الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
أخلاق المعلم
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 170 ــ 174
2025-07-08
36
المعلم الصالح كالمواطن الصالح، هو قبل كل شيء إنسان صالح؛ فالاستقامة بالمعنى الشرعي هي أم الفضائل، وهي الضامن لكل السمات والصفات الحسنة المطلوب توفرها فيمن ائتمنتهم الأمة على أبنائها. وما ذلك إلا لأن معاني الصلاح من منظور شرعي، تشكل المناخ الضروري لنمو كل الأخلاقيات التي تطلبها أية مهنة من المهن.
تشكو المجتمعات الإسلامية - على درجات متفاوتة - من ضعف الالتزام بالأحكام والآداب الإسلامية، مما يحط من مستوى النسيج العام لأكثر أفرادها، ومما يجعل تنمية صفات شخصية فردية متفوقة، عسيرا، ومكلفاً!
وسنعرض هنا لأهم الصفات الأخلاقية التي نظن أن نجاح المعلم في أداء مهنته محتاج إليها:
أ- تحدد ثقافة كل أمة الحد الأدنى المطلوب من السمات التي تحقق التوازن العام لسواء الشخصية، ومع أن ذلك ليس واضحا، دائما، إلا أن كل تدنٍ عما يعد سلوكا حسنا، يترك شكلا، من الانطباع السلبي لدى بعض الناس. ثقافتنا الإسلامية تضع المعلم في مقام الريادة، وتجعله، محط أنظار طلابه؛ مما يدفعهم إلى التشبه به، ومحاولة تقليده. وهذا يلقي مسؤولية خاصة على المعلم، ويوجب عليه أن يثبت أنه يملك من الأخلاق الفاضلة ما يجعله جديرا، بالإمامة لطلابه.
كان أحد الأئمة يقول: (لا يؤخذ العلم من أربعة، ويؤخذ ممن سوى ذلك:
لا يؤخذ من سفيه معلن بالسفه، وإن كان أروى الناس.
ولا يؤخذ من كذاب.
ولا من صاحب هوى، يدعو الناس إلى هواه.
ولا من شيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدّث).
وفي هذا النص تحديد لبعض السمات المطلوبة فيمن يتخذ شيخا، ومعلما، وواضح أن شيئا، من هذا المطلوب يعود إلى حسن الفهم والفقه في المرويات التي ينقلها للناس، كما أن شيئا، منه يعود إلى سلامة المعتقد، إلى جانب بعض العادات النفسية والسلوكية الحميدة.
ب- الصبر من الصفات الأساسية المطلوبة في شخص المعلم؛ فهو يتعامل مع كائن يتمتع بالعنصر الروحي والإرادة الحرة، وبسبب من هذين العنصرين سيكون التعامل مع كل ما يتصل بالإنسان صعبا، ومعقدا.، وكثيرا، ما يكون تأثيث مدينة كاملة أسهل من إقناع إنسان بفكرة من الأفكار فضلا عن تغيير اتجاهه أو تركيبه العقلي!
التعليم - على كل حال - عبارة عن نظام يعمل مع عدد من النظم الحياتية المفتوحة؛ لذا فإن نتائجه ليست مضمونة دائما، وحسب المعلم أن يبذل الجهد، ويعد العدة الكافية للنجاح.
ولا ننسى مع ذلك أن آثار جهود المعلمين، قد تمتد قرونا، وأن جميع عظماء الأمة ومصلحيها، يحملون في عقولهم وأرواحهم لمسات ونفحات ممن علموهم؛ مما يعني أن الجهد قد لا يظهر في سلوك المتعلم مباشرة؛ فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
ج- التواضع سمة أخرى مهمة في شخص المعلم؛ ومما لا شك فيه أن المعلم - بحكم عمله وتأهيله - يعرف أكثر مما يعرفه طلابه، وهذا كثيرا، ما يولد نوعا، من الوثوقية الزائدة، ويجعل أجوبة المعلم على كل ما يسأل عنه قاطعة وصارمة، وهذا باب لانحرافات كثيرة، منها الغرور، وصعوبة التراجع عن معلومة خاطئة قالها المعلم في وقت من الأوقات، والالتزام بالإجابة عن كل ما يسأل عنه، مع أنه ليس هناك من يعرف كل شيء. وأخيرا، ازدراء الطلاب، ولا سيما الضعاف منهم.
إن تواضع المعلم، يثير في نفوس طلابه أجمل الأحاسيس، والإنسان العظيم ليس ذاك الذي إذا جالسته شعرت بأنك صغير، ولكن الذي إذا جالسته شعرت بأنك كبير!
المعلم المتواضع ينمي شخصيات طلابه، ويفتح شهيتهم للعلم، ويساعدهم على بلورة سلوك أقرب إلى الاستقامة والسواء. إن التكبر على الطلاب هو نوع من الاستعباد لهم، والتعليم في جوهره عبارة عن خدمة نقدمها لطلابنا، وينبغي أن يظل كذلك.
د- إن مهنة التعليم، هي مهنة الأريحية والنخوة، ولأمة الإسلام تقاليد عريقة في اهتمام علمائها ومعلميها بحاجات الناس المادية والروحية، ويجب أن يظل التعليم مهنة العطاء غير المحدود، والذي لا ينتظر مكافأة من أي نوع.
إن المعلمين بحاجة إلى أن ينموا في أنفسهم درجة عالية من الحساسية الاجتماعية إذا ما أرادوا أن يفهموا أحوال طلابهم وظروفهم، وإذا ما أرادوا إحداث نوع من التجاوب النفسي معهم (1). فالعلم روح تنفخ لا مسائل تنسخ.
إن نظم التعليم الحالية بامتحاناتها وشهاداتها ورواتب معلميها، قد أضفت على العلاقة بين المعلمين والطلاب ظلالا، مادية نفعية قاتمة؛ ولذا فإن المعلمين مطالبون أكثر من أي وقت مضى بمزيد من المجانية والتضحية، حتى يعود لهذه المهنة إشراقها التاريخي المعهود. ويبدو أن بعضا، من المعلمين، ما زال يحتفظ بأعلى درجات الفداء والعطاء غير المشروط، فقد تناقلت وكالات الأنباء مؤخرا، خبر معلمة (أسكتلندية) وقفت أمام بندقية رجل مجنون لتحمي تلامذتها وراءها، وتتلقى - بالتالي - الرصاص بصدرها!
كما نقلت خبر أحد مدربي القفز بالمظلات الذي أخفق في فتح مظلته، فسقط هو وتلميذه من ارتفاع خمسة آلاف قدم نحو الأرض، وقبل الارتطام بالأرض جعل نفسه تحت تلميذه، فتلقى الصدمة بجسمه ومات، وأنقذ تلميذه. وقد سأل أحد الصحفيين التلميذ: ماذا كانت آخر كلماته؟ فقال: كان طول الخمسة آلاف قدم يردد: (المعذرة يا عزيزي، المعذرة يا عزيزي)!!.
هـ- إن الميدان الحقيقي لفاعلية أخلاق المعلمين، هو العلاقات التي يقيمونها مع طلابهم داخل قاعات الدرس وخارجها، وإن ما توحي به علاقات المعلمين مع طلابهم من قيم ومثل أهم بكثير من الدروس والتوجيهات الأخلاقية التي قد يلقونها على مسامع تلامذتهم. وإن شخصيات الطلاب تتشكل نتيجة للتفاعل الذي يتم بينهم، والتفاعل الذي بينهم وبين أساتذتهم، (2)، ولاحتكاك الطلاب بأساتذتهم خارج قاعات الدرس أهمية خاصة في تأثر الطلاب وتشربهم لأخلاق أساتذتهم. وعند النظر في تاريخ العلم والعلماء لدى المسلمين نجد أن اختلاط الأساتذة بالطلاب كان لا يقف عند حد، ففضلا عن جلسات المذاكرة الطويلة كانت هناك علاقات علمية اعتمادية كثيرة، فيكون الواحد معلما، في مادة، ومتعلما، من بعض طلابه في مادة أخرى. وقد قال ابن جماعة: (كان جماعة من السلف يستفيدون من طلبتهم ما ليس عندهم).
وكان الكسائي قد أخذ عن قتيبة بن مهران قراءة أهل المدينة، على حين كان قتيبة تلميذاً، للكسائي، حيث أخذ عنه قراءته الخاصة. ونتيجة للألفة والمودة، قامت علاقات مصاهرة كثيرة بين الأساتذة وطلابهم؛ مما جعل العلم والتعليم أداة لتواصل اجتماعي وتربوي وأخلاقي فريد. وهذه العلاقات الحميمة ما زالت موجودة - إلى حد ما - في مجال (التعليم الشرعي).
أما في المدارس والجامعات، فإنها شبه مفقودة! في اليابان ما زالوا يؤمنون بأهمية وجود علاقات بين المعلمين وطلابهم، حيث يقوم المعلم الياباني بزيارة تلاميذه مرة في السنة على الأقل، وهذا جزء من اعتقاد تربوي يقوم على أن المدرس، يفهم تلميذه على نحو أفضل إذا عرف أسرته وأحواله العائلية، كما أن التلاميذ يزورون معلميهم في بيوتهم. وفي الأعياد والمناسبات يقوم الطلاب بزيارة أساتذتهم السابقين الذين علموهم فيما مضى (3).
إن المعلم قد يحتاج إلى أن يوجه إلى بعض طلابه بعض النقد، وقد يحتاج إلى أن يكون صارما، في بعض المواقف، وقد يحتاج إلى استخدام شكل من أشكال العقوبة، لكن يجب أن تنتهي كل المواقف بكلمات ونظرات، ترفع ولا تضع، وتشجع ولا تحبط.
والمعلم بحاجة إلى جانب الجدية والصرامة إلى أن يمتلك شيئا، من روح (الدعابة) فالدعابة هي خميرة العلاقات الإنسانية، وهي الوسط الكيميائي الذي يتفاعل باستمرار فيحطم عتو الغطرسة، ويخفف بعضا، من إيقاع الرتابة الذي تشكو منه عملية التعليم (4). وقد كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: (إن هذه القلوب تمل، كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة) (5).
إضاءة:
إن كثرة انتماءات الفرد الاختيارية، تدلل على حيويته وانفتاحه على مجتمعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ انظر: (لماذا نعلم): 148.
2ـ الدروس التي تتعلمها التربية من علم النفس: 221.
3ـ التربية والتحدي: 153.
4ـ انظر: (لماذا نعلم): 299.
5ـ النظم التعليمية: 71.
الاكثر قراءة في آداب عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
