النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
من روائع السيرة النبوية برواية الإمام العسكري "ع"
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الحسن العسكري "ع" والد الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص337-382
2025-08-26
30
في تفسير الإمام العسكري / 529 ، والاحتجاج : 1 / 14 : ( قال أبو محمد الحسن بن علي العسكري ( عليهما السلام ) : ذُكر عند الصادق ( عليه السلام ) الجدال في الدين وأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) قد نهوا عنه ، فقال الصادق ( عليه السلام ) : لم يَنْهَ عنه مطلقاً ولكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن ، أما تسمعون الله يقول : وَلاتُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . وقوله : أدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين ، والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله على شيعتنا . وكيف يحرم الله الجدال جملةً وهو يقول : تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . وهل يؤتي ببرهان إلا بالجدال بالتي هي أحسن ! قيل : يا ابن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن ، وبالتي ليست بأحسن ؟
قال الصادق ( عليه السلام ) . . أما الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجحد حقاً لا يمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من تجادله . . فهذا هو المحرم ، لأنك مثله جحد هو حقاً ، وجحدت أنت حقاً آخر .
وقال أبو محمد الحسن العسكري ( عليه السلام ) : فقام إليه رجل آخر وقال : يا ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أفجادلَ رسول الله ؟ فقال الصادق ( عليه السلام ) : مهما ظننت برسول الله من شئ فلا تظنن به مخالفة الله ، أليس الله قد قال : وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . . أفتظن أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خالف ما أمر الله به فلم يجادل بما أمره الله به ، ولم يخبر عن أمر الله بما أمره أن يخبر به !
ولقد حدثني أبي الباقر ، عن جدي علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي سيد الشهداء ، عن أبيه أمير المؤمنين صلوات الله عليهم ، أنه اجتمع يوماً عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أهل خمسة أديان : اليهود ، والنصارى ، والدهرية ، والثنوية ، ومشركو العرب .
فقالت اليهود : نحن نقول عزيرٌ ابن الله ، وقد جئناك يا محمد لننظر ما تقول ، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك .
وقالت النصارى : نحن نقول إن المسيح ابن الله اتحد به ، وقد جئناك لننظر ما تقول ، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل وإن خالفتنا خصمناك .
وقالت الدهرية : نحن نقول إن الأشياء لا بَدْوَ لها وهي دائمة ، وقد جئناك لننظر فيما تقول ، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك .
وقالت الثنوية : نحن نقول إن النور والظلمة هما المدبران . . فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك ، وإن خالفتنا خصمناك .
وقال مشركو العرب : نحن نقول إن أوثاننا آلهة . . فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خصمناك .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : آمنت بالله وحده لا شريك له ، وكفرت بالجبت والطاغوت ، وبكل معبود سواه .
ثم قال لهم : إن الله تعالى قد بعثني كافة للناس بشيراً ونذيراً وحجةً على العالمين ، وسيردُّ كيدَ من يكيد دينَه في نحره .
ثم قال لليهود : أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجة ؟ قالوا : لا . قال : فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيراً ابن الله ؟ قالوا : لأنه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت ، ولم يفعل بها هذا إلا لأنه ابنه .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فكيف صار عزيرٌ ابن الله دون موسى ( عليه السلام ) وهو الذي جاء لهم بالتوراة ، ورؤي منه من المعجزات ما قد علمتم ؟ ولئن كان عزير ابن الله لما ظهر من إكرامه بإحياء التوراة ، فلقد كان موسى بالبنوة أولى وأحق ، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب له أنه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجلَّ من البنوة ! لأنكم إن كنتم إنما تريدون بالبنوة الدلالة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم من ولادة الأمهات الأولاد بوطئ آبائهم لهن ، فقد كفرتم بالله وشبهتموه بخلقه ، وأوجبتم فيه صفات المحدثين ، فوجب عندكم أن يكون محدثاً مخلوقاً ، وأن يكون له خالقٌ صنعه وابتدعه .
قالوا : لسنا نعني هذا ، فإن هذا كفر كما دللت ، لكنا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة ، وإن لم يكن هناك ولادة ، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة من غيره : يا بنيَّ وإنه ابني لاعلى إثبات ولادته منه ، لأنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب له بينه وبينه ، وكذلك لما فعل الله تعالى بعزير ما فعل ، كان قد اتخذه ابناً على الكرامة لا على الولادة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فهذا ما قلته لكم إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه ، فإن هذه المنزلة بموسى أولى ، وإن الله يفضح كل مبطل بإقراره ، ويقلب عليه حجته ! إن ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو أكثر مما ذكرته لكم ، لأنكم قلتم إن عظيماً من عظمائكم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه وبينه : يا بني ، وهذا ابني ، لا على طريق الولادة ، فقد تجدون أيضاً هذا العظيم لأجنبي آخر : هذا أخي ، ولآخر : هذا شيخي ، وأبي ، ولآخر : هذا سيدي ويا سيدي ، على سبيل الإكرام . وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول ، فإذاً يجوز عندكم أن يكون موسى أخاً لله أو شيخاً له أو أباً أو سيداً ، لأنه قد زاده في الإكرام مما لعزير ، كما أن من زاد رجلاً في الإكرام فقال له يا سيدي ويا شيخي ويا عمي ويا رئيسي على طريق الإكرام ، وأن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول ، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخاً لله أو شيخاً أو عماً أو رئيساً أو سيداً أو أميراً ، لأنه قد زاده في الإكرام على من قال له يا شيخي ، أو يا سيدي ، أو يا عمي ، أو يا رئيسي ، أو يا أميري ؟ !
قال : فبهت القوم وتحيروا وقالوا : يا محمد أجِّلنا نتفكر فيما قد قلته لنا . فقال : أنظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف يهدكم الله .
ثم أقبل على النصارى فقال لهم : وأنتم قلتم إن القديم عز وجل اتحد بالمسيح ابنه ، فما الذي أردتموه بهذا القول ، أردتم أن القديم صار محدثاً لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى ، أو المحدث الذي هو عيسى صار قديماً كوجود القديم الذي هو الله ، أو معنى قولكم إنه اتحد به أنه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحداً سواه ؟
فإن أردتم أن القديم صار محدثاً فقد أبطلتم ، لأن القديم محالٌ أن ينقلب فيصير محدثاً . وإن أردتم أن المحدث صار قديماً فقد أحلتم ، لأن المحدث أيضا محالٌ أن يصير قديماً . وإن أردتم أنه اتحد به بأنه اختصه واصطفاه على سائر عباده ، فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الذي اتحد به من أجله ، لأنه إذا كان عيسى محدثاً وكان الله اتحد به بأن أحدث به معنىً صار به أكرم الخلق عنده ، فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين ، وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه .
فقالت النصارى : يا محمد إن الله لما أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر ، فقد اتخذه ولداً على جهة الكرامة .
فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه ، ثم أعاد ذلك كله ، فسكتوا إلا رجلاً واحداً منهم ، فقال له : يا محمد ، أوَلستم تقولون إن إبراهيم خليل الله ؟ قال : قلنا ذلك . قال : فإذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول إن عيسى ابن الله ؟
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنهما لن يشتبها ، لأن قولنا إبراهيم خليل الله ، فإنما هو مشتق من الخلة والخلة معناها الفقر والفاقة ، فقد كان خليلاً إلى ربه فقيراً وإليه منقطعاً ، وعن غيره متعففاً معرضاً مستغنياً ، وذلك لما أريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله جبرئيل فقال له : أدرك عبدي فجاء فلقيه في الهواء فقال له : كلفني ما بدا لك ، فقد بعثني الله لنصرتك . فقال إبراهيم : حسبي الله ونعم الوكيل ، إني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه ، فسماه خليله أي فقيره ومحتاجه ، والمنقطع إليه عمن سواه .
وإذا جُعل معنى ذلك من الخلة ، وهو أنه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره ، كان الخليل معناه العالم به وبأموره ، ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه . ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله ، وأن من يلده الرجل وإن أهانه وأقصاه ، لم يخرج عن أن يكون ولده ، لأن معنى الولادة قائم به .
ثم إن وجب لأنه قال لإبراهيم خليلي أن تقيسوا أنتم فتقولوا بأن عيسى ابنه ، وجب أيضاً كذلك أن تقولوا لموسى إنه ابنه ، فإن الذي معه من المعجزات ، لم يكن بدون ما كان مع عيسى .
فقال بعضهم لبعض : وفي الكتب المنزلة إن عيسى قال : أذهب إلى أبي وأبيكم ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون فإن فيه أذهب إلى أبي وأبيكم ، فقولوا إن جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله ، كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه .
ثم إن ما في هذا الكتاب مبطل عليكم هذا الذي زعمتم أن عيسى من وجهة الإختصاص كان ابناً له ، لأنكم قلتم إنما قلنا إنه ابنه لأنه اختصه بما لم يختص به غيره ، وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى : أذهب إلى أبي وأبيكم ، فبطل أن يكون الإختصاص لعيسى ، لأنه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى ، وأنتم إنما حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها ، لأنه إذا قال : أذهب إلى أبي وأبيكم ، فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه ، وما يدريكم لعله عنى أذهب إلى آدم أو إلى نوح ، وأن الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم ، وآدم أبي وأبيكم وكذلك نوح ، بل ما أراد غير هذا . قال : فسكت النصارى وقالوا : ما رأينا كاليوم مجادلاً ولا مخاصماً مثلك ، وسننظر في أمورنا !
ثم أقبل رسول الله على الدهرية فقال : وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول بأن الأشياء لا بَدْوَ لها وهي دائمةٌ ، لم تزل ولا تزال ؟
فقالوا : لأنا لا نحكم إلا بما نشاهد ولم نجد للأشياء حدثاً ، فحكمنا بأنها لم تزل ، ولم نجد لها انقضاء وفناء ، فحكمنا بأنها لا تزال .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أفوجدتم لها قِدَماً ، أم وجدتم لها بَقَاءً أبَد الآبد ؟ فإن قلتم إنكم وجدتم ذلك أنهضتم لأنفسكم أنكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية ، ولا تزالون كذلك !
ولئن قلتم هذا ، دفعتم العيان وكذبكم العالمون والذين يشاهدونكم . قالوا : بل لم نشاهد لها قِدماً ولا بقاءً أبد الآبد .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فلم صرتم بأن تحكموا بالقِدم والبقاء دائماً لأنكم لم تشاهدوا حدوثها ، وانقضاؤها أولى من تارك التميز لها مثلكم ، فيحكم لها بالحدوث والإنقضاء والانقطاع ، لأنه لم يشاهد لها قدماً ولا بقاءً أبد الآبد ؟ أوَلستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر ؟ فقالوا : نعم . فقال : أترونهما لم يزالا ولا يزالان ؟ فقالوا : نعم . فقال : أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار ؟ فقالوا : لا . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : فإذاً منقطعٌ أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما ويكون الثاني جارياً بعده . قالوا : كذلك هو . فقال : قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار لم تشاهدوهما ، فلا تنكروا لله قدرته .
ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : أتقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناهٍ أم غير متناهٍ ؟ فإن قلتم إنه غير متناه ، فقد وصل إليكم آخرٌ بلا نهاية لأوله ، وإن قلتم متناه فقد كان ولا شئ منهما . قالوا : نعم .
قال لهم : أقلتم إن العالم قديمٌ غير محدث ، وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به وبمعنى ما جحدتموه ؟ قالوا : نعم . قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فهذا الذي تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض يفتقر لأنه لأقوام للبعض إلا بما يتصل به ، كما نرى البناء محتاجاً بعض أجزائه إلى بعض وإلا لم يتسق ولم يستحكم ، وكذلك سائر ما نرى .
وقال أيضاً : فإذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوته وتمامه ، هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثاً كيف كان يكون ، وماذا كانت تكون صفته ؟ قال : فبهتوا وعلموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم !
فوجموا وقالوا : سننظر في أمرنا .
ثم أقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على الثنوية الذين قالوا النور والظلمة هما المدبران فقال : وأنتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا ؟ فقالوا : لأنا وجدنا العالم صنفين خيراً وشراً ، ووجدنا الخير ضداً للشر ، فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل الشئ وضده ، بل لكل واحد منهما فاعل ، ألا ترى أن الثلج محال أن يسخن كما أن النار محال أن تبرد ، فأثبتنا لذلك صانعين قديمين ظلمةً ونوراً . فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أفلستم قد وجدتم سواداً وبياضاً وحمرةً وصفرةً وخضرةً وزرقةً ، وكل واحدة ضد لسائرها لاستحالة اجتماع مثلين منها في محل واحد ، كما كان الحر والبرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد ؟ قالوا : نعم .
قال : فهلا أثبتم بعدد كل لون صانعاً قديماً ، ليكون فاعل كل ضد من هذه الألوان غير فاعل الضد الآخر ؟ قال : فسكتوا .
ثم قال : فكيف اختلط النور والظلمة ، وهذا من طبعه الصعود وهذه من طبعها النزول ، أرأيتم لو أن رجلاً أخذ شرقاً يمشي إليه والآخر غرباً أكان يجوز عندكم أن يلتقيا ما داما سائرين على وجههما ؟ قالوا : لا .
قال : فوجب أن لا يختلط النور والظلمة لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر ، فكيف وجدتم حدث هذا العالم من امتزاج ما هو محال أن يمتزج ، بل هما مدبران جميعاً مخلوقان . فقالوا : سننظر في أمورنا .
ثم أقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على مشركي العرب فقال : وأنتم فلمَ عبدتم الأصنام من دون الله ؟ فقالوا : نتقرب بذلك إلى الله تعالى . فقال لهم : أوَهي سامعة مطيعة لربها عابدة له حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله ؟ قالوا : لا . قال : فأنتم الذين نحتموها بأيديكم ؟ قالوا : نعم . قال : فلأن تعبدكم هي لو كان يجوز منها العبادة أحرى من أن تعبدوها ، إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم . قال : فلما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هذا القول اختلفوا فقال بعضهم : إن الله قد حل في هياكل رجال كانوا على هذه الصورة ، فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا !
وقال آخرون منهم : إن هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين لله قبلنا ، فمثَّلنا صورهم وعبدناها تعظيماً لله .
وقال آخرون منهم : إن الله لما خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود له فسجدوه تقرباً بالله كنا نحن أحق بالسجود لآدم من الملائكة ، ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا لها تقرباً إلى الله كما تقربت الملائكة بالسجود لآدم إلى الله تعالى ، وكما أمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكة ففعلتم ، ثم نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب سجدتم إليها وقصدتم الكعبة لا محاريبكم ، وقصدتم بالكعبة إلى الله عز وجل لا إليها .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أخطأتم الطريق وضللتم ، أما أنتم وهو يخاطب الذين قالوا إن الله يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصورة التي صورناها ، فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها ربنا ، فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات ، أو يحل ربكم في شئ حتى يحيط به ذاك الشئ ، فأي فرق بينه إذاً وبين سائر ما يحل فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفته ، ولم صار هذا المحلول فيه محدثاً قديماً دون أن يكون ذلك محدثاً وهذا قديماً ، وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال ، وهو عز وجل كان لم يزل ، وإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم أن تصفوه بالزوال ، وما وصفتموه بالزوال والحدوث فصفوه بالفناء ، لأن ذلك أجمع من صفات الحال والمحلول فيه ، وجميع ذلك متغير الذات ، فإن كان لم يتغير ذات الباري تعالى بحلوله في شئ ، جاز أن لا يتغير بأن يتحرك ويسكن ويسود ويبيض ويحمر ويصفر ، وتحله الصفات التي تتعاقب على الموصوف بها ، حتى يكون فيه جميع صفات المحدثين ويكون محدثاً ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ! ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فإذا بطل ما ظننتموه من أن الله يحل في شئ ، فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم .
قال : فسكت القوم وقالوا : سننظر في أمورنا .
ثم أقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على الفريق الثاني فقال : أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم لها وصليتم ، فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها ، فما الذي أبقيتم لرب العالمين ، أما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوَى به عبده ، أرأيتم ملكاً أو عظيماً إذا سويتموه بعبده في التعظيم والخضوع والخشوع ، أيكون في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير ؟ فقالوا : نعم .
قال : أفلا تعلمون أنكم من حيث تعظمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له ، تُزرون على رب العالمين !
قال : فسكت القوم بعد أن قالوا : سننظر في أمرنا .
ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للفريق الثالث : لقد ضربتم لنا مثلاً وشبهتمونا بأنفسكم ولسنا سواء ، وذلك أنا عبادٌ الله مخلوقون مربوبون ، نأتمر له فيها أمرنا وننزجر عما زجرنا ، ونعبده من حيث يريده منا ، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعد إلى غيره مما لم يأمرنا ولم يأذن لنا ، لأنا لا ندري لعله إن أراد منا الأول فهو يكره الثاني ، وقد نهانا أن نتقدم بين يديه ، فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعناه ، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي تكون بها فأطعناه ، ولم نخرج في شئ من ذلك من اتباع أمره . والله حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره . فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه ، لأنكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون ، إذ لم يأمركم به .
ثم قال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أرأيتم لو أذن لكم رجل دخول داره يوماً بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره ، أو لكم أن تدخلوا داراً له أخرى مثلها بغير أمره ، أو وهب لكم رجل ثوباً من ثيابه أو عبداً من عبيده أو دابة من دوابه ألكم أن تأخذوا ذلك ؟ قالوا : نعم . قال : فإن لم تأخذوه ألكم أخذ آخر مثله ؟ قالوا : لا ، لأنه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن في الأول . قال ( صلى الله عليه وآله ) : فأخبروني ، الله أولى بأن لايُتقدم على ملكه بغير أمره أو بعض المملوكين ؟ قالوا : بل الله أولى بأن لا يتصرف في ملكه بغير إذنه ، قال : فلم فعلتم ، ومتى أمركم بالسجود أن تسجدوا لهذه الصور ؟
قال فقال القوم : سننظر في أمورنا وسكتوا !
وقال الصادق ( عليه السلام ) : فوالذي بعثه بالحق نبياً ما أتت على جماعتهم إلا ثلاثة أيام ، حتى أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأسلموا ، وكانوا خمسة وعشرين رجلاً من كل فرقة خمسة ، وقالوا : ما رأينا مثل حجتك يا محمد ، نشهد أنك رسول الله ) .
[ كان اليهود يستفتحون بالنبي وآله ( صلى الله عليه وآله )
في تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) / 393 ، في تفسير قوله تعالى : وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ .
روى عن جده أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : إن الله تعالى أخبر رسوله ( صلى الله عليه وآله ) بما كان من إيمان اليهود بمحمد قبل ظهوره ، ومن استفتاحهم على أعدائهم بذكره والصلاة عليه وعلى آله . وكان الله عز وجل أمر اليهود في أيام موسى وبعده إذا دهمهم أمر ودهتهم داهية ، أن يدعوا الله عز وجل بمحمد وآله الطيبين ، وأن يستنصروا بهم ، وكانوا يفعلون ذلك حتى كانت اليهود من أهل المدينة قبل ظهور محمد ( صلى الله عليه وآله ) بسنين كثيرة يفعلون ذلك ، فيكفون البلاء والدهماء والداهية .
وكانت اليهود قبل ظهور محمد ( صلى الله عليه وآله ) بعشر سنين ، تعاديهم أسد وغطفان ويقصدون أذاهم ، وكانوا يستدفعون شرورهم وبلاءهم بسؤالهم ربهم بمحمد وآله الطيبين ، حتى قصدهم في بعض الأوقات أسد وغطفان في ثلاثة آلاف فارس إلى بعض قرى اليهود حوالي المدينة ، فتلقاهم اليهود ، وهم ثلاث مائة فارس ، ودعوا الله بمحمد وآله الطيبين الطاهرين ، فهزموهم وقطعوهم . فقال أسد وغطفان بعضهما لبعض : تعالوا نستعين عليهم بسائر القبائل ، فاستعانوا عليهم بالقبائل وأكثروا حتى اجتمعوا قدر ثلاثين ألفاً وقصدوا هؤلاء الثلاث مائة في قريتهم ، فألجؤوهم إلى بيوتها ، وقطعوا عنها المياه الجارية التي كانت تدخل إلى قراهم ، ومنعوا عنهم الطعام ، واستأمن اليهود منهم فلم يؤمنوهم وقالوا : لا إلا أن نقتلكم ونسبيكم وننهبكم . فقالت اليهود بعضها لبعض : كيف نصنع ؟
فقال لهم أماثلهم وذوو الرأي منهم : أما أمر موسى ( عليه السلام ) أسلافكم ومن بعدهم بالإستنصار بمحمد وآله ؟ أما أمركم بالإبتهال إلى الله تعالى عند الشدائد بهم ؟ قالوا : بلى ، قالوا : فافعلوا . فقالوا : اللهمَّ بجاه محمد وآله الطيبين لما سقيتنا ، فقد قطعت الظلمة عنا المياه حتى ضعف شباننا ، وتماوتت ولداننا ، وأشرفنا على الهلكة . فبعث الله تعالى لهم وابلاً هطلاً سحاً ملأ حياضهم وآبارهم وأنهارهم وأوعيتهم وظروفهم ، فقالوا : هذه إحدى الحسنيين ، ثم أشرفوا من سطوحهم على العساكر المحيطة بهم ، فإذا المطر قد آذاهم غاية الأذى ، وأفسد أمتعتهم وأسلحتهم وأموالهم ، فانصرف عنهم لذلك بعضهم ، وذلك أن المطر أتاهم في غير أوانه في حمارّة القيظ حين لا يكون مطر ، فقال الباقون من العساكر : هبكم سقيتم فمن أين تأكلون ؟ ولئن انصرف عنكم هؤلاء فلسنا ننصرف حتى نقهركم على أنفسكم وعيالاتكم وأهاليكم وأموالكم ، ونشفي غيظنا منكم .
فقالت اليهود : إن الذي سقانا بدعائنا بمحمد وآله قادر على أن يطعمنا ، وإن الذي صرف عنا من صرفه قادر على أن يصرف الباقين ، ثم دعوا الله بمحمد وآله أن يطعمهم ، فجاءت قافلة عظيمة من قوافل الطعام قدر ألفي جمل وبغل وحمار ، موقرةً حنطةً ودقيقاً وهم لا يشعرون بالعساكر فانتهوا إليهم وهم نيام ولم يشعروا بهم ، لأن الله تعالى ثقل نومهم حتى دخلوا القرية ولم يمنعوهم ، وطرحوا فيها أمتعتهم ، وباعوها منهم فانصرفوا وأبعدوا ، وتركوا العساكر نائمة ليس في أهلها عين تطرف ، فلما أبعدوا انتبهوا ونابذوا اليهود الحرب ، وجعل يقول بعضهم لبعض : ألوحى ألوحى ( العجل ) فإن هؤلاء اشتد بهم الجوع وسيذلون لنا ! قال لهم اليهود : هيهات بل قد أطعمنا ربنا وكنتم نياماً ، جاءنا من الطعام كذا وكذا ، ولو أردنا قتالكم في حال نومكم لتهيأ لنا ، ولكنا كرهنا البغي عليكم فانصرفوا عنا ، وإلاّ دعونا عليكم بمحمد وآله واستنصرنا بهم أن يخزيكم ، كما قد أطعمنا وأسقانا ، فأبوا إلا طغياناً فدعوا الله بمحمد وآله واستنصروا بهم ، ثم برز الثلاث مائة فقتلوا منهم وأسروا وطحطحوهم ، واستوثقوا منهم بأُسرائهم ، فكانوا لا ينداهم مكروه من جهتهم ، لخوفهم على من لهم في أيدي اليهود . فلما ظهر محمد ( صلى الله عليه وآله ) حسدوه ، إذ كان من العرب ، فكذبوه ) .
مناظرة عمار بن ياسر ( رحمه الله ) مع اليهود
في تفسير الإمام العسكري / 515 ، قال ( عليه السلام ) : ( إن المسلمين لما أصابهم يوم أُحد من المحن ما أصابهم ، لقي قومٌ من اليهود بعده بأيام عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان ، فقالوا لهما : ألم تريا ما أصابكم يوم أُحد ، إنما يحارب كأحد طلاب ملك الدنيا ، حربه سجالاً ، فتارةً له وتارة عليه ، فارجعوا عن دينه . فأما حذيفة فقال : لعنكم الله لا أُقاعدكم ولا أسمع كلامكم ، أخاف على نفسي وديني وأفرُّ بهما منكم ، وقام عنهم يسعى .
وأما عمار بن ياسر فلم يقم عنهم ، ولكن قال لهم : معاشر اليهود إن محمداً وعد أصحابه الظفر يوم بدر إن صبروا ، فصبروا وظفروا ، ووعدهم الظفر يوم أُحد أيضاً إن صبروا ، ففشلوا وخالفوا ، فلذلك أصابهم ما أصابهم ، ولو أنهم أطاعوا وصبروا ولم يخالفوا لما غُلبوا .
فقالت له اليهود : يا عمار ، وإذا أطعتَ أنت غلبَ محمدٌ سادات قريش مع دقة ساقيك ! فقال عمار : نعم والله الذي لا إله إلا هو باعثه بالحق نبياً لقد وعدني محمد من الفضل والحكمة ما عَرَّفنيه من نبوته ، وفَهَّمنيه من فضل أخيه ووصيه وصفيه وخير من يخلفه بعده ، والتسليم لذريته الطيبين المنتجبين ، وأمرني بالدعاء بهم عند شدائدي ومهماتي وحاجاتي ، ووعدني أنه لا يأمرني بشئ فاعتقدت فيه طاعته إلا بلغته ، حتى لو أمرني بحط السماء إلى الأرض أو رفع الأرضين إلى السماوات لقَوَّى عليه ربي بدني بساقيَّ هاتين الدقيقتين !
فقالت اليهود : كلا والله يا عمار ! محمد أقلُّ عند الله من ذلك ، وأنت أوضع عند الله وعند محمد من ذلك ، لا ولا حجراً فيه أربعون مَنّاً !
فقام عمار عنهم وقال : لقد أبلغتكم حجة ربي ونصحت لكم ، ولكنكم للنصيحة كارهون ، وجاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال له : يا عمار قد وصل إليَّ خبركما ، أما حذيفة فإنه فرَّ بدينه من الشيطان وأوليائه ، فهو من عباد الله الصالحين ، وأما أنت يا عمار فإنك قد ناضلت عن دين الله ، ونصحت لمحمد رسول الله ، فأنت من المجاهدين في سبيل الله الفاضلين . فبينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعمار يتحادثان إذ حضرت اليهود الذين كانوا كلموه فقالوا : يا محمد ، هاه صاحبك يزعم أنك إن أمرته برفع الأرض إلى السماء ، أو حط السماء إلى الأرض ، فاعتقد طاعتك وعزم على الإئتمار لك لأعانه الله عليه ، ونحن نقتصر منك ومنه على ما هو دون ذلك . إن كنت نبياً فقد قنعنا أن يحمل عمار مع دقة ساقيه هذا الحجر ! وكان الحجر مطروحاً بين يدي النبي ( صلى الله عليه وآله ) بظاهرالمدينة يجتمع عليه مائتا رجل ليحركوه فلا يمكنهم ، فقالوا له : يا محمد ، إن رام احتماله لم يحركه ولو حمل في ذلك على نفسه لانكسرت ساقاه وتهدم جسمه !
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا تحتقروا ساقيه فإنهما أثقل في ميزان حسناته من ثور وثبير وحراء وأبي قبيس ، بل من الأرض كلها وما عليها ، وإن الله قد خفف بالصلاة على محمد وآله الطيبين ما هو أثقل من هذه الصخرة ، خفف العرش على كواهل ثمانية من الملائكة ، بعد أن كان لا يطيقه معهم العدد الكثير والجم الغفير . ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عمار إعتقد طاعتي وقل : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين قوني ، ليسهل الله لك ما أمرك به ، كما سهل على كالب بن يوحنا عبور البحر على متن الماء ، وهو على فرسه يركض عليه ، لسؤاله الله بجاهنا أهل البيت !
فقالها عمار واعتقدها ، فحمل الصخرة فوق رأسه وقال : بأبي أنت وأُمي يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق نبياً لهي أخفُّ في يدي من خلالةٍ أمسكها بها ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : حلق بها في الهواء فستبلغ بها قلة ذلك الجبل ، وأشار إلى جبل بعيد على قدر فرسخ ، فرمى بها عمار ، وتحلقت في الهواء حتى انحطت على ذروة ذلك الجبل ! ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لليهود : أوَرأيتم ؟ قالوا : بلى !
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عمار ، قم إلى ذروة الجبل فستجد هناك صخرة أضعاف ما كانت فاحتملها ، وأعدها إلى حضرتي . فخطى عمار خطوة وطويت له الأرض ، ووضع قدمه في الخطوة الثانية على ذروة الجبل وتناول الصخرة المتضاعفة ، وعاد إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالخطوة الثالثة ، ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعمار : اضرب بها الأرض ضربة شديدة فتهاربت اليهود وخافوا ، فضرب بها عمار على الأرض ، فتفتتت حتى صارت كالهباء المنثور وتلاشت ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : آمنوا أيها اليهود ! فقد شاهدتم آيات الله ، فآمن بعضهم وغلب الشقاء على بعضهم . . الخ . ) !
أقول : هذا الحديث يدلنا على تشفي اليهود بهزيمة المسلمين في أحد ، ومثلهم قريش فقد اعتبرتها عقوبة لمحمد ، لأنه قَتَلَ منهم في بدر وأخذ منهم أسرى !
ففي مجمع الزوائد ( 6 / 115 ) وصححه : ( عن عمر بن الخطاب قال : فلما كان عام أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون ، وفر أصحاب رسول الله عن النبي فكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وسال الدم على وجهه ، وأنزل الله عز وجل : أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ إني هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير . بأخذكم الفداء ) !
لاحظ أنهم جعلوا التوبيخ في الآية للنبي ( صلى الله عليه وآله ) والعقوبة له ، وهو قول اليهود !
من حجج النبي ( صلى الله عليه وآله ) على مشركي العرب
الإحتجاج ( 1 / 25 ) وتفسير الإمام العسكري / 501 : ( عن أبي محمد الحسن العسكري قال : قلت لأبي علي بن محمد ( عليه السلام ) هل كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجهم ؟ قال : بلى مراراً كثيرة ، منها ما حكى الله من قولهم : وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِى فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا . أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلاً مَسْحُورًا . وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ . وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا . أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا . أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِىَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً . أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ . . ثم قيل له في آخر ذلك : لوكنتَ نبياً كموسى أنزلت علينا كسفاً من السماء ونزلت علينا الصاعقة في مسألتنا إليك ، لأن مسألتنا أشد من مسائل قوم موسى لموسى ( عليه السلام ) !
قال : وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان قاعداً ذات يوم بمكة بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي ، وأبو البختري ابن هشام ، وأبو جهل ، والعاص بن وائل السهمي ، وعبد الله بن أبي أمية المخزومي ، وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ، ويؤدي إليهم عن الله أمره ونهيه . فقال المشركون بعضهم لبعض : لقد استفحل أمر محمد وعظم خطبه ، فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه والاحتجاج عليه ، وإبطال ما جاء به ، ليهون خطبه على أصحابه ويصغر قدره عندهم ، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه ، فإن انتهى وإلا عاملناه بالسيف الباتر . قال أبو جهل : فمن ذا الذي يلي كلامه ومجادلته ؟ قال عبد الله بن أبي أمية المخزومي : أنا إلى ذلك ، أفما ترضاني له قرناً حسيباً ومجادلاً كفياً ؟ قال أبو جهل : بلى . فأتوه بأجمعهم ، فابتدأ عبد الله بن أبي أمية المخزومي فقال : يا محمد لقد ادعيت دعوى عظيمة ، وقلت مقالاً هائلاً ! زعمت أنك رسول الله رب العالمين ، وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين ، أن يكون مثلك رسوله بشر مثلنا ، تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب ، وتمشي في الأسواق كما نمشي ! فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس ، لا يبعثان رسولاً إلا كثير المال عظيم الحال ، له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده ، ولو كنت نبياً لكان معك ملك يصدقك ونشاهده !
بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبياً ، لكان إنما يبعث إلينا ملكاً لابشراً مثلنا . ما أنت يا محمد إلا رجلٌ مسحور ولست بنبي .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هل بقي من كلامك شئ ؟
قال : بلى ، لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولاً لبعث أجلَّ من فيما بيننا ، أكثره مالاً وأحسنه حالاً ، فهلا أنزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك وابتعثك به رسولاً على رجل من القريتين عظيم ، إما الوليد بن المغيرة بمكة ، وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هل بقي من كلامك شئ يا عبد الله ؟
فقال : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا ، بمكة هذه ، فإنها ذات أحجار وعرة وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها وتجرى فيها العيون ، فإننا إلى ذلك محتاجون . أو تكون لك جنة من نخيل وعنب ، فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً ، أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا . ثم قال : أَوْ تَأْتِىَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً . أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ أي لصعودك ، حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ : من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن أبي أمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، فإنه رسولي . ثم لا أدري يا محمد إذا فعلت هذا كله أؤمن بك أو لا . بل لو رفعتنا إلى السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا إنما سكرت أبصارنا وسحرتنا .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عبد الله أبقي شئ من كلامك ؟ قال : يا محمد أوليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ ، ما بقي شئ ، فقل ما بدا لك وأفصح عن نفسك إن كان لك حجة ، وأتنا بما سألناك به .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم أنت السامع لكل صوت والعالم بكل شئ ، تعلم ما قاله عبادك ، فأنزل الله عليه : يا محمد : وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ . . . وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلارَجُلاً مَسْحُورًا .
ثم قال : يا محمد : تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا .
وأنزل عليه : يا محمد : فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ . . وأنزل الله عليه : يا محمد وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِىَ الأَمْرُ . .
قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عبد الله أما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون ، وزعمت أنه لا يجوز لأجل هذا أن أكون لله رسولاً ، فإنما الأمر لله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وهو محمود وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه بلمَ وكيفَ ، ألا ترى أن الله كيف أفقرَ بعضاً وأغنى بعضاً ، وأعزَّ بعضاً وأذل بعضاً ، وأصحَّ بعضاً وأسقمَ بعضاً ، وشرَّفَ بعضاً ووضعَ بعضاً ، وكلهم ممن يأكل الطعام ، ثم ليس للفقراء أن يقولوا لمَ أفقرتنا وأغنيتهم ، ولا للوضعاء أن يقولوا لمَ وضعتنا وشرفتهم ولا للزمني والضعفاء أن يقولوا : لمَ أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم ، ولا للأذلاء أن يقولوا : لمَ أذللتنا وأعززتهم ، ولا لقباح الصور أن يقولوا : لمَ قبحتنا وجمَلَّتهم ! بل إن قالوا ذلك كانوا على ربهم رادين ، وله في أحكامه منازعين وبه كافرين ، ولكان جوابه لهم : أنا الملك الخافض الرافع ، المغني المفقر ، المعز المذل ، المصحح المسقم ، وأنتم العبيد ليس لكم إلا التسليم لي والانقياد لحكمي ، فإن سلمتم كنتم عباداً مؤمنين ، وإن أبيتم كنتم بي كافرين ، وبعقوباتي من الهالكين .
ثم أنزل الله عليه : يا محمد قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ . يعني آكل الطعام . يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ : يعني قل لهم أنا في البشرية مثلكم ، ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم ، كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال ، دون بعض من البشر . .
ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وأما قولك : هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلا كثير المال عظيم الحال ، له قصور ودور وفساطيط وخيام ، وعبيد وخدام ، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم ، فهم عبيده . فإن الله له التدبير والحكم ، لا يفعل على ظنك وحسبانك ، ولا باقتراحك بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وهو محمود .
يا عبد الله ، إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم ، ويكد نفسه في ذلك آناء الليل ونهاره ، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها ، وعبيد وخدم يسترونه عن الناس ، أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ . . يا عبد الله إنما بعثني الله ولا مال لي ، ليعرفكم قدرته وقوته وأنه هو الناصر لرسوله ، ولا تقدرون على قتله ، ولا منعه في رسالاته ، فهذا بين في قدرته وفي عجزكم ، وسوف يظفرني الله بكم فأسعكم قتلاً وأسراً ، ثم يظفرني الله ببلادكم ويستولي عليها المؤمنون . .
ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وأما قولك لي : لو كنت نبياً لكان معك مَلَكٌ يصدقك ونشاهده ، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبياً لكان إنما يبعث ملكاً لا بشراً مثلنا ، فالملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لاعيانَ منه ، ولو شاهدتموه بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم ليس هذا ملكاً بل هذا بشر . . بل إنما بعث الله بشراً وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم ، فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة ، وأن ذلك شهادة من الله بالصدق له . ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما تعجزون عنه ويعجز عنه جميع البشر ، لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزاً ، ألا ترون أن الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز ، لأن لها أجناساً يقع منها مثل طيرانها ، ولو أن آدمياً طار كطيرانها كان ذلك معجزاً .
فإن الله عز وجل سهل عليكم الأمر ، وجعله بحيث تقوم عليكم حجته وأنتم تقترحون عمل الصعب الذي لا حجة فيه .
ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وأما قولك : ما أنت إلا رجل مسحور ، فكيف أكون كذلك وقد تعلمون أني في صحة التميز والعقل فوقكم ، فهل جربتم عليَّ منذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة ، خِزْيَةً أو زلةً أو كذبةً ، أو خيانةً أو خطأً من القول ، أو سفهاً من الرأي ؟ !
أتظنون أن رجلاً يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته ، وذلك ما قال الله : اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ، إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجة ، أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها .
ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وأما قولك : لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ، الوليد بن المغيرة بمكة ، أو عروة بن مسعود الثقفي بالطائف ، فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ولا خطر له عنده كما له عندك ، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافراً به مخالفاً له شربة ماء ! وليس قسمة الله إليك بل الله هو القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه ، وليس هو عز وجل ممن يخاف أحداً كما تخافه أنت ، لما له وحاله فعرفته بالنبوة لذلك ، ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع أنت ، فتخصه بالنبوة لذلك ، ولا ممن يحب أحداً محبة الهواء كما تحب أنت ، فتقدم من لا يستحق التقديم . وإنما معاملته بالعدل ، فلا يُؤْثِرُ إلا بالعدل لأفضل مراتب الدين وجلاله ، إلا الأفضل في طاعته والأجد في خدمته ، وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وجلاله إلا أشدهم تباطأ عن طاعته ، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال ، بل هذا المال والحال من تفضله ، وليس لأحد من عباده عليه ضريبة لازب ، فلا يقال له إذا تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضاً ، لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلاً لأنه تفضل قبله بنعمه .
ألا ترى يا عبد الله كيف أغنى واحداً وقبَّحَ صورته ، وكيف حسَّنَ صورة واحد وأفقره ، وكيف شرَّفَ واحداً وأفقره ، وكيف أغنى واحداً ووضعه ! ثم ليس لهذا الغني أن يقول : هلا أضيف إلى يساري جمال فلان ولا للجميل أن يقول : هلَّا أضيف إلى جمالي مال فلان ، ولا للشريف أن يقول : هلا أضيف إلى شرفي مال فلان ، ولا للوضيع أن يقول : هلا أضيف إلى ضعتي شرف فلان ، ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء ، وهو حكيم في أفعاله محمود في أعماله .
وذلك قوله تعالى : وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ . قال الله تعالى : أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ يا محمد نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، فأحوجْنا بعضاً إلى بعض ، أحوجَ هذا إلى مال ذلك وأحوجَ ذلك إلى سلعة هذا وإلى خدمته ، فترى أجلَّ الملوك وأغنى الأغنياء محتاجاً إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب : إما سلعة معه ليست معه وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلا به ، وإما باب من العلوم والحكم ، هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير ، فهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني ، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته . ثم ليس للملك أن يقول هلا اجتمع إلى مالي علم هذا الفقير ، ولا للفقير أن يقول هلا اجتمع على رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكمة مال هذا الملك الغني . ثم قال الله : وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا .
ثم قال : يا محمد قل لهم : وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ . . من أموال الدنيا .
ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وأما قولك : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا ، إلى آخر قلته ، فإنك قد اقترحت على محمد أشياء ، منها ما لو جاءك به لم يكن برهاناً لنبوته ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بما لا حجة فيه . ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك ، وإنما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الإيمان بها لا ليهلكوا بها ، فإنما اقترحت هلاكك ورب العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما تقترحون . ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه ، ورسول رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته ، ويلجؤك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص . ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد ، لا تقبل حجة ولا تصغي إلى برهان ، ومن كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه ، أو في جحيمه ، أو بسيوف أوليائه .
فأما قولك يا عبد الله : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا ، بمكة هذه فإنها ذات أحجار وصخور وجبال . . فإنك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله . يا عبد الله أرأيت لو فعلت هذا أكنت من أجل هذا نبياً ؟ قال : لا . قال رسول الله : أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين ، أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيوناً استنبطتها ؟ قال : بلى .
قال : وهل لك في هذا نظراء ؟ قال : بلى . قال : فصرت أنت وهم بذلك أنبياء ؟ قال : لا . قال : فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله على نبوته ، فما هو إلا كقولك : لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الأرض كما يمشي الناس ، أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس .
وأما قولك يا عبد الله : أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فتأكل منها وتطعمنا فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا . أوَليس لك ولأصحابك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيراً ، أفصرتم أنبياء بهذا ؟ قال : لا . قال : فما بال اقتراحكم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه ، بل لو تعاطاها لدل تعاطيها على كذبه لأنه يحتج بما لا حجة فيه ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم ، ورسول رب العالمين يجلُّ ويرتفع عن هذا .
ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عبد الله وأما قولك : أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا ، فإنك قلت : وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ ، فإن في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم ، فإنما تريد بهذا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يهلكك ورسول رب العالمين أرحم من ذلك لا يهلكك ولكنه يقيم عليك حجج الله ، وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب اقتراح عباده ، لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح وما لا يجوز منه من الفساد ، وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى يستحيل وقوعه ، والله عز وجل طبيبكم ، لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال . ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وهل رأيت يا عبد الله طبيباً كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحهم ، وإنما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه ، أحبه العليل أو كرهه ، فأنتم المرضى والله طبيبكم ، فإن انقدتم لدوائه شفاكم ، وإن تمردتم عليه أسقمكم .
وبعدُ ، فمتى رأيت يا عبد الله مدعي حق من قبل رجل ، أوجبَ عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بينةً على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه ، إذا ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى ولاحق ، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا بين صادق وكاذب فرق .
ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عبد الله وأما قولك : أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً يقابلوننا ونعاينهم ! فإن هذا من المحال الذي لا خفاء به ، وإن ربنا عز وجل ليس كالمخلوقين يجئ ويذهب ويتحرك ويقابل شيئاً ، حتى يؤتى به ، فقد سألتم بهذا المحال .
وإنما هذا الذي دعوت إليه صفةُ أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ، ولا تغني عنكم شيئاً ولا عن أحد .
يا عبد الله ، أوَليس لك ضياع وجنانٌ بالطائف ، وعقارٌ بمكة وقُوَّامٌ عليها ؟ قال : بلى . قال أفتشاهدٌ جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك ؟ قال : بسفراء . قال : أرأيت لو قال معاملوك وأَكَرَتُك وخدمك لسفرائك لا نصدقكم في هذه السفارة ، إلا أن تأتونا بعبد الله بن أبي أمية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاهاً ، كنت تُسَوِّغُهُم هذا أو كان يجوز لهم عندك ذلك ؟ قال : لا .
قال : فما الذي يجب على سفرائك ، أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم يجب عليهم أن يصدقوهم ؟ قال : بلى .
قال : يا عبد الله أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك وقال لك قم معي ، فإنهم قد اقترحوا عليَّ مجيئك معي ، أليس يكون هذا لك مخالفاً ، وتقول له : إنما أنت رسول لا مشير ولا آمر ؟
قال : بلى . قال : فكيف صرت تقترح على رسول رب العالمين ما لا تسوغ لأكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم !
وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم إلى ربه ، بأن يأمر عليه وينهى ، وأنت لا تُسوغ مثل هذا على رسولك إلى أكرتك وقوامك !
هذه حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبد الله !
وأما قولك يا عبد الله : أو يكون لك بيت من زخرف ، وهو الذهب .
أما بلغك أن لعظيم مصر بيوتاً من زخرف ؟ قال : بلى .
قال : أفصار بذلك نبياً ؟ قال : لا . قال : فكذلك لا يوجب لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) نبوةٌ لو كان له بيوت ، ومحمدٌ لا يغتنم جهلك بحجج الله !
وأما قولك يا عبد الله : أو ترقى في السماء ، ثم قلت : ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه .
يا عبد الله ، الصعود إلى السماء أصعب من النزول منها ، وإذا اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول !
ثم قلت : حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ من بعد ذلك ، ثم لا أدري أؤمن بك أو لا أؤمن بك ! فأنت يا عبد الله مقر بأنك تعاند حجة الله عليك ، فلا دواء لك إلا تأديبه لك على يد أوليائه من البشر أو ملائكته الزبانية ، وقد أنزل الله عليَّ حكمةً بالغةً جامعةً لبطلان كل ما اقترحته ، فقال عز وجل : قُلْ يا محمد سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولاً ، ما أبعد ربي عن أن يفعل الأشياء على ما يقترحه الجهال ، مما يجوز ومما لا يجوز ، وهل كنت إلا بشراً رسولاً ، لا يلزمني إلا إقامة حجة الله التي أعطاني ، وليس لي أن آمر على ربي ولا أنهى ، ولا أشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه ، فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه .
فقال أبو جهل : يا محمد هاهنا واحدة : ألست زعمت أن قوم موسى احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة ؟ قال : بلى . قال : فلو كنت نبياً لاحترقنا نحن أيضاً ، فقد سألنا أشد مما سأل قوم موسى ، لأنهم كما زعمت قالوا : أرنا الله جهرة ، ونحن نقول : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً نعاينهم . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا أبا جهل أما علمت قصة إبراهيم الخليل لما رفع في الملكوت ، وذلك قول ربي : وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ، قَوَّى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين ، فرأى رجلاً وامرأةً على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخريْن فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخريْن فهمَّ بالدعاء عليهما فأوحى الله إليه : يا إبراهيم أكفف دعوتك عن عبادي وإمائي ، فإني أنا الغفور الرحيم الجبار الحليم ، لايضرني ذنوب عبادي كما لاتنفعني طاعتهم ، ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك ، فاكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فإنما أنت عبد نذير لا شريك في الملك ، ولا مهيمن عليَّ ولا عبادي ، وعبادي معي بين خلال ثلاث : إما تابوا إليَّ فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم ، وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون ، فأرفق بالآباء الكافرين وأتأني بالأمهات الكافرات ، وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم ، فإذا تزايلوا حل بهم عذابي وحاق بهم بلائي ، وإن لم يكن هذا ولا هذا ، فإن الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم ، فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي . يا إبراهيم خلِّ بيني وبين عبادي ، فأنا أرحم بهم منك وخل بيني وبين عبادي ، فإني أنا الجبار الحليم ، العلام الحكيم ، أدبرهم بعلمي وأنفذ فيهم قضائي وقدري .
ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا أبا جهل . . فانظر إلى السماء ، فنظر فإذا أبوابها مفتحة وإذا النيران نازلة منها مسامتة لرؤوس القوم ، تدنو منهم حتى وجدوا حرها بين أكتافهم ، فارتعدت فرائص أبي جهل والجماعة ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لاتروعنكم فإن الله لا يهلككم بها وإنما أظهرها عبرةً . ثم نظروا إلى السماء وإذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتها ورفعتها ودفعتها ، حتى أعادتها في السماء كما جاءت منها ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن بعض هذه الأنوار . . أنوار ذرية طيبة ستخرج من بعضكم ) .
أقول : هذا المنطق النبوي العالي لا يمكن أن يحفظه إلا أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فقد ذكر المفسرون والمحدثون أن سبب نزول هذه الآيات أن مجموعة من قريش منهم عبد الله بن أمية المخزومي أخ أم سلمة لأبيها ، وهو ابن عاتكة عمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وذكر رواة السلطة نقاشهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) مختصراً جداً ، ثم رووا إسلام عبد الله في فتح مكة .
قال الطبري ( 2 / 329 ) : ( وقد كان العباس بن عبد المطلب تلقى رسول الله ( ص ) ببعض الطريق وقد كان أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقينا رسول الله ( ص ) بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة فالتمس الدخول على رسول الله فكلمته أم سلمة فيهما فقالت : يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك ، قال : لا حاجة لي بهما أما ابن عمى فهتك عرضي ، واما ابن عمتي وصهري ، فهو الذي قال بمكة ما قال ! فلما خرج الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيان بنيٌّ له فقال والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد بنيَّ هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً ، فلما بلغ ذلك رسول الله ( ص ) رقَّ لهما ثم أذن لهما ، فدخلا عليه فأسلما ) .
بعض آيات النبي ( صلى الله عليه وآله ) للمشركين
في الإحتجاج ( 1 / 37 ) وتفسير العسكري ( عليه السلام ) ( 1 / 410 ) : ( عن أبي محمد الحسن العسكري ( عليه السلام ) أنه قال : قيل لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : يا أمير المؤمنين هل كان لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) آية مثل آية موسى ( عليه السلام ) في رفعه الجبل فوق رؤوس الممتنعين عن قبول ما أمروا به ؟ فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إي والذي بعثه الله بالحق نبياً ، ما من آية كانت لأحد من الأنبياء ( عليهم السلام ) من لدن آدم إلى أن انتهى إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، إلا وقد كان لمحمد مثلها أو أفضل منها ، ولقد كان لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نظير هذه الآية إلى آيات آخر ظهرت له ، وذلك أن رسول الله لما أظهر بمكة دعوته وأبان عن الله تعالى مراده ، رمته العرب عن قِسِيِّ عداوتها بضروب مكائدهم !
ولقد قصدته يوماً ، لأني كنت أول الناس إسلاماً ، بعث يوم الاثنين وصليت معه يوم الثلاثاء ، وبقيت معه أصلي سبع سنين حتى دخل نفر في الإسلام وأيد الله تعالى دينه من بعد ، فجاء قوم من المشركين فقالوا له : يا محمد تزعم أنك رسول رب العالمين ، ثم إنك لا ترضى بذلك حتى تزعم أنك سيدهم وأفضلهم ، فلئن كنت نبياً فأتنا بآية كما تذكره من الأنبياء قبلك : مثل نوح الذي جاء بالغرق ونجا في سفينته مع المؤمنين ، وإبراهيم الذي ذكرت أن النار جعلت عليه برداً وسلاماً ، وموسى الذي زعمت أن الجبل رفع فوق رؤوس أصحابه حتى انقادوا لما دعاهم إليه صاغرين داخرين ، وعيسى الذي كان ينبؤهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم . وصار هؤلاء المشركين فرقاً أربعة :
هذه تقول أظهر لنا آية نوح ، وهذه تقول أظهر لنا آية موسى ، وهذه تقول أظهر لنا آية إبراهيم ، وهذه تقول أظهر لنا آية عيسى ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنما أنا نذير وبشير مبين ، أتيتكم بآية مبينة هذا القرآن الذي تعجزون أنتم والأمم وسائر العرب عن معارضته وهو بلغتكم ، فهو حجة بينة عليكم ، وما بعد ذلك فليس لي الاقتراح على ربي ، وما على الرسول إلا البلاغ المبين ، إلى المقرين بحجة صدقه وآية حقه ، وليس عليه أن يقترح بعد قيام الحجة على ربه ما يقترحه عليه المقترحون ، الذين لا يعلمون هل الصلاح أو الفساد فيما يقترحون .
فجاء جبرئيل فقال : يا محمد إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك : إني سأظهر لهم هذه الآيات وإنهم يكفرون بها إلا من أعصمه منهم ولكني أريهم ذلك زيادة في الإعذار والإيضاح لحججك ، فقل لهؤلاء المقترحين لآية نوح ( عليه السلام ) : إمضوا إلى جبل أبي قبيس ، فإذا بلغتم سفحه فسترون آية نوح ، فإذا غشيكم الهلاك فاعتصموا بهذا وبطفلين يكونان بين يديه . وقل للفريق الثاني المقترحين لآية إبراهيم ( عليه السلام ) : إمضوا إلى حيث تريدون من ظاهر مكة ، فسترون آية إبراهيم في النار ، فإذا غشيكم النار فسترون في الهواء امرأة قد أرسلت طرف خمارها ، فتعلقوا به لتنجيكم من الهلكة وترد عنكم النار .
وقل للفريق الثالث المقترحين لآية موسى : إمضوا إلى ظل الكعبة فسترون آية موسى ، وسينجيكم هناك عمي حمزة .
وقل للفريق الرابع ورئيسهم أبو جهل : وأنت يا أبا جهل فاثبت عندي ليتصل بك أخبار هؤلاء الفرق الثلاث ، فإن الآية التي اقترحتها تكون بحضرتي . فقال أبو جهل للفرق الثلاث : قوموا فتفرقوا ليتبين لكم باطل قول محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فذهب الفريق الأول إلى جبل أبي قبيس ، والثاني إلى صحراء ملساء ، والثالث إلى ظل الكعبة ورأوا ما وعدهم الله ورجعوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) مؤمنين ، وكلما رجع فريق منهم إليه وأخبروه بما شاهدوا ألزمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الإيمان بالله ، فاستمهل أبو جهل إلى أن يجئ الفريق الآخر حسب ما أوردناه في الكتاب الموسوم بمفاخر الفاطمية ، تركنا ذكره هاهنا طلباً للإيجاز والاختصار .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : فلما جاءت الفرقة الثالثة وأخبروا بما شاهدوا عياناً وهم مؤمنين بالله وبرسوله ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأبي جهل : هذه الفرقة الثالثة قد جاءتك وأخبرتْك بما شاهدتْ !
فقال أبو جهل : لا أدري أصَدَق هؤلاء أم كذبوا ، أم حقق لهم ذلك أم خُيِّلَ إليهم ، فإن رأيت أنا ما اقترحته عليك من نحو آيات عيسى بن مريم فقد لزمني الإيمان بك ، وإلا فليس يلزمني تصديق هؤلاء على كثرتهم . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا أبا جهل فإن كان لا يلزمك تصديق هؤلاء على كثرتهم وشدة تحصيلهم ، فكيف تصدق بمآثر آبائك وأجدادك ومساوئ أسلاف أعدائك ، وكيف تصدق على الصين والعراق والشام إذا حدثت عنها ، وهل المخبرون عن ذلك إلا دون هؤلاء المخبرين لك عن هذه الآيات ، مع سائر من شاهدها معهم من الجمع الكثيف الذين لا يجتمعون على باطل يتخرصونه ، إلا إذا كان بإزائهم من يكذبهم ويخبر بضد أخبارهم ، ألا وكل فرقة محجوجون بما شاهدوا ، وأنت يا أبا جهل محجوج بما سمعت ممن شاهده .
ثم أخبره النبي ( صلى الله عليه وآله ) بما اقترح عليه من آيات عيسى من أكله لما أكل وادخاره في بيته لما ادخر من دجاجة مشوية وإحياء الله تعالى إياها وإنطاقها بما فعل بها أبو جهل وغير ذلك ، على ما جاء به في هذا الخبر ، فلم يصدقه أبو جهل في ذلك كله ، بل كان يكذبه وينكر جميع ما كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يخبره به من ذلك ، إلى أن قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأبي جهل : أما كفاك ما شاهدت أم تكون آمناً من عذاب الله . قال أبو جهل : إني لأظن أن هذا تخييلٌ وإيهامٌ . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فهل تفرق بين مشاهدتك لها وسماعك لكلامها يعني الدجاجة المشوية التي أنطقها الله له ، وبين مشاهدتك لنفسك ، ولسائر قريش والعرب وسماعك كلامهم ؟ قال أبو جهل : لا . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فما يدريك إذا أن جميع ما تشاهد وتحس بحواسك تخييل ! قال أبو جهل : ما هو تخييل . قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ولا هذا تخييل ، وإلا فكيف تصحح أنك ترى في العالم شيئاً أوثق منه . تمام الخبر ) .
رسالة أبي جهل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
قال في الإجتجاج ( 1 / 40 ) : ( رسالة لأبي جهل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما هاجر إلى المدينة ، والجواب عنها ، بالرواية عن أبي محمد الحسن العسكري ( عليه السلام ) : وهي أن قال :
يا محمد ! إن الخيوط التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة ، ورمت بك إلى يثرب ، وإنها لا تزال بك تنفرك وتحثك على ما يفسدك ويتلفك إلى أن تفسدها على أهلها ، وتصليهم حر نار جهنم وتعديك طورك ، وما أرى ذلك إلا وسيؤول إلى أن تثور عليك قريش ثورة رجل واحد لقصد آثارك ودفع ضرك وبلائك ، فتلقاهم بسفهائك المغترين بك ويساعدك على ذلك من هو كافر بك مبغض لك ، فيلجؤه إلى مساعدتك ومظافرتك خوفه لأن لا يهلك بهلاكك ويعطب عياله بعطبك ، ويفتقر هو ومن يليه بفقرك وبفقر شيعتك ، إذ يعتقدون أن أعداءك إذا قهروك ودخلوا ديارهم عنوة لم يفرقوا بين من والاك وعاداك واصطلموهم باصطلامهم لك ، وأتوا على عيالاتهم وأموالهم بالسبي والنهب ، كما يأتون على أموالك وعيالك ، وقد أعذر من أنذر وبالغ من أوضح . وأُدِّيَتْ هذه الرسالة إلى محمد وهو بظاهر المدينة ، بحضرة كافة أصحابه وعامة الكفار من يهود بني إسرائيل ، وهكذا أَمَرَ الرسول ، ليجبِّنَ المؤمنين ويغري بالوثوب عليه سائر من هناك من الكافرين .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للرسول : قد أطريت مقالتك واستكملت رسالتك ؟ قال : بلى . قال : فاسمع الجواب : إن أبا جهل بالمكاره والعطب يتهددني ، ورب العالمين بالنصر والظفر يعدني ، وخبر الله أصدق والقبول من الله أحق ، لن يضر محمداً من خذله أو غضب عليه ، بعد أن ينصره الله ويتفضل بجوده وكرمه عليه ، قل له : يا أبا جهل إنك واصلتني بما ألقاه في خلدك الشيطان ، وأنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن : إن الحرب بيننا وبينك كائنة إلى تسع وعشرين يوماً ، وإن الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي ، وستلقى أنت وشيبة وعتبة والوليد وفلان وفلان وذكر عدداً من قريش في قَلِيبِ بدر مقتولين ، أقتل منكم سبعين وآسر منكم سبعين ، وأحملهم على الفداء الثقيل .
ثم نادى جماعة من بحضرته من المؤمنين واليهود وسائر الأخلاط : ألا تحبون أن أريكم مصارع هؤلاء المذكورين ؟ قالوا : بلى . قال : هلموا إلى بدر ، فإن هناك الملتقى والمحشر ، وهناك البلاء الأكبر ، لأضع قدمي على مواضع مصارعهم ، ثم ستجدونها لا تزيد ولا تنقص ، ولا تتغير ولا تتقدم ولا تتأخر لحظة ، ولا قليلا ولا كثيراً .
فلم يَخُفَّ ذلك على أحد منهم ، ولم يجُبه إلا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وحده قال : نعم بسم الله . فقال الباقون : نحن نحتاج إلى مركوب وآلات ونفقات ، ولا يمكننا الخروج إلى هناك ، وهو مسيرة أيام . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لسائر اليهود : فأنتم ماذا تقولون ؟ فقالوا : نحن نريد أن نستقر في بيوتنا ، ولا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في ادعائه محيل ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا نَصَبَ لكم في المسير إلى هناك ، أُخطوا خطوة واحدة ، فإن الله يطوي الأرض لكم ويوصلكم في الخطوة الثانية إلى هناك . قال المسلمون : صدق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلنَشْرُف بهذه الآية . وقال الكافرون والمنافقون : سوف نمتحن هذا الكذاب لينقطع عذر محمد ، وتصير دعواه حجة عليه وفاضحة له في كذبه .
قال : فخطى القوم خطوة ثم الثانية ، فإذا هم عند بئر بدر ، فتعجبوا فجاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : إجعلوا البئر العلامة واذرعوا من عندها كذا ذراع فذرعوا ، فلما انتهوا إلى آخرها قال : هذا مصرع أبي جهل ! يجرحه فلان الأنصاري ، ويجهز عليه عبد الله بن مسعود ، أضعف أصحابي .
ثم قال : إذرعوا من البئر من جانب آخر ، ثم من جانب آخر ، ثم من جانب آخر كذا وكذا ذراعاً وذراعاً ، وذكر أعداد الأذرع مختلفة ، فلما انتهى كل عدد إلى آخره ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هذا مصرع عتبة ، وهذا مصرع شيبة ، وذاك مصرع الوليد ، وسيقتل فلان وفلان إلى أن سمى سبعين منهم بأسمائهم ، وسيؤسر فلان وفلان إلى أن ذكر سبعين منهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وصفاتهم ، ونسب المنسوبين إلى أمهاتهم وآبائهم ونسب الموالي منهم إلى مواليهم . ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : أوقفتم على ما أخبرتكم به ؟ قالوا : بلى . قال : إن ذلك من الله لحق كائن بعد ثمانية وعشرين يوماً ، وفي اليوم التاسع والعشرين وعداً من الله مفعولاً ، وقضاءً حتماً لازماً . تمام الخبر . ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا معشر المسلمين واليهود أكتبوا بما سمعتم . فقالوا : يا رسول الله قد سمعنا ووعينا ولا ننسى . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الكتابة أذكر لكم . فقالوا : يا رسول الله فأين الدواة والكتف ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ذلك للملائكة . ثم قال : يا ملائكة ربي أكتبوا ما سمعتم من هذه القصة في الكتاب ، واجعلوا في كم كل واحد منهم كتفاً من ذلك . ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : يا معشر المسلمين تأملوا أكمامكم وما فيها ، وأخرجوها واقرأوها ! فتأملوها وإذا في كم كل واحد منهم صحيفة ، وإذا فيها ذكر ما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك سواءً لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر . فقال : أغيضوها في أكمامكم تكن حجة عليكم وشرفاً للمؤمنين منكم ، وحجة على أعدائكم فكانت معهم ! فلما كان يوم بدر جرت الأمور كلها ببدر كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا يزيد ولا ينقص ، قابلوها في كتبهم فوجدوها كما كتبها الملائكة لا تزيد ولا تنقص ولا تتقدم ولا تتأخر ، فقبل المسلمون ظاهرهم ووكلوا باطنهم إلى خالقهم ) .
محاولة قريش اغتيال النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ( عليه السلام )
في تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) / 380 ، قال : ( لقد رامت الفجرة الكفرة ليلة العقبة قتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على العقبة ، ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فما قدروا على مغالبة ربهم ، حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في علي ( عليه السلام ) لما فَخَّمَ من أمره ، وعَظَّمَ من شأنه من ذلك . إنه لما خرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) من المدينة وقد كان خلفه عليها وقال له : إن جبرئيل أتاني وقال لي : يا محمد إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك : يا محمد إما أن تخرج أنت ويقيم علي ، أو تقيم أنت ويخرج علي ، لا بد من ذلك فإن علياً قد ندبته لإحدى اثنتين ، لا يعلم أحد كنه جلال من أطاعني فيهما ، وعظيم ثوابه غيري .
فلما خلفه أكثر المنافقون الطعن فيه فقالوا : مله وسئمه وكره صحبته ، فتبعه علي ( عليه السلام ) حتى لحقه ، وقد وجد غماً شديداً مما قالوا فيه . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما أشخصك عن مركزك ؟ قال : بلغني عن الناس كذا كذا . فقال له : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، فانصرف علي إلى موضعه ، فدبروا عليه أن يقتلوه ، وتقدموا في أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعاً ، ثم غطوها بحصر رقاق ، ونثروا فوقها يسيراً من التراب بقدر ماغطوا به وجوه الحصر ، وكان ذلك على طريق علي ( عليه السلام ) الذي لابد له من سلوكه ليقع هو ودابته في الحفيرة التي قد عمقوها وكان ما حوالي المحفور أرض ذات حجارة . ودبروا على أنه إذا وقع مع دابته في ذلك المكان كبسوه بالأحجار حتى يقتلوه ! فلما بلغ علي ( عليه السلام ) قُرب المكان لوى فرسه عنقه وأطاله الله فبلغت جحفلته أُذنيه وقال : يا أمير المؤمنين قد حُفِرَ لك هاهنا ، ودُبِّرَ عليك الحتف ، وأنت أعلم لا تمر فيه !
فقال له علي ( عليه السلام ) : جزاك الله من ناصح خيراً كما تُدبر بتدبيري ، فإن الله عز وجل لا يخليك من صنعه الجميل ، وسار حتى شارف المكان فتوقف الفرس خوفاً من المرور على المكان ، فقال علي ( عليه السلام ) : سر بإذن الله سالماً سوياً عجيباً شأنك ، بديعاً أمرك ، فتبادرت الدابة . فإن الله عز وجل قد متَّنَ الأرض وصلَّبها ولأمَ حفرها ، كأنها لم تكن محفورة ) .
ثم ربطت الرواية بين محاولة اغتيال علي ( عليه السلام ) واغتيال النبي ( صلى الله عليه وآله ) في رجوعه من تبوك في ليلة العقبة ، ليقتلوه ويبكوا عليه ، وينصبوا خليفة منهم مكانه !
وذكرت أن الذين شاركوا في مؤامرة قتل علي عشرة ، وفي مؤامرة قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) أربعٌ وعشرون ، قالت : ( فلان وفلان ، إلى أن ذكر العشرة بمواطأة من أربعة وعشرين ، هم مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في طريقه ) !
ثم ذكرت الرواية أن الله تعالى بعث جبرئيل ( عليه السلام ) فأحبط مؤامرتهم ، ثم أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو في الطريق بمحاولتهم قتل علي ( عليه السلام ) .
من مغيبات النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن ضغائن قريش بعده
في تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) / 408 : ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وقد مر معه بحديقة حسنة فقال علي ( عليه السلام ) : ما أحسنها من حديقة ! فقال : يا علي لك في الجنة أحسن منها . . إلى أن مرَّ بسبع حدائق كلُّ ذلك يقول علي ( عليه السلام ) : ما أحسنها من حديقة ! ويقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لك في الجنة أحسن منها . ثم بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بكاءً شديداً فبكى علي ( عليه السلام ) لبكائه ، ثم قال : ما يبكيك يا رسول الله ! قال : يا أخي يا أبا الحسن ضغائن في صدور قوم يُبدونها لك بعدي . قال علي ( عليه السلام ) : يا رسول الله في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك . قال : يا رسول الله إذا سلم ديني فلا يسوؤني ذلك . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لذلك جعلك الله لمحمد تالياً ، وإلى رضوانه وغفرانه داعياً ، وعن أولاد الرشد والغي بحبهم لك وبغضهم منبئاً ، وللواء محمد يوم القيامة حاملاً ، وللأنبياء والرسل والصابرين تحت لوائي إلى جنات النعيم قائداً . يا علي ، إن أصحاب موسى اتخذوا بعده عجلاً وخالفوا خليفته ، وسيتخذ أُمتي بعدي عجلاً ثمّ عجلاً ثمّ عجلاً ، ويخالفونك وأنت خليفتي على هؤلاء ، يضاهئون أولئك في اتخاذهم العجل ! ألا فمن وافقك وأطاعك فهو معنا في الرفيع الأعلى ، ومن اتخذ العجل بعدي وخالفك ولم يتب فأولئك مع الذين اتخذوا العجل زمان موسى ) .
ويؤيد ذلك ما رواه مسلم في صحيحه ( 1 / 109 ) عن عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى . فقلت يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ . أن ذلك تاماً . قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ) .
لا يكون غير المعصوم قدوة مطلقة
في كل المجتمعات توجد ظاهرة الاتباع والائتمام والتمحور حول رئيس ديني أو دنيوي ، وتكثر أنواع الرؤساء أو القدوات ، وتتنوع القواعد التي وضعوها لاختيار المتبوع وطاعته .
وأكثر الإتِّبَاع في القرآن مذموم ، قال الله تعالى : وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا . وقال : إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ . وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا .
وبعضه اتباعٌ ممدوح ، قال تعالى : وَالسَّابِقُونَ الأَوَلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ . وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ .
وقد وضعت الأديان شروطاً لمن يُتبع ويُطاع ، لكن الناس عادةً يخالفون شروط الأديان والرسل ، ولا يتقيدون بها .
وقد تفرد تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) برواية تبين صفات من يصح الاقتداء به ومن لا يصح ، وتعلمك كيف ينبغي أن تمتحنه لتعرف تحقق الشروط فيه ! قال ( عليه السلام ) / 53 : ( وأما قول علي بن الحسين ( عليه السلام ) فإنه قال : إذا رأيتم الرجل قد حَسَّنَ سَمْتَهُ وهديه ، وتماوت في منطقه ، وتخاضع في حركاته ، فرويداً لا يغرنكم ، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا ، وركوب المحارم منها ، لضعف نيته ومهانته ، وجُبن قلبه ، فنصب الدين فخاً لها ، فهو لا يزل يختل الناس بظاهره ، فإن تمكن من حرام اقتحمه .
فإذا وجدتموه يعف من المال الحرام ، فرويداً لا يغرنكم ، فإن شهوات الخلق مختلفة ، فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وإن كثر ، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرماً !
فإذا وجدتموه يعفُّ عن ذلك ، فرويداً لا يغرنكم حتى تنظروا ما عَقَدَهُ عقلُه فما أكثر من يترك ذلك أجمع ، ثم لا يرجع إلى عقل متين ، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله .
فإذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لا يغرنكم ، حتى تنظروا مع هواه يكون على عقله ، أو يكون مع عقله على هواه ؟ وكيف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فيها ، فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة بترك الدنيا للدنيا ، ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة ، فيترك ذلك أجمع طلباً للرئاسة ، حتى إذا : قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالآثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ . فهو يخبط خبط عشواء ، يقوده أولُ باطلٍ إلى أبعد غايات الخسارة ، ويمد يده بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه ، فهو يحل ما حرم الله ، ويحرم ما أحل الله ، لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته ، التي قد شقيَ من أجلها . فأولئك مع الذين غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ . . وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا . ولكن الرجل كل الرجل ، نعم الرجل ، هو الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله ، وقواه مبذولة في رضاء الله تعالى ، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الأبد من العز في الباطل ، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه إلى دوام النعم في دار لا تبيد ولا تنفد ، وإن كثير ما يلحقه من سرائها إن اتبع هواه ، يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا زوال . فذلكم الرجل نعم الرجل ، فبه فتمسكوا ، وبسنته فاقتدوا ، وإلى ربكم فبه فتوسلوا ، فإنه لا ترد له دعوة ، ولا تخيب له طلبة ) .
ملاحظات
1 . مقصود الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) بهذا الحديث النهي عن الاقتداء بغير المعصوم ، وقد صرح به الإمام الصادق ( عليه السلام ) بقوله ( الكافي : 2 / 298 ) : ( عن أبي حمزة الثمالي قال : قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إياك والرئاسة ، وإياك أن تطأ أعقاب الرجال ، قال قلت : جعلت فداك أما الرئاسة فقد عرفتها ، وأما أن أطأ أعقاب الرجال فما ثلثا ما في يدي إلا مما وطئت أعقاب الرجال . فقال لي : ليس حيث تذهب ، إياك أن تنصب رجلاً دون الحجة ، فتصدقه في كل ما قال ) .
ومعنى نَصَبَ رجل دون الحجة : اتخذ رجلاً قدوةً وإماماً ، مقابل المعصوم الذي نصبه الله تعالى ، وهذا يعني أن المتخذ من دون الإمام ( عليه السلام ) متخذ من دون الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ومن دون الله ، كما قال الله تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للَّهِ . وهذا يعني نوعاً من التكفير لمن لم يطع المعصوم وأطاع غيره وإن لم تجر عليه أحكام الكافر والمشرك !
2 . يأتي هنا السؤال : هل يعني ذلك أن الاقتداء بأي شخص ضلال ، إلا المعصوم ؟ والجواب : أن ذلك ليس على إطلاقه ، لكن نصب الشخص مقابل المعصوم ( عليه السلام ) ضلال ، والاقتداء بمن خالف المعصوم ( عليه السلام ) ضلال . ومعناه : أنه يشترط فيمن تقتدي به شرطين : الأول : أن لا نعصمه . والثاني : أن لا يخالف المعصوم ( عليه السلام ) .
3 . يتضح بهذا أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) يقصد وجوب التشدد في شروط من تقتدي به ، وضرورة امتحانه ، وذلك بعد أن يكون مستوفياً للشرطين الأصليين وهما أن لا تنصبه دون الحجة ، ولا يكون مخالفاً للحجة .
فبعد إحراز هذين الشرطين إمتحنه بالمواد الأربعة التي ذكرها ( عليه السلام ) : المال ، والجنس ، والعقل ، وتغليب عقله على هواه .
ويؤيد ذلك قول الإمام العسكري ( عليه السلام ) في تفسيره / 674 : ( قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ : ممن ترضون دينه وأمانته ، وصلاحه وعفته ، وتيقظه فيما يشهد به ، وتحصيله وتمييزه . فما كل صالح مميز ولا محصل ولا كل محصل مميز صالح ، وإن من عباد الله لمن هو أهل لصلاحه وعفته ، لو شهد لم تقبل شهادته لقلة تمييزه . فإذا كان صالحاً عفيفاً ، مميزاً محصلاً ، مجانباً للمعصية والهوى والميل والتحامل ، فذلكم الرجل الفاضل ، فبه فتمسكوا وبهديه فاقتدوا . وإن انقطع عنكم المطر فاستمطروا به ، وإن امتنع عليكم النبات فاستخرجوا به النبات ، وإن تعذر عليكم الرزق فاستدروا به الرزق ، فإن ذلك ممن لا تخيب طلبته ، ولا ترد مسألته ) .
4 . أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمته باتباع الأئمة من عترته من بعده ( عليهم السلام ) والاقتداء بهم ، وقد تواترت الرواية عنه في ذلك ، كالذي رواه الخزاز في كفاية الأثر / 111 : ( عن واثلة بن الأسفع قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنزلوا أهل بيتي بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة العينين من الرأس ، وإن الرأس لا يهتدي إلا بالعينين . اقتدوا بهم من بعدي ، لن تضلوا . فسألنا عن الأئمة قال : الأئمة بعدي من عترتي ، أو قال من أهل بيتي ، عدد نقباء بني إسرائيل ) .
والذي رواه الصدوق في معاني الأخبار / 114 : ( عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اقتدوا بالشمس فإذا غابت الشمس فاقتدوا بالقمر ، فإذا غاب القمر فاقتدوا بالزهرة ، فإذا غابت الزهرة فاقتدوا بالفرقدين . فقالوا : يا رسول الله فما الشمس ، وما القمر ، وما الزهرة ، وما الفرقدان ؟ فقال : أنا الشمس ، وعلي القمر ، والزهرة فاطمة ، والفرقدان الحسن والحسين ) .
وقد وضع رواة السلطة مقابل هذا الحديث أحاديث في اتباع أبي بكر وعمر ! وردها بعض نقاد الحديث ، وكذبوا راويها ، وهو من ذرية عمر !
روى الحاكم ( 3 / 75 ) : ( عن حذيفة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اقتدوا باللذيْن من بعدي أبي بكر وعمر ، واهتدوا بهدي عمار ، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد ) .
وفي كشف الخفاء ( 1 / 160 ) : ( رواه أحمد والترمذي وابن ماجة عن حذيفة . . والطبراني عن أنس ، وله من حديث أبي الدرداء : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر فإنهما حبل الله الممدود ، ومن تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ) .
وقال ابن حجر في لسان الميزان ( 5 / 237 ) : ( محمد بن عبد الله بن عمروي العمري . ذكره العقيلي فقال : لا يصح حديثه ولا يعرف بنقل الحد يث ، حدثنا أحمد بن خليل قال ثنا إبراهيم بن محمد الحلبي حدثني محمد بن عبد الله بن عمر بن القاسم ، انا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنه ، عن ابن القاسم بن عبد الله ، بن عبيد الله ، بن عاصم ، بن عمر بن الخطاب ، عنهما مرفوعاً : اقتدوا باللذيْن من بعدي أبي بكر وعمر .
فهذا لا أصل له من حديث مالك ، بل هو معروف من حديث حذيفة بن اليمان ، وقال الدارقطني : العمري هذا يحدث عن مالك بأباطيل . وقال ابن مندة : له مناكير . انتهى . وقال العقيلي بعد تخريجه : هذا حديث منكر ، لا أصل له ، وأخرجه الدارقطني من رواية أحمد الخليلي الضمري ، بسنده وساق بسند كذلك ، ثم قال : لا يثبت والعمري هذا ضعيف .
ثم أخرجه عن العباس بن عقدة عن يونس بن سابق ، ثنا محمد بن خالد العمري ، ثنا مالك به ، وقال : كذا قال محمد بن خالد العمري ، وأشار إلى أنه واحد اختلف في اسم أبيه ، ويحتمل أن يكون آخر . وسيأتي القول في يونس بن سابق شيخ ابن عقدة . . وقال الدارقطني : محمد بن عبد الله العمري ، هذا منكر الحديث ، يحدث عن مالك بأباطيل ) .
وقال الجاحظ في العثمانية / 135 : ( ويروون أن النبي صلى الله عليه قال : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر . وقد تعلمون أن إسناده عبد الملك ، عن ربعي عن حذيفة . والآخر سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء ، عن عبد الله !
ويروون أن النبي صلى الله عليه نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين فقال : هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ، إلا الأنبياء والمرسلين ، يا علي لا تخبرهما . فزعموا جميعاً أن علياً قال : ولو كانا حيين ما حدثتكم .
ويروون جميعاً أن علياً قام في الناس خطيباً فقال : ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر والثاني عمر ، ولو شئت أن أخبركم بالثالث فعلت ، فكنى عن ذكر عثمان . ويروون أن النبي صلى الله عليه لما أسس مسجد المدينة جاء بحجر فوضعه ، ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه ، ثم جاء عمر بحجر فوضعه ، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه ، فسئل النبي صلى الله عليه عن ذلك فقال : هم لأمر الخلافة من بعدي ) .
هذا وقد كذَّبَ أئمتنا ( عليهم السلام ) حديث الاقتداء بأبي بكر وعمر ، وما شابهه ، فقد رده الإمام الرضا ( عليه السلام ) لما سأله عنه المأمون ، ورده الإمام الجواد ( عليه السلام ) لما سأله عنه الفقهاء .
5 . بحث فقهاؤنا حديث الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : لا يغرنكم الرجل . . في مسألة العدالة ، وتوسع فيه علماء البحرين . الحدائق ( 10 / 58 ، والدرة النجفيه : 2 / 454 ) .
الاكثر قراءة في التراث العسكري الشريف
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
