حالة أملاك بطليموس الثاني عند وفاته
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 377 ــ 380
2025-08-03
458
شاهدنا فيما سبق أن مصر بعد موت الملكة «أرسنوي الثانية» قد أخت تتدهور من الوجهة الحربية، وتدل الأحوال على أنها لو امتد بها الأجل لوسعت رقعة الإمبراطورية المصرية، ولكن لَحَظْنا أنه منذ وفاتها كانت الحروب التي شق غمارها بطليموس الثاني فاشلة، فقد رأينا أنه فقد السيادة البحرية كما استولت مقدونيا على جزر «سيكلاديس»، واحتلت أسرة «سليوكيس» جزءًا كبيرًا من ساحل آسيا الصغرى، وكذلك فقدت مصر سلطانها على قرنيقة، ولا غرابة في ذلك؛ فإن بطليموس الثاني كان ماهرًا في كل الميادين الحيوية إلا ميدان القتال، وكان يشعر هو بذلك بدليل أنه قبل مماته قد حسَّن مركزه بين الدول العظمى عن طريق السياسة، وتدل شواهد الأحوال على أن كل هذه الحروب التي خاض غمارها والتي لم تخمد نارها قط طوال مدة حكمه لم تسبب أضرارًا مادية كثيرة لمصر نفسها.
ولكن من جهة أخرى نجد أنها أوقعت ضررًا آخر بالغ الخطورة، وهو أنه قد عاقت سير المدنية الإغريقية عن متابعة توطيد أركانها بقوة أكثر في مصر، وقد تضاربت الأقوال عن سبب رغبة «بطليموس الثاني» في العمل على توسيع رقعة إمبراطوريته، فهل كان يقصد من ذلك مهاجمة أملاك غيره أو كان بقصد الدفاع عن بلاده والمحافظة على تخومها كما فعل من قبله ملوك العهد الساوي وملوك الأسرتين التاسعة والعشرين والثلاثين؟ وقد تكون الفكرة الأخيرة هي التي كان يرمي اليها بطليموس الثاني، وذلك أن «سوريا» كانت في الواقع تعد دائمًا إقليمًا واقيًا لمصر، هذا بالإضافة إلى أن سوريا وجزيرة قبرص كانتا دائمًا اقتصاديًّا ضروريتين لمصر، ولا غرابة في ذلك لأن مصر كانت لا تنتج أخشابًا ولا معادن إلا الذهب بدرجة محدودة في تلك الفترة، هذا إلى أن خشب «قبرص» و«لبنان» كان لازمًا لبناء السفن، كما كان نحاس قبرص ضروريًّا لضرب النقود النحاسية التي كانت شائعة الاستعمال في مصر، ويميل إليها المصريون الوطنيون للتعامل بها كما سنرى بعدُ، ولكن هذه الأماكن كانت فعلًا ضمن أملاك مصر عندما تولى بطليموس الثاني عرش الكنانة، ومن جهة أخرى نجد أن فتوحه التي قام بها أثناء حكمه في آسيا الصغرى، وكذلك محاولاته للسيطرة على بلاد بحر إيجه وسواحله لا يمكن أن نعدها لازمة للدفاع عن بلاده، وقد رأينا أنه هو الذي قام بالمبادرة إلى الاعتداء على هذه البلاد الإغريقية، وعلى ذلك فإنه من المؤكد أن عمله على امتداد رقعة إمبراطوريته كان غرضًا ثابتًا في قرارة نفسه.
ويمكن الإنسان أن يتساءل: هل كان بطليموس الثاني مدفوعًا إلى هذه الفتوح جريًا وراء أطماع أسرية؟ أو كان يجري وراء أرباح تجارية؟ ولا نزاع في أن التجارة الشرقية والهندية كانت عاملًا مهمًّا في حياة مصر الاقتصادية، وأن الطرق البرية التجارية العظيمة في خلال القرن الثالث قبل الميلاد كانت تصل إلى البحر في «فينيقيا» و«أيونيا» أولًا عن طريق «صور» و«أفيسوس» غير أن بطليموس كان مسيطرًا على «صور» دون منازع، هذا إلى أنه حصل على أهم الفوائد من التجارة الهندية التي كانت تأتي عن طريق البحر إلى جنوب بلاد العرب، وعلى الرغم من احتمال وجود اعتبارات تجارية دعت لشنه حروبًا، فإنه من المرجَّح أن بطليموس كان طَموحًا كثير الأطماع؛ إذ كان يرغب في أن يحكم إمبراطورية مترامية الأطراف ويستغل مواردها بقدر المستطاع في نيل أطماعه، ولا أدل على ذلك من أن كل قطر جديد كان يستولي عليه يجعله مصدر ربح، فكان يثقله بالضرائب الفادحة، ولم يكن يفكر قط في عمل أي إصلاح لتحسين حالة البلاد المفتوحة إلا إذا كان هذا الإصلاح لصالحه هو، والواقع الذي لا مراء فيه أن «بطليموس الثاني» كان يستغل كل منتجات مستعمراته إلى أقصى حدود الاستغلال، هذا إلى تدخله في الحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به المدن الإغريقية قد فاق تدخل الممالك الهيلانية العظمى الأخرى في زمنه، هذا فضلًا عن أنه قد بذل بعض الجهود في إخضاع تلك المدن للإدارة المالية المصرية، وقد امتدت علاقاته الخارجية إلى ما وراء العالم الهيلانستيكي؛ ففي عام 273ق.م أرسل بعثًا إلى روما يُحتمل أنه كان لمهامَّ تجاريةٍ، كما أرسل رسولًا يُدعى «ديونيسوس» إلى الإمبراطور «الموراني» إمبراطور فندوسارا Vindusara في بلاد الهند للحصول على مدربين للفِيَلة من الهنود لأجل تدريب فِيَلَته التي اصطادها من أفريقيا، هذا وقد وجد «بوزيون» هنودًا في مصر في القرن الثالث قبل الميلاد، والمعتقد أنه شاهد قبرًا عليه عِجْلة البوذي في الإسكندرية،1 ومن المحتمل أنه قامت صعوبة في إرسال ديونيسوس إلى بلاد الهند عن طريق البلاد «سيلوكوس» ويُرجَّح أن بطليموس قد استخدم ضابطًا أعرابيًّا لينقله بطريق البحر كما فعل «بطليموس سوتر» عندما سُدَّت الطريق في وجهه إلى هذه البلاد فكلف شيخًا أعرابيًّا ليقود رسولًا مستعجلًا له على ظهور الإبل إلى بابل عن طريق الصحراء.
أما عن علاقات بطليموس الثاني بالعالم العربي فغامضة، ونعلم أنه في عام 273ق.م عمل الاحتياطات لحماية بلدة «هروبوليس» الواقعة بالقرب من السويس من غَدْر بعض العرب سواء أكانوا من القبائل المحلية أم من التي عبْر مياه البحر وقد أرسل ضابطًا يُدعى «أريستون»،2 ومعه أوامر للكشف عن ساحل البحر حتى المحيط الهندي وقد طاف «أريستون» حول شبه جزيرة سيناء حتى خليج العقبة، ولكن لا نعرف إلى أي نقطة وصل جنوبًا بعد ذلك.
وقد أرسل بطليموس حملة حربية إلى بعض الأماكن عبر البحر الأحمر فزارت بعض أماكن لم تُحقَّق حتى الآن في بلاد العرب،3 ويحدثنا ديودور،4 أنه عندما أخذ البحارة المصريون يختلفون على خليج العقبة هاجمهم النباطيون من بترا (بلاد العرب) وهم الذين كانوا يُغِيرون على تجارتهم، وينهبونهم حتى طردوهم من البحر بأسطول مصري، ومن الجائز جدًّا أن نربط هذا الحادث بحملة بطليموس الثاني، وعلى ذلك فإنه إذا كان قد صور لنفسه الأمنية التي كان يحلم بها «أنتيجونوس الأول» وهي السيطرة على «بترا» ورأس طريق القوافل العظيمة من بلاد البخور الواقعة في جنوب بلاد العرب (بلاد بنت) فإنه بلا شك قد أخفق في تحقيق حلمه، ولقد بدأ «بطليموس» حركة كان لها نتائج كبيرة على الجانب الأفريقي للبحر الأحمر.
والواقع أنه اندفع رغبة في الحصول على فِيَلة للحرب فابتدأ في كشف الساحل بصورة منظمة، فقد أسس ضباطه أثناء ذلك بلادًا ومحاطَّ تجاريةً جنوب «أرسنوي» وهي السويس الحالية، حتى مدينة بطليمايس الخاصة بصيد الفِيَلة وتقع بالقرب من «سواكن» الحالية، وقد استمر أخلافه بثبات في هذا العمل إلى أن وصل ضباطهم إلى قطر البخور في بلاد الصومال وقرن الجنوب (أي رأس جاردفوي)، وقد أدت هذه الكشوف في النهاية إلى القيام بسياحات مباشرة من مصر إلى جنوب الهند، وقد كانت فِيَلة بطليموس عندما تصاد تُشحَن إلى «برنيكي» المقابلة لأسوان في سفن نقل خاصة، ومن ثم كانت تساق إلى قفط على طريقٍ مُعَبَّدَةٍ مجهَّزة بكل ما يلزم عمله من قبل، ثم تُشحن في النيل حتى «منف»، هذا وقد أدخل بطليموس الثاني خلافًا للفِيَلة الجَمَل في مصر، وكانت الجِمال تذكر كثيرًا في الوثائق المصرية،5 وفيما بعد توجد محطة جِمال تبتدئ من الجنوب حتى الإسكندرية، هذا وقد حفر بطليموس الثاني قناة جديدة بجوار المحطة التي كان قد حفرها ملك الفرس دارا الأول ثم طُمرت فيما بعد، وقد تحدثنا عن قناة بطليموس هذا مليًّا،6 وهي القناة التي تربط بين النيل والبحر الأحمر وقد طمرت بدورها ثم حفرها الإمبراطور هدريان ومن بعد عمرو بن العاص.
...................................................
1- راجع: W. Flinders Petrie J. R. A. S. (1898). P. 875.
2- راجع: P. Cairo, Zen. 5947.
3- راجع عن هذا الموضوع؛ أي بطليموس الثاني وبلاد العرب J. E. A. Vol. XV, P. 150
4- راجع: Diod. III, 43, 5.
5- راجع: P. Cairo, Zen. 59143, 59207, P. S. I. VI, 562, Athen. V, 200 F. Cf. B. G. U, VI, 1351
6- راجع: راجع مصر القديمة الجزء 13.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة