.

الثاني: قال ابن الغضائريّ في الكتاب المنسوب إليه: المفضّل بن عمر الجعفيّ أبو عبد الله ضعيف متهافت مرتفع القول، خطّابيّ، وقد زيد عليه شيء كثير، وحمل الغلاة في حديثه حملاً عظيماً، ولا يجوز أن يكتب حديثه.

ومدلول كلامه أنّه ضعيف في نفسه وروايته، بل نسب إليه أنّه كان من أتباع أبي الخطاب (20) محمد بن مقلاص الأسديّ، والذي لعنه الصادق (عليه السلام) أكثر من مرة.

الثالث: ما ذكره المتأخّرون كالعلّامة وابن داود، قال العلّامة في الخلاصة: المفضّل بن عمر الجعفيّ، أبو عبد الله، ضعيف، كوفيّ، فاسد المذهب، مضطرب الرواية، لا يُعبأ به، متهافت، مرتفع القول، خطّابي.

وقال ابن داود: المفضّل بن عمر ضعيف متهافت خطّابيّ.

وقد قلنا بأنّ تضعيف المتأخّرين وإن لم يصلح أن يكون دليلاً على القول بالتضعيف لكنّه يصلح أن يكون قرينة مؤيّده له.

الرابع: كونه خطّابيّاً كما ذكره الكشّي وابن الغضائريّ، أمّا ابن الغضائريّ فقد تقدّم كلامه، وأمّا الكشّي فقد قال: أسد بن أبي العلاء يروي المناكير، لعلّ هذا الخبر إنّما روي في حال استقامة المفضّل قبل أن يصير خطّابيّاً (21).

ويظهر من كلامه بعد الجمع بين الأخبار المتقدّمة أنّ الخطّابيّة المنسوبة إليه إنّما كانت في أواخر حياته - أي: بعد وفاة الصادق (عليه السلام) - أو أنّ أخبار الخطّابيّة كانت في أوائل حياته ثم رجع عنها فعاش حياته مع الصادق (عليه السلام) وهو في حال الاستقامة كما يظهر من خبر الكشّي الآخر إذ قال في خبر أسند إلى حمّاد بن عثمان سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول للمفضّل بن عمر الجعفيّ: يا كافر، يا مشرك، مالك ولابني؟ يعني إسماعيل بن جعفر، وكان منقطع إليه يقول فيه مع الخطّابيّة ثم رجع بعدُ (22).

وهذان الخبران إضافة إلى مقولة ابن الغضائريّ تكشف عن كون المفضّل مرّ بوقت اتّبع فيه ذاك المذهب الفاسد ولعلّه كان السبب في الإنكار عليه إلا أنّه رجع عن مقالته تلك واستقام وهو ما حدا بكثير من عظماء علم الرجال إلى القول بوثاقته لحمله أخبار الضلال على زمن الضلال والاستقامة بعد ذلك.

الخامس: الغلوّ، فقد اتّهم به المفضّل لكنّك علمت أنّ النسبة لا تعدو كونه خطّابيّاً؛ لأنّهم من أوضح مصاديق الغلاة، فإنّ أبا الخطّاب كان يُألّه الصادق (عليه السلام).

السادس: الأخبار وهي مستفيضة.

الأولى: صحيحة الكشّي قال: قال أبو عمرو - أي: نفسه - سألتُ أبا النضر محمد بن مسعود عن جميع هؤلاء فقال: أمّا علي بن الحسن بن فضّال فما رأيتُ فيمَن لقيت بالعراق وناحية خراسان أفقه ولا أفضل من علي بن الحسن بالكوفة.. وأمّا أبو يعقوب إسحاق بن محمد البصريّ فإنّه كان غالياً، وصرت إليه إلى بغداد لأكتب عنه، وسألته كتاباً أنسخه! فأخرج إليّ من أحاديث المفضّل بن عمر في التفويض فلم أرغب فيه، فأخرج إليّ أحاديث منتسخة من الثقات ورأيته.. (23).

والصحيحة دالّة على الخدشة في المفضّل للإعراض عن كتبه، ولقوله أنّه أخرج إليّ أحاديث منتسخة من الثقات" بدلاً عن كتب المفضّل ما يشعر بضعف المفضّل لمقابلته بالثقات.

وبعبارة أخرى: إنّ مفهوم قوله: "أخرج إليّ أحاديث الثقات" وإعراضه عن المفضّل أنّ المفضّل كان ضعيفا.

الثانية: صحيحة الكشّي المرويّة عن حمدويه بن نصير قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم وحمّاد بن عثمان عن اسماعيل بن جابر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إيتِ المفضّل فقل له: يا كافر، یا مشرك، ما تريد إلى ابني؟ تريد أن تقتله؟ (24).

وكان المفضّل من المريدين لإسماعيل ويعتقد فيه اعتقادات باطلة، وقد وصفه الصادق (عليه السلام) بما وصفه فيه وهو أبلغ ما يُقال في الفاسق الفاجر.

الثالثة: خبر الكشّي المرويّ عن الحسين بن الحسن بن بندار القمّي، قال: حدّثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمّي، قال: حدّثني محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب والحسن بن موسى عن صفوان بن يحيى عن عبد الله بن سنان قال: دخل حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة الأزديّ على أبي عبد الله (عليه السلام) فقالا له: جعلنا فداك، إنّ المفضّل بن عمر يقول إنّكم تقدّرون أرزاق العباد! فقال: والله ما يقدّر أرزاقنا إلا الله، ولقد احتجت إلى طعام لعيالي فضاق صدري وأبلغت إلى الفكرة في ذلك حتّى أحرزت قوتهم، فعندها طابت نفسي، لعنه الله وبرئ منه، قالا: أفتلعنه وتتبرّأ منه؟ قال: نعم فالعناه وابرءا منه، برئ الله ورسوله منه (25).

والخبر ضعيف بالحسين بن الحسن لجهالته، وقيل إنّه ادّعى ربوبيّة علي (عليه السلام)، أمّا دلالته فهي أبلغ ما يُقال لبيان ضعف الرجل.

الرابعة: قال الكشّي، حدّثني حمدويه وإبراهيم ابنا نُصير، قالا: حدّثنا محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن المفضّل بن عمر أنّه كان يشير إلى أنّكما لمن المرسلين - لعلّ الضمير مرجعه للصادق والكاظم (عليهما السلام) ـ.

ثم قال الكشّي: وذكرت الطيّارة الغالية في بعض كتبها عن المفضّل: أنّه قال لقد قُتل مع أبي إسماعيل - يعني أبا الخطّاب - سبعون نبيّاً كلّهم رأى وهلك نبيّنا فيه، وأنّ المفضّل قال: أُدخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن اثنا عشر رجلاً، قال: فجعل أبو عبد الله (عليه السلام) يسلّم على رجل رجل منّا ویُسمّي كلّ رجل منّا باسم نبي، وقال لبعضنا: السلام عليك يا نوح، وقال لبعضنا: السلام عليك يا إبراهيم، وكان آخر من سلّم عليه وقال: السلام عليك يا يونس، ثم قال: لا تخاير بين الأنبياء (26).

والسند الأول وإن كان صحيحاً، إلا أنّه مرويّ عن المفضّل نفسه، لذا لا يمكن وصفه بالصحّة، أمّا الشقّ الثاني للخبر فمرويّ عن الغلاة لذا لا يمكن اعتماده، خاّصة أنّ ابن الغضائري - فيما نُسب إليه - قد صرّح بأنّه زِيدَ عليه شيء كثير، وحمل الغلاة في حديثه حملاً عظيما.

نعم، ما نُسبَ إليه هو مذهب الخطّابيّين القائلين بربوبيّة الصادق (عليه السلام).

الخامسة: ما رواه الكشّي بقوله: وجدتُ بخطّ جبريل بن أحمد الفاريابيّ في كتابه، حدّثني محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن معاوية بن وهب وإسحاق بن عمّار قالا: خرجنا نريد زيارة الحسين (عليه السلام) فقلنا: لو مررنا بأبي عبد الله المفضّل بن عمر فعساه يجيء معنا، فأتينا الباب فاستفتحنا فخرج إلينا فأخبرنا، فقال: استخرج الحمار واخرج، فخرج إلينا وركب وركبنا، فطلع لنا الفجر على أربعة فراسخ من الكوفة فنزلنا فصلّينا، والمفضّل واقف لم ينزل يصلّي، فقلنا يا أبا عبد الله ألا تصلّي؟ فقال: لقد صلّيت قبل أن أخرج من منزلي (27).

والخبر ضعيف بجبريل بن أحمد، أمّا دلالته فظاهرة في كونه خطّابيّاً معتمداً على حبّ الإمام المغنيّ عن العبادة وأنّ الله تعالى ليس بحاجة إلى صلاتنا وصيامنا وهي تسقط مع حبّ المعصوم (عليه السلام) .

السادسة: ما رواه الكشّي عن شيخه محمد بن مسعود، قال: حدّثني إسحاق بن محمد البصريّ قال: حدّثني عبد الله بن القاسم عن خالد الجوّان، قال: كنتُ أنا والمفضّل بن عمر وناس من أصحابنا بالمدينة، وقد تكلّمنا في الربوبيّة - أي في كون المعصوم ربّاً - قال: فقلنا مرّوا إلى باب أبي عبد الله (عليه السلام) حتّى نسأله، قال: فقمنا بالباب، قال: فخرج إلينا وهو يقول:

{.. بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26، 27] (28).

والخبر ضعيف بإسحاق البصريّ، إلا أنّه مثبت ربوبيّة الصادق (عليه السلام) وأنّهم عباده المكرمون وهي مقالة الخطّابيّة القائلين بأنّ الإمام ربّ نزل من السماء بصورة رجل لأنس البشر بالصورة الإنسانيّة.

وغيرها من الأخبار الدالة على انحراف المفضّل أشدّ انحراف حتّى قال الإمام (عليه السلام) بحقّه: إنّه كافر ومشرك.

وقد يُقال: إنّ الجمع ما بين الطائفتين - المادحة والذامّة - يقتضي القول بأنّه كان منحرفاً ثم استقام كما أشارت إلى ذلك رواية حمّاد بن عثمان القائلة "ثمّ رجع بعد" لكنّه يُقال: إنّ خبر حمّاد ضعيف بجبريل فلا يكون مورداً للجمع، كما أنّه لا تُقدَّم الروايات المادحة وذلك للأخبار الصحيحة في كلتا الطائفتين، والمورد كأخبار الأحكام وذلك لحجيّة خبر الثقة، ولمّا لم تُعلم وثاقة المفضّل مع التعارض الشديد في أخباره لا يُمكن اعتماد الأخبار الأكثر عدداً لاعتمادها وترك الطائفة الأخرى الصحيحة والمستفيضة أيضاً والمؤيّدة بتضعيف النجاشيّ وغيره كما تقدّم.

إضافة إلى أنّ بعض الصحاح المادحة ليست أخباراً صادرة عن المعصوم (عليه السلام)، إنّما هي حكاية عن بعض الرواة خاصّة كما هو ملاحظ، وذلك بخلاف الصحاح الذاتيّة للمفضّل فإنّها صادرة بلسان المعصوم (عليه السلام) والدالّة على كفره وشركه.

أمّا على القول بحجيّة الخبر الموثوق فالأمر واضح في ترك كلا الطائفتين وذلك لعدم الاطمئنان بعدُ بأيّ من القولين والطائفتين بعد التعارض المستقرّ المسقط للطائفتين معاً والرجوع إلى الأصل حينها والقاضي بعدم الحجيّة إلا بعد الاطمئنان غير الحاصل فعلاً.

وقد تلخّص ممّا تقدّم أنّ القول بوثاقة المفضّل أمر صعب مستصعب وإن أمكن القول بوثاقته على مذهب القائلين بحجّة خبر الثقة خاصّة - وإن كنّا نرجّح أنّ التعارض مستقرّ فيما نحن فيه - مع إسقاط الطائفة القادحة والعمل بالمادحة خاصّة وذلك لأكثريّتها وأصحيّتها سنداً، أمّا على القول بحجيّة الموثوق خاصّة، فإنّه لا ينبغي التشكيك في عدم حصول الاطمئنان بأيّ من الطائفتين الدالتين على المدح أو القدح، وعليه فلا يتحقّق موضوع الحجيّة ليُصار إلى التوثيق، فنبقى حينها نحن والأصل القاضي بالضعف كما هو المتّبع، وينتج من ذلك كلّه القول بضعف المفضّل بن عمر الجعفيّ، والله العالم بحقائق الأمور.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإرشاد، ج2، ص216.

(2) كتاب الغَيبة، ص215.

(3) معجم رجال الحديث، ج19، ص244؛ التهذيب ج7، حديث رقم 1464.

(4) مناقب آل أبي طالب، ج3، ص20 وغيرها.

(5) الكافي، ج2، ص755.

(6) الاختصاص، ص216.

(7) رجال الكشّي، ص350، رقم 502.

(8) المصدر نفسه، ص 388، رقم 582.

(9) أصول الكافي، ج2، ص167.

(10) المصدر نفسه.

(11) رجال الكشّي، ص218، رقم 219.

(12) المصدر نفسه، ص 322، رقم 461.

(13) المصدر نفسه، ص 388، رقم 583.

(14) المصدر نفسه، ص 389، رقم 585.

(15) الشطّار: جمع شاطر، وهو الخبيث الذي خلعته عشيرته وتبرّأوا منه، كما قال ابن الأثير، وقال في المعجم الوسيط: إنّه الخبيث والفاجر.

أما الحِمام [بالكسر] فهو الموت، ولعلّ المراد منه أنّه كان يجالس القتلة.

(16) رجال الكشّي، ص 392، رقم 592.

(17) المصدر نفسه، ص394، رقم 595.

(18) يمكنك مراجعة رجال الكشّي رقم: 593- 594 – 596 – 597 – 598 – 982، إلا أنّ الأخبار هذه كلّها ضعيفة سنداً مع كونها مستفيضة رواية.

(19) المصدر نفسه، ج2، ص359.

(20) الخطّابيّة: فرقة نُسبت إلى الشيعة يقولون بأنّ أبا الخطّاب إمام، وأنّ كلّ مؤمن يُوحى إليه، وأنّ الإنسان إذا بلغ الكمال لا يقال: مات، بل رُفعَ إلى الملكوت، وكان أبو الخطّاب يزعم أنّ الأئمة أنبياء ثم آلهة، والآلهة نور من النبوّة ونور من الإمامة، ولا يخلو العالم من هذه الأنوار، وأنّ الصادق (عليه السلام) هو الله، وليس المحسوس الذي يرونه، بل لمّا نزل إلى العالم لبس هذه الصورة الإنسانيّة.

(21) رجال الكشّي، ص 389، رقم 585.

(22) المصدر نفسه، ص 388، رقم 581.

(23) المصدر نفسه، ص576، رقم 1014.

(24) المصدر نفسه ص390، رقم 586.

(25) المصدر نفسه، رقم 587.

(26) المصدر نفسه، رقم 588.

(27) المصدر نفسه، ص 391، رقم 589.

(28) المصدر نفسه، ص392، رقم 591.