x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

تاريخ الامريكتين

التاريخ : التاريخ والحضارة : التاريخ :

اتجاهات جديدة في التجارة المصرية.

المؤلف:  سليم حسن.

المصدر:  موسوعة مصر القديمة.

الجزء والصفحة:  ص 42 ــ 49.

2024-05-11

170

كانت عملية تطويع النشاط التجاري للمتغيرات التي شاهدناها خلال تلك الحقبة تنطبق على بعض الأنماط التجارية. وكانت معالمها على درجة من الأهمية جعلتها تترك أثرها على الإنتاج والزراعة وليس على التجارة وحدها، وتركت بصماتها على الهياكل الاجتماعية. ونلاحظ أيضًا حدوث تطور في النظام القضائي نحو تلك الحقبة، ولا يعني ذلك القول بأن الأنماط الاقتصادية حددت طريقة عمل القضاء. ولكننا نلاحظ أن التحولات التي حدثت كانت جزءًا من صورة أكبر حجمًا، تتجاوز النجاح التجاري لبضعة أفراد من الناس، وأن دور المحاكم كان عاملا هاما في تطور التجارة في تلك الحقبة. ويُمكننا مقارنة هذا الوضع بما حدث في كل مكان من أوروبا من الثورات والاضطراب في القرن السابع عشر، وهو ما تصفه الكتابات العديدة بأزمة القرن السابع عشر. وقدمت عدة تفسيرات لتلك الأزمة من بينها أن الحقبة شهدت الانتقال من المجتمع الإقطاعي إلى المجتمع الرأسمالي (1)، وأن الحقبة تميزت بالتغير في العلاقة بين الدولة والمجتمع. (2) وبالنسبة للدولة العثمانية، يرى أبو الحاج أن أعمال العنف والاضطرابات التي وقعت عند نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر، والتي لعب فيها العسكر دورًا هاما، كان مبعثها التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي وقعت على نطاق واسع، بقدر ما كانت ترجع إلى التغير في طابع الدولة (3). ورغم أن البحث في التاريخ الاقتصادي لهذه المنطقة لا زال في بداياته، نستطيع أن نحدد العوامل الجديدة الهامة التي دخلت على الحياة الاقتصادية في مصر زمن أبو طاقية، وهي تمثل اتجاهات ربما كان هناك ما يُقابلها في الولايات العثمانية الأخرى، وما قد تكشف عنه الدراسات فيما بعد. والإطار الزمني لتلك التغيرات يتناسب. الحقبة التي كانت فيها مصر تُعد جزءًا من السوق العثمانية، ولكن قبل اندماج تلك السوق في السوق الرأسمالي الأوروبي. وقبل تهميش الاقتصاد العثماني، الذي أدى إلى تحول الإقليم إلى منطقة إنتاج مواد أولية لتلبية الطلب عليها بدول المركز الأوروبي، وسوق لاستهلاك المصنوعات الأوروبية. وتناقش هذه الدراسة بدايات هذا الاتجاه خلال النصف الثاني من القرن السادس عشر، ونرى أنها قد استمرت طوال القرن السابع عشر وبعض عقود القرن الثامن عشر. وتُساعدنا ترجمة حياة أبو طاقية على تحديد المعالم الرئيسية لتلك الحقبة والتعرف على سماتها الرئيسية. وتتميز تلك الحقبة بعودة التجار لاحتلال موقع الصدارة من حيث الثروة والنفوذ الاجتماعي، والتأثير على الأوضاع السياسية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويُمكن إرجاع هذا الاتجاه إلى أمرين أولهما ما اتَّسم به النشاط التجاري من حيوية نلاحظها في حوض البحر المتوسط ومختلف أنحاء أوروبا، حيث صنع الطلب المتزايد على البضائع العالمية ثروات طائلة للتجار. فكانت البيوت التجارية كبيت أبو طاقية، أو بيت الرويعي، أو بيت ابن يغمور التي تكونت ثرواتها من الاشتغال بالتجارة الدولية، تُعاصر البيوت التجارية الأوروبية الكبرى مثل بيت فوجر Fuggers ، وبيت ولسر Welsers الذين ظهروا في الوقت الذي شهدت فيه التجارة الدولية توشُعًا كبيرًا . (4) والأمر الآخر، يرجع إلى أنَّ التجار كانوا أقل خضوعا للسيطرة السياسية، أو أكثر استقلالاً عن الدولة أكثر مما كانت عليه حالهم قبل ذلك بنصف القرن أو القرن من الزمان. ولا بد أن يكون لقب شاهبندر التجار الذي حمله كبير طائفتهم قد حظي بمنزلة اجتماعية عمرت حتى مطلع القرن التاسع عشر. ورغم أن اللقب كان معروفا في الحقب التاريخية السابقة على تلك الحقبة، لم تبرز أهميته الاجتماعية في مصر قبل القرن السادس عشر. وتبين لنا ترجمة حياة أبو طاقية هذه المكانة الاجتماعية الكبيرة التي عبر عنها التجار بمظاهر مختلفة، كان بعضها يعود إلى جهودهم فدعموا تلك المكانة بتشييد العمائر التي كانت بمثابة إعلان لوضعهم الجديد بالمجتمع، فلم يقم أولئك التجار ببناء الوكالات فحسب، بل شيَّدوا عمائر دينية وخيرية في أهم مناطق القاهرة، وقام بعضهم بإقامة أحياء حملت أسماءهم. ويتناقض ذلك مع صمت الحوليات التاريخية عما يتصل بالتجار، كما تدحض الرأي القائل بأن التجار كانوا كما مهملًا، والتي يبدو أنها استندت إلى الحوليات ونستطيع أن نرى - من دراستنا للحياة الخاصة لأبو طاقية – كيف تأثر نسق الزواج، وهيكل العائلة والبيت بالثروة المتنامية والمكانة العالية التي حققها التجار. فلم يكن التجار في مطلع القرن السابع عشر يقتصرون على مصاهرة نخبة المجتمع، بل رتبت علاقات المصاهرة وفق مكانة العائلة في المجتمع، وهي ظاهرة وقعت أواخر القرن السابع عشر على المستوى العالمي، وكانت من بين العديد من المظاهر التي مست الحياة الخاصة والعامة للتجار، ومن ثم تصبح دراسة التاريخ التجاري مُتغلغلة في طبقات مترابطة من الخبرات العملية، وليست مجرد تحليل لإطار نظري. ونستطيع الخروج ببعض الملاحظات حول النظام القضائي التي تتصل بإدارة دفة العمل التجاري؛ إذ تُلقي ترجمة حياة أبو طاقية الضوء على دور المحاكم في نشاط التجار، وخاصة ما اتصل بالصحوة التجارية التي شهدتها تلك الحقبة، ونرى أن تراجع دور الإدارة ساعد مختلف مؤسسات المجتمع على توسيع نطاق عملها ومجال نشاطها، وأن بعض مهام الدولة التي لم تعد تُمارسها انتقلت إلى أيدي غيرها من مؤسسات المجتمع. لم يكن النظام القضائي الذي عرفته مصر في العصر العثماني مستحدثا؛ فقد كانت إقامة العدل من المهام الأساسية في الدولة الإسلامية، ونستطيع ملاحظة ذلك بسهولة في دولة

سلاطين المماليك مثلا، غير أن طريقة عمل النظام القضائي وتغلغله في النظام الاجتماعي اختلفت باختلاف الزمان والمكان. وليس باستطاعتنا بعد أن نقارن بين النظام القضائي المملوكي والنظام القضائي العثماني؛ لأننا لا نعرف إلا القليل عن طريقة عمل المحاكم في العصر المملوكي. (5) ولكن القرائن تُشير - بما لا يدع مجالا للشك – إلى تزايد أهمية محاكم القاهرة في أواخر القرن السادس عشر مقارنة بأوائل القرن ذاته. فلم تتضاعف الحالات الواردة بسجلات المحاكم عدة مرات فيما بين الثلاثينيات والأربعينيات من القرن السادس عشر والعقد الأخير من ذلك القرن عما كانت عليه من قبل فحسب، بل اشتملت الدعاوى التي رفعت أمام المحاكم قضايا على درجة كبيرة من التنوع واتسعت دائرة الانتماءات الاجتماعية للمتقاضين لتشمل شرائح اجتماعية كثيرة. وعند أوائل القرن السابع عشر، أصبحت محاكم القاهرة مرتبطة بالمظاهر التجارية والاقتصادية والاجتماعية والحضرية والإدارية، والشخصية من حياة الناس. ومن حيث الجوهر، كان النظام القضائي في القرن السابع عشر – كشأنه في الحقب التاريخية السابقة - يهدف إلى تطبيق الشريعة في المقام الأول. غير أن بإمكاننا أن نرى - في نفس الوقت - علاقة بين التغيرات التي شهدها النظام القضائي والأحوال الاجتماعية والاقتصادية المتغيرة بتلك الحقبة. ونستطيع أن نجد تغيرًا موازيًا في التجربة الأوروبية؛ فقد بين مارك بلوك أن الفترة التي تقع بين العصور الوسطى المتأخرة وقيام الثورة الفرنسية، شهدت تغيرا ملحوظا في النظام القضائي بفرنسا، حيث أخلى النظام القضائي الإقطاعي الطريق للقضاء العام الذي مارسته المحاكم (6). ورغم أن المقارنة لا تستقيم عند الدخول في التفاصيل؛ لأنَّ قضاء الإقطاع لا نظير له في المجتمعات الإسلامية، كما أن تطبيق الشريعة الإسلامية يختلف عن القانون الأوروبي، إلا أنَّ التغيرات التي شهدتها بواكير العصر الحديث التي تناولت الطريقة التي كانت تجري بها العدالة، تعد حقيقة ذات مغزى هام. ولما كانت التجارة الواسعة مثل تلك التي كانت لأبو طاقية أو الرويعي أو الشجاعي لا يمكن إدارتها دون الاعتماد على هياكل قانونية وتجارية متينة، توضح لنا هذه الترجمة الدور الذي لعبته المحاكم في مختلف الظروف التي واجهها التجار أثناء ممارستهم لنشاطهم. فقد تدخلت المحاكم في الكثير من المظاهر العامة والخاصة للحياة اليومية؛ إذ توجه إسماعيل أبو طاقية إلى المحكمة عند شرائه بيتًا، أو بنائه وكالة، أو عند تسجيل صفقة تجارية، أو إقامة وقف أو إدارته، أو عند ضمان قرض. وبعد وفاته، تم جانب من تسوية تركته بالمحكمة، بما في ذلك المطالبة بالبضائع التي لدى الغير، وتسوية الديون والشركات إلى غير ذلك من أمور اتصلت . بحصر التركة. والواقع أن تردد أبو طاقية على المحكمة، وتنوع المسائل التي كانت تنظرها المحاكم خير شاهد على ما كان يتوقعه الناس من تلك المؤسسة. وفيما يتعلق بالتجارة والنشاط التجاري، لعبت المحاكم دورًا حيويا في هذا المجال، فوفّرت الضمانات القانونية للصفقات والمشروعات التجارية، وأصدرت الحجج التي كان باستطاعة التجار استخدامها في الولايات الأخرى، وصدقت على معاملاتهم والشركات التي كونوها. ويبدو أن التجار اعتمدوا على المحاكم عند قيامهم بعقد صفقات مُركَّبة على نطاق واسع. وكان للتجارة في تلك الحقبة عند نهاية القرن السادس عشر عدة ملامح مميزة؛ أولها أنه رغم استمرار التجارة في السلع الترفيهية كالذهب والمرجان والأحجار الكريمة كملمح هام للتجارة، نلاحظ نشاطًا في التجارة الدولية في مجال السلع كبيرة الحجم استخدمت كالنيلة التي في صناعة المنسوجات وثانيها نلاحظ وجود اتجاهين للتجارة أحدهما تجارة العبور (الترانزيت) حيث كان تجار القاهرة يستوردون البضائع لإعادة تصديرها إلى جهات أخرى، وخاصة التوابل والبن والمنسوجات الهندية التي تأتي عن طريق البحر الأحمر وتتَّجه إلى أوروبا أو الأسواق العثمانية، أو الأخشاب والمعادن القادمة من البحر المتوسط والمتجهة إلى الأسواق الأخرى؛ والاتجاه الآخر يتعلق بتصدير المحاصيل المحلية، كالأرز أو الغلال التي صدرت إلى الأناضول والحجاز، أو المنتجات المحلية كالسكر والمنسوجات التيلية التي يزيد الطلب عليها في بلاد الدولة العثمانية وأوروبا. وتدحض هذه الدراسة الرأي الذي ذهب إليه روبرت برنر Robert Brenner وغيره من المؤرخين الاقتصاديين من أن الاقتصاد لم يشهد تغييرات ذات بال قبل مرحلة التصنيع، وأنه ظلَّ اقتصادًا معاشيًّا راكدًا حتى وقوع الثورة الصناعية (7). ولا توحي ترجمة أبو طاقية بأنَّ الزراعة المصرية بقيت عند مستوى الإنتاج المعاشي حتى القرن التاسع عشر، فحقيقة تصدير كميات كبيرة من البضائع المحلية كالأرز والغلال والمنسوجات التيلية والسكر، تبين أن مساحات كبيرة من الأرض الزراعية خُصصت لإنتاج تلك المحاصيل بما يكفي حاجة الاستهلاك المحلي وتلبية الطلب على هذه السلع في الأسواق الخارجية. وحتى مع غياب الأرقام التي توضح حجم الإنتاج في تلك الحقبة، فإنَّ هناك دلالات على انتشار الزراعة التجارية في أقاليم بعينها في مصر، وقصب السكر خير دليل على ذلك، وسوف نتتبعه تفصيليًا من خلال ترجمة حياة أبو طاقية ومعاصريه من التجار. وبذلك تتوفر لدينا القرائن العديدة على وجود محاصيل نقدية فيما قبل القرن التاسع عشر بوقت طويل، وهي الحقبة التي درج المؤرّخون على القول بأنها الفترة التي اتسم الاقتصاد المصري فيها بالطابع المعاشي. ورغم أنه لا تتوافر لدينا أرقام عن تجارة مصر الخارجية قبل القرن التاسع عشر، ربما كان بمقدورنا رصد بعض الاتجاهات. فقد ذهب الجانب الأكبر من تجارة مصر الخارجية في تلك الحقب إلى الدولة العثمانية، وخاصة الأناضول وبلاد الشام، وإلى جانب ذلك، ظلت تجارة البحر الأحمر نشطة، حيث كانت التوابل والبن تمثل أبرز السلع الواردة من هناك، ولكن تلك الحقبة شهدت أيضًا نشاطًا تجاريا مع أوروبا، رغم تغلغل الدول الأوروبية في أسواق آسيا. ويُمكننا - في واقع الأمر ــ رصد زيادة ملحوظة في الطلب على سلع معينة بسبب ظاهرة الزيادة السكانية، وتزايد القدرة على الإنفاق في أوروبا نتيجة الثروات القادمة من العالم الجديد، وبذلك لم تكن التجارة مع أوروبا – في تلك الحقبة - قاصرةً على السلع التي تندرج ضمن تجارة العبور كالبن أو التوابل، كما لم تشكل المواد الأولية الجانب الأكبر منها على نحو ما حدث فيما بعد بالنسبة للتجارة المصرية مع أوروبا. وتميزت الحقبة السابقة على مرحلة الاندماج في السوق الرأسمالية الأوروبية بملامح أخرى، ظنُّ المؤرخون الذين درسوا تاريخ مصر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أنها قد أُدخلت في وقت متأخّر، وتتمثل تلك الملامح في الصلة بين الزراعة والطلب التجاري، الذي ينسب عادة إلى القرن التاسع عشر؛ كالتوسع في إنتاج القطن لتلبية الطلب المتزايد لصناعة النسيج في إنجلترا. وقد بين لنا بيتر جران أن تلك الظاهرة كانت موجودة بالفعل عند نهاية القرن الثامن عشر؛ إذ قام أمراء المماليك - الذين ارتبطوا بالتجارة ارتباطًا وثيقًا ــ بتحويل مساحات واسعة من الأراضي الزراعية بالدلتا لإنتاج الغلال التي كان يشتد الطلب عليها في فرنسا (8). وتكشف ترجمة حياة أبو طاقية عن وجود اتجاه مماثل قبل ذلك بقرنين من الزمان في ظل ظروف مختلفة تمام الاختلاف .... فقيام التجار المشتغلين بالتجارة الدولية مثل أبو طاقية أو الرويعي بتمويل الإنتاج الزراعي، يُشير إلى الرابطة بين الزراعة والتجارة الخارجية. وتحدد لنا دراسة أبو طاقية بعض ملامح الإنتاج في تلك الحقبة من حيث الموقع الحضري والريفي، والدور الذي لعبه التجار في التمويل باتخاذ إنتاج السكر. - الذي كان على درجة كبيرة من الأهمية عندئذٍ - مثالا لذلك. ويُعدُّ التوسع في إنتاج السكر بالغ الأهمية لارتباطه بالطلب الخارجي واعتماده على تمويل التجار الذي يشتغلون بتصدير السلعة إلى أسواق الدولة العثمانية. ولعلَّ هذا التحويل ساعد صناعة السكر على النهوض من كبوة الكساد الذي شهدته في القرن الخامس عشر. ونتيجة لذلك، من حقنا أن نتساءل عما إذا كانت تجربة التصنيع التي شهدتها مصر في أوائل القرن التاسع عشر ترتبط بطريقة ما بما حدث قبلها. وقد طرح نفس التساؤل فيما يتعلق بالثورة الصناعية في إنجلترا؛ حيث ثار جدل بين الباحثين عما إذا كانت تُعد تطورًا أم انقلابًا. فقد أضاف أشتون Ashton . . - مثلا - فصلًا إلى كتابه عن الثورة الصناعية عن الأنماط الصناعية المبكرة في القرن الثامن عشر باعتبارها أصولا لما حدث فيما بعد (9). وهناك جدل حول اعتبار التصنيع الذي تم في عهد محمد علي باشا كان بمثابة تصعيد لعملية بدأت في وقت سابق على نطاق أضيق، بوسائل فنية محدودة، وترجع أصول بعض التغيرات الهامة التي أدخلها. محمد علي باشا في القرن التاسع عشر إلى فترات زمنية أسبق، وكان دوره يتمثل في دفع تلك العملية الطويلة المدى خطوة إلى الأمام. ومن الملامح الحيوية للحقبة موضع الدراسة التي تُميّزها تماما عن فترة الاندماج في السوق الرأسمالي الأوروبي في القرن التاسع عشر، أنَّ الزراعة التجارية وارتباط الزراعة بالإنتاج الصناعي وبالتجارة لم يتم لصالح مصانع النسيج بمانشستر، ولكنه تم لصالح التجار الوطنيين المحليين الذين مؤلوا تلك العملية جزئيًّا، وكانوا المنتفعين الرئيسيين بها. وتُوضّح هذه الدراسة بدايات هذا الاتجاه الهام على أمل أن تقوم الدراسات المستقبلة بإيضاح كيفية انتشارها أو تراجعها حسبما كانت الحال. ويمكن استنتاج أن الحقبة موضوع الدراسة، كانت فترة ازدهار تجاري، شهدت إدخال تغييرات هامة على عكس ما يتردَّد كثيرًا، وذلك رغم وجود عدة ظروف غير مواتية مثل التغلغل الأوروبي في الأسواق الآسيوية، وقيام طرق دولية جديدة للتجارة عبر الأطلنطي، وتُعد الصحوة الاقتصادية في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، ذات دلالة واضحة تجعلنا لا نستطيع تفسير ما حدث خلال القرون الثلاثة التي تقع بين تلك الحقبة وتفكك الدولة العثمانية على أنها تمثل خطا واحدًا من الاضمحلال المستمر، فمثل هذا التناول يطمس الحقائق المركبة الخاصة بالعصر. وتذهب هذه الدراسة إلى أننا لا نستطيع إدراك التغيرات التي حدثت بالمنطقة دون فهم تلك الحقبة من التاريخ العثماني؛ فقد شهدت الحقبة قيام بعض الهياكل الاقتصادية والاجتماعية الحيوية التي تُنسب عادةً إلى التغيرات التي حدثت في القرن التاسع عشر، ولكنها ترجع إلى حقب زمنية سابقة على الحملة الفرنسية، ومحمد علي، وتغلغل الأنماط الأوروبية للتجارة في مصر، فكانت تستخدم أدوات وتتبع أساليب عمل وطنية محلية. وتتفق هذه الدراسة – التي استخدمت مصادر مختلفة تتصل بحقبة زمنية أخرى – مع ما ذهب إليه بيتر جران من أن ثمة تغييرات تجارية هامة حدثت قبل فترة التوسع في استيراد النماذج الأوروبية التي بدأت بالحملة الفرنسية عام 1798م، وأن تلك التغييرات بعثتها حركة ذاتية داخلية (10) .وبذلك تُعدُّ هذه الحقبة مرحلة بالغة الأهمية من مراحل تاريخ مصر الاقتصادي والاجتماعي، وتُمثل قاعدة التطورات التي حدثت فيما بعد؛ ومن ثم تُعد ضرورية لفهم القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

 

............................................

1- E. J. Hobsbawn, “The Crisis of the Seventeenth Century, Past and Present,” Vol. 5, 1954, pp. 46–9

2- H. R. Trevor-Roper, “The General Crisis of the Seventeenth Century, Past and Present,” Vol. 16, 1959, p. 44–51

3- Abou-El-Haj, pp. 6-7

4- Fernand Braudel, "The Mediterranean and the Mediterranean World in the Age of Philip   .II," transl. Sian Reynolds, New York, 1972, vol. 1, pp. 211-212

5-  ليس هناك دليل على وجود سجلات للمحاكم ترجع إلى عصر سلاطين المماليك.

6- Marc Bloch, "French Rural History, An Essay on its Basic Characteristics," London, 1.1966, pp. 102-112

7-  Robert Brenner, "The Agrarian Roots of European Capitalism, in T.H.E.," Philpin `^ eds., The Brenner Debate, Agrarian Class Structure and Economic Development in Pre-. Industrial Europe, Cambridge, 1987, pp. 213-215

8- Austin, 1979 Peter Gran, The Islamic Roots of Capitalism

9- T. S. Ashton, “The Industrial Revolution,” 1760–1839, Oxford, 1964, pp. 18–41

10-  Peter Gran, “The Islamic Roots of Capitalism,” Austin, 1979, pp. 3–6