علم الحكمة مستقلّ عن العلوم الطبيعيّة وقائم على البراهين العقليّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص103-105
2025-08-09
535
محصّلة كلام المحقّق الشعرانيّ في هذه المسألة هي أن الفلسفة الاولى والحكمة الإلهيّة فنّ وعلم مستقلّان عن العلوم الطبيعيّة، وهي قائمة على اصول عقليّة ثابتة ورصينة. ولا تأثير يُذكر لتطوّرات العلوم الطبيعيّة على مسيرة الامور الأساسيّة فيها. وحسب قول الفيلسوف الشهيد المطهّريّ فإنّ «المسائل الرئيسيّة في الفلسفة والتي تشكّل العمود الفقريّ لها هي من نوع المسائل الفلسفيّة الصرفة باستثناء بعض من المسائل الفرعيّة في باب العلّة والمعلول وقسم من بحوث القوّة والفعل والحركة وجانبٍ من فروع أخرى تعتمد على النظريّات العلميّة. والحقيقة أن المسائل ذات العلاقة بمعرفة عالم الوجود من الناحية الكلّيّة والعموميّة كمسائل الوجود والعدم، والضرورة والإمكان، والوحدة والكثرة، والعلّة والمعلول، والمتناهي واللامتناهي وغيرها. لها بُعد فلسفيّ صِرف»[1].
«ومن هنا يمكن استنباط سذاجة القائلين بأنّ مصير المسائل الفلسفيّة مرهون بآراء العلوم الطبيعيّة وفرضيّاتها والقائلين بأنّ تطوّر المعارف العلميّة هو أساس تطوّر المسائل الفلسفيّة، فهؤلاء لم يعرفوا حقيقة الفلسفة الاولى حقّ معرفتها فراحوا يخلطون بينها وبين الفلسفة العلميّة. وقد تحدّثنا عن ذلك في موضع آخره»[2].
وينشد الحكيم والفقيه المحقّق آية الله الشيخ محمّد حسين الأصفهانيّ الكمبانيّ قدّس سرّه الأبيات التالية، فيما يخصّ خيريّة الذات وخيريّة الأفعال، وعدميّة الشرور واقتصارها على عالم الخلق وليس عالم الأمر:
وَالمَبْدَأ الكَامِلُ خَيْرٌ مَحْضُ *** وحُبُّ صِرْفِ الخَيْرِ حَتْمٌ فَرْضُ
إلَى أن قالَ:
وَحَيْثُ أن الذَّاتَ مَرْضِيّ بِهَا *** فَفِعْلُهَا كَذَا لدى اولِي النُّهَى
وَهوَ وُجُودٌ مُطْلَقٌ كَمَا وُصِفْ *** وكَوْنُهُ خَيْراً بَدِيهِيَّاً عُرِفْ
وَلَا يَكُونُ الشَّرُّ إلَّا عَدَمَا *** فَلَيْسَ بِالذَّاتِ مُرَاداً فَاعْلَمَا
وَعَالَمُ الأمْرِ هُوَ القَضَاءُ *** لَا بِدْعَ في أن يَجِبَ الرِّضَاءُ
إذْ هُوَ نُورٌ لَا تَشُوبُهُ الظُّلَمْ *** فَكُلُّهُ خَيْرٌ عَلَى الوَجْهِ الأتَمْ
وَعَالَمُ الخَلْقِ هُوَ المَقْضِيّ *** فَالفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا مَرْضِيّ
فَإنَّهُ تَصْحَبُهُ الشُّرُورُ *** فَفِي الرِّضَا بِحَدِّهِ المَحْذُورُ[3]
ويُشير في البيت الأخير هذا إلى مصاحبة الشرور للإنسان في عالم الخَلق والتحذير من الرضا بذلك، والمراد مصاحبة الشيطان الذي يقتصر تأثيره على عالم الخَلق وليس عالم الأمر، ووقوع الإنسان في دركات الجحيم إنّما هو على أثر اتّباع الشيطان والانقياد له، والتجرّد من جميع المقامات الإنسانيّة. وخلاصة الأمر، فإنّ انجراف النفس الأمّارة بالسوء وراء وساوس الشيطان، تؤدي بالإنسان المختار في الإرادة والعمل معاً إلى أسفل السافلين من جهنّم وتُلقي به في السعير.
وبما أن الحديث قد آل بنا إلى هذا المآل، فإنّه من المناسب هنا أن نتوسّع بالبحث قليلًا ونتحدّث عن الشيطان وكيفيّة وجوده وظهوره وعمله، وذلك لتبرز عظمة الإسلام الذي يستند إلى التوحيد.
[1] تعليقات« أسرار الحِكَم» ص 27 ( التعليقة).
[2] «اصول الفلسفة ومنهج الواقعيّة» ج 3، ص 14-( التعليقة).
[3] مجلّة« نور العلم» السلسلة الثالثة، رقم 11، مقالة« العلاقة والاختلاف بين الفلسفة والعلوم العمليّة من وجهة نظر الشهيد المطهّريّ»؛ وكتاب« إيضاح الحكمة» ج1، ص21 إلى 23 (التعليقة)؛ مجلة« نور العلم» السلسلة الخامسة، العدد الثاني والثالث: في الذكري العشرين لرحيل العلّامة الشعرانيّ، مقالة لجناب العالم الجليل الحاجّ الشيخ على الربّانيّ الگلبايگانيّ تحت عنوان« نظرة إلى الأفكار الفلسفيّة والكلاميّة لآية الله الشعرانيّ» ص 120 و121.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة