كفارة الجماع حال الاحرام
المؤلف:
ابن ادريس الحلي
المصدر:
السرائر
الجزء والصفحة:
ج 1 ص 548 – 552
2025-04-06
546
إذا جامع المرأة في الفرج ، سواء كان قبلا ، أو دبرا ، قبل الوقوف بالمشعر ، عامدا ، وبعض أصحابنا يقول : ويعتبر قبل الوقوف بعرفة ، والأول هو الأظهر ، فإنّه يفسد حجّه ، ويجب عليه المضي في فاسدة ، وعليه الحجّ من قابل ، قضاء عن هذه الحجة ، سواء كانت حجته فرضا ، أو نفلا ، ويلزم مع ذلك ، كفارة ، وهي بدنة ، والمرأة إن كانت محلّة ، لا يتعلّق بها شيء ، وإن كانت محرمة ، فلا يخلو إمّا أن تكون مطاوعة له ، أو مكرهة عليها ، فإن طاوعته على ذلك ، كان عليها مثل ما عليه من الكفارة ، والحج ، من قابل ، وينبغي أن يفترقا ، إذا انتهيا إلى المكان الذي فعلا فيه ما فعلا ، إلى أن يقضيا المناسك ، وقد روي أنّ حد الافتراق ، أن لا يخلوا بأنفسهما ، إلا ومعهما ثالث (1).
وإن كان أكرهها على ذلك ، لم يكن عليها شيء ، ولا يتعلّق به فساد حجّها.
وتضاعفت الكفارة على الرجل ، يتحملها عنها ، وهي بدنة أخرى ، فأمّا حجّة أخرى فلا يلزمه عنها ، لأنّ حجتها ما فسدت.
وإن كان جماعه فيما دون الفرج ، كان عليه بدنة ، ولم يكن عليه الحج من قابل.
وإن كان الجماع في الفرج بعد الوقوف بالمشعر ، كان عليه بدنة ، وليس عليه الحج من قابل ، سواء كان ذلك قبل التحلل ، أو بعده ، وعلى كل حال ، فإذا قضى الحج في القابل ، فأفسد حجه أيضا ، كان عليه مثل ما لزمه في العام الأول ، من الكفارة ، والحج من قابل ، وكذلك ما زاد عليه إلى أن تسلم له حجّة غير مفسودة ، لعموم الأخبار (2).
وإذا جامع أمته ، وهي محرمة ، وهو محلّ ، فإن كان إحرامها بإذنه ، كان عليه كفارة ، يتحملها عنها ، وإن كان إحرامها من غير اذنه ، لم يكن عليه شيء ، لأنّ إحرامها لم ينعقد ، وكذا الاعتبار في الزوجة ، في حجّة التطوع ، دون حجة الإسلام ، فإن لم يقدر على بدنة ، كان عليه دم شاة ، أو صيام ثلاثة أيام ، وإن كان هو أيضا محرما ، تعلّق به فساد حجّه ، والكفارة ، مثل ما قلناه ، في الحرة سواء.
وإذا وطأ بعد وطء لزمته كفارة ، بكل وطء ، سواء كفر عن الأول ، أو لم يكفر لعموم الأخبار.
ومن أفسد الحجّ ، وأراد القضاء ، أحرم من الميقات ، وكذلك من أفسد العمرة ، أحرم فيما بعد من الميقات ، والمفرد إذا حج ، ثم اعتمر بعده ، فأفسد عمرته ، قضاها ، وأحرم من أدنى الحل ، والمتمتع إذا أحرم بالحج ، من مكة ، ثم أفسد حجه ، قضاه ، وأحرم من الموضع الذي أحرم منه بالحجّ ، من مكة ، بعد ما يقدّم العمرة المتمتع بها ، على إحرامه من مكة ، في سنة واحدة.
وهل تكون الحجة الثانية ، هي حجة الإسلام ، أو الأولى الفاسدة؟ قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته : الاولى الفاسدة ، هي حجة الإسلام ، والثانية عقوبة (3) وقال في مسائل خلافه: بل الثانية هي حجة الإسلام (4) وهذا هو الصحيح الذي تشهد به أصول المذهب ، لأنّ الفاسد لا يجزي ولا تبرأ الذمة بفعله ، والفاسد غير الصحيح.
فإن قيل: إذا كانت الثانية هي حجة الإسلام ، دون الاولى ، وكان يراعى فيها شرائط الوجوب ، فكان إذا حج في العام القابل ، والشرائط مفقودة ، لا تجزيه حجته ، إذا أيسر بعد ذلك ، وحصلت له شرائط الوجوب ، ولا يعتبر أحد ذلك ، بل حجته في العام القابل تجزيه ، ولو حبا حبوا ، فدلّ هذا الاعتبار ، على أنّ الاولى هي حجة الإسلام ، دون الثانية.
قلنا: من حصلت له شرائط الوجوب ، وفرّط فيها ، يجب عليه الحج ، فإذا حج فقيرا ، أو ماشيا بعد ذلك ، أجزأته حجته ، ولا يعتبر شرائط الوجوب ، بعد ذلك ، فعلى هذا التحرير ، والتقرير ، الاعتراض ساقط ، لأنّه بإفساده للأولى فرّط ، فلا اعتبار في الثانية بشرائط الوجوب.
ومتى جامع الرجل قبل طواف الزيارة ، كان عليه جزور ، فإن لم يتمكن كان عليه دم بقرة ، فان لم يتمكن كان عليه دم شاة.
ومتى طاف الإنسان من طواف الزيارة شيئا ، ثم واقع أهله ، قبل أن يتمه ، كان عليه بدنة ، واعادة الطواف.
وإن كان قد سعى من سعيه شيئا ، ثمّ جامع كان عليه الكفارة ، ويبني على ما سعى ، ومن سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ، وظن أنّه كان سعى سبعة ، فقصّر ، وجامع ، وجب عليه دم بدنة ، وروي بقرة (5) ويسعى شوطا آخر ، وانّما وجبت عليه الكفارة ، لأجل أنّه خرج من السعي ، غير قاطع ، ولا متيقن إتمامه ، بل خرج عن ظن منه ، وهاهنا لا يجوز له أن يخرج مع الظن ، بل مع القطع واليقين ، وهذا ليس هو بحكم الناسي ، وهذا يكون في سعي العمرة المتمتع بها إلى الحج ، فلو كان في سعي الحجّ ، كان يجب عليه الكفارة ، ولو سلم له سعيه ، وخرج منه على يقين ، لأنّه قاطع على وجوب طواف النساء عليه ، وليس كذلك العمرة المتمتع بها ، لو سلم له سعيه ، وقصّر لم يجب عليه الكفارة ، لأنّه قد أحلّ بعد تقصيره من جميع ما أحرم منه ، لأنّ طواف النساء غير واجب في العمرة المتمتع بها إلى الحج ، فليتأمّل ما قلناه ، فلا يصح القول بهذه المسألة ، فإنّها ما ذكرها الشيخ المفيد في مقنعته (6) ، إلا بما حرّرناه.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته : وإن كان قد انصرف من السعي ظنا منه أنّه تممه ، ثمّ جامع ، لم يلزمه الكفارة ، وكان عليه تمام السعي (7) فجعله في حكم الناسي ، ولا يصح هذا أيضا ، إلا في سعي العمرة المتمتع بها إلى الحج ، على ما حرّرناه.
ومتى جامع الرجل بعد قضاء مناسكه ، قبل طواف النساء ، كان عليه بدنة ، فإن كان قد طاف من طواف النساء شيئا ، فإن كان أكثر من النصف ، بنى عليه بعد الغسل ، ولم تلزمه الكفارة ، على ما روي في بعض الأخبار (8) وقد ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته (9) ، وإن كان قد طاف أقل من النصف ، كان عليه الكفارة ، واعادة الطواف.
قال محمّد بن إدريس: أمّا اعتبار النصف في صحة الطواف ، والبناء عليه ، فصحيح ، وأمّا سقوط الكفارة ، ففيه نظر ، لأنّ الإجماع حاصل على أنّ من جامع قبل طواف النساء ، وجبت عليه الكفارة، وهذا جامع قبل طواف النساء، فالاحتياط يقتضي وجوب الكفارة.
_________________
(1) الوسائل: كتاب الحج، الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح 5 و6.
(2) الوسائل: كتاب الحج الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع.
(3) النهاية: كتاب الحج، باب ما يجب على المحرم من الكفارة.
(4) الخلاف: كتاب الحج، مسألة 205.
(5) الوسائل: كتاب الحج الباب 14 من أبواب السعي.
(6) المقنعة: كتاب الحج، باب الكفارات ص 433.
(7) النهاية: كتاب الحج، ما يجب على المحرم من الكفارة.
(8) الوسائل: كتاب الحج، الباب 11 من أبواب كفارات الاستمتاع.
(9) النهاية: كتاب الحج، باب ما يجب على المحرم من الكفارة.
الاكثر قراءة في الصيد وقطع الشجر وما يتعلق بالجزاء والكفارة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة