تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
سبب نزول سورة الكهف
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 4 ص248-262.
2025-07-02
32
سبب نزول سورة الكهف
قال تعالى : { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [الكهف: 9 - 22].
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف ، أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك ، فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين » « 1 ».
وقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « هم قوم فرّوا ، وكتب ملك ذلك الزمان أسماءهم وأسماء آبائهم وعشائرهم في صحف من رصاص ، فهو قوله :
أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ » « 2 ».
وقال سليمان بن جعفر الهمداني : قال لي جعفر بن محمد عليه السّلام : « يا سليمان ، من الفتى ؟ قال : فقلت : له جعلت فداك ، الفتى عندنا الشاب ، قال لي : « أما علمت أن أصحاب الكهف كانوا كهولا فسمّاهم اللّه فتية بإيمانهم . يا سليمان ، من آمن باللّه واتّقى فهو الفتى » « 3 ».
وقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « كان سبب نزول سورة الكهف ، أن قريشا بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران : النّضر بن الحارث بن كلدة ، وعقبة بن أبي معيط ، والعاص بن وائل السّهميّ ، ليتعلموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فخرجوا إلى نجران ، إلى علماء اليهود فسألوهم ، فقالوا : سلوه عن ثلاث مسائل ، فإن أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق ثمّ سلوه عن مسألة واحدة فإن ادّعى علمها فهو كاذب.
قالوا : وما هذه المسائل ؟ قالوا : سلوه عن فتية كانوا في الزمن الأوّل ، فخرجوا وغابوا وناموا ، كم بقوا في نومهم حتى انتبهوا ، وكم كان عددهم ، وأيّ شيء كان معهم من غيرهم ، وما كان قصّتهم ؟ وسلوه عن موسى حين أمره اللّه أن يتّبع العالم ويتعلّم منه ، من هو ، وكيف تبعه وما كان قصته معه ؟
وسلوه عن طائف طاف من مغرب الشمس ومطلعها حتى بلغ سدّ يأجوج ومأجوج ، من هو ، وكيف كان قصته ؟ ثمّ أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث مسائل وقالوا : لهم إن أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق وإن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدّقوه .
قالوا : فما المسألة الرابعة ؟ قالوا : سلوه متى تقوم الساعة ؟ فإن ادّعى علمها فهو كاذب ، فإن قيام الساعة لا يعلمها إلا اللّه تبارك وتعالى.
فرجعوا إلى مكة واجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب ، إنّ ابن أخيك يزعم أن خبر السماء يأتيه ، ونحن نسأله عن مسائل ، فإن أجابنا عنها علمنا أنه صادق ، وإن لم يجبنا علمنا أنه كاذب ، فقال أبو طالب : سلوه عمّا بدا لكم فسألوه عن الثلاث مسائل فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : غدا أخبركم – ولم يستثن « 4 » - فاحتبس الوحي عنه أربعين يوما حتى اغتم النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وشكّ أصحابه الذين كانوا آمنوا به ، وفرحت قريش واستهزءوا وآذوا ، وحزن أبو طالب .
فلمّا كان بعد أربعين يوما نزل عليه جبرئيل عليه السّلام بسورة الكهف . فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : يا جبرئيل لقد أبطأت ؟ فقال : إنا لا نقدر أن ننزل إلا بإذن اللّه .
فأنزل اللّه تبارك وتعالى : أَمْ حَسِبْتَ يا محمد أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ثم قصّ قصتهم فقال : {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً }.
قال : فقال الصادق عليه السّلام : « إنّ أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام ، فمن لم يجبه قتله ، وكان هؤلاء قوما مؤمنين يعبدون اللّه عزّ وجلّ ، ووكّل الملك بباب المدينة وكلاء ، ولم يدع أحدا يخرج حتى يسجد للأصنام ، وخرج هؤلاء بعلّة الصيد ، وذلك أنهم مروا براع في طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم ، وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم - قال الصادق عليه السّلام : لا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاث : حمار بلعم بن باعوراء ، وذئب يوسف ، وكلب أصحاب الكهف « 5 » - فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلّة الصيد هربا من دين ذلك الملك ، فلمّا أمسوا دخلوا ذلك الكهف والكلب معهم ، فألقى اللّه عليهم النعاس كما قال اللّه تبارك وتعالى : فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً فناموا حتى أهلك اللّه ذلك الملك وأهل مملكته ، وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون .
ثم انتبهوا فقال : بعضهم لبعض : كم نمنا ها هنا ؟ فنظروا إلى الشمس قد ارتفعت ، فقالوا : نمنا يوما أو بعض يوم . ثمّ قالوا لواحد منهم : خذ هذا الورق وادخل المدينة متنكّرا ألّا يعرفوك فاشتر لنا طعاما ، فإنّهم إن علموا بنا وعرفونا قتلونا أو ردّونا في دينهم ، فجاء ذلك الرجل فرأى مدينة بخلاف التي عهدها ، ورأى قوما بخلاف أولئك ، لم يعرفهم ولم يعرفوا لغته ولم يعرف لغتهم ، فقالوا له : من أنت ، ومن أين جئت ؟ فأخبرهم ، فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه والرجل معهم حتّى وقفوا على باب الكهف ، وأقبلوا يتطلّعون فيه فقال بعضهم : هؤلاء ثلاثة ورابعهم كلبهم ، وقال بعضهم : خمسة وسادسهم كلبهم ، وقال بعضهم : سبعة وثامنهم كلبهم ، فإنه لما دخل عليهم وجدهم خائفين أن يكونوا أصحاب دقيانوس شعروا بهم ، فأخبرهم صاحبهم أنهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل ، وأنّهم آية للناس ، فبكوا وسألوا اللّه تعالى أن يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا ، ثم قال الملك : ينبغي أن نبني ها هنا مسجدا نزوره ، فإنّ هؤلاء قوم مؤمنون.
ولهم في كلّ سنة تقلّبان : ينامون ستة أشهر على جنوبهم اليمنى وستّة أشهر على جنوبهم اليسرى والكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف ، وذلك قوله : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ أي خبرهم إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً }.
وقال أبو جعفر عليه السّلام - في هذه الآية - : « يعني جورا على اللّه إن قلنا إنّ له شريكا » « 6 ».
{هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ }.
- قال علي بن إبراهيم : يعني بحجّة بيّنة أن معه شريكا « 7 ».
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً } إلى قوله تبارك وتعالى {وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ } : أي بالفناء .
قال علي بن إبراهيم : وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ يقول : ترى أعينهم مفتوحة وَهُمْ رُقُودٌ أي نيام وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ في كلّ عام مرتين لئلا تأكلهم الأرض « 8 ».
{لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً }.
قال أبو جعفر عليه السّلام : « إنّ ذلك لم يعن به النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إنّما عني به المؤمنون بعضهم لبعض ، لكنّه حالهم التي هم عليها » « 9 ».
{وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ أي أنبهناهم لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ إلى قوله وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً }.
قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : {فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً } يقول :
أيّها أطيب طعاما {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} « 10 ».
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ وهم الذين ذهبوا إلى باب الكهف لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ إلى قوله تعالى : سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ فقال اللّه لنبيّه : قل لهم رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ « 11 ».
ثمّ انقطع خبرهم ، فقال : فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أخبره أنه إنما احتبس الوحي عنه أربعين صباحا لأنه قال لقريش : غدا أخبركم بجواب مسائلكم ولم يستثن ، فقال اللّه : {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا } [الكهف : 23، 24].
ثمّ عطف على الخبر الأوّل الذي حكى عنهم أنّهم يقولون : ثلاثة رابعهم كلبهم فقال : {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا } [الكهف : 25] وهو حكاية عنهم ولفظه خبر ، والدليل على أنه حكاية عنهم قوله : {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الكهف : 26] » « 12 ».
قال ابن عباس ( رضي اللّه عنه ) : لما ولي عمر بن الخطاب الخلافة أتاه قوم من أحبار اليهود ، فقالوا : يا عمر ، أنت وليّ الأمر من بعد محمد ؟ قال :
نعم ، قالوا : إنا نريد أن نسألك عن خصال إن أخبرتنا بها دخلنا في الإسلام ، وعلمنا أن دين الإسلام حقّ ، وأنّ محمدا كان نبيا ، وإن لم تخبرنا بها علمنا أن دين الإسلام باطل وأن محمدا - لم يكن نبيّا .
فقال عمر : سلونا عما بدا لكم ، فسألوه عن مسائل - مذكورة في الحديث حذفناها للاختصار - قال : فنكس عمر رأسه في الأرض ، ثم رفع رأسه إلى علي بن أبي طالب عليه السّلام ، فقال : يا أبا الحسن ، ما أرى جوابهم إلا عندك ، فإن كان لها جواب فأجب .
فقال لهم عليّ عليه السّلام : « سلوا عمّا بدا لكم ، ولي عليكم شريطة ».
قالوا فما شريطتك ؟
قال عليه السّلام : « إذا أخبرتكم بما في التوراة دخلتم في ديننا » . قالوا : نعم .
قال : « سلوني عن خصلة خصلة » . فأجابهم عمّا سألوه ، وهو مذكور في الحديث .
قال : وكانت الأحبار ثلاثة فوثب اثنان فقالا : نشهد أن لا إله إلا اللّه ، وأنّ محمدا عبده ورسوله . قال : ووقف الحبر الآخر ، فقال : يا علي لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوب أصحابي ، ولكن بقيت خصلة : أخبرني عن قوم كانوا في أول الزمان فماتوا ثلاث مائة سنة وتسع سنين ثم أحياهم اللّه ، ما كانت قصّتهم ؟ فابتدأ عليّ عليه السّلام فقال : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف : 1] ولمّا أراد أن يقرأ سورة الكهف قال اليهوديّ : ما أكثر ما سمعنا قرآنكم ! إن كنت فاعلا فأخبرنا عن قصة هؤلاء وبأسمائهم وعددهم ، واسم كلبهم ، واسم كهفهم ، واسم ملكهم ، واسم مدينتهم .
قال علي عليه السّلام : « لا حول ولا قوّة إلا باللّه ، يا أخا اليهود ، حدّثني حبيبي محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه كان في أرض الروم مدينة يقال لها : أفسوس ، وكان لها ملك صالح ، فمات ملكهم وتشتّت أمرهم واختلفت كلمتهم ، فسمع بهم ملك من ملوك فارس يقال له : دقيانوس ، فأقبل في مائة ألف رجل حتى دخل مدينة أفسوس فاتّخذها دار مملكته ، واتخذ فيها قصرا طوله فرسخ في عرض فرسخ ، واتخذ في ذلك القصر مجلسا طوله ألف ذراع في عرض ذلك من الزجاج الممرّد ، واتخذ في المجلس أربعة آلاف أسطوانة من ذهب ، واتخذ ألف قنديل من ذهب له سلاسل من لجين « 13» ، تسرج بأطيب الأدهان ، واتّخذ في شرق المجلس ثمانين كوّة « 14» ، وفي غربيّه ثمانين كوّة ، وكانت الشمس إذا طلعت تدور في المجلس كيف ما دارت ، واتخذ له سريرا من ذهب طوله ثمانون ذراعا في أربعين ذراعا ، له قوائم من فضّة مرصّعة بالجواهر ، وعلاه بالنّمارق ، واتخذ عن يمين السرير ثمانين كرسيّا من الذهب مرصعة بالزّبرجد الأخضر ، فأجلس عليها بطارقته « 15 » ، واتخذ عن يسار السّرير ثمانين كرسيّا من الفضّة مرصّعة بالياقوت الأحمر ، فأجلس عليها هراقلته ، ثم علا السرير فوضع التاج على رأسه ».
قال : فوثب اليهوديّ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ممّ كان تاجه ؟
فقال عليه السّلام : « لا حول ولا قوة إلا باللّه العليّ العظيم ، كان تاجه من الذهب المشبّك ، له سبعة أركان على كل ركن لؤلؤة بيضاء تضيء كضوء المصباح في الليلة الظلماء ، واتّخذ خمسين غلاما من أولاد الهراقلة ، فقرّطهم بقراط الديباج الأحمر ، وسرولهم بسراويلات من الفرند « 16 » الأخضر ، وتوجهم ودملجهم « 17 » وخلخلهم ، وأعطاهم أعمدة من الذهب ، وأوقفهم على رأسه ، واتخذ ستة أغلمة من أولاد العلماء ، فاتخذهم وزراء : فأقام ثلاثة عن يمينه ، وثلاثة عن يساره ».
قال اليهودي : ما كان أسماء الثلاثة الذين عن يمينه ، والثلاثة الذين عن يساره ؟ فقال عليّ عليه السّلام : « أما الثلاثة الذين كانوا عن يمينه فكانت أسماؤهم تمليخا ، ومكسلمينا ، ومجلسينا ، وأما الثلاثة الذين كانوا عن يساره فكانت أسماؤهم : مرنوس ، وديرنوس ، وشاذرنوس ، وكان يستشيرهم في جميع أموره ».
قال : « وكان يجلس في كلّ يوم في صحن داره ، البطارقة عن يمينه ، والهراقلة عن يساره - قال - ويدخل ثلاثة أغلمة في يد أحدهم جام « 18 » من ذهب مملوء من المسك المسحوق ، وفي يد الآخر جام من فضّة مملوء من ماء الورد ، وفي يد الآخر طائر أبيض له منقار أحمر ، فإذا نظر إلى ذلك الطائر صفر به ، فيطير الطائر حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرّغ فيه ، فيحمل ما في الجام بريشه وجناحيه ، ثمّ يصفر به الثانية فيطير الطائر حتى يقع في جام المسك فيتمرّغ فيه ، فيحمل ما في الجام بريشه وجناحيه ، ثم يصفر الثالثة فيطير الطائر على رأس الملك ، فلمّا نظر الملك إلى ذلك عتا وتجبّر وادّعى الربوبية من دون اللّه عزّ وجلّ ».
قال : « فدعا إلى ذلك وجوه قومه ، فكل من أطاعه على ذلك أعطاه وحباه وكساه ، وكلّ من لم يتابعه قتله ، فاستجاب له أناس ، فاتّخذ لهم عيدا في كل سنة مرة ، فبينما هو ذات يوم في عيدهم ، والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره ، وإذا ببطريق من بطارقته قد أقبل وأخبره أن عساكر الفرس قد غشيته ، فاغتمّ لذلك غمّا شديدا حتى سقط التاج عن ناصيته ، فنظر إليه أحد الفتية الثلاثة الذين كانوا عن يمينه ، يقال له : تمليخا ، فقال في نفسه : لو كان دقيوس إلها كما يزعم ما كان يغتمّ ، ولا كان يفرح ، ولا كان يبول ولا كان يتغوط ، ولا كان ينام ولا يستيقظ ، وليس هذا من فعل الإله ».
قال : « وكان الفتية الستّة كل يوم عند أحدهم يأكلون ويشربون ، وكانوا في ذلك اليوم عند تمليخا فاتخذ لهم من أطيب الطعام وأعذب الشراب فطعموا وشربوا ، ثم قال : يا إخوتاه ، قد وقع في نفسي شيء قد منعني الطعام والشراب والمنام قالوا : وما ذلك يا تمليخا ، فقال تمليخا : لقد أطلت فكري في هذه السماء فقلت : من رفع سقفها محفوظة بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها ، ومن أجرى فيها شمسا وقمرا نيّرين مضيئين ، ومن زيّنها بالنجوم ؟
ثم أطلت فكري في هذه الأرض ، فقلت : من سطحها على صميم الماء الزاخر ، ومن حبسها بالجبال أن تميد على كل شيء ؟ وأطلت فكري في نفسي ، فقلت : من أخرجني جنينا من بطن أمي ، ومن غذاني ، ومن ربّاني في بطنها ؟ إن لهذا صانعا ومدبرا غير دقيوس الملك ، وما هذا إلا ملك الملوك وجبّار السماوات ».
قال : « فانكبّ الفتية على رجليه فقبّلوها ، ويقولون : قد هدانا اللّه من الضلالة بك إلى الهدى فأشر علينا - قال - فوثب تمليخا فباع تمرا من حائط له ثلاثة آلاف درهم ، وصرّها في كمّه ، وركبوا على خيولهم وخرجوا من المدينة ، فلما ساروا ثلاثة أميال ، قال تمليخا : يا إخوتاه جاء ملك الآخرة وذهب ملك الدنيا وزال أمرها ، انزلوا عن خيولكم وامشوا على أرجلكم لعل اللّه يجعل لكم من أمركم فرجا مخرجا ، فنزلوا عن خيولهم فمشوا سبع فراسخ في ذلك اليوم فجعلت أرجلهم تقطر دما ».
قال : « فاستقبلهم راع ، فقالوا ، أيها الراعي ، هل من شربة لبن ؟ هل من شربة ماء ؟ فقال الراعي عندي ما تحبّون ، ولكن أرى وجوهكم وجوه الملوك ، وما أظنكم إلّا هرّابا من دقيوس الملك ؟ قالوا : أيها الراعي ، لا يحلّ لنا الكذب ، فينجينا منك الصدق ؟ قال : نعم ، فأخبروه بقصّتهم ، فانكب على أقدامهم يقبّلها ، وقال : يا قوم ، لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم ، ولكن أمهلوني حتى أردّ الأغنام إلى أربابها وألحق بكم ، فوقفوا له فردّ الأغنام وأقبل يسعى فتبعه كلبه ».
فقال اليهودي : يا عليّ ، ما كان لون الكلب ، وما اسمه ؟ قال علي عليه السّلام : « يا أخا اليهود ، أمّا لون الكلب فكان أبلق بسواد ، وأما اسمه فكان قمطير . فلما نظر الفتية إلى الكلب ، قال بعضهم لبعض : إنا نخاف أن يفضحنا هذا الكلب بنباحه فألحوا عليه بالحجارة ، فلما نظر الكلب إليهم قد ألحّوا عليه بالطرد أقعى على ذنبه وتمطّى ونطق بلسان طلق ، وهو ينادي : يا قوم ، لم تردوني وأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه ، وحده لا شريك له ، ذروني أحرسكم من عدوّكم ، - قال - فجعلوا يبتدرونه ، فحملوه على أعناقهم - قال - فلم يزل الراعي يسير بهم حتى علا بهم جبلا فانحط بهم على كهف يقال له :
الوصيد ، فإذا بإزاء الكهف عين ، وأشجار مثمرة ، فأكلوا من الثمرة وشربوا من الماء ، وجنّهم الليل فأووا إلى الكهف ، فأوحى اللّه جلّ جلاله إلى ملك الموت : أن يقبض أرواحهم ، ووكّل اللّه عز وجل بكل رجل منهم ملكين يقلبانه ذات اليمين إلى ذات الشمال ، وذات الشمال إلى ذات اليمين ، وأوحى اللّه إلى خازن الشمس فكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين ، وتقرضهم ذات الشمال.
فلما رجع دقيوس من عيده سأل عن الفتية ، فأخبر أنهم ذهبوا هربا ، فركب في ثمانين ألف حصان ، فلم يزل يقفو أثرهم حتى علا الجبل ، وانحطّ إلى الكهف ، فلمّا نظر إليهم إذا هم نيام فقال الملك : لو أردت أن أعاقبهم بشيء لما عاقبتهم بأكثر مما عاقبوا به أنفسهم ، ولكن ائتوني بالبنّائين ، وسدّ باب الكهف بالكلس والحجارة ، ثم قال لأصحابه : قولوا لهم يقولون لإلههم الذي في السماء لينجيهم مما بهم إن كانوا صادقين ، وأن يخرجهم من هذا الموضع ».
ثم قال علي عليه السّلام : « يا أخا اليهود ، فمكثوا ثلاثمائة وتسع سنين ، فلمّا أراد اللّه أن يحييهم أمر إسرافيل الملك أن ينفخ فيهم الروح - قال - فنفخ فقاموا من رقدتهم ، فلما بزغت الشمس قال بعضهم لبعض : قد غفلنا في هذه الليلة عن عبادة إله السماوات فقاموا فإذا العين قد غارت والأشجار قد جفّت ، فقال بعضهم لبعض : إن في أمرنا لعجبا ، مثل تلك العين الغزيرة قد غارت في ليلة واحدة ، ومثل تلك الأشجار قد جفّت في ليلة واحدة ! ».
قال : « ومسّهم الجوع فقالوا : ابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ، فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطّف ولا يشعرن بكم أحدا : قال تمليخا : لا يذهب في حوائجكم غيري ، ولكن ادفع إليّ - أيها الراعي - ثيابك ، قال : فدفع الراعي إليه ثيابه ومضى إلى المدينة ، فجعل يرى موضع لا يعرفها وطرقا ينكرها ، حتى أتى باب المدينة ، فإذا عليه علم أخضر مكتوب عليه بالصّفرة : لا إله إلا اللّه ، عيسى رسول اللّه وروحه - قال عليه السّلام - فجعل ينظر إلى العلم ويمسح عينيه ويقول : كأنّي نائم ، ثم دخل المدينة حتى أتى السوق فإذا رجل خبّاز ، فقال : أيها الخباز ما اسم مدينتكم هذه ؟ قال :
أفسوس . قال : وما اسم ملككم ؟ قال : عبد الرحمن ، قال : يا هذا حرّكني كأني نائم فقال الخباز : أتهزأ بي ، تكلمني وأنت نائم ؟ ! فقال تمليخا للخبّاز :
فادفع إلي بهذا الورق طعاما . قال : فتعجّب الخباز من نقش الدرهم ومن كبره ».
قال : فوثب اليهودي وقال : يا عليّ وما كان وزن كل درهم ؟ قال علي عليه السّلام : « يا أخا اليهود ، كان وزن كل درهم منها عشرة دراهم وثلثي درهم ».
قال : « فقال له الخبّاز : يا هذا ، إنك أصبت كنزا ؟ فقال تمليخا : ما هذا إلا ثمن تمرة بعتها منذ ثلاثة أيام وخرجت من هذه المدينة وتركت ، الناس يعبدون دقيوس الملك ، فغضب الخبّاز وقال : ألا تعطيني بعضها وتنجو ، أتذكر رجلا خمّارا كان يدّعي الربوبية قد مات منذ أكثر من ثلاثمائة سنة ؟ ».
قال : فثبت تمليخا حتى أدخله الخبّاز على الملك ، فقال : ما شأن هذا الفتى ؟ فقال : الخبّاز : هذا رجل أصاب كنزا . فقال له الملك : لا تخف - يا فتى - فإنّ نبيّنا عيسى ابن مريم عليه السّلام أمرنا أن لا نأخذ من الكنوز إلا خمسها ، فأعطني خمسها وامض سالما . فقال تمليخا : انظر - أيها الملك - في أمري ، ما أصبت كنزا ، أنا من أهل هذه المدينة . قال : له الملك : أنت من أهلها ؟
قال : نعم . قال : فهل تعرف منها أحدا ؟ قال : نعم ، قال : فسمّ ، فسمى تمليخا نحوا من ألف رجل لا يعرف منهم رجل واحد . قال : ما اسمك ؟
قال : اسمي تمليخا . قال : ما هذه الأسماء ؟ قال : أسماء أهل زماننا.
قال : فهل لك في هذه المدينة دار ؟ قال : نعم ، اركب أيها الملك معي - قال - : فركب الناس معه ، فأتى بهم إلى أرفع باب دار في المدينة ، فقال تمليخا : هذه الدار داري ، فقرع الباب فخرج إليهم شيخ قد وقع حاجباه على عينيه من الكبر ، فقال : ما شأنكم ؟ قال : له الملك : أتينا بالعجب ، هذا الغلام يزعم أن هذه الدار داره . فقال له الشيخ : من أنت ؟ قال : أنا تمليخا بن قسطنطين . قال : فانكبّ الشيخ على رجليه يقبّلها ويقول : هو جدّي وربّ الكعبة . فقال : أيها الملك ، هؤلاء الستّة الذين خرجوا هرّابا من دقيوس الملك ».
قال : « فنزل الملك عن فرسه ، وحمله على عاتقه ، وجعل الناس يقبّلون يديه ورجليه ، فقال : يا تمليخا ، ما فعل أصحابك ؟ فأخبرهم أنهم في الكهف ، فكان يومئذ بالمدينة ملكان : ملك مسلم ، وملك نصرانيّ ، فركبا وأصحابهما ، فلمّا صاروا قريبا من الكهف قال لهم تمليخا : يا قوم ، إني أخاف أن يسمع أصحابي أصوات حوافر الخيول فيظنّون أن دقيوس الملك قد جاء في طلبهم ، ولكن أمهلوني حتى أتقدّم فأخبرهم - قال - فوقف الناس وأقبل تمليخا حتى دخل الكهف ، فلما نظروا إليه اعتقوه وقالوا : الحمد للّه الذي نجّاك من دقيوس.
فقال تمليخا : دعوني عنكم وعن دقيوس ، كم لبثتم ؟ قالوا : لبثنا يوما أو بعض يوم . قال تمليخا : بل لبثتم ثلاثمائة وتسع سنين ، وقد مات دقيوس وذهب قرن بعد قرن ، بعث اللّه عزّ وجلّ نبيا يقال له : المسيح عيسى بن مريم ورفعه اللّه عزّ وجلّ إليه ، وقد أقبل إلينا الملك والناس معه قالوا : يا تمليخا ، أتريد أن تجعلنا فتنة للعالمين ؟ قال تمليخا : فما تريدون ؟ قالوا : تدعو اللّه وندعوه معك أن يقبض أرواحنا ، ويجعل عشاءنا معه في الجنة - قال - فرفعوا أيديهم وقالوا : إلهنا ، بحق ما آتيتنا من الدّين فمر بقبض أرواحنا ، فأمر اللّه عزّ وجلّ بقبض أرواحهم ، وطمس اللّه عزّ وجلّ على باب الكهف عن الناس ، فأقبل الملكان يطوفان على باب الكهف سبعة أيام لا يجدان للكهف بابا فقال الملك المسلم : ماتوا على ديننا ، أبني على باب الكهف مسجدا . وقال النصراني ، لا ، بل ماتوا على ديننا أبني على باب الكهف ديرا . فاقتتلا ، فغلب المسلم النصراني ، وبنى على باب الكهف مسجدا ».
ثم قال علي عليه السّلام « سألتك باللّه - يا يهودي - أيوافق ما في توراتكم » ؟
فقال اليهوديّ : واللّه ما زدت حرفا ولا نقصت حرفا ، وأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه ، وأن محمدا رسول اللّه ، وأنك - يا أمير المؤمنين وصيّ رسول اللّه حقّا » « 19 » .
_________________
( 1 ) الكافي : ج 1 ، ص 373 ، ح 28 .
( 2 ) تفسير العيّاشي : ج 2 ، ص 321 ، ح 4 .
( 3 ) تفسير العيّاشي : ج 2 ، ص 321 ، ح 11 .
( 4 ) إن لم يقل : إن شاء اللّه .
( 5 ) كذا ، وفي الحديث عن الرضا عليه السّلام : لا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة : حمار بلغم ، وكلب أصحاب الكهف ، والذئب ، وكان سبب الذئب أنه بعث ملك ظالم شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين ويعذّبهم ، وكان للشرطي ابن يحبّه ، فجاء ذئب فأكل ابنه ، فحزن الشرطي عليه ، فأدخل اللّه ذلك الذئب الجنّة لمّا أحزن الشرطي ، تفسير القمي : ج 1 ، ص 248 .
( 6 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 34 .
( 7 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 34 .
( 8 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 34 .
( 9 ) تفسير العيّاشي : ج 2 ، ص 324 ، ح 13 .
( 10 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 34 .
( 11 ) قال علي بن إبراهيم : وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ يعني أطلعنا على الفتية لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ في البعث وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها يعني لا شك فيها بأنها كائنة ، وقوله :
رَجْماً بِالْغَيْبِ يعني : ظنّا بالغيب ما يستفتوهم ، وقوله : فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً يقول : حسبك ما قصصنا عليك من أمرهم ، وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً يقول : لا تسأل عن أصحاب الكهف أحدا من أهل الكتاب . ( تفسير القمي : ج 2 ، ص 34 ) .
( 12 ) تفسير القمي : ج 2 ، ص 31 .
( 13 ) اللّجين : الفضّة . « لسان العرب - لجن - ص 13 ، ح 379 » .
( 14 ) الكوّة : الخرق في الحائط والثقب في البيت ونحوه . « لسان العرب - كوى - ص 15 ، ح 236 » .
( 15 ) البطريق : القائد . « لسان العرب - بطرق - ص 10 ، ح 21 » .
( 16 ) الفرند : ثوب من حرير . « تاج العروس ج 2 ، ص 451 » .
( 17 ) دملج الشيء : إذا سواه وأحسن صنعته ، والدملوج : المعضد من الحلي . « لسان العرب - دملج - ج 2 ، ص 276 » .
( 18 ) الجام : إناء من فضة . « لسان العرب - جوم - ج 12 ، ص 112 » .
( 19 ) إرشاد القلوب : ص 358.
الاكثر قراءة في أسباب النزول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
