الموازنة بين الناسخ والمنسوخ
المؤلف:
الدكتور عبد الرسول الغفار
المصدر:
الميسر في علوم القرآن
الجزء والصفحة:
ص213 - 214
2025-07-14
361
بعدما عرفنا معنى النسخ وهو الإزالة وإبدال حكم شرعي بآخر يرد موضوع آخر وهو لما كانت الأحكام فيها ناسخ ومنسوخ فهل يكون النسخ بالمساوي أو أن الناسخ أثقل من المنسوخ أو أنه دائما أخف منه؟ اتفق العلماء في كون جواز النسخ بالمساوي كما وقع بالأخف وأن في قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] إشارة إلى القسمين.
إن الأفضلية المستفادة من الآية والأمثلية لا تتصور في اللفظ بل إن ذلك حاصل في الحكم الذي يكون بناء التفاضل فيه بقدر ما فيه من التخفيف والتيسير أو الثواب والأجر بمعنى آخر كل تغير أو تبديل أو إزالة حكم إلى حكم آخر على كونه حكما تكليفيا يجب التعبد به فهو بحد ذاته يتضمن الأجر والثواب وهكذا كل العبادات مع وجوبها فيها أجر اذخره سبحانه لعباده لامتثالهم أوامره وتعبدهم بها.
متحققة في كل الحالات سواء كان الناسخ فالأفضلية والأمثلية هي مساويا للمنسوخ أو أخف منه أو أثقل فمن صور نسخ الأخف بالأثقل إيجاب القتال بعد تركه حيث قوله تعالى: {وَدَعْ أَذَاهُمْ} [الأحزاب: 48] أي أذى الكفار والمنافقين. ومعلوم أن الإذن بالقتال أشد وأثقل من الأذى المحتمل وقوعه.
ثم نسخ الحبس للنساء الزانيات بالحد لغير المحصنة وبالرجم للمحصنة. وهكذا نسخ إيذاء الرجال الزناة بالحد. فإن الحد والرجم أثقل من الحبس والإيذاء وربما اعترض قوم على هذا النوع من النسخ بل أنكروه واستدلوا بجملة من الآيات منها: قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] إن مورد هذه الآيات وأمثالها إنما هي خطاب للمؤمنين لمن يرعى حدود الله ولا يتجاوز عليها فهي واضحة في دلالتها وليس مما يستدل على عدم نسخ الأخف بالأثقل. ثم المأثور من أهل بيت العصمة في كون الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وحفت الجنة بالمكاره وأمثال ذلك كثير دليل على وقوع النسخ في الأخف ومجيء الأثقل.
أما نسخ المساوئ فمن صوره تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144]
أما نسخ الأثقل بالأخف فمن صوره أن الصلاة أول ما شرعت في صدر الإسلام - كما روي - كانت خمسين فخففها سبحانه إلى خمس.
الاكثر قراءة في الناسخ والمنسوخ
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة