تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
قصة خلق النبي آدم عليه السلام
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 4 ص54-75.
2025-06-08
104
قصة خلق النبي آدم عليه السلام
قال تعالى : {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ } [الحجر: 27 - 35].
قال أبو بصير ، للصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام : أخبرني عن خلق آدم ، كيف خلقه اللّه تعالى ؟
قال : « إن اللّه تعالى لمّا خلق نار السّموم ، وهي نار لا حرّ لها ولا دخان ، فخلق منها الجان ، فذلك معنى قوله تعالى : وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ وسمّاه مارجا ، وخلق منه زوجه وسمّاها مارجة ، فواقعها فولدت الجان ، ثم ولد الجانّ ولدا وسمّاه الجنّ ، ومنه تفرّعت قبائل الجنّ ، ومنهم إبليس اللعين ، وكان يولد الجانّ الذكر والأنثى ، ويولد الجنّ كذلك توأمين ، فصاروا تسعين ألفا ذكرا وأنثى ، وازدادوا حتى بلغوا عدّة الرمال .
وتزوّج إبليس بامرأة من ولد الجانّ يقال لها : لهبا بنت روحا بن سلساسل ، فولدت منه بيلقيس وطونة في بطن واحد ، ثم شعلا وشعيلة في بطن واحد ، ثمّ دوهر ودوهرة في بطن واحد ، ثم شوظا وشيظة في بطن واحد ، ثم فقطس وفقطسة في بطن واحد ، فكثر أولاد إبليس ( لعنه اللّه ) حتى صاروا لا يحصون ، وكانوا يهيمون على وجوههم كالذرّ ، والنّمل ، والبعوض ، والجراد ، والطّير ، والذباب . وكانوا يسكنون المفازو « 1 » والقفار ، والحياض ، والآجام ، والطرق ، والمزابل ، والكنف « 2 » ، والأنهار ، والآبار ، والنواويس « 3 » ، وكلّ موضع وحش ، حتى امتلأت الأرض منهم . ثم تمثّلوا بولد آدم بعد ذلك ، وهم على صور الخيل ، والحمير ، والبغال ، والإبل ، والمعز ، والبقر ، والغنم ، والكلاب ، والسباع ، والسلاحف .
فلمّا امتلأت الأرض من ذريّة إبليس ( لعنه اللّه ) أسكن اللّه الجانّ الهواء دون السّماء ، وأسكن ولد الجنّ في سماء الدنيا ، وأمرهم بالعبادة والطاعة وهو قوله تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56] .
وكانت السّماء تفتخر على الأرض ، وتقول : إنّ ربّي رفعني فوقك ، وأنا مسكن الملائكة ، وفيّ العرش والكرسيّ والشمس والقمر والنجوم ، وخزائن الرحمة ، ومنّي ينزل الوحي . فقالت الأرض : إنّ ربّي بسطني واستودعني عروق الأشجار والنبات والعيون ، وخلق فيّ الثمرات والأنهار والأشجار.
فقالت لها السماء : ليس عليك أحد يذكر اللّه تعالى ؟
فقالت الأرض : يا ربّ ، إنّ السماء تفتخر عليّ ، إذ ليس عليّ أحد يذكرك . فنوديت الأرض : أن اسكني ، فإنّي أخلق من أديمك صورة لا مثل لها من الجنّ « 4 » ، وأرزقه العقل والعلم والكتاب واللسان ، وأنزل عليه من كلامي ، ثم أملأ بطنك وظهرك وشرقك وغربك على مزاج تربك في اللون ، والحريّة ، والسريّة ، وافتخري يا أرض على السماء بذلك .
ثم استقرّت الأرض وسألت ربها أن يهبط إليها خلقا ، فأذن لها بذلك ، على أن يعبدوه ولا يعصوه - قال - وهبط الجنّ وإبليس اللعين وسكنا الأرض ، فأعطوا على ذلك العهد ، ونزلوا وهم سبعون ألف قبيلة يعبدون اللّه حقّ عبادته دهرا طويلا .
ثمّ رفع اللّه إبليس إلى سماء الدنيا لكثرة عبادته ، فعبد اللّه تعالى فيها ألف سنة ، ثمّ رفع إلى السماء الثانية ، فعبد اللّه تعالى فيها ألف سنة ، ولم يزل يعبد اللّه في كلّ سماء ألف سنة حتى رفعه اللّه إلى السماء السابعة ، وكان أوّل يوم في السماء الأولى السبت ، والأحد في الثانية ، حتى كان يوم الجمعة صيّر في السماء السابعة ، وكان يعبد اللّه حقّ عبادته ، ويوحّده حقّ توحيده ، وكان بمنزلة عظيمة حتّى إذا مرّ به جبرئيل وميكائيل ، يقول بعضهم لبعض : لقد أعطي هذا العبد من القوّة على طاعة اللّه وعبادته ما لم يعط أحد من الملائكة .
فلمّا كان بعد ذلك بدهر طويل ، أمر اللّه تعالى جبرئيل أن يهبط إلى الأرض ، ويقبض من شرقها وغربها وقعرها وبسطها قبضة ، ليخلق منها خلقا جديدا ، ليجعله أفضل الخلائق » « 5 ».
وقال ابن عباس : فلمّا أراد اللّه أن ينفخ في آدم الرّوح ، خلق روح آدم عليه السّلام ليست كالأرواح ، وهي روح فضلها اللّه تعالى على جميع أرواح الخلق من الملائكة وغيرها ، فذلك قوله تعالى : فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ، وقال اللّه تعالى : وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا « 6 » . قال : فلمّا خلق اللّه تعالى روح آدم عليه السّلام أمر بغمسها في جميع الأنوار ، ثم أمرها أن تدخل في جسد آدم عليه السّلام بالتأنّي دون الاستعجال ، فرأت الرّوح مدخلا ضيّقا ومنافذ ضيّقة ، فقالت : يا ربّ ، كيف أدخل من الفضاء إلى الضّيق ؟ فنوديت : أن ادخلي كرها . فدخلت الرّوح من يافوخه إلى عينيه ففتحهما آدم عليه السّلام فجعل ينظر إلى بدنه ولا يقدر على الكلام ، ونظر إلى سرادق العرش مكتوبا عليه : لا إله إلا اللّه ، محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فصارت الرّوح إلى أذنيه ، فجعل يسمع تسبيح الملائكة . ثم جعلت الرّوح تدور في رأسه ودماغه ، والملائكة ينظرون إليه ، ويتوقّعون متى يؤمرون بالسّجود ليسجدوا ، وإبليس اللعين يضمر خلاف ذلك .
وقد أخبر اللّه تعالى الملائكة قبل خلقه بذلك ، قوله تعالى : {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [ص : 71، 72] . ثمّ صارت الرّوح إلى الخياشيم ، ففتحت العطسة المجاري المسدودة وسارت إلى اللسان ، فقال آدم عليه السّلام : « الحمد للّه الذي لم يزل » .
فهي أوّل كلمة قالها ، فناداه الرّبّ : يرحمك ربّك - يا آدم - لهذا خلقتك ، وهذا لك ولذريتك ، ولمن قال مثل مقالتك . قال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : « ليس على إبليس أشدّ من تسميت العاطس » قال : فصارت الروح في جسد آدم عليه السّلام حتى بلغت الساقين والقدمين ، فاستوى آدم قائما على قدميه في يوم الجمعة عند زوال الشمس .
قال جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام : « كانت الرّوح في رأس آدم عليه السّلام مائة عام ، في صدره مائة عام ، وفي ظهره مائة عام ، وفي بطنه مائة عام ، وفي عجزه وفي وركيه مائة عام ، وفي ساقيه وقدميه مائة عام » .
فلمّا استوى آدم قائما ، نظرت إليه الملائكة كأنّه الفضّة البيضاء ، فأمرهم اللّه بالسّجود له ، فأوّل من بادر إلى السجود جبرئيل ، ثم ميكائيل ، ثم عزرائيل ، ثم إسرافيل ، ثم الملائكة المقرّبون . وكان السجود لآدم يوم الجمعة عند الزوال ، فبقيت الملائكة في سجودها إلى العصر ، فجعل اللّه تعالى هذا اليوم عيدا لآدم عليه السّلام ولأولاده ، وأعطاه اللّه تعالى فيه الإجابة في الدّعاء ، وفي يوم الجمعة وليلتها أربع وعشرون ساعة ، في كلّ ساعة يعتق سبعون ألف عتيق من النار « 7 ».
وقال جعفر الصادق عليه السّلام : « وأبى إبليس ( لعنه اللّه ) من أن يسجد لآدم عليه السّلام استكبارا وحسدا ، فقال اللّه تعالى : {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص : 75، 76] والنار تأكل الطين ، وأنا الذي عبدتك دهرا طويلا قبل أن تخلقه ، وأنا الذي كسوتني الريش والنور ، وأنا الذي عبدتك في أكناف السماوات مع الكرّوبيّين والصّافّين والمسبّحين والروحانيّين والمقرّبين . قال اللّه تعالى : لقد علمت في سابق علمي من ملائكتي الطاعة ومنك المعصية ، فلم ينفعك طول العبادة لسابق العلم فيك ، وقد أبلستك « 8 » من الخير كلّه إلى آخر الأبد ، وجعلتك مذموما مدحورا شيطانا رجيما لعينا . فعند ذلك تغيّرت خلقته الحسنة إلى خلقة كريهة مشوّهة ، فوثب عليه الملائكة بحرابها وهم يلعنونه ويقولون له ؛ رجيم ملعون ، رجيم ملعون . فأوّل من طعنه جبرئيل ، ثم ميكائيل ، ثم إسرافيل ، ثم عزرائيل ، ثم جميع الملائكة من كلّ ناحية وهو هارب من بين أيديهم حتى ألقوه في البحر المسجور ، فبادرت إليه الملائكة بحراب من نار ، فلم يزالوا يطعنونه حتى بلغوه القرار ، وغاب عن عيون الملائكة ، والملائكة في اضطراب والسّماوات في رجفان من جرأة إبليس اللّعين وعصيانه أمر اللّه .
قال اللّه تعالى : {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة : 31] حتى عرف اللغات كلها ، حتى لغات الحيّات والضفادع ، وجميع ما في البرّ والبحر ».
فانتصب آدم على منبره قائما ، وسلّم على الملائكة ، وقال : « السّلام عليكم ، يا ملائكة ربّي ورحمة اللّه وبركاته » فأجابه الملائكة : وعليك السّلام ورحمة اللّه وبركاته . فإذا النداء : يا آدم ، لهذا خلقتك ، وهذا السّلام تحيّة لك ولذرّيّتك إلى يوم القيامة » .
قال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم « ما فشا السّلام في قوم إلا أمنوا من العذاب ، فإن فعلتموه دخلتم الجنّة » .
قال : فأخذ آدم في خطبته فبدأ يقول : « الحمد للّه » فصار ذلك سنّة لأولاده ، وأثنى على اللّه تعالى بما هو أهله ، ثمّ ذكر علم السماوات والأرضين وما فيها من خلق رب العالمين ، فعند ذلك قال اللّه تعالى للملائكة : {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة : 31] فشهدت الملائكة على أنفسها وأقرّت ، وقالت ؛ {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة : 32] قال اللّه تعالى : {يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } [البقرة : 33] فجعل آدم يخبرهم بأسماء كلّ شيء ، خفيّها وظاهرها ، برها وبحرها ، حتى الذّرّة والبعوضة ، فتعجّبت الملائكة من ذلك ، قال اللّه تعالى : {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة : 33] يعني ما كتم إبليس من إضمار المعصية .
قال : ونزل آدم عليه السّلام من منبره ، وزاد اللّه في حسنه أضعافا زيادة على ما كان عليه من الحسن والجمال ، فلمّا نزل قرّب إليه قطف « 9 » من عنب أبيض فأكله ، وهو أول شيء أكله من طعام الجنّة ، فلمّا استوفاه ، قال : « الحمد للّه رب العالمين » ، فقال اللّه تعالى : يا آدم ، لهذا خلقتك ، وهو سنّتك وسنّة ذريّتك إلى آخر الدهر . ثمّ أخذته السنة ، أي النعاس ، مبادئ النوم ، لأنّه لا راحة لبدن يأكل إلّا النّوم ، ففزعت الملائكة ، وقالت : النّوم هو الموت . فلمّا سمع إبليس بأكل آدم عليه السّلام فرح وتسلّى ببعض ما فيه ، وقال : سوف أغويه « 10 ».
وقال جعفر بن محمّد الصادق عليهما السّلام : « فلمّا نام آدم عليه السّلام ، خلق اللّه من ضلع جنبه الأيسر ما يلي الشّراسيف « 11 » وهو ضلع أعوج ، فخلق منه حوّاء ، وإنّما سميت بذلك لأنها خلقت من حيّ ، وذلك قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [النساء : 1] فكانت حوّاء على خلق آدم عليه السّلام ، وعلى حسنه وجماله ، ولها سبعمائة ظفيرة مرصّعات بالياقوت واللؤلؤ والجواهر والدّر ، محشوّة بالمسك ، شكلاء « 15 » دعجاء « 12 » غنجاء « 13 » ، غضّة « 14 » ، بيضاء ، مخضوبة الكفّين ، تسمع لذوائبها خشخشة ، وهي نفيسة متوّجة ، وهي على صورة آدم عليه السّلام غير أنّها أرق منه جلدا ، وأصفى منه لونا ، وأحسن منه صوتا ، وأدعج منه عينا ، وأقنى منه أنفا ، وأصفى منه سنّا ، وأصغر منه سنّا ، وألطف منه نباتا ، وألين منه كفّا ، فلمّا خلقها اللّه تعالى ، أجلسها عند رأس آدم وقد رآها في نومه ، وقد تمكّن حبّها في قلبه - قال - فانتبه آدم عليه السّلام من نومته فقال : يا ربّ ، من هذه ؟ فقال اللّه تعالى : هذه أمتي حوّاء . قال : يا ربّ ، لمن خلقتها ؟ قال : لمن أخذ بها الأمانة ، وأصدقها الشّكر . قال : يا ربّ ، أقبلها على هذا . فتزوّجها - قال - فزوّجه إيّاها قبل دخول الجنّة » .
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام : « رأى هذا في المنام وهي تكلّمه ، وهي تقول له : أنا أمة اللّه وأنت عبد اللّه ، فاخطبني من ربّك » .
وقال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام : « طيّبوا النكاح ، فإنّ النساء عند الرجال لا يملكن لأنفسهن ضرّا ولا نفعا ، وإنّهنّ أمانة اللّه عندكم فلا تضارّوهنّ ولا تعضلوهن » « 16 ».
وقال جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام : « إنّ آدم عليه السّلام رأى حوّاء في المنام ، فلمّا انتبه ، قال : يا ربّ ، من هذه التي أنست بقربها ؟ قال اللّه تعالى :
هذه أمتي ، وأنت عبدي ، يا آدم ، ما خلقت خلقا هو أكرم عليّ منكما ، إذا أنتما عبدتماني وأطعتماني ، وقد خلقت لكما دارا ، وسمّيتها جنّتي فمن دخلها كان وليّي حقّا ، ومن لم يدخلها كان عدوّي حقا . فقال آدم عليه السّلام : ولك يا ربّ ، عدوّ وأنت ربّ السماوات ؟ قال اللّه تعالى : يا آدم ، لو شئت أجعل الخلق كلّهم أوليائي لفعلت ولكني أفعل ما أشاء ، وأحكم ما أريد . قال آدم عليه السّلام : يا ربّ ، فهذه أمّتك حوّاء قد رقّ لها قلبي ، فلمن خلقتها ؟ قال اللّه تعالى : خلقتها لك لتسكن الدنيا فلا تكن وحيدا في جنّتي قال : فأنكحنيها يا ربّ . قال : أنكحتكها بشرط أن تعلّمها مصالح ديني ، وتشكرني عليها ، فرضي آدم بذلك ، فاجتمعت الملائكة ، فأوحى اللّه تعالى إلى جبرئيل أن اخطب .
فكان الولي ربّ العالمين ، والخطيب جبرئيل الأمين ، والشهود الملائكة المقرّبين ، والزوج آدم عليه السّلام أبا النبيّين ، فتزوّج آدم عليه السّلام بحوّاء على الطاعة والتقى والعمل الصالح ، فنثرت الملائكة عليهما من نثار الجنّة » « 17 ».
وعنه : قال أبو بصير : أخبرني كيف كان خروج آدم عليه السّلام من الجنّة ؟
فقال الصادق عليه السّلام : « لمّا تزوّج آدم عليه السّلام بحوّاء أوحى اللّه تعالى إليه :
يا آدم ، أن اذكر نعمتي عليك ، فإنّي جعلتك بديع فطرتي ، وسوّيتك بشرا على مشيئتي ، ونفخت فيك من روحي ، وأسجدت لك ملائكتي ، وحملتك على أكتافهم ، وجعلتك خطيبهم ، وأطلقت لسانك بجميع اللغات ، وجعلت ذلك كلّه شرفا لك وفخرا ، وهذا إبليس اللّعين قد أبلسته ولعنته حين أبى أن يسجد لك وقد خلقتك كرامة لأمتي ، وخلقت أمتي نعمة لك ، وما نعمة أكرم من زوجة صالحة ، تسرّك إذا نظرت إليها ، وقد بنيت لكما دار الحيوان من قبل أن أخلقكما بألف عام ، على أن تدخلاها بعهدي وأمانتي .
وكان اللّه تعالى عرض هذه الأمانة على السماوات والأرضين ، وعلى الملائكة جميعا ، وهي أن تكافئوا على الإحسان ، وتعدلوا عن الإساءة . فأبوا عن قبولها ، فعرضها على آدم عليه السّلام ، فتقبّلها ، فتعجّبت الملائكة من جرأة آدم عليه السّلام في قبول الأمانة ، يقول اللّه تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب : 72] وما كان بين أن قبل الأمانة آدم وبين أن عصى ربّه إلا كان بين الظهر والعصر ، ثم مثل اللّه تعالى لآدم عليه السّلام ولحوّاء ، اللعين إبليس ، حتى نظر إلى سماجته « 2 » ، فقيل له : هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى « 3 » ثم ناداه الربّ : إنّ من عهدي إليكما أن تدخلا الجنّة ، وتأكلا منها رغدا حيث شئتما ، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ، فقبلا هذا العهد كلّه ، فقال : يا آدم ، أنت عندي أكرم من ملائكتي إذا أطعتني ورعيت عهدي ، ولم تكن جبّارا كفورا . وفي كلّ ذلك يقبل الأمانة والعهد ، ولا يسأل ربه التوفيق والعصمة ، وشهد الملائكة عليه .
ثم مكث آدم عليه السّلام وحواء مكلّلين متوّجين مكرّمين لمّا دخلا الجنة حتى كانا في وسط جنّات عدن ، نظر آدم وإذا هو بسرير من جوهر ، له سبعمائة قائمة من أنواع الجواهر ، وله سرادقات « 19 » كثيرة ، وعلى ذلك السرير فرش من السندس والإستبرق ، وبين الفراشين كثبان من المسك والكافور والعنبر ، وعلى السرير أربع قباب : فيه الرضوان والغفران والخلد والكرم ، فناداه السرير : إليّ يا آدم ، فلك خلقت ، ولك زيّنت . فنزل آدم عن فرسه ، وحوّاء عن ناقتها ، وجلسا على السرير بعد أن طافا على جميع نواحي الجنة ثم قدّم لهما من عنب الجنة وفواكهها فأكلا منها ، ثم تحوّلا إلى قبّة الكرم ، وهي أزين القباب ، وعن يمين السرير يومئذ جبل من مسك ، وعن يساره جبل من عنبر ، وشجرة طوبى قد أظلّت على السرير ، فأحبّ آدم عليه السّلام أن يدنو من حوّاء ، فأسبلت القباب ستورها ، وانظمّت الأبواب ، وتغشّاها وكان معها كأهل الجنّة في الجنّة خمسمائة عام من أعوام الدنيا في أتمّ السرور وأنعم الأحوال . وكان آدم عليه السّلام ينزل عن السرير ، ويمشي في منابر الجنّة ، وحوّاء خلفه تسحب سندسها ، وكلّما تقدما من قصر نثرت عليهما من ثمار الجنّة حتى يرجعا إلى السرير ، وإبليس ( لعنه اللّه ) خائف لما جرى عليه من طعنهم له بالحراب ورجمهم إياه ، وصار مختفيا عن آدم عليه السّلام وحوّاء ، فبينما هو كذلك وإذا هو بصوت عال : يا أهل السماوات ، قد سكن آدم وحوّاء الجنة بالعهد والميثاق ، وأبحت لهما جميع ما في الجنّة إلّا شجرة الخلد ، فإن قرباها وأكلا منها كانا من الظالمين ».
قال : « فلمّا سمع إبليس اللعين ذلك فرح فرحا شديدا ، وقال :
لأخرجنّهما من الجنّة . ثمّ أتى مستخفيا في طرق السماوات . حتى وقع على باب الجنة ، وإذا بالطاووس وقد خرج من الجنة ، وله جناحان ، إذا نشر أحدهما غطى به سدرة المنتهى ، وله ذنب من زمرّدة صفراء ، وهو من الجواهر ، وعلى كلّ جوهر منه ريشة بيضاء ، وهو أطيب طيور الجنّة صوتا وتغريدا ، وأحسنها ألحانا بالتسبيح والثناء للّه رب العالمين ، وكان يخرج في وقت ويمرّ صفح « 20 » السماوات السبع ، يخطر في مشيه ، ويرجّع في تسبيحه ، فيعجب جميع الملائكة من حسن صورته وتسبيحه ، فيرجع إلى الجنّة . فلمّا رآه إبليس دعا به بكلام ليّن ، وقال : أيّها الطائر العجيب الخلقة ، حسن الألوان ، طيّب الصّوت ، أي طائر أنت من طيور الجنّة ؟ قال : أنا طاوس الجنّة ، ولكن مالك - أيها الشخص - مذعور ، كأنّك تخاف طالبا يطلبك ؟ فقال إبليس : أنا ملك من ملائكة الصفيح « 21 » الأعلى مع الملائكة الكرّوبيّين الذين لا يفترون عن التسبيح ساعة ولا طرفة عين ، جئت أنظر إلى الجنة وإلى ما أعد اللّه لأهلها فيها ، فهل لك أن تدخلني الجنّة وأعلّمك ثلاث كلمات ، من قالهنّ لا يهرم ولا يسقم ولا يموت ؟ فقال الطاوس : ويحك - أيها الشخص - أهل الجنّة يموتون ؟ قال إبليس : نعم ، يموتون ويهرمون ويقسمون إلا من كانت عنده هذه الكلمات . وحلف على ذلك ، فوثق به الطاوس ولم يظن أنّ أحدا يحلف باللّه كاذبا ، فقال : أيّها الشخص ، ما أحوجني إلى هذه الكلمات ، غير أني أخاف أنّ رضوان خازن الجنان يستخبرني عنك ، لكن أبعث إليك بالحيّة ، فإنّها سيّدة دوابّ الجنّة ».
قال : « ودخل الطاوس الجنّة ، وذكر للحيّة جميع ذلك فقالت : وما أحوجني وإياك إلى هذه الكلمات . قال الطاوس : قد ضمنت له أن أبعث بك إليه ، فانطلقي إليه سريعا قبل أن يسبقك سواك ، فكانت الحيّة يومئذ على صورة الجمل ، ولها قوائم ، ولها زغب مثل العبقريّ « 22 » ما بين أسود وأبيض وأحمر وأخضر وأصفر ، ولها رائحة كرائحة المسك المشاب بالعنبر ، وكان مسكنها في جنّة المأوى ، ومبركها على ساحل نهر الكوثر ، وكلامها التسبيح والثناء للّه رب العالمين ، وقد خلقها اللّه تعالى قبل أن يخلق آدم عليه السّلام بمائة عام ، وكانت تأنس بحوّاء وآدم عليه السّلام ، وتخبرهما بكلّ شجرة في الجنّة.
فخرجت الحيّة مسرعة من باب الجنّة فرأت إبليس لعنه اللّه على ما وصفه الطاوس ، فتقدّم إليها إبليس بالكلام الطيّب ، وقال لها مثل ما قال للطاوس ، فقالت الحيّة : وكيف أدخلك ولا يحلّ لك ركوبي ؟ فقال لها إبليس : إنّي أرى بين نابيك فرجة واسعة ، واعلمي أنّها تسعني ، واجعليني فيها وأدخليني الجنّة حتى أعلّمك هذه الكلمات الثلاث . فقالت الحيّة : إذا حملتك في فمي ، فكيف أتكلّم إذا كلّمني رضوان ؟ فقال لها اللعين : لا عليك ، فإنّ معي أسماء ربّي إذا قلتها لا ينطق بي ولا بك أحد من الملائكة . فدخلت والملائكة ساهون عن محاورتهما ، غير أنّ حوّاء كانت قد افتقدت الحيّة فلم تجدها ، وكانت مؤتلفة بها لحسن حديثها ، والحيّة مع إبليس يحلف لها ويخادعها - قال - ولم يزل إبليس يحلف لها ويخدعها ، حتى وثقت به وفتحت فاها ، فوثب إبليس وقعد بين أنيابها ، وخرج منه ريح فصار نابها سمّا إلى آخر الأبد - قال - فضمّته الحيّة ودخلت الجنّة ، ولم يكلّمها رضوان للقدر والقضاء السابق بعلم الرّحمن ، حتى إذا توسّطت الحيّة الجنّة ، قالت له : أخرج من فمي وعجّل قبل أن يفطن بك رضوان . قال إبليس : لا تعجلي ، فإنّما حاجتي في الجنة آدم وحوّاء ، فإني أريد أن أكلّمهما من فيك ، فإن فعلت ذلك علّمتك الكلمات الثلاث . فقالت الحيّة : هاتيك قبّة حوّاء فأخرج إليها وكلّمها . قال :
لا أكلمها إلّا من فيك ، فحملته الحيّة إلى قبّة حوّاء ، فقال إبليس من فم الحيّة : يا حوّاء ، يا زينة الجنّة ، ألست تعلمين أني معك في الجنّة ، وأني أحدّثك وأخبرك بكل ما في الجنة ، وأنّي صادقة في كل ما أحدّثك به ؟ فقالت حواء : نعم ، وما عرفتك إلّا بصدق الحديث . قال إبليس : يا حوّاء ، أخبريني ما الذي أحلّ لكما في الجنّة ، وحرّم عليكما ؟ فأخبرته بما نهاهما عنه . فقال إبليس : ولماذا نهاكما ربّكما عن شجرة الخلد ؟ قالت : لا علم لي بذلك . قال إبليس : أنا أعلم ، إنما نهاكما ربّكما لأنه أراد أن يفعل بكما مثل ما فعل بذلك العبد الذي مأواه تحت الشجرة ، الذي أدخله قبل دخولكما بألف عام ».
قال : « فوثبت حوّاء من سريرها لتنظر ذلك العبد ، فخرج إبليس من فم الحيّة كالبرق الخاطف ، حتّى قعد تحت الشجرة ، فأقبلت حوّاء فرأته ، فلمّا قربت منه ، نادته : أيّها الشخص ، من أنت ؟ قال : أنا خلق من خلق اللّه تعالى ، وأنا في هذه الجنّة منذ ألف عام ، خلقني كما خلقكما بيده ، ونفخ فيّ روحه ، وأسجد لي ملائكته وأسكنني جنّته ، ونهاني عن أكل هذه الشجرة ، فكنت لا آكل منها حتى نصحني بعض الملائكة ، وقال لي : كل منها ، فإنّ من أكل منها كان مخلّدا في الجنة أبدا ، وحلف لي أنّه لمن الناصحين ، فوثقت بيمينه وأكلت منها ، فأنا في الجنّة إلى يومي هذا كما ترين ، وقد أمنت من الهرم والسّقم والموت والخروج من الجنّة . فقال لها إبليس بعد ما حكى لها : واللّه ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إلّا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين.
فناداها : يا حوّاء ، كلي منها ، فإنّها أطيب ما أكلت من ثمار الجنّة ، فأسرعي إليها واسبقي زوجك ، فإنّ من سبق كان له الفضل على صاحبه ، أما تنظرين إليّ كيف آكل منها ؟ هذا والحيّة واقفة تسمع ما يقول إبليس ( لعنه اللّه ) لحوّاء ، فالتفت حوّاء للحيّة ، وقالت : أنت معي منذ أدخلني اللّه الجنّة ، ولم تخبريني بهذا الكلام ؟ ! وسكتت الحيّة ، ولم تدر ما يقول إبليس اللعين في جواب حوّاء ، ورغبت عن الكلام ، وما كان من أمرها الذي قد ضمن لها إبليس أن يعلّمها الثلاث كلمات.
فأقبلت حوّاء إلى آدم عليه السّلام ، كانت مسرورة بقول الحيّة لها ، ومقالة إبليس تحت الشجرة ، وأخبرته بخبر الحيّة والشخص وقد حلف لهما نصحا ، وذلك قوله تعالى : {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف : 21] وقرب القدر المقدور والقضاء المبرم ، وخروجهم من الجنّة ، وهو الأمر المحتوم ، فركنا جميعا إلى قول إبليس اللعين وقسمه فتقدّمت حوّاء إلى تلك الشجرة ، ولها أغصان لا تحصى ، وعلى الأغصان سنابل ، كلّ حبّة منها مثل القلّة ، ولها رائحة كالمسك الأذفر ، أشدّ بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فأخذت سبع سنابل من سبعة أغصان ، فقال اللعين : كلي منها يا حواء ، يا زينة الجنّة.
فأكلت واحدة ، وادّخرت لها واحدة ، وجاءت بخمس منها إلى آدم عليه السّلام ، ولم يكن لآدم عليه السّلام في ذلك أمر ولا نهي ، بل كان ذلك في سابق علم اللّه تعالى حين افتخرت السّماء على الأرض ، وشكت الأرض إلى ربّها ، وقال : يا أرض اسكني . وقال للملائكة : {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة : 30] . فتناول آدم عليه السّلام من السنابل سنبلة واحدة من يدها ، وقد نسي العهد المأخوذ عليه ، فذلك قوله تعالى : {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه : 115] ، أي جزما - قال - فذاق آدم عليه السّلام من الشجرة كما ذاقت حواء ، فذلك قوله تعالى : فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ
بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما « 23 » .
وقال ابن عبّاس ( رضي اللّه عنه ) : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول : « والذي نفسي بيده ، ما ساغ آدم عليه السّلام ، من تلك السنابل إلا سنبلة واحدة حتى طار التاج عن رأسه ، وتعارى من لباسه ، وانتزعت خواتيمه ، وسقط كل ما كان على حوّاء من لباسها ، وحليّها ، وزينتها ، وكلّ شيء طار عنها ، وناداه لباسه وتاجه : يا آدم ، طال حزنك ، وكثرت حسرتك ، وعظمت مصيبتك ، فعليك السّلام ، وهذه ساعة الفراق إلى يوم التّلاق ، فإنّ ربّ العزّة عهد إلينا أن لا نكون إلا على عبد مطيع خاشع . وانتفض السّرير من فراشه وطار في الهواء ، وهو ينادي : آدم المصطفى قد عصى الرحمن وأطاع الشيطان ، وحوّاء قد انتفضت ذوائبها عنها ، وما كان فيها من الدرّ والجواهر واللؤلؤ ، وانحلّت المنطقة من وسطها ، وهي تقول : لقد عظمت مصيبتكما وطال حزنكما ، ولم يبق عليهما من لباسهما شيء وَطَفِقا أي أقبلا : يَخْصِفانِ عَلَيْهِما أي يرفعان عليهما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ أي ورق التين {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف: 22] .
قال ابن عباس : إنّ اللّه تعالى حذّر أولاد آدم كما حذّر آدم عليه السّلام في قوله تعالى : {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} [الأعراف: 27] . قال : وجعل كلّ واحد منهما ينظر إلى عورة صاحبه ، وهرب إبليس مبادرا ، وصار مختفيا في بعض طرق السماوات ، ولم يبق شيء إلّا نادى آدم : يا عاصي ، وغضّ أهل الجنة أبصارهم عنهما ، وقالوا : أخرجتما
من جنّتكما ! وناداه فرسه الميمون - وقد خلقه اللّه من مسك الجنة وجميع طيبها من الكافور والزّعفران والعنبر وغير ذلك ، وعجن بماء الحيوان ، وعرفه من المرجان ، وناصيته من الياقوت ، وحافره من الزّبرجد الأخضر ، وسرجه من الزّمرّد ، ولجامه من الياقوت ، وله أجنحة من أنواع الجواهر ، وليس في الجنّة دابّة أحسن من فرس آدم عليه السّلام إلّا البراق ، قال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : « فضل البراق على سائر دوابّ الجنّة ، كفضلي على سائر النبيّين » ، وقال ابن عباس : قد خلق اللّه الميمون فرس آدم عليه السّلام قبل أن يخلق آدم عليه السّلام بخمسمائة عام - : يا آدم ، هكذا العهد بينك وبين اللّه تعالى ؟ !
وانقبضت أشجار الجنّة عنهما حتّى لم يتمكّنا أن يستترا بشيء منها ، فكلّما قرب من شجرة ، نادته : إليك عنّي يا عاصي . فلما كثرت عليه الملامة والتوبيخ ، مرّ هاربا ، وإذا هو بشجرة الطّلح قد التفّت على ساقيه فمسكته بأغصانها ، ونادته : إلى أين تهرب ، يا عاصي ؟ فوقف آدم فزعا مرعوبا مبهوتا ، وظنّ أنّ العذاب قد أتاه ، وجعل ينادي : الأمان ، الأمان ، وحوّاء مجتهدة أن تستر نفسها بشعرها ، وهو ينكشف عنها ، فلمّا أكثرت عليه ، ناداها : يا بادية السّوء ، هل تقدرين على أن تستّري بي ، وقد عصيت ربّك ؟ فقعدت حوّاء عند ذلك ، ووضعت ذقنها على ركبتها كيلا يراها أحد ، وهي تحت الشجرة وآدم واقف قد قبضت عليه شجرة الطلح .
قال ابن عباس : فنودي جبرئيل : « ألا ترى إلى بديع فطرتي آدم ، كيف عصاني ؟ يا جبرئيل ، ألا ترى إلى حواء أمتي ، كيف عصتني ، وطاوعت عدوّي إبليس ؟ » فاضطرب جبرئيل الأمين لما سمع نداء رب العالمين ، وداخله الخوف وخرّ ساجدا ، وحملة العرش قد سكنت حركاتهم ، وهم يقولون :
سبحانك ، قدّوس قدّوس ، سبّوح سبّوح ، الأمان الأمان . فأخذ جبرئيل عليه السّلام يعدّ على آدم عليه السّلام ما أنعم اللّه تعالى به عليه ، ويعاتبه على المعصية ،
فاضطرب آدم عليه السّلام فزعا ، وارتعد خوفا ، حتى ذهب كلامه ، وجعل يشير إلى جبرئيل عليه السّلام : « دعني أهرب من الجنة خوفا من ربّي ، وحياء منه » . قال جبرئيل عليه السّلام : إلى أين تهرب - يا آدم - وربّك أقرب الأقربين ومدرك الهاربين ؟ فقال آدم : « يا جبرئيل ، ردّني أنظر إلى الجنّة نظرة الوداع » . فجعل آدم عليه السّلام ينظر عن يمينه وعن شماله ، وجبرئيل لا يفارقه ، حتى صار قريبا من باب الجنّة ، وقد أخرج رجله اليمنى وبقيت رجله اليسرى ، فنودي : « يا جبرئيل ، قف به على باب الجنّة حتى يخرج معه أعداؤه الذين حملوه على أكل الشجرة ، يراهم ويرى ما يفعل بهم » . فأوقفه جبرئيل ، وناداه الربّ : « يا آدم ، خلقتك لتكون عبدا شكورا ، لا لتكون عبدا كفورا » .
فقال آدم عليه السّلام : « يا ربّ ، أسألك أن تعيدني إلى تربتي التي خلقت منها ترابا كما كنت أولا » . فأجابه الربّ : « يا آدم ، قد سبق في علمي ، وكتبت في اللوح أن أملأ من ظهرك الجنّة والنار » . فسكت آدم .
قال ابن عباس : لمّا أمرت حوّاء بالخروج ، وثبت إلى ورقة من ورق تين الجنّة ، طولها وعرضها لا يعلمه إلا اللّه تعالى لتستتر بها ، فلمّا أخذتها ، سقطت من يدها ، ونطقت : يا حوّاء ، إنك لفي غرور ، إنه لا يسترك شيء في الجنّة بعد أن عصيت اللّه تعالى . فعندها بكت حوّاء بكاء شديدا ، وأمر اللّه الورقة أن تجيبها ، فاستترت بها ، فقبض جبرئيل عليه السّلام بناصيتها حتى أتى بها إلى آدم عليه السّلام وهو على باب الجنّة ، فلمّا رأت آدم ، صاحت صيحة عظيمة ، وقالت : يا لها من حسرة ، يا جبرئيل ، ردّني أنظر إلى الجنّة نظر الوداع ، فجعلت تومئ بنظرها إلى الجنّة يمينا وشمالا ، وتنظر إليها بحسرة ، فأخرجا من الجنّة ، والملائكة صفوف لا يعلم عددهم إلا اللّه تعالى ، ينظرون إليهما .
ثمّ أتي بالطاوس ، وقد طعنته الملائكة حتى سقطت أرياشه ، وجبرئيل يجرّه ، ويقول له : اخرج من الجنّة خروج آيس ، فإنّك مشؤوم أبدا ما بقيت ، وسلبه
تاجه ، واجتثّ أجنحته .
. . . قال : ثمّ أخرج عليه السّلام من الجنّة ، وأبرزه جبرئيل إلى السماوات ، وحجبت عنه حوّاء فلم يرها ونظرت الملائكة إلى آدم عليه السّلام وهو عريان ، ففزعت منه ، وجعلت تقول : إلهنا ، وهذا آدم بديع فطرتك ، أقله ولا تخذله .
وآدم عليه السّلام قد وضع يده اليمنى على باب الجنّة ، واليسرى على سوأته ، ودموعه تجري على خدّيه ، فوقف آدم عليه السّلام ، وناداه الربّ جلّ وعلا : « يا آدم » . قال : « لبّيك يا ربّي وسيّدي ومولاي وخالقي ، تراني ولا أراك ، وأنت علّام الغيوب » . قال اللّه تعالى : « يا آدم ، قد سبق في علمي ، إذا تاب العاصي تبت عليه ، أتفضّل عليه برحمتي ، يا آدم ، ما أهون الخلق عليّ إذا عصوني ، وما أكرمهم عليّ إذا أطاعوني » .
فقال آدم عليه السّلام : « بحقّ من هو الشّرف الأكبر ، إلا ما أقلت عثرتي ، وعفوت عني » فأتاه النداء « يا آدم ، من الذي سألتني بحقه ؟
فقال آدم عليه السّلام : « إلهي وسيّدي ومولاي وربّي ، هذا صفيّك وحبيبك وخاصّتك وخالصتك ورسولك محمد بن عبد اللّه ، فلقد رأيت اسمه مكتوبا على العرش ، وفي اللوح المحفوظ ، وعلى صفح السماوات ، وعلى أبواب الجنان ، وقد علمت - يا ربّ - أنك لا تفعل به ذلك إلّا وهو أكرم الخليقة عندك » .
قال ابن عباس : فنوديت حوّاء : « يا حوّاء » ، قالت : « لبيك لبيك ، يا سيّدي ومولاي وربّي ، لا إله إلّا أنت ، قد ذهبت زينتي ، وعظمت مصيبتي ، وحلّت شقوتي ، وبقيت عريانة لا يسترني شيء من جنّتك ، يا ربّ » . فنوديت :
« يا حوّاء ، من الذي صرف عنك هذه الخيرات التي كنت فيها ، والزينة التي كنت عليها ؟ » .
قالت : إلهي وسيّدي ، ذلك خطيئتي ، وقد خدعني إبليس بغروره وأغواني ، وأقسم لي بحقّك وعزّتك إنه لمن الناصحين لي ، وما ظننت أنّ عبدا يحلف بك كاذبا .
قال : « الآن أخرجي أبدا ، فقد جعلتك ناقصة العقل والدّين والميراث والشّهادة والذّكر ، معوجّة الخلقة « 24 » ، شاخصة البصر ، وجعلتك أسيرة أيّام حياتك ، وحرمتك أفضل الأشياء : الجمعة ، والجماعة ، والسّلام ، والتحيّة ، وقضيت عليك بالطّمث - وهو الدم - وجهد الحبل ، والطّلق ، والولادة ، فلا تلدين حتى تذوقي طعم الموت ، فأنت أكثر حزنا ، وأكسر قلبا ، وأكثر دمعة ، وجعلتك دائمة الأحزان ، ولم أجعل منكنّ حاكما ، ولا أبعث منكنّ نبيّا » .
فقال آدم : « يا ربّ ، إنّك أخرجتني من الجنّة ، وتريد أن تجمع بيني وبين عدوّي إبليس اللعين ، فقوّني عليه ، يا ربّ » .
فقال له : « يا آدم ، تقوّ عليه بتقواي وتوحيدي وذكري ، وهو أن تقول :
لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه ، وأكثر من ذلك ، فإنّها لعدوّي وعدوّك مثل الشهاب القاتل . يا آدم ، قد جعلت مسكنك المساجد ، وطعامك الحلال الذي ذكر عليه اسمي ، وشرابك ما أجريته من ماء معين ، وليكن شعارك ذكري ، ودثارك ما أنسجته بيدك » .
فقال آدم : « زدني ، يا ربّ » قال : « أحفظك بملائكتي » فقال : « يا ربّ ، زدني » . فقال : « لا يولد لك ولد إلّا وكّلت به ملائكة يحرسونه » قال : « يا ربّ ، زدني » قال : « لا أنزع التوبة منك ولا من ذرّيّتك ما تابوا إليّ » . قال : « زدني ، يا ربّ » . قال : « أغفر لك ولولدك ولا أبالي ، وأنا الربّ العلي المتعالي » .
قال : فعندها تكلّمت حوّاء ، وقالت : إلهي ، خلقتني من ضلع أعوج ، وجعلتني ناقصة العقل والدّين والشهادة والميراث والذّكر ، وحرمتني أفضل الأشياء ، وألزمتني الحبل والطّلق ، وصيّرتني بالنّجاسة ، وكيف أخرج من الجنّة وقد حرمتني جميع الخيرات ؟ فنوديت : « أن أخرجي ، فإني أرفق قلوب عبادي عليكنّ ».
فنوديت : « أخرجي ، فإنّي مخرج منكما ما يملأ الجنّة والنار ، فأما الذين يملؤون الجنّة فمن نبيّ وصدّيق وشهيد ومستغفر ، ومن يصلّي عليكما ، ويستغفر لكما » . قال عليه السّلام : « ما من مؤمن ولا مؤمنة يستغفر لآدم وحوّاء إلّا عرض الاستغفار عليهما ، فيفرحان ، ويقولان : يا ربّ ، هذا ولدنا فلان قد استغفر لنا ، وصلّى علينا ، فتفضّل عليه ، وزد من كرمك وإحسانك إليه » وروي : أنّ من لم يصلّ عليهما عند ذكرهما ، فقد عقّهما .
فقالت حوّاء : أسألك - يا ربّ - أن تعطيني كما أعطيت آدم . فقال الربّ عزّ وجلّ : « إنّي قد وهبتك الحياء والرّحمة والأنس ، وكتبت لك من ثواب الاغتسال والولادة ما لو رأيته من الثواب الدائم ، والنعيم المقيم ، والملك الكبير ، لقرّت به عينك . يا حوّاء ، أيما امرأة ماتت في ولادتها حشرتها مع الشهداء . يا حوّاء ، أيّما امرأة أخذها الطلق إلّا كتبت لها أجر شهيد ، فإن تحمّلت وولدت ، غفرت لها ذنوبها ولو كانت مثل زبد البحر ورمل البرّ وورق الشجر ، وإن ماتت فهي شهيدة ، وحضرتها الملائكة عند قبض روحها ، وبشّروها بالجنّة ، وتزفّ إلى بعلها في الآخرة ، وتفضّل على سائر الحور العين بسبعين درجة » فقالت حوّاء : حسبي ما أعطيت .
قال : وتكلّم إبليس اللّعين ، وقال : يا ربّ إنك أغويتني وأبلستني ، وكان ذلك في سابق علمك ، فانظرني إلى يوم يبعثون ، قال : {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [الحجر: 37، 38] وهي النفخة الأولى . قال : {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16، 17] قال : اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً {لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف: 18].
قال : إنك أنظرتني ، فأين مسكني إذا هبطت إلى الأرض ؟ قال :
« المزابل » قال : فما قراءتي ؟ قال : « الشعر » قال : فما مؤذّني ؟ قال : « المزمار » .
قال : فما طعامي ؟ قال : « ما لم يذكر عليه اسمي » . قال : فما شرابي ؟ قال :
« الخمور جميعها » . قال : فما بيتي ؟ قال : « الحمّام » . قال : فما مجلسي ؟ قال :
« الأسواق ، ومحافل النّساء النائحات » . قال : فما شعاري ؟ قال : « الغناء » قال :
فما دثاري ؟ قال : « سخطي » قال : فما مصائدي ؟ قال : « النساء » .
قال إبليس : لا خرجت محبّة النساء من قلبي ، ولا من قلوب بني آدم .
فنودي : « يا ملعون إني لا أنزع التوبة من بني آدم حتى ينزعوا بالموت ، فأخرج منها فإنك رجيم ، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين » « 25 » . . .
_____________
( 1 ) المفاوز : جمع مفازة ، البرّيّة القفر . « لسان العرب - فوز - ج 5 ، ص 393 » .
( 2 ) الكنف : واحدها الكنيف ، وهو الحضيرة المتّخذة للإبل والغنم ، والمرحاض . « المعجم الوسيط - كنف - ج 2 ، ص 801 » .
( 3 ) النواويس : جمع ناووس أو ناؤوس ، مقبرة النصارى . ويطلق على حجر منقور تجعل فيه جثة الميّت . « أقرب الموارد - نوس - ج 2 ، ص 1358 » .
( 4 ) في « ط » : الحسن .
( 5) تحفة الإخوان : ص 62 « مخطوط » . وقد ذكرنا في الآية السابقة رواية تخص الآيات من سورة الحجر برقم ( 28 - 29 ) .
( 6 ) قال محمد بن مسلم : سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي كيف هذا النفح ؟ فقال عليه السّلام : « إن الروح متحرك كالريح ، وإنّما سمّي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح ، وإنّما أخرجه على لفظ الريح لأن الأرواح مجانسة للريح ، وإنّما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح ، كما قالت لبيت من البيوت : بيتي ، ولرسول من الرسل : رسولي - خليلي - وأشباه ذلك ، وكلّ ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبّر » . ( الكافيّ ج 1 ، ص 103 ، ح 3 ) . والآية [ الإسراء : 85 ] .
( 7 ) تحفة الإخوان : ص 63 « مخطوط » .
( 8 ) الإبلاس : الانكسار والحزن . وأبلس من رحمة اللّه : أي يئس . « الصحاح - بلس - ج 3 ، ص 909 » .
( 9 ) القطف : العنقود ساعة يقطف . « أقرب الموارد - قطف - ج 2 ، ص 1016 » .
( 10) تحفة الإخوان : ص 65 « مخطوط » .
( 11 ) الشّرسوف : الطرف اللّيّن من الضّلع مما يلي البطن ، جمعها شراسيف . « المعجم الوسيط - شرس - ج 1 ، ص 478 » .
( 12 ) الشكلاء : مؤنث الأشكل ، وهو ما فيه حمرة وبياض مختلطان . « أقرب الموارد - شكل - ج 1 ، ص 606 - 607 » .
( 13 ) دعجت العين : اشتدّ سوادها وبياضها واتّسعت ، فهي دعجاء . « المعجم الوسيط » - دعج - ج 1 ، ص 284 » .
( 14 ) غنجت المرأة : تدلّلت على زوجها بملاحة ، كأنها تخالفه وليس بها خلاف . « المعجم الوسيط - غنج - ج 2 ، ص 664 » .
( 15 ) الغضّ : الطريّ الحديث من كلّ شيء . « المعجم الوسيط - غضّ - ج 2 ، ص 654 » .
( 16 ) تحفة الإخوان : ص 66 « مخطوط » .
( 17) تحفة الإخوان : ص 67 « مخطوط » .
( 18 ) سمج الشيء : قبح ، يسمج سماجة ، إذا لم يكن فيه ملاحة . « لسان العرب - سمج - ج 2 ، ص 300 » .
( 19 ) السرادقات : جمع سرادق ، ما أحاط بالبناء . « لسان العرب - سردق - ج 10 ، ص 157 » .
( 20 ) صفح كلّ شيء : وجهه وناحيته . « لسان العرب - صفح - ج 2 ، ص 516 » .
( 21 ) الصّفيح : من أسماء السّماء . « النهاية - صفح - ج 3 ، ص 35 » .
( 22 ) العبقريّ : ضرب من البسط . « تاج العروس - عبقر - ج 3 ، ص 379 » .
( 23 ) تحفة الإخوان : ص 67 « مخطوط » ، والآية من سورة الأعراف : 22 .
( 24 ) في « ط » : الخلق .
( 25 ) تحفة الإخوان : ص 70 « مخطوط » .