سبب النزول قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ
المؤلف:
د. السيد مرتضى جمال الدين
المصدر:
فقه القرآن الميسر
الجزء والصفحة:
ص70-71
2023-09-11
2012
قَالَ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): وذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا كَانَ بِمَكَّةَ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَتَوَجَّهَ نَحْوبَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي صَلَاتِهِ، ويَجْعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا إِذَا أَمْكَنَ، وإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ كَيْفَ كَانَ.وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم) يَفْعَلُ ذَلِكَ- طُولَ مُقَامِهِ بِهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً.
فَلَمَّا كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وكَانَ مُتَعَبِّداً بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ اسْتَقْبَلَهُ وانْحَرَفَ عَنِ الْكَعْبَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْراً، وجَعَلَ قَوْمٌ مِنْ مَرَدَةِ الْيَهودِ يَقُولُونَ: واللَّهِ مَا دَرَى مُحَمَّدٌ كَيْفَ صَلَّى- حَتَّى صَارَ يَتَوَجَّهُ إِلَى قِبْلَتِنَا، ويَأْخُذَ فِي صَلَاتِهِ بِهَدْيِنَا ونُسُكِنَا فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم) لَمَّا اتَّصَلَ بِهِ عَنْهُمْ، وكَرِهَ قِبْلَتَهُمْ وأَحَبَّ الْكَعْبَةَ فَجَاءَهُ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم) : يَا جَبْرَئِيلُ لَوَدِدْتُ لَوصَرَفَنِيَ اللَّهُ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَدْ تَأَذَّيْتُ بِمَا يَتَّصِلُ بِي مِنْ قِبَلِ الْيَهودِ مِنْ قِبْلَتِهِمْ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) : فَاسْأَلْ رَبَّكَ أَنْ يُحَوِّلَكَ إِلَيْهَا- فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّكَ عَنْ طَلِبَتِكَ، ولَا يُخَيِّبُكَ عَنْ بُغْيَتِكَ فَلَمَّا اسْتَتَمَّ دُعَاءَهُ صَعِدَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) ثُمَّ عَادَ مِنْ سَاعَتِهِ فَقَالَ: اقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ:
{قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ- فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها}-{ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} الْآيَاتِ.
فَقَالَتِ الْيَهودُ عِنْدَ ذَلِكَ: {ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها} فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ جَوَابٍ فَقَالَ: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ والْمَغْرِبُ} وهو يَمْلِكُهُمَا وتَكْلِيفُهُ التَّحَوُّلَ إِلَى جَانِبٍ كَتَحْوِيلِهِ لَكُمْ إِلَى جَانِبٍ آخَرَ {يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ }وهو مَصْلَحَتُهُمْ، وتُؤَدِّيهِمْ طَاعَتُهُمْ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
[قَالَ أَبُومُحَمَّدٍ (عليه السلام):] وجَاءَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم) فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ هَذِهِ الْقِبْلَةُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ قَدْ صَلَّيْتَ إِلَيْهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ تَرَكْتَهَا الْآنَ أَ فَحَقّاً كَانَ مَا كُنْتَ عَلَيْهِ فَقَدْ تَرَكْتَهُ إِلَى بَاطِلٍ، فَإِنَّ مَا يُخَالِفُ الْحَقَّ فَهو بَاطِلٌ أَو بَاطِلًا كَانَ ذَلِكَ فَقَدْ كُنْتَ عَلَيْهِ طُولَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَمَا يُؤْمِنُنَا أَنْ تَكُونَ إلى الْآنَ عَلَى بَاطِلٍ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم) : بَلْ ذَلِكَ كَانَ حَقّاً، وهَذَا حَقٌّ، يَقُولُ اللَّهُ: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ والْمَغْرِبُ- يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ إِذَا عَرَفَ صَلَاحَكُمْ يَا أَيُّهَا الْعِبَادُ- فِي اسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ أَمَرَكُمْ بِهِ، وإِذَا عَرَفَ صَلَاحَكُمْ فِي اسْتِقْبَالِ الْمَغْرِبِ أَمَرَكُمْ بِهِ، وإِنْ عَرَفَ صَلَاحَكُمْ فِي غَيْرِهِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ فَلَا تُنْكِرُوا تَدْبِيرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي عِبَادِهِ- وقَصْدَهُ إِلَى مَصَالِحِكُمْ.
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم) : لَقَدْ تَرَكْتُمُ الْعَمَلَ يَوْمَ السَّبْتِ، ثُمَّ عَمِلْتُمْ بَعْدَهُ مِنْ سَائِرِ الْأَيَّامِ، ثُمَّ تَرَكْتُمُوهُ فِي السَّبْتِ، ثُمَّ عَمِلْتُمْ بَعْدَهُ، أَ فَتَرَكْتُمُ الْحَقَّ إِلَى الْبَاطِلِ أَو الْبَاطِلَ إِلَى حَقٍّ أَو الْبَاطِلَ إِلَى بَاطِلٍ أَو الْحَقَّ إِلَى حَقٍّ قُولُوا كَيْفَ شِئْتُمْ فَهو قَوْلُ مُحَمَّدٍ وجَوَابُهُ لَكُمْ قَالُوا: بَلْ تَرْكُ الْعَمَلِ فِي السَّبْتِ حَقٌّ والْعَمَلُ بَعْدَهُ حَقٌّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم) : فَكَذَلِكَ قِبْلَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي وَقْتِهِ حَقٌّ، ثُمَّ قِبْلَةُ الْكَعْبَةِ فِي وَقْتِهِ حَقٌّ.
فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ أَ فَبَدَا لِرَبِّكَ فِيمَا كَانَ أَمَرَكَ بِهِ بِزَعْمِكَ- مِنَ الصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ نَقَلَكَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم) : مَا بَدَا لَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ الْعَالِمُ بِالْعَوَاقِبِ، والْقَادِرُ عَلَى الْمَصَالِحِ، لَا يَسْتَدْرِكُ عَلَى نَفْسِهِ غَلَطاً، ولَا يَسْتَحْدِثُ رَأْياً بِخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ، جَلَّ عَنْ ذَلِكَ، ولَا يَقَعُ أَيْضاً عَلَيْهِ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مِنْ مُرَادِهِ، ولَيْسَ يَبْدُوإِلَّا لِمَنْ كَانَ هَذَا وَصْفَهُ وهو عَزَّ وجَلَّ يَتَعَالَى عَنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ عُلُوّاً كَبِيراً.
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم) : أَيُّهَا الْيَهود أَخْبِرُونِي عَنِ اللَّهِ، أَ لَيْسَ يُمْرِضُ ثُمَّ يُصِحُّ، ويُصِحُّ ثُمَّ يُمْرِضُ أَ بَدَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَلَيْسَ يُحْيِي ويُمِيتُ أَ بَدَا لَهُ أَ لَيْسَ يَأْتِي بِاللَّيْلِ فِي أَثَرِ النَّهَارِ، والنَّهَارِ فِي أَثَرِ اللَّيْلِ أَ بَدَا لَهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: لَا.
قَالَ: فَكَذَلِكَ اللَّهُ تَعَالَى تَعَبَّدَ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً بِالصَّلَاةِ إِلَى الْكَعْبَةِ بَعْدَ أَنْ [كَانَ] تَعَبَّدَهُ بِالصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ومَا بَدَا لَهُ فِي الْأَولِ.
ثُمَّ قَالَ: أَ لَيْسَ اللَّهُ يَأْتِي بِالشِّتَاءِ فِي أَثَرِ الصَّيْفِ، والصَّيْفِ فِي أَثَرِ الشِّتَاءِ أَ بَدَا لَهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ قَالُوا: لَا.
قَالَ: فَكَذَلِكَ لَمْ يَبْدُ لَهُ فِي الْقِبْلَةِ.
قَالَ، ثُمَّ قَالَ: أَ لَيْسَ قَدْ أَلْزَمَكُمْ فِي الشِّتَاءِ- أَنْ تَحْتَرِزُوا مِنَ الْبَرْدِ بِالثِّيَابِ الْغَلِيظَةِ وأَلْزَمَكُمْ فِي الصَّيْفِ أَنْ تَحْتَرِزُوا مِنَ الْحَرِّ أَ فَبَدَا لَهُ فِي الصَّيْفِ- حَتَّى أَمَرَكُمْ بِخِلَافِ مَا كَانَ أَمَرَكُمْ بِهِ فِي الشِّتَاءِ قَالُوا: لَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم) : فَكَذَلِكُمُ اللَّهُ تَعَالَى- تَعَبَّدَكُمْ فِي وَقْتٍ لِصَلَاحٍ يَعْلَمُهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ بَعْدَهُ- فِي وَقْتٍ آخَرَ لِصَلَاحٍ آخَرَ يَعْلَمُهُ بِشَيْءٍ آخَرَ، فَإِذَا أَطَعْتُمُ اللَّهَ فِي الْحَالَيْنِ اسْتَحْقَقْتُمْ ثَوَابَهُ وأَنْزَلَ اللَّهُ: ولِلَّهِ الْمَشْرِقُ والْمَغْرِبُ- فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ.
أَيْ إِذَا تَوَجَّهْتُمْ بِأَمْرِهِ، فَثَمَّ الْوَجْهُ الَّذِي تَقْصِدُونَ مِنْهُ اللَّهَ وتَأْمُلُونَ ثَوَابَهُ.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم) : يَا عِبَادَ اللَّهِ- أَنْتُمْ كَالْمَرِيضِ واللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ كَالطَّبِيبِ فَصَلَاحُ الْمَرِيضِ فِيمَا يَعْلَمُهُ الطَّبِيبُ ويُدَبِّرُهُ بِهِ، لَا فِيمَا يَشْتَهِيهِ الْمَرِيضُ ويَقْتَرِحُهُ أَلَا فَسَلِّمُوا لِلَّهِ أَمْرَهُ تَكُونُوا مِنَ الْفَائِزِينَ.
فَقِيلَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَلِمَ أَمَرَ بِالْقِبْلَةِ الْأُولَى فَقَالَ: لَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ:
{وما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها }وهِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ }إِلَّا لِنَعْلَمَ ذَلِكَ [مِنْهُ] مَوْجُوداً[1] بَعْدَ أَنْ عَلِمْنَاهُ سَيُوجَدُ.
وذَلِكَ أَنَّ هو ى أَهْلِ مَكَّةَ كَانَ فِي الْكَعْبَةِ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ مُتَّبِعَ مُحَمَّدٍ مِنْ مُخَالِفِهِ- بِاتِّبَاعِ الْقِبْلَةِ الَّتِي كَرِهَهَا، ومُحَمَّدٌ يَأْمُرُ بِهَا، ولَمَّا كَانَ هو ى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَمَرَهُمْ بِمُخَالَفَتِهَا والتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ لِيَتَبَيَّنَ مَنْ يُوَافِقُ مُحَمَّداً فِيمَا يَكْرَهُهُ، فَهو مُصَدِّقُهُ ومُوَافِقُهُ.
ثُمَّ قَالَ: وإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ أَيْ كَانَ التَّوَجُّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَبِيرَةً إِلَّا عَلَى مَنْ يَهْدِي اللَّهُ، فَعَرَفَ أَنَّ اللَّهَ يَتَعَبَّدُ بِخِلَافِ مَا يُرِيدُهُ الْمَرْءُ- لِيَبْتَلِيَ طَاعَتَهُ فِي مُخَالَفَةِ هو اهُ[2].
[1] ( 5).« وجودا» ق، د، والبحار: 4، والمستدرك.
[2] التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام، ص: 493
الاكثر قراءة في أسباب النزول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة