حملة برسق بن برسق ضد الصليبيين في شمالي الشام
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 200 ــ 202
2025-09-22
191
أعد السلطان محمد جيشاً كثيفاً اختار لقيادته الأمير برسق بن برسق صاحب همذان، وأمر كلاً من جيوش بك والأمير كتغدى بمرافقته، وأمره بقتال إيلغازي وطغتكين لعصيانهما أوامره ثم يهاجم الصليبيين في شمالي بلاد الشام. انطلقت الحملة في (رمضان 508هـ / شباط 1115م) متوجهة إلى حلب، فارتاع الأمراء المسلمون في شمالي بلاد الشام وكذلك الصليبيون، إذ لم يكن موالياً للسلطان من أمراء الشام آنذاك، سوى خيرخان بن قراجا أمير حمص وبني منقذ في شيزر، وإذ شاع خبر الحملة ذهب إيلغازي إلى دمشق لعقد تحالف طغتكين، ووقع أثناء عودته في قبضة ابن ،قراجا ولم يُطلق سراحه إلا بعد أن وعد بأن يُرسل ابنه أياز ليحل مكانه في الاعتقال ولما وصل إلى ماردين حشد جنده وتوجه نحو الغرب لينضم إلى طغتكين، وانحاز إليهما لؤلؤ الخادم حاكم حلب ومقدم جيشه شمس الخواص(1).
والتمس الحلفاء المساعدة من روجر أمير أنطاكية فقدم مع جنده البالغ عددهم ألفين من الفرسان والمشاة وعسكر عند جسر الحديد على نهر العاصي، وجرى اجتماع بين الجانبين تقرر فيه أن تنضم قوات التحالف البالغة خمسة آلاف مقاتل، إلى قوات روجر أمام أسوار أفامية التي تعد موقعاً بالغ الأهمية، لمراقبة تحركات برسق عند عبوره نهر الفرات في طريقه إلى شيزر.
عبر برسق مع جيشه الفرات عند الرقة من دون أن يلقى مقاومة، وكان يأمل في أن يتخذ من حلب مركزاً لقيادته، فلما اقترب منها صده صاحبها لؤلؤ وغالظه في الجواب، فعلم أنه انحاز إلى خصومه بقيادة طغتكين، فانحرف نحو الجنوب لقتال طغتكين، وفضل مساعدة ابن قراجا، أمير حمص. وقام برسق بهجوم مفاجئ على حماة التابعة لصاحب دمشق، واستولى عليها ونهب ما حوته من متاعه وكان قدراً كبيراً، وسلم المدينة إلى ابن قراجا وفقاً لأوامر السلطان محمد، ثم مضى إلى كفرطاب الواقعة بين معرة النعمان وحلب وكانت تابعة للصليبيين. ويبدو أن قوى التحالف احتاجت إلى مدد فالتمست المساعدة من بلدوين الأول ملك بيت المقدس، وبونز أمير طرابلس، فجاءا على عجل، ومع الأول خمسمائة فارس وألف المشاة، وقاد الثاني مائتي فارس وألفين من المشاة، ودخلا أفامية.
ورأى برسق الذي اتخذ قاعدته في شيزر أن يُفرّق الحلفاء كي يسهل الانتصار عليهم، فاستغل حلول فصل الشتاء وانسحب نحو الجزيرة الفراتية، ونجحت حيلته إذ أن كلاً. من الملك بلدوين الأول وبونز رأى أن الخطر قد زال، فعاد إلى بلده، وعاد إيلغازي إلى ماردين وطغتكين إلى دمشق. وعلى هذا الشكل تفرق المتحالفون، عندئذٍ عاد برسق إلى كفرطاب فحاصرها ثم اقتحمها وأسر حاكمها وقتل كثيراً من أفراد حاميتها، ثم سار إلى أفامية فاستعصت عليه لحصانتها، فتركها وتوجه إلى المعرة وهي للصليبيين، وهنا انفصل عنه جيوش بك وذهب إلى وادي البزاعة واستولى عليه ما أضعف قوته العسكرية.
وعلم روجر أمير أنطاكية بحصار برسق لكفر طاب، فخرج من بلاده واتخذ طريقه إلى الجنوب في محاذاة نهر العاصي، وكان برسق يسير مع جيشه باتجاه الشمال في خط مواز له إنما في داخل البلاد، ولم يعلم أي من الرجلين مكان الرجل الآخر، حتى علم روجر من أمير فرسان فرقته الاستكشافية، أن برسق يجتاز الغابة في طريقه إلى تل دانيث (2) قرب مدينة سرمين وهو على غير تعبئة، في حين توقفت بعض فرقه لنصب الخيام وصحب بعض الأمراء جماعات من الجند للاحتطاب والحصول على العلف من المزارع المجاورة، فاستغل هذا الوضع، وهاجم المعسكر الخالي من الجند، وقتل كل من فيه من السوقية وغلمان العسكر، ثم تمركز فيه وانتظر وصول برسق على رأس الجيش. ووصل أفراد الجيش متفرقين، فكان الصليبيون يقتلونهم تباعاً، وقد جرى ذلك في صبيحة (22 الآخر 509هـ / 14 ربيع أيلول 1115م).
لم يكن هجوم الصليبيين أمراً متوقعاً، ولما وصل برسق إلى المكان، في نحو مائة فارس، صعد على تل دانيث يراقب الوضع، ولم يكن بوسعه إعادة تنظيم صفوف قواته، إلا أنه سعی إلى الاستشهاد وهو يقاتل وقد صعب عليه أن يواجه الهزيمة، غير أن أمراء حرسه أقنعوه بأنه بذل كل ما بوسعه ولن يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك، فامتطى عندئذٍ جواده وغادر المنطقة متوجهاً إلى الشرق (3).
وما حققه الصليبيون في تل دانيث من انتصار أنهى محاولات سلاطين السلاجقة العظام في خراسان وإيران لاستعادة بلاد الشام التي سيتولاها الزنكيون بعد ذلك، ولم تمض بضعة أشهر حتى توفي برسق بن برسق، ولم يكن السلطان محمد مستعداً للدخول في مغامرة أخرى في بلاد الشام.
...................................................................
(1) ابن الأثير: جـ 8 ص 607. ابن القلانسي: ص 305.
(2) دانيت بلد من أعمال حلب بين حلب وكفرطاب الحموي: جـ 2 ص 434.
(3) انظر فيما يتعلق بحملة برسق بن برسق: ابن الأثير: جـ 8 ص 607 - 609. ابن العديم: جـ1، ص 380، 381 .298 ,297 Matthew of Edessa: pp
الاكثر قراءة في الدولة العباسية *
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة