قصة أصحاب السبت
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 2، ص401-404.
2025-06-12
624
قصة أصحاب السبت
قال تعالى : { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [الأعراف : 163، 166].
1 - قال الإمام العسكريّ عليه السّلام : « قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام : كان هؤلاء قوم يسكنون على شاطىء بحر نهاهم اللّه وأنبياؤه عن اصطياد السّمك في يوم السبت ، فتوصّلوا إلى حيلة ليحلّو بها لأنفسهم ما حرّم اللّه ، فخدّوا أخاديد ، وعملوا طرقا تؤدّي إلى حياض يتهيّأ للحيتان الدخول [ فيها ] من تلك الطرق ، ولا يتهيّأ لها الخروج إذا همّت بالرّجوع .
فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان اللّه لها ، فدخلت الأخاديد ، وحصلت في الحياض والغدران ، فلمّا كانت عشيّة اليوم همّت بالرّجوع منها إلى اللجج لتأمن صائدها ، فرامت الرّجوع فلم تقدر ، وبقيت ليلتها في مكان يتهيّأ أخذها بلا اصطياد ، لاسترسالها فيه ، وعجزها عن الامتناع ، لمنع المكان لها ، فكانوا يأخذونها يوم الأحد ، ويقولون : ما اصطدنا في يوم السبت ، وإنّما اصطدنا في الأحد . وكذب أعداء اللّه ، بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السّبت حتى كثر من ذلك مالهم وثراؤهم ، وتنعّموا بالنساء وغيرها لاتّساع أيديهم ، وكانوا في المدينة نيّفا وثمانين ألفا ، فعل هذا سبعون ألفا ، وأنكر عليهم الباقون ، كما قصّ اللّه وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم ، ومن عذاب اللّه خوّفوهم ، ومن انتقامه وشديد بأسه حذّروهم ، فأجابوهم عن وعظهم : لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ بذنوبهم هلاك الاصطلام أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فأجابوا القائلين لهم هذا ، مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ إذ كلّفنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربّنا مخالفتنا لهم وكراهتنا لفعلهم ، قالوا : وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ونعظهم أيضا لعلّهم تنجع - أي تأثر - فيهم المواعظ ، فيتّقوا هذه الموبقة ، ويحذروا عن عقوبتها ، قال اللّه عزّ وجلّ : فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ حادوا وأعرضوا وتكبّروا عن قبولهم الزّجر قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ مبعدين عن الخير مقصين .
قال : فلمّا نظر العشرة آلاف والنيّف أنّ التسعين ألفا لا يقبلون مواعظهم ، ولا يحفلون بتخويفهم إيّاهم وتحذيرهم لهم ، اعتزلوهم إلى قرية أخرى قريبة من قريتهم ، وقالوا : نكره أن ينزل بهم عذاب اللّه ونحن في خلالهم .
فأمسوا ليلة ، فمسخهم اللّه تعالى كلّهم قردة ، وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منه أحد ولا يدخله أحد وتسامع بذلك أهل القرى وقصدوهم ، وتسنّموا حيطان البلد ، فاطّلعوا عليهم ، فإذا هم كلّهم رجالهم ونساؤهم قردة ، يموج بعضهم في بعض ، يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم ، يقول المطّلع لبعضهم : أنت فلان ، أنت فلانة ؟ فتدمع عينه ويومىء برأسه بلا أو نعم . فما زالوا كذلك ثلاثة أيام ، وإنما الذين ترون من هذه المصوّرات بصورها فإنّما هي أشباحها ، لا هي بأعيانها ، ولا من نسلها .
قال عليّ بن الحسين عليه السّلام : إنّ اللّه تعالى مسخ هؤلاء لاصطياد السّمك ، فكيف ترى عند اللّه عزّ وجلّ يكون حال من قتل أولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، وهتك حريمه ! إنّ اللّه تعالى وإن لم يمسخهم في الدنيا فإن المعدّ لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف هذا المسخ » « 1 ».
2 - قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى : فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ : « كانوا ثلاثة أصناف : صنف ائتمروا وأمروا ونجوا ، وصنف ائتمروا ولم يأمروا فمسخوا ذرّا ، وصنف لم يأتمروا ولم يأمروا فهلكوا » « 2» .
______________
( 1 ) تفسير الإمام العسكري عليه السّلام : ج 268 ، ص 136 ، 137 .
( 2 ) الكافي : ج 8 ، ص 158 ، ح 151 .
الاكثر قراءة في قصة النبي موسى وهارون وقومهم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة