التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
الموظف (وني) أو (أوني) في عهد الملك (بيبي الثاني)
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج10 ص 43 ــ 57
2025-06-29
27
أحد كبار الموظفين الذي عاصر ملوكًا كثيرين ابتداء من الملك «تيتي» وقد دفن في «العرابة».
نقوش «وني»: الأمير الوراثي، مدير الوجه القبلي (والتشريفاتي) ونائب «نخن» والرئيس الأعظم «لنخب» (الكاب) والسمير الوحيد والمبجل عند «أوزير» أوَّل أهل الغرب «وني».
عندما كنت طفلًا ممنطقًا بالحزام في عهد جلالة الملك «تيتي» كانت وظيفتي هي مدير المخازن والمشرف على القصر الملكي وملاحظ المزارع؟؟ … والمرتل للقصر في عهد جلالة «بيبي». وقد رفعني جلالته إلى مرتبة سمير وحيد وكاهن مشرف على ضيعته الجنازية (أي هرمه).
تنصيبه قاضيًا:
وعندما كانت وظيفتي وهي … نصبني جلالته قاضي فم نخن (أي نائبًا عن نخن) وكان قلبه مفعمًا بي (أي يحبني) أكثر من أي خادم آخر. وقد سمعت الأحوال منفردًا مع الوزير عن كل الأشياء السرية وكنت أحقق باسم الملك فيما يتعلق بالخدر الملكي في محكمة الستة العظام العليا؛ وذلك لأني كنت ملء قلب جلالته أكثر من أي واحد من أشرافه، وأكثر من أي واحد من عظمائه، وأكثر من أي واحد من خدامه.
إقامة قبره بوساطة الملك:
لقد رجوت جلالة سيدي أن يحضر لي تابوتًا من حجر «طره» الأبيض، وقد سمح جلالته أن يقلع حامل خاتم ملك الوجه البحري مع طائفة من البحارة تحت إدارته لأجل أن يحضر لي هذا التابوت من «طره». وقد حضر به في سفينة كبيرة من سفن القصر ومعه غطاؤه واللوحة والصدغان والقاعدة، ولم يعمل قط مثل ذلك الخادم آخر؛ لأني كنت ممتازًا في قلب جلالته، ولأني كنت محببًا لقلب جلالته، ولأني كنت في قلب جلالته (يحبني).
تنصيب «وني» المشرف على مزارع البلاط:
وعندما كنت قاضي ونائب «نخن» (فم نخن) لقبني جلالته السمير الوحيد والمشرف على مزارعي القصر، وقد حللت بذلك محل أربعة المشرفين على مزارع القصر هناك. وقد عملت حتى نلت مديح جلالته، عندما كنت أجهز القصر، وعندما كنت أنظم طريق الملك، وعندما كنت أنسق المحاط، وقد عملت كل ذلك بطريقة جعلت جلالته يمدحني من أجل ذلك أكثر من أي شيء.
تعاليم صريحة ضد الملكة «ورت حتس»:
وبمناسبة قضيته في الخدر الملكي ضد الزوجة الملكية «ورت حتس» التي أقيمت سرًّا فإن جلالته جعلني أدخل لأجل أن أسمع القضية، وقد كنت وحدي دون أن يكون معي وزير أو شريف بل كنت وحدي. وقد كنت كاملًا ومحببًا لقلب جلالته؛ وذلك لأني كنت ملء قلب جلالته. وكنت أنا الذي أعمل كاتبًا، وكنت وحدي مع القاضي نائب «نخن»، وذلك لأني كنت أشغل وظيفة المشرف على مزارع القصر. ولم يحدث قط أن حقق واحد مثلي في قضية سرية في الخدر الملكي، ولكن جلالته جعلني أحققها لأني كنت ماهرًا في قلب جلالته أكثر من أي شريف آخر وأكثر من أي عظيم آخر وأكثر من أي خادم آخر.
الاستعداد لمحاربة أهل الرمال:
وقد شرع جلالته في القيام بحملة تأديبية على الأسيويين أسياد الرمال. وقد أَلَّفَ جلالتُه جيشًا من عشرات الآلاف العديدة من الرجال من كل الوجه القبلي من أول «إلفنتين» في الجنوب حتى «أطفيح» في الشمال ومن الوجه البحري، جندتهم إدارة الجيش المرتزِقة، وجميعهم في القلعة في داخل الحصون (؟) بين نوبي «أرثت» و«المزاوي» و«يام» و«واوات» و«كاو» وبلاد «تمحو» (لوبيا).
مسير الجيش تحت إمرة «وني»:
وقد أرسلني جلالته على رأس هذا الجيش في حين أن الأمراء الوراثيين وحاملي خاتم ملك الوجه البحري، والسمار الوحيدين أصحاب القصور العظيمة (أي الحصون) والرؤساء المشرفين على القلاع في الوجهين القبلي والبحري، والسمار المشرفين على القوافل، والمشرفين على الكهنة خدام الإله للوجهين القبلي والبحري، والمشرفين على جيش الجنود المرتزِقة، وكان كل واحد منهم على رأس فرقة من المعاقل وإقطاعيات الوجهين القبلي والبحري التي كانوا يحكمونها، وكذلك «نحسيو» (السود) هذه الممالك الأجنبية، وكنت أنا الذي سهرت على نظامهم؛ وذلك بوصفي صاحب وظيفة المشرف على مزارعي قصر الملك وبسبب مكانتي لدرجة أنه لم يوضع فرد مكان قرينه، ولم يسرق من إنسان خبز أو حذاء في أثناء الطريق ولم يسرق نسيج من أي بلد ولم يغتصب ماعز من أي شخص.
وقد قدت هؤلاء الجنود عن طريق جزيرة الشمال وبوابة «إمحتب» وإقليم «سنفرو» وذلك بوصفي أني كنت في هذه الوظيفة … وقد استعرضت كل واحدة من هذه الفرق ولم يحدث قط أن خادمًا قد استعرض جنودًا من قبل.
عودة الجيش منتصرًا:
إن هذا الجيش قد عاد في سلام بعد أن حطم أرض أهل الرمال، وهذا الجيش قد عاد في سلام بعد أن محا معاقلهم، إن هذا الجيش قد عاد في سلام بعد أن اجْتُثَّتْ أشجار تينهم وكرومهم، إن هذا الجيش قد عاد في سلام بعد أن صَبَّ النيران في كل جنودهم. إن هذا الجيش قد عاد في سلام بعد أن ذبح كل جنودهم بعشرات الآلاف العدة، إن هذا الجيش قد عاد في سلام بعد أن ساق جنودًا عديدين من الأسرى. وقد مدحني من أجل ذلك أكثر من أي شيء.
إخضاع ثورة الأقوام المقهورين:
وقد أرسلني جلالته خمس مرات قائدًا لهذا الجيش لأجل أن أخرب بلاد سكان الرمال في كل مرة يثورون بفصائل من الجنود، وقد قمت بواجبي حتى إن الملك مدحني من أجل ذلك.
حملة بحرية وبرية على بلاد «أنف الغزال»:
وعندما قيل إن ثورة قامت لأمر من الأمور بين المتوحشين المجاورين لجهة «الكرمل» (بلاد «أنف الغزال») نزلت في سفن البحر مع فصائل من الجنود ورَسَوْتُ خلف المرتفعات الجبلية في شمالي بلاد سكان الرمال. وعندما قيد هذا الجيش على المرتفعات ذهبت وقبضت (على العصاة) بأجمعهم وكل واحد من الثوار هزم.
«وني» يُنَصَّبُ حاكمًا على «الوجه القبلي»:
ولما كنت ضابطًا حاملًا للحذاء في القصر العظيم، فإن ملك الوجه القبلي والوجه البحري سيدي «مرنرع» قد نصبني أميرًا حاكمًا للجنوب من أول «إلفنتين» في الجنوب حتى «أطفيح» في الشمال لأني كنت كاملًا في قلب جلالته، بقدر ما كان قلب جلالته مبتهجًا بي، وبقدر ما كان قلب جلالته مفعمًا بي.
ولما كنت ضابطًا حامل الحذاء فإن جلالته مدحني من أجل يقظتي ومن أجل الحراسة التي قمت بها في القصر. وقد مدحني أكثر من أي شريف أو عظيم أو خادم.
ولم يُمْنَحْ قط هذه الوظيفة خادم من قبل. وقد عملت للملك بوصفي حاكمًا للجنوب بما يرضيه لدرجة أنه لم يوضع إنسان في مكان جاره، ولقد مارست كل عمل، وقد عملت حساب كل شيء حمل لحساب الخزانة في الوجه القبلي هذا مرتين، وكل ساعة عمل (سخرة) وضعت في الحساب لأجل البلاط في الوجه القبلي هذا مرتين. وقد ملأت وظيفة حاكم بصفة مثالية في الوجه القبلي، هذا وقد عملت كله لأجل أن أمدح من جلالته.
رحلة إلى محاجر «إبهات» في بلاد النوبة إلى محاجر «إلفنتين»:
وقد أرسلني جلالته إلى «إبهات» لأحضر تابوتًا (صندوق الحي) مع غطاء بالإضافة إلى هرم صغير ثمين وفاخر لأجل هرم «مرنرع» (الذي يسمى) «خع-نفر-مرنرع».
وبعد ذلك أرسلني جلالته إلى «إلفنتين» لأجل أن أحضر بابًا وهميًّا من الجرانيت بقاعدته وعارضتيه لأجل الحجرة العليا الخاصة بهرم «مرنرع» «خع-نفر- مرنرع».
وقد سحت نحو الشمال من هذا المكان حتى هرم «مرنرع» «خع-نفر-مرنرع» ومعي ست سفن نقل وخمس سفن جربها ثمانية أزواج في حملة واحدة. ولم تعمل حملة واحدة قط إلى «إبهات» و«إلفنتين» دفعة واحدة في حكم أي ملك وقد تم كل شيء أمر به جلالته بأكمله كما أمرني به جلالته.
حملة إلى محاجر مرمر «حتنوب» في مصر الوسطى:
أرسلني جلالته إلى محاجر «حتنوب» لأحضر منها مائدة قربان عظيمة من المرمر. وقد انحدرت في النهر من أجل الملك مع هذه المائدة المقطوعة من محاجر «حتنوب» في سبعة عشر يومًا، وجعلتها تحمل في النهر (نحو الشمال) في سفينة نقل. والواقع أني صنعت لهذا الغرض سفينة نقل من الخشب السنط طولها خمسون ذراعًا وعرضها ثلاثون ذراعًا وقد ركبت في سبعة عشر يومًا في أثناء الشهر الثالث من فصل الصيف. وعلى الرغم من أنه لم يكن ماء في قعر النهر فإني رسوت سليمًا عند هرم «مرنرع» (المسمى): «خع-نفر-مرنرع». وقد أنجزت كل شيء بشخصي على حسب الأمر الذي أعطانيه جلالة سيدي.
الحملة الثانية إلى الشلال:
وقد أرسلني جلالته لتعميق خمس قنوات في الجنوب ولأجل أن أصنع ثلاث سفن واسعة وخمس سفن نقل مصنوعة من سنط بلاد «واوات» في حين أن زعماء بلاد «أرثت» و«واوات» و«يام» و«المزاوي» كانوا يوردون الخشب لهذا الغرض، وقد أنجزت كل ذلك في سنة واحدة (أي في بعث) وأنزلت (السفن) في الماء محملة بالجرانيت بكثرة لأجل هرم «مرنرع» المسمى «خع-نفر-مرنرع» («مرنرع» جميل عندما يظهر).
وفضلًا عن ذلك حققت اقتصادًا بذلك في الوقت لأجل القصر بفضل هذه القنوات الخمس في مجموعها (وكل ذلك بسبب احترامي وصفاتي الشخصية والتقديس الذي عندي لقوة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «مرنرع» العائش إلى الأبد، أكثر من كل الآلهة؛ وذلك لأن كل شيء كان قد أنجز على حسب الأمر الذي أعطانيه الملك. وإني أنا المحبوب من والده والممدوح من أمه وإخوته، أنا الأمير الوراثي حاكم الوجه القبلي المبجل عند «أوزير».
«وني»
ولا نزاع في أن وجود هؤلاء العظماء في «إلفنتين» قد أكسبها ثروة طائلة وأضفى عليها بهاء ورونقًا وعظمة حافظت عليها في كل عصور التاريخ، ولا تزال من أجل ذلك حتى يومنا هذا مهبط الزوار من كل أقطار العالم؛ لما فيها من آثار جميلة وجو ممتع في أثناء الشتاء.
وتدل شواهد الأحوال على أن هؤلاء العظماء كانوا يقومون بلا شك بهذه البعوث لحساب الحكومة التي كانت مسيطرة على كل شيء. ولكن مما يؤسف له أن النقوش التي تركها لنا هؤلاء الموظفون الكبار على نحو ما رأى القارئ لم تصف لنا رحلاتهم في الجنوب إلا باختصار وهذه هي الحال في كل كتابات الدولة القديمة، إذ لا تعبر عن الوقائع إلا باختصار في كل النقوش التي وصلت إلينا؛ ولذلك ينبغي علينا ألَّا ننتظر تفاصيل ضافية عن هذه البعوث كما يرى القارئ في المتون التي أوردناها خاصة بهؤلاء العظماء.
على أن أكبر صعوبة تعترضنا في تقدير هذه النقوش هي الصعوبة الجغرافية التي تصادفنا في تعرف أسماء البلدان التي وردت في بلاد النوبة، فقد أصبح من العسير علينا تحديد مواقع الأماكن التي ذكرت في هذه النقوش، فنرى أولًا أن سرد أسماء الأماكن الجنوبية الواحدة تلو الأخرى كما جاءت في النقوش المختلفة لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة حاسمة؛ وذلك لأننا نجد أن هذا الترتيب في النقوش المختلفة بل وفي النقش الواحد يتغير، فمثلًا نجد في نقوش «وني» أولًا أن البلاد «أرثت» و«المازوي» و«يام» و«واوات» ذكرت على هذا الترتيب وبعد ذلك نجد في النقش نفسه الترتيب التالي «أرثت» و«واوات» و«يام» ثم «المزاوي».
وكذلك نجد في القوائم المتأخرة مثل قائمة «الكرنك» التي يرجع عهدها لحكم «تحتمس الثالث» أن بعض الأسماء التي ذكرت في الدولة القديمة وحفظت لنا في هذه القائمة لا تقدم لنا مادة كافية لتحديد موقع هذه الأماكن. والواقع أن معظم هذه الأسماء غير معروف لنا كلية ولذلك لا يمكن تحديد موقعها. ولا يمكن أحدًا أن يصل إلى نتيجة من ترتيب هذه الأسماء لأن هذا الترتيب يختلف في القوائم المتعددة التي جاءت في النقوش الأخرى المعاصرة.
ولكن إذا جمع الإنسان بين نقوش المقابر والنقوش التي على الصخور فإنه من المستطاع أن يحدد موقع بعض الأماكن بشيء قد يقرب من الحقيقة. ففي «توماس» حيث تخرج الطريق التي تنعطف عند منحنى النيل في كرسكو، وكذلك طريق القوافل التي تخرج من «واحة كركر» والتي ينتهي عند «واحة دنقلة» قد وجد الأثري «ويجول» عددًا عظيمًا من النقوش التي على الصخور من أزمان مختلفة، ومن عهد الدولة القديمة بخاصة. ففي إحداها يقول «نيسوخو» السالف الذكر: «لقد أرسلت لأفتح «أرثت» للملك «بيبي الأوَّل» العائش أبديًّا، المشرف على مزارع البيت والمشرف على التراجمة «نيسوخو» ومن ذلك يظهر أن أرض «أرثت» كانت بالقرب من «توماس» وكذلك بلاد «واوات» يمكن أن يحدد مكانها بهذه الكيفية، ولا شك في أن «واوات» في عهد الدولة القديمة كانت غير «واوات» في عهد الدولة الحديثة. فقد كانت في الأخيرة اسما عامًّا لكل بلاد النوبة السفلى، ولا يدل استعمالها في الدولة القديمة على ذلك، حيث كانت تقابل تمامًا الأسماء الأخرى الدالة على أنها جزء من بلاد النوبة، أما في الدولة الوسطى فلا نعلم على وجه التأكيد التوسع الذي أحرزته «واوات» وكل ما نعرفه أن «كرسكو» كانت ضمنها على ما يظهر. هذا ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن كلًّا من «ليونز» و«بركش» قد أشار إلى نقش لم نعثر عليه بعدُ للملك «أمنمنحات الأول». وهو: «لقد أتينا لإخضاع «واوات».
ونجد في نقوش «حرخوف» في رحلته الثانية أن «سثو» و«أرثت» كانتا متجاورتين، ويدل على ذلك أن «حرخوف» هذا قد جعل هذين البلدين تحت حكم أمير واحد كما رأينا ذلك في نقوش «حرخوف» التي ذكرت سالفًا، ويجب أن تكون «واوات» مجاورة لهذين البلدين؛ لأن «حرخوف» في رحلته الثالثة وجد نفس الأمير يحكم «أرثت» و«سثو» و«واوات»، والأخيرة أصبحت تحت حكم هذا الأمير فيما بعد، ولا يمكن أن تكن واقعة بين «سثو» و«أرثت»، وأخيرًا يجب أن تكون «يام» جنوب هذه البلاد لأن «حرخوف» اخترق «أرثت» و«سثو» و«واوات» عند عودته من رحلته إلى «يام». فإذا كانت «أرثت» على ما يظهر تقع عند «توماس» كما يحتمل أن «واوات» تقع عند «كرسكو» فإنه لا بد أن تقع «سثو» إما بين «توماس» و«كرسكو» أو جنوبي «توماس»، والرأي الأخير هو المرجح؛ وعلى ذلك تكون «يام» على مقربة من الشلال الثاني في الجنوب منه. هذا هو رأي الأستاذ «تورجني سيف زودربرج». ويميل الإنسان إلى جعل موقع «يام» في الجنوب؛ وذلك لأن وارداتها كانت لا تأتي على ما يظن إلا من بلاد في داخل أفريقية مثل خشب الأبنوس والعاج والبخور، ولكن من جهة أخرى لا نعلم إلى أي حد كانت هذه المحاصيل بعينها موجودة في الشمال في الأزمان القديمة. ومن المحتمل أن الأستاذ «ينكر» كان على حق عندما وحد هذه البلاد بالبقعة التي تسمى «المحس»، هذا إلى أن توحيد الأثري «دراسي» «يام» بجبل «أمام» رأي يستحق التفكير. ولكن بعد ذلك طلع علينا الأثري «جان يويوت» برأي آخر وهو أن «يام» هي نفس واحة دنقلة.
ومن الأمور التي تناولها البحث كثيرًا موضوع إحضار «حرخوف» في رحلته الرابعة قزمًا للملك «مرنرع». وهذا الأمر قد أدى إلى الظن بأن «حرخوف» قد أوغل في رحلته نحو الجنوب حتى وصل إلى أواسط أفريقية موطن هؤلاء الأقزام. وهذا الرأي لا يستند على مصادر أصلية تؤكد هذا الزعم. فلا بد من فحص هذا الموضوع هنا على ضوء الحقائق العلمية التي أوردها علماء الآثار في هذا الصدد. ولا بد لنا من التفرقة بين الأقزام الذين ورد ذكرهم في النقوش المصرية، ونوع من الرجال يولد قميئًا من أصل مصري. ولكن اللغة المصرية القديمة قد عبرت عن نوعي هذين القزمين بكلمة واحدة وهي كلمة «دنج» أو كما جاء ذلك في متون الأهرام بلفظة «داج»، وقوم الأقزام يسكنون الآن في منطقة معينة في داخل أفريقيا وقد كان أول من كشف عن موقع بلاد هؤلاء القوم هو العالم الرحالة «شفينفورت»، وهو إقليم تابع لمملكة «المانجباتو» التي تقع في أعالي منابع النيل. وتنحصر مساكن كل الأقزام في الأحراج والغابات. وكانوا في الأصل منتشرين في أماكن أخرى، غير أنهم انحصروا الآن في تلك الغابات ثانية. وكذلك لدينا سكان آخرون قد تقهقروا أمام الفاتحين إلى الأماكن الجبلية التي يصعب السير فيها، مثل أهل جبال النوبا في «كردفان». ومن المحتمل أن انتشار جنس الأقزام كان عظيمًا في عهد الدولة القديمة، ويدل على ذلك أن مساكنهم فيما مضى قد امتدت نحو الشمال. أما المعلومات القائلة بأنهم أُحْضِرُوا من بلاد «بُنت» فلا يستند على أساس، فقد كان من الممكن أن تذكر الطريق التي أحضروا منها إلى مصر. على أن بعد «كرمة» التي تعد أقصى نقطة تجارية في الجنوب في عهد الأسرة السادسة من أقصى نقطة في الشمال يسكنها الأقزام بحوالي 2000 كيلو مترًا يجعل من المستحيل وجود اتصال مباشر بين المكانين، كما أن القول بوجود ارتباط تجاري مع طول المسافة وصعوبة الاتصال مع السودان كان من الأمور المستحيلة وقتئذٍ. ومن جهة أخرى ينبغي علينا ألَّا نجعل بقعة إقامة الأقزام موغلة في الشمال وإلَّا لما عُدَّ إحضار واحد من هؤلاء القوم حينئذٍ حدثًا نادرًا في بابه من الأحداث التاريخية المشهورة.
والواقع أن الأقزام كانوا مطلوبين بكثرة في مصر؛ وذلك لأنهم كانوا يقومون بالرقص الإلهي. ومما يجدر ذكره هنا أن العبارة التي نترجمها بالرقص الإلهي في هذا الصدد ليست مفهومة على الوجه الأكمل. وذلك لأنه يمكن أن تعتبر كلمة «إلهي» عائدة على الملك، لأنه كان يُعَدُّ إلهًا عند المصريين، وعلى ذلك يكون الرقص الإلهي تسلية الملك.
ولكن القزم كان ينبغي في الوقت نفسه أن يستعمل في الرقص الديني الخاص بالشعائر، ولا أدل على ذلك من أننا نرى في متون الأهرام أن الملك نفسه كان يقوم بدور القزم إذ يقول المتن عن الملك: «إنه راقص الإله الذي يسر الإله أمام العرش العظيم» وكذلك تحدثنا الآثار عن «تيوس» (Teos) الشهير وهو قزم قزعة من عهد الملك «نقطانب» 318 –361م أنه قد رقص في «كم» (؟) في يوم دفن العجل «أپيس أوزير».
ومن المحتمل أنه يوجد في الأصل رقصة وطنية غريبة تدعى «إباو-نتر» يتقنها قصار القامة؛ لأنهم أَتَوْا من بلاد بعيدة تُعْتَبَرُ مقدَّسة، وتسمى كذلك «تا-نتر» الأرض الإلهية، وقد كان هذا المكان الخرافي هو الذي منه أتت خيرات النيل، كما كان يُعَدُّ منبع البخور. ورقص سكان هذا الإقليم ربما كان له أهمية خاصة. ونحن نرى كيف أن رقص الأقوام الأجانب في الشعائر الدينية له مكانة هامة مثل رقص «التمحو» (اللوبيين). ورقص «نحسيو» (السود) الذي يلعب دورًا في عيد الإله «مين» إله الخصب والنماء.
ولدينا حالة هامَّة لم تَلْقَ الْتفاتًا حتى الآن. وذلك أن الأقزام كان لهم رقصة غريبة على ما يظهر. فقد دوَّن العالم «شفينفورت» في كتاب له ما يأتي: «وإذا كانت رقصة السلاح الخاصة بقوم «نيام نيام» قد استرعت إعجابي وتقديري، فإن سروري كان لا حَدَّ له هذه المرة فإنه على الرغم من ضخامة كرشه (يقصد القزم) المتدلي، وعلى الرغم من قصر فخذيه الدقيقتين فإن «إديموكو» المتقدم في السن كان يؤدي حركاته بخفة ورشاقة، هذا إلى أن قفزاته وهيئته وحيويته كانت تتمثل في مُحَيَّاهُ مما كان يثير ضحك كل الحاضرين على الرغم منهم». والواقع أن مثل هذه الرقصة كانت محببة إلى قلوب المصريين في عهد الدولة القديمة. ويمكننا أن نفهم إذن كيف أن الحملات إلى بلاد السودان كانت ترسل للحصول على مثل هؤلاء الأقزام. هذا ولم تمنع غرابة حركات الأقزام اشتراكهم في إقامة الشعائر الدينية.
ويلاحظ أن الأقزام المحليين كانوا أحيانًا يُشَاهَدُونَ في الصور بوصفهم خدمًا، وكانت أجسامهم متناسبة الأعضاء؛ فنرى أن طول الذراعين والساقين متناسب مع الجذع، وكان عظم الرأس يتفق مع سائر الجسم، وقد كان نشاطه يمتد حتى النشاط الذي كان يقوم به قزم من أقزام السودان، وعلى ذلك فإن الأقزام النادرين الذين نجدهم في الصور يمثلون الأقزام الحقيقيين لا بد أنهم كانوا يَتَّخِذُونَ مكانة أخرى بصرف النظر عن أنهم أنفسهم كانوا قليلي الوجود بالبلاط، والواقع أنهم كانوا لا يُسْتَخْدَمُونَ في بيوت العظماء، وهؤلاء لا يمكن أن نعُدهم غلمانًا صغارًا يقومون بالخدمة؛ إذ يعترض ذلك الفرض صورة الجسم ولباس الرأس، وفي هذه الحالة يجب أن يكون الممثل هنا رجلًا وُلِدَ قميئًا، كما نشاهد أمثال هؤلاء المخلوقات في كل أجناس العالم، وعلى ذلك يمكننا أن نستبعد كثيرًا من الصور التي أظهرهم فيها المُفْتَنُّ لأسباب خاصة؛ إذ هم في الواقع مخلوقات صغيرة متناسقة الأعضاء، فنجد مثلًا شخصًا قميئًا قد رسم بجوار محفة سيده وهو يقود حيوان السيد المحبب إليه.
وليس من الضروري أن يكون الأشخاص الذين يُرسمون بطريقة صغيرة من الأقزام، بل كان الْمَثَّالُونَ في كثير من الأحوال يرسمون أناسًا بصورة صغيرة نسبية بوصفهم حاملين سادتهم؛ فيكون رسم التابع متناسبًا مع صورة السيد المحمول في المحفة، وقد لاحظ الرسام في تأليف هذه الصورة ما لاحظه في الصورة رقم 44 في نفس المؤلف من مراعاة النسبة في الرسم، حيث نجد الابنة قد رُسِمَتْ بجانب والديها بصورة صغيرة جدًّا، ومع ذلك فإنه قد بقي لنا بعض حالات نشاهد فيها أقزامًا حقيقيين رُسِمُوا بصورة منظمة بوصفهم خدمًا، كما نشاهد ذلك في مقبرة «تي»، وكذلك صورة القزم في كتاب «ولكنسون».
وعلى أية حال فإن أمثلة الأقزام قليلة جدًّا، وفي معظم الحالات نجد القزم قد صُوِّرَ بهيئة قبيحة فَيُرْسَمُ جذعه ورأسه مثل جذع ورأس رجل عادي، ولكنَّ ذراعيه وساقيه قصيرة مشوهة بسبب نقص في الغدة.
الأعمال التي يقوم بها القزم: لم يكن استعمال القزم في البيت بأية حال مجرد لعبة أو صورة مضحكة يَتَسَلَّى بها أصحابه أو تابعًا يقوم بعمل تافه، بل كان على العكس من ذلك يقوم في البيت بكل الأعمال التي لا تتعارض مع تكوين جسمه، فلا يزاول الأعمال اليدوية الصعبة التي لا يمكنه القيام بها بحسب تكوينه، ولكنه يقوم بالأعمال الأخرى الخاصة بالبيت كما كانت الأعمال الدقيقة كلها من اختصاصه فنجده يقوم بعمل الغلام في البيت وحارس النسيج والصانع وحارس الماشية، كما نجده يقوم بوظيفة غلام الحجرة يحضر لسيده حاجاته الخاصة كالحذاء والعصا والمخدة والكرسي والمرآة إلخ.
وعلى أية حال فإن ذكر «حرخوف» في نفس المتن الذي وضعه هو بأن مواطنًا آخر قد أحضر قزمًا من بلاد «بُنت» لا يعني أن رحلات التجار المصريين قد وصلت إلى هذا الحد في الجنوب؛ وذلك لأن هؤلاء الأقزام كما شرحنا من قبلُ ليسوا من فصيلة الأقزام الحقيقيين، وإذا كان الأمر كذلك فإنَّا لا نعرف إلى أي بقعة شمالًا استوطن هؤلاء القوم في هذا العهد، إلا أنه من الجائز جدًّا أنهم جُلِبُوا بواسطة تجار الرقيق إلى المكان الذي كان يتقابلون فيه مع المصريين في بلاد النوبة.
هذا ولا يمكن أن نعتبر طول مدة الرحلتين الأخيرتين اللتين قام بهما «حرخوف» تشير إلى أن المصري قد أوغل في سياحته نحو الجنوب، وأن «يام» موقعها بعيد في الجنوب؛ وذلك لأننا لا نعرف مقدار سرعة سيره، ولم نعرف كذلك المدد التي كان يمكثها «حرخوف» في البلاد المختلفة التي جاب مجاهلها. وقد فحص الأستاذ «جاردنر» مواقع هذه الأماكن عند تحدثه عن «مجا» (مزا). فيقول: إن «مزا» أو «مجا» التي جاء ذكرها في النقوش هي بلاد يسكنها قوم من البدو الرُّحَّلِ ويحتمل أنها تقابل قبيلة «بجا» الحالية. وتعد «المجا» أو «المزا» في عهد الدولة القديمة أحد الأقاليم النوبية المجاور بعضها لبعض التي منها «واوات» و«يام» و«أرثت»، وهذه هي التي جاء ذكرها عادة في المتون، وسكان هذه الأقاليم يوصفون بأنهم «النحسيو» وهي كلمة عامة تطلق على الذين من أصل نوبي وليسوا زنوجًا. وفي الحملة التي قام بها «بيبي الأوَّل» على بدو «سيناء» نجد أن الجيش الذي كان يقوده «وني» لمحاربة بدو «سيناء» يحتوى على فيالق من الأقاليم أو القبائل السالفة الذكر. ونجد من بين الموظفين الذين خوطبوا في منشور مؤرخ بحكم هذا الملك رئيس المترجمين «للمجا» و«يام» و«أرثت» مِمَّا يدل إلى حدٍّ ما على أنهم كانوا تحت سلطان القضاء المصري، وفي العهد التالي أي في حكم الملك «مرنرع» نجد أن رؤساء «المزا» و«أرثت» و«واوات» قد زاروا جوار «أسوان» ليقدموا خضوعهم للملك شخصيًّا كما ذكرنا من قبل، وهذه الحادثة يحتمل أنها كانت تتفق مع مساعدتهم للقائد «وني» ونجد كذلك هنا أن أمير «يام» قد قام بدوره في جر قطع خشب السنط للسفن التي استعملها في نقل الجرانيت لهرم الملك «مرنرع»، وإذا كان قول الأثري «ويجول»، كما ظن حقًّا، من أن هذا الخشب قد قطع من داخل هذه الأقاليم التي يحكمها هؤلاء الأمراء؛ فإن هذه الأقاليم لا يمكن أن تقع على مسافة بعيدة من مصر، والواقع أن الفكرة التي يستخلصها الإنسان من ذلك أن كل هذه الأقاليم كانت تنحصر في مساحة قدرها 350 كيلو مترًا من النهر بين «الشلال الأوَّل» و«الشلال الثاني». ولدينا بعض تفاصيل مؤكِّدة لهذا الرأي يمكن الإنسان أن يلمسها؛ فإقليم «واوات» كان معروفًا أنه امتد شمالًا حتى حصن «سنخت» (بجه). ولدينا نقش على الصخر في «كرسكو» مسجل فيه حملة قام بها «أمنمحات الأوَّل» ليهزم «واوات» وربما تكون الحملة في هذا الوقت قد وصلت إلى هذا الحد جنوبًا. وفي عهد الدولة الحديثة كانت تشمل كل بلاد النوبة السفلى. ولدينا نقش على الصخر للملك «بيبي الأوَّل» في «توماس» على مسافة ثلاثين كيلو مترًا في أعالي النهر من «كرسكو» يخلد ذكرى موظف قد أرسل إلى هذه الجهة ليقتحم مجاهل «أرثت» ومن ثَمَّ يمكن أن نستنبط أن «توماس» كانت في داخل هذا الإقليم. وعلى أية حال فإن أمير «أرثت» كان كذلك أمير «سثو» التي أشير إليها بأنها في أسفل «أرثت». وعلى ذلك يجوز أن «واوات» في عهد الأسرة السادسة لم تصل في امتدادها إلى أعالي النهر حتى «كرسكو». وكان أمير «إلفنتين» «حرخوف» قد أُرْسِلَ في عهد الملك «مرنرع» للكشف عن مجاهل «يام» وهي تقع بدهيًّا بعيدًا عن مصر أكثر من «سثو» و«أرثت» اللتين ذكرهما في نقوشه ولما لم يكن قد تكلم عن «مجا» (مزا) فإنه يظهر إذن أنها كانت تقع بعيدًا عن هذه الجهات، والبراهين التي تدل على موقع «مجا» (مزا) في هذا العهد المبكر تعوزنا، ولكن لا يُحْتَمَلُ أنها تقع جنوب الشلال الثاني وإن كان «ويجول» قد أخطأ بالتأكيد في قوله إنها تمتد شمالًا حتى «الدر» القريبة من «توماس» وعلى ذلك كان من الواجب أن يكون ضمنها «أرثت». وفي عهد الدولة الوسطى يصادفنا اسم الحصن «خسف مزاو» = «صد المزاوي» (فرص) وهذا يقدم لنا شاهدًا هامًّا على أنه عندما بني هذا الحصن — وذلك لم يكن قبل الدولة الوسطى — كانت هجمات «المزاوي» منتظرة في هذه النواحي. وإذا لم يُعْتَبَرْ «المزاوي» في ذلك العهد من الأقوام المعتدين لكان الكلام السابق من لغو القول. وقائمة الحصون كما سنرى بعد تضع هذا الحصن بين «وادي حلفا» و«عنيبة» وقد قيل إن مكانها هو «سره الغرب» و«فرص». وعلى أية حال فإنه في عهد الأسرة الثالثة عشرة كان قوم «المزاوي» (المجاي) يسكنون خلف «الشلال الثاني» وذلك لأن ورقة «الرمسيوم» وهي التي أطلق عليها رسائل «سمنة» تسجل وصول عدد صغير من «المزاوي» إلى «سمنة» وهم الذين يرجعون بعد بيع سلعهم إلى المكان الذي أَتَوْا منه. والذي يهمنى الآن هو موقع بلاد «مزاو» (مجاو). وتدل البراهين التي أوردناها فيما سبق على أن هذه البلاد كانت في عهد ختام الأسرة السادسة تقع شمالِي الشلال الثاني، ومن المشكوك فيه كثيرًا أنها كانت تمتد وراء ذلك الإقليم المصري الصغير. ولا نزاع في أن ملوك مصر في عهد الدولة القديمة لم يجندوا جنودًا من الجنوب الأقصى لبلاد النوبة العليا. وقد دوَّن الأستاذ «زيته» ملحوظة غريبة في بابها في كتابه الخاص باللعنات على أعداء مصر، وهي التي وجدت على قطع من الفخار جاء فيها «في الوقت الذي يجد فيه الإنسان سائر أعداء مصر من النوبيين وُصِفُوا بأنهم حكام كُلٌّ على مملكته الخاصة جاء ذكر حاكم «مزاوي» دون أي لقب «مزاي واح إب» وقد يدل هذا على أنه عند تأريخ كتابة هذه المتون التي يرجع عهدها إلى قبل الأسرة الثانية عشرة كانت «مزا» أو «مجا» قد أصبحت لا تحدد بوصفها وحدة جغرافية، وإن كان قوم «المزاوي» لا يزالون يوجدون بوصفهم قبيلة منفصلة. وبعد الدولة القديمة لم نعد نسمع عن «أرثت» و«يام». ومن المحتمل أن شخصية بلاد «مزا» الأصلية قد أصبحت في النهاية مندمجة في بلاد «واوات» التي أصبحت مرادفة لبلاد النوبة السفلى. ولدينا وثيقة تشير إلى هذا الرأي وأعني بها ورقة «بولاق» التي تبحث في اليوميات الخاصة بمصاريف البلاط والأحداث التي جرت في «المدمود» في عهد أحد ملوك الأسرة الثالثة عشرة، فقد جاء في هذه الورقة ذكر رئيسين من «المزاي» كانا قد أتيا ليقدما مع نساء وطفل وتابع ومترجم. وقد وصف أحد الرئيسين كما يأتي: رئيس المزاي للمزاي. والمقصود بكلمة «المزاي» الأولى النوبيون على وجه عام والمزاي الثانية هي قبيلة «المزاي» الخاصة. والظاهر أن كلمة «مزاي» بمعنى النوبيين قد ظهرت على ما يظن للمرة الأولى في العهد المتوسط الأوَّل في نقوش محاجر المرمر في «حتنوب»، وكذلك في تعاليم «أمنمحات الأوَّل» حيث نجد الملك يلقن قوله: «لقد حملت «المزاي» أسرى وهزمت أهل «واوات»؛ وربما كان المقصود هنا البلدين اللذين تتألف منهما في الأصل بلاد النوبة السفلى.
وتدل ظواهر الأمور على أنه في عهد الدولة الوسطى وحتى فيما بعدها بقليل كان اسم «المزاوي»، «مزايو»، «مزاي» يراد به النوبيون في معنًى عام؛ وذلك لأنه كان يذكر وحده ليعني أي قوم من النوبة وما بعدها، فمثلًا في تحذيرات نبي نجد العبارة التالية: «والمزاي ملاطف مع المصري». وربما كان المقصود من ذلك أنه كان على مصافاة مع تلك البلاد التي كانت نفسها ممزقة بالحروب الداخلية.
وبعد هذا العهد بنحو خمسة قرون كان الملك «كاموس» يستعمل جندًا من «المزاوي» في هجومه على الهكسوس، ولكننا لا نعرف أن هؤلاء الجنود هم من الجنس النوبي الصافي.
وإذا كانت كلمة «مزاي» قد أصبحت تعبر عن النوبيين الذين زحفوا جنوبًا بعد موطنهم الأصلي فإنه من الطبيعي أن التعبير عنهم فيما بعدُ ينبغي أن يحمل معنًى مقابلًا لاسم بلاد «مزا». ومن المحتمل أن الإشارات إلى أرض «مزا» منذ عهد الدولة الوسطى وما بعدها إمَّا أن تكون مجرد تعبير قديم محض كما نجد في قوائم البلاد التي فتحها ملوك الدولة الحديثة مثل «تحتمس الثالث» و«سيتي الأوَّل» وما بعده، أو أن الكلمة مستعملة في معنى مبهم لتدل على كل السودان بأوسع معانيه، غير أن هناك بعض اعتراض على ذلك. فالظاهر أنه كانت لا توجد أرض تُدْعَى بلاد «مزا» بعد بداية الدولة الوسطى كما يقول «جاردنر» وعلى أية حال فإنه من الحقائق الثابتة أننا لم نَعُدْ بعدُ نسمع إلا ذكر قوم «مزا» باطِّرَادٍ مستمر، وفي الوقت نفسه أخذ ذكر بلاد «مزاي» يَقِلُّ شيئًا فشيئًا في المتون.
ومما تجدر ملاحظته هنا أن علماء الآثار الألمان أخذوا يتأثرون برأي الأستاذ «شيفر» في توحيد كلمة «مجا» أو «مزا» باسم قبيلة «بجا». وهذا التوحيد قد اعترف به «إدوارد مير» والأستاذ «زيته» والأستاذ «كيس». والواقع أن الرأي الذي عَبَّرَ عنه كل من «برستد» و«جوتييه» مفضل على رأي الألمان؛ وذلك لأن كلًّا منهما يعد «المزاي» من أهل الجنوب (النوبيين) لا بَدْوًا من أهل الصحراء الغربية. والواقع أننا إذا استثنينا بعض أمثلة فيها شك ذكرها الأستاذ «جاردنر» عن بلاد «مزاي» فإننا قد لا نجد مثالًا واحدًا يعبر عن بلاد «المزاي» بمعناها الجغرافي الصحيح الذي يدل على النوبيين بعد الأسرة الثامنة عشرة، بل من هذا العهد وما بعده قد نجد أن كلمة «مزاي» تعني الشرطة أو ما يشبه ذلك.
رأينا فيما سبق أنه في كل من نقوش الدولة القديمة ولوحة «كارنرفون» الخاصة بأعمال الملك «كاموس» أن استعمال «مزاوي» النوبيين كان بوصفهم مساعدين للجيش المصري. وهذا الاستعمال كان من غير شك أكثر شيوعًا في الوقت الذي سبق الأسرة الثامنة عشرة مما تَكْشِفُ عنه المصادر التي في متناولنا؛ وذلك لأنه منذ نهاية هذا العهد كانت كلمة «مزاي» قد أصبحت كثيرة الاستعمال بمعنى شُرْطِيٍّ أو رَامٍ. ومن المحتمل أن أول أثر لهذا الاستعمال كان في عهد «سنوسرت الثالث» عندما ظهر «مزاي» في موظفي معبد «اللاهون»، وكذلك لدينا مثال آخر وجد على لوحة خشنة النقش محفوظة الآن في متحف «جيميه» حيث تجد لقب «مزاو» قد مُنِحَهُ رجلان يحملان اسمين مصريين وهما «رس» و«بتاح ور». وهذه اللوحة يمكن أن تنسب إلى عهد الأسرة الثالثة عشرة. وقد لوحظ أن أحد الرجلين كان لونه أحمر على حسب ما جاء في المتن الذي دوَّنَهُ «موريه»، ولكنه لم يذهب إلى أن المقصود به نوبي. ويقول «جاردنر» إنه لم يجد في الأزمان التي خلفت الأسرة السابعة عشرة أي برهان ما غير اسم «مزاي» نفسه. واللقب «رئيس المزاي» يدل على رئيس الشرطة أو الجنود الذين كانوا يُسَمَّوْنَ بهذا الاسم، وكانوا يشملون رجالًا من أصل نوبي. ومن جهة أخرى لدينا حقائق عدة تدل على أن الضباط أو الرجال الذين وُصِفُوا بأنهم «مزاي» كانوا مصريين حقيقيين. ففي «تل العمارنة» نجد أن فرقة بأكملها قد رُسِمَتْ على جدران قبر ضابطها المسمى «محو». و«محو» اسم مصري ولا يوجد في منظر رجاله ما يدل على أنهم من دم أجنبي. وفي «الكاب» أن «مزاي» كان ابن أخت صاحب المقبرة، وليس لدينا ما يدعو إلى الشك في أن «نبأمون» صاحب المقبرة رقم 9 في «طيبة» الذي بدأ حياته بحارًا وأصبح فيما بعدُ حامل عَلَمٍ، وختم مجاله في سلك التوظف بأن أصبح ضابط «مزاي» في غَرْبِيِّ «طيبة» لم يكن مصريًّا، وهكذا من الأمثلة التي لا حصر لها. والواقع أن أسماء «مزاي» (الشرطي) في عهد الدولة الحديثة كله كانوا بوجه خاص مصرين مثل ضباطهم الذين كانوا يلقبون ضباط المزاي، وكان من أهم أعمالهم حراسة الجبانة وحراسة الحدود في كل أنحاء البلاد.
ولم نسمع عن «المزاي» إلا القليل بعد الأسرة العشرين. وخلاصة القول أنه يمكن تلخيص نتائج هذا البحث الطويل في ثلاثة عهود مميزة في تاريخ التعبير «مزاو»، «مزاي».
(1) الأول من عهد الدولة القديمة عندما كانت كلمة «مزاي» تشير إلى إقليم صغير، ويحتمل أنه كان الإقليم الواقع شمالِي الشلال الثاني مباشرة.
(2) الثاني من عهد الدولة الوسطى حتى عهد الأسرة السابعة عشرة عندما كان قوم «المزاي» لا يزالون نوبيين، ولكن الاسم أصبح عامًّا يشمل أناسًا يحتمل أنهم كانوا يعيشون بعد الشلال الثاني بمسافة كبيرة.
(3) الثالث من عهد الأسرة الثامنة عشرة عندما كانت كلمة «مزاي» تستعمل بوصفها لقب وظيفةٍ وتعني رجال الشرطة ورُمَاةَ الصحراء، ويحتمل أنها قد فقدت في هذه الفترة كل علاقة فعلية مع بلاد النوبة والنوبيين.
ولدينا أسماء أماكن أخرى جاء ذكرها في متون الدولة القديمة مثل «ماخر» و«تررس» لم يمكن حتى الآن استنباط شيء عن حقيقة موقعها على وجه التأكيد.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
