تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
مَلَكة العصمة لا توجب جعل الأفعال اضطراريّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص115-128
2025-10-09
64
ملكة العصمة ليست سبباً في جعل الأفعال اضطراريّة اجباريّة: يظنّ كثير من الناس انّ الأفعال التي تصدر من الأنبياء والأئمّة الذين يمتلكون ملكة العصمة تصدر بدون قوّة علميّة ولا إرادة اختياريّة، وانّ ملائكة السماء التي جعلها الله لحفظ وحراسة قلوبهم عن الخطأ والمعصية هي كالرصد الدائم في مقام المصونية والمحافظة الدائمة تحذّرهم من أي اختيار أو تصرّف.
وبناءً على هذا فانّه لا يجب قياس عبادتهم ومجاهدتهم مع سائر أفراد البشر، لأنّ أفراد البشر يسلكون طريق الله اثر مجاهدتهم النفسيّة ويواجهون المشاكل والمشاقّ؛ في حين أن الأنبياء يُهْدَون باطمئنان بواسطة جبرئيل وسائر الملائكة، فهم لهذه الجهة طاهرون وطيّبون ذاتاً، ولا يرد في سيرتهم شيء غير الطهارة والطيب. وبناءً على ذلك فانّ كلّ ما فعلوه من التبليغ والترويج والإستقامة والعبوديّة والمجاهدة والصدق لا ينبغي توقّعه وانتظاره من سائر الناس، لأن سنخ وجودهم يغاير سائر أفراد البشر. وبالنتيجة فانّ أفعالهم وأقوالهم تغاير أقوال وأفعال أفراد البشر، ونتيجة لذلك فانّ عصمتهم ليست منهم، بل من الله الذي يُسيرهم بين يديه فيتحركون بتحريكه دون أي يكون لهم أي اختيار أو أي قوّة علميّة قلبيّة.
وهذا الظنّ خاطئ جدّاً ولا محل له، علاوةً على انّه سيفتح لأفراد الأمّة طريق التثاقل والتهاون، لأنّه من الواضح ان الأنبياء مع وجود مقام العصمة والطهارة لديهم، ومع وجود مصونيّتهم وحفظهم بإرادته واختياره وملائكته، ولكن في نفس الوقت فانّ الله وإرادته تلك ليست خارجة عن وجودهم، وأن أعمالهم لا تصدر بدون قوّة علميّة وإدراكيّة، وبدون إرادة قلبيّة واختيار.
ولإيضاح هذا المطلب نقول انّ جميع الحوادث التي تحدث والموجودات التي توجد في العالم، مرتبطة كلّها ومنوطة بالسبب والعلّة التي نشأت عنها، وانّها تتحقّق في الخارج بعلّة الصدور عن تلك العلّة.
وبناءً على هذا فانّ جميع الأفعال والأقوال التي يفعلها النبيّ على ميزان واحد، وهي كلّها على صواب وحقّ وطاعة، ومعلولة لسبب موجود في نفس النبي، وهو نفس الملكة والقوّة الرادعة التي توجد في النبيّ.
تماماً مثل حالنا حين نعمل عملًا، فإننا لا نفعله دون ان نتصوّر صورته أولًا، ونميل اليه ثانياً، ثم نصدر إرادة تحقّقه. كما انّه يجب علينا- من اجل أن نفعل شيئاً- ان نتصوّر في الوهلة الاولى شكله ومنظره، ثم نجد رغبة إلى ذلك العمل في الوهلة الثانية، ثم نوجد في الوهلة الثالثة في أنفسنا إرادة القيام بذلك العمل.
والحال كذلك لدى الأنبياء أيضاً، فانّ الأفعال التي تصدر عنهم تكون بعد تصوّرهم للصورة العلميّة، وبعد ميلهم وإرادتهم لتحقّق ذلك العمل.
ولإيضاح هذه المسألة نضيف: قد تصدر منّا نحن البشر أعمال حسنة أو سيّئة، فالأعمال الحسنة ينبغي علينا أولًا ان نتصوّر صورتها العلمية، ثم نقدم على فعلها بعد أن نجد لها في أنفسنا ميلًا وإرادة، والأمر كذلك بالنسبة للأعمال السيّئة. ولو فرضنا انّ هناك أفراداً لا تخطر في أذهانهم صور يميلون اليها الّا وكانت صوراً جميلة وحسنة، لذا فانّه بعد تعلّق الإرادة بهذه الصور فانّه سيظهر من هؤلاء على الدوام اعمال حسنة. وعلى العكس فاذا ما وجدت على الدوام في أذهان بعض الناس صور قبيحة ومناظر للخيانة والجناية والمعصية مع توفّر الإرادة أيضاً، فانّه ستصدر منهم على الدوام أفعال قبيحة، وهؤلاء هم أهل الشقاء، كما أن الفئة الاولى هم أهل السعادة.
انّ الأنبياء هم من اولئكم الفئة التي تنعكس في أذهانهم دوماً صور الخيرات والأفعال الحسنة فيميلون اليها، ثم يفعلونها بعد تحقّق إرادتهم. ولأن تلك الصور تظهر في أذهانهم بشكل متعاقب، فانّ حصول تلك الصور يتحوّل لديهم إلى ملكة مثل ملكة العفّة والشجاعة والسخاء وغيرها. وهذا عبارة عن ملكة العصمة فيهم. وبناءً على هذا فانّ صدور أفعال الأنبياء بوصف الطاعة سيكون دائماً وباستمرار مسبّباً عن الصورة العلميّة الحسنة الدائميّة، وذلك هو إذعانهم القلبي بالعبوديّة، والمراد من الملكة هو رسوخ وعدم تغير الصورة العلمية في النفس.
أفضلية الأنبياء بسبب وجود الاختيار في أفعالهم: وهذا هو سبب مزيتّهم وأفضليّتهم على سائر أفراد البشر، لأن ملكتهم النفسانية وقوّتهم العلميّة عالية جداً، بحيث يختارون دائماً الخيرات والطاعات بعلمهم وإرادتهم غير المنفكّة عنهم، والّا فاذا فُرض انّ العمل الحسن يصدر منهم بدون العلم والاختيار المرتبط بوجودهم، فانهم سيكونون أشبه بالساعة التي تُنصب فتتحرك دون اختيار، او كمثل مفتاح الباب الذي يفتح الباب دون اختيار وإرادة، بل بسبب حركة اليد.
فأي فضيلة وشرف سيكون لهم في مثل هذه الحالة؟! وإضافة إلى ذلك فإنّنا نعلم انّ الأنبياء يتلقّون الوحي فلا يُخطئون في التلقّي والتبليغ، ولو كان هذا التلقّي والتبليغ غير مستند إلى القوّة النفسانية والملكة الموجودة فيهم، وبدون الأسباب الموجودة بوجود الأنبياء والمقترنة بواقعيّتهم ووجودهم، لاستلزم ذلك انّ هذه الأفعال ستصدر بدون علم النبيّ وإرادته، وبذلك فانّ أفعال النبيّ ستخرج عن الاختيار، وهو ما يتنافى مع افتراضنا بأن النبيّ مختار كسائر أفراد البشر.
وبناءً على هذا فانّ كلّ الأفعال التي تصدر عن الأنبياء قولًا وفعلًا، والمعجزات التي تظهر على يدهم، كانت كلها بسبب علمهم واختيارهم، ومستنده إلى ملكتهم وكيفيّتهم وحالتهم القلبيّة، وذلك كلّه مستند أيضاً إلى إذن الله وحفظ الملائكة الذين يحفظون بهذا الطريق حالاتهم القلبيّة والاختياريّة وصورهم العلمية وملكاتهم النفسيّة.
وينتهي هنا بحثنا عن عصمة الأنبياء، ويتضّح بشكل كامل كيفيّة إفاضة هذه الموهبة الالهية، ويتعيّن فضلهم وشرفهم بالنسبة لسائر البشر، فلا بدّ- من أجل توضيح مقاماتهم ودرجاتهم التي ذكرناها في الدروس السابقة- أن نبحث عن كيفيّة الخلقة وعن كيفيّة حصول ملكة العصمة فيهم، وهذا ما يحتاج إلى عدّة أبحاث.
الخلقة عبارة عن الظهور لا الولادة والخروج:
البحث الأوّل: انّ عالم الخلقة بما فيه الموجودات المجرّدة والماديّة، هو ظهورٌ لنور وجود الباري تالي شأنه، وجميع الممكنات هي مظاهر وتجليات لتلك الذات المقدّسة، ولذلك فانّ كلّ ممكن يقتبس بقدر سعة ماهيّته وقابليته من نور وجود الحق تعالى، فينعكس شعاع ذلك النور الطاهر في مرآة وجوده، فيتخلّع بخلعة وجوده.
وليس معنى الخلقة خروج شيء من ذاته المقدّسة وإيجاد شيء مستقلّ في الخارج، بحيث يقوم بنفسه ويستند إلى نفسه في أصل الوجود، أو في استمراره أو في الصفة والفعل.
وبناءً على هذا فانّ جميع عالم الوجود- عدا ذات الربّ- قائمٌ به ومستند اليه ومعتمد عليه، بحيث انّه لو فُصل عن هذا الإتّكاء والقيام والاعتماد لحظة واحدة لانغمر عالم الخلقة في ظلمة الفناء والعدم.
{يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ واللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[1].
وعلى هذا الأساس فانّ اظهار الأنبياء لعجزهم ومسكنتهم مقابل ساحة الله سُبحانه، ومشاهدتهم فاقتهم وفقرهم أمام الذات القدسيّة، وتعفيرهم سيماء التذلّل في التراب في مناجاتهم، لم يكن تصنّعاً أو مُجاملة، بل كان حاكياً عن أمر حقيقيّ واقعيّ، ولذلك فإننا لا نفرّق من هذه الجهة بين الأنبياء والأئمة وسائر الناس من أي صنف أو طبقة، فكلّ ما يمتلكه أحد يمتلكه بالله ومع الله، امّا بدون الله فانّ الجميع لا يمتلكون شيئاً.
أساس عالم الوجود مبني على اختلاف الموجودات:
البحث الثاني: انّ اساس عالم الوجود مبني على الاختلاف في الظهورات والتجليات، وهذه المسألة كانت مشهودة في الفلسفة تحت عنوان (الوَاحدُ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ إلَّا الوَاحِدُ) وفي العرفان تحت عنوان (لَا تِكْرَارَ في التَّجَلي) من قبل العرفاء الأجلّاء من الأولياء ذوي العزّة والمقدار، كما كانت مورد بحث الحكماء الراشدين المسلمين.
اي انّه يستحيل في جميع عالم الخلقة وجود موجودين متساويين من جميع الجهات. نعم، يوجد بعض الموجودات المتشابهة في بعض الجهات، ولكن وجود موجودين متشابهين متماثلين من جميع الجهات أمرٌ يمتنع تحقّقه.
وقد أقرّت العلوم التجريبيّة اليوم بهذا الأساس، وأثبتت على ضوء القياس والإستقراء والتجارب المستمرّة بأنّه لا يوجد تشابه من جميع الجهات بين موجودين اثنين، وانّ لكلّ موجود مميّزات منحصرة به. حتى انّه لا يوجد بين أفراد الإنسان منذ خلقة آدم أبي البشر إلى يوم القيامة انسانان متشابهان من جميع الجهات، لا من جهة الذاتيّات والصفات، ولا من جهة الأعراض الزمانية والمكانية والكيفيّة والكميّة وغيرها، حتى انّه لا يوجد انسانان متشابهان في الخطوط الموجودة في بنان أصابعهما وفي الخطوط المنقوشة على بدنيهما، ويُستفاد من هذا الاختلاف في أمر تشخيص هويّة المجرمين.
بل انّ خطوط الجلد الموجودة في أي نقطة من جسم الإنسان تختلف عن غيرها في جزء آخر من نفس الجسم، فالخطوط الموجودة على أصابع الكفّ الأيمن مثلًا تختلف عن الخطوط الموجودة على أصابع الكفّ الأيسر، وخطوط سبّابة اليد اليمنى تختلف عن خطوط بقيّة الأصابع في نفس الكف.
ولذلك، وعلى أساس هذا الأصل الكلي والدائمي فانّ كلّ فرد من أفراد الإنسان يختلف في تشكيل الخلقة عن الأخر، وكما يتفاوتان في السيماء والشكل والشمائل، فانهما يتفاوتان أيضاً إلى حدّ كبير في الملكات والغرائز.
ويلاحظ في مرحلة الطفولة انّ بعض الاطفال يتفاوتون في مقدار السخاء والايثار، وفي الحياء والعفّة، وفي المتانة والأصالة، وفي الشجاعة والذكاء والفهم والنباهة، لذا فان الأنبياء والأئمة يتفاوتون مع سائر البشر، بل انّ الانبياء في نفس الوقت الذي بُعثوا فيه بأجمعهم من قبل الله واوكلت اليهم مهمّة ابلاغ الرسالة، ومع اتّفاقهم على دعوة الناس إلى مقام التوحيد، وبعبارة مختصرة، مع انهم كلّهم من مبدأ واحد ويرجعون إلى مرجع واحد، وان مجيئهم وذهابهم من مكان واحد وإلى مكان واحد، يشهد على ذلك قوله تعالى على لسان المؤمنين: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}[2].
فانّهم في نفس الوقت يختلفون ويتفاوتون من جهة سعتهم الوجودية، التي يتبعها تفاوتهم في الغرائز والصفات والمواهب الالهيّة.
{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ورَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}[3].
وهذا الاختلاف واضح ومشهود في هذه الآيات المباركة التي تشرح قصص الأنبياء وصفاتهم.
جميع الموجودات التي تحمل القوّة والاستعداد تتحرك باتجاه الكمال:
البحث الثالث: انّ هناك حركة نحو الكمال في جميع الموجودات التي تمتلك قوّةً واستعداداً، والتي ينبغي ان توصل قابلياتها إلى مرحلة الفعلية. ونتيجة هذا السير والحركة هي العبور من مراحل الكمون والاستعداد والوصول إلى مراحل ظهور الكمال والفعلية. وهذه الحركة موجودة في جميع موجودات عالم الطبع، بما فيها الانسان والحيوان والنبات والجماد، كما انّ السير والعبور من المراحل البدويّة إلى المراحل النهائيّة أمر مشهود.
ولأنّ الأنبياء والأولياء هم كسائر أفراد البشر غير مستثنين من هذه القاعدة، فإننا نرى انّ مراحل تكوينهم تبدأ في هذا العالم من سُلالة من ماء مهين، ثم تطوي مراحل استعدادها وفعلياتها المختلفة، وتتخطّى مراحل الاستعداد واحداً بعد آخر، من نطفة وعلقة ومضغة وتشكّل العظام وإكسائها باللحم، ثم انشاء خلقة الروح وتبديل المادة إلى النفس المجرّدة الناطقة، فتستقبل مراحل الفعلية واحدةً بعد اخرى، إلى أن تصل إلى مرحلة الفعلية التامة: {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}[4].
كما انّ الأنبياء هم- من جهة السير والحركة الطبيعية والطبعيّة والماديّة- كسائر أفراد البشر في حركة من الصِغر إلى الكبر، ومن الضعف إلى القوّة، ومن صغر الجسم إلى كبره، يدلّ عليه قوله تعالى: {قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}[5].
وقوله تعالى في آية اخرى: {وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ ويَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ}[6].
كما انّهم من وجهة نظر الكمالات الروحيّة وبروز القابليات والغرائز والصفات الباطنية والملكات في سير وحركة، شأنهم شأن سائر أفراد البشر، حيث يقومون مدّة عمرهم بإيصال تلك الجواهر المكنونة إلى مرحلة الظهور والفعلية التامّة.
البحث الرابع: انّ حصيلة ونتيجة إيصال القابليات إلى مرحلة الفعلية أمرٌ يتبع مباشرة للقابليات نفسها، ففعليّة الانسان مثلًا تابعة للقابلية الانسانيّة، وفعليّة الحيوان تابعة لقابلية ذلك الحيوان؛ فالنعامة لن تصل في سيرها التكاملي أبداً إلى فعلية صقر الصيد، كما انّ فعلية وكمال الخروف لن تظهر قابليات الجمل والحصان. فكلّ واحد من هذه الانواع المختلفة والأصناف المتفاوتة من الحيوانات يتحرك في جهة تلك الغريزة والقابلية، ويُظهر تلك القوة والقابلية الكامنة في ذاته، ويوصلها إلى مقام الظهور والبروز والفعليّة والتماميّة.
على انّ جميع البشر، كما انّهم من وجهة نظر المادّة والطبع ومن جهة تكاملهم وتماميّتهم في سير وحركة، فانهم إلزاماً في حركة وسير من وجهة نظر الكمالات الروحية، ووفقاً للغرائز والصفات التي وُهبت لهم، من أجل اكمال أنفسهم وإيصالها إلى الفعليّة المحضة. لذا يستحيل ان تكون فعلية فردين من افراد البشر متساوية ومتماثلة من جميع الجهات.
وهكذا فانّ عيسى لن يكون موسى، وموسى لن يكون عيسى، لكنهما في حال النبوّة وفي حال الموت غيرهما في حال النطفة أو في حال الجنين او في حال الطفولة. وعيسى على نبينا وآله وعليه السلام مع انّه قد بُعث نبيّاً بينما كان طفلًا يتكلم في المهد، فانّه في حال نزول الانجيل وبروز المعجزات الالهيّة ودعوة بني اسرائيل، من شفاء الأبرص وإحياء الموتى وشفاء العُمي منذ ولادتهم، كان غير عيسى الذي كان في بطن أمّه مريم، وهكذا الحال بالنسبة إلى باقي الأنبياء.
انتظار الله سبحانه وعالم الوجود من كلّ فرد هو كماله المطلوب لا كمال غيره:
البحث الخامس: ان انتظار عالم الواقع والخارج من كلّ فرد هو كماله المطلوب لا كمال غيره، فالعوالم المجرّدة وغير المجرّدة من العقول والملائكة والكواكب، وسيّارات الشمس والقمر، والليل والنهار تتوقّع وتنتظر من كلّ فرد ايصال ثرواته الالهيّة على نحو حسن إلى مرحلة الفعلية، وأن لا يُهدرها أو يُفسدها، ولا تنتظر منه أن ينال في مسيرته وحركته المراحل الفعلية لسائر الموجودات التي تختلف عنه في اعطاء الغرائز والصفات الالهيّة: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها}[7]. {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها}[8].
انّ الله هو العدل المحض، لذا فانّه لا يظلم مثقال ذرّة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً}[9].
لأنّ الظلم يعني الانتظار والتوقّع من النملة وتكليفها بالقفز كما تفعل الجرادة، فإن خالفت عُذّبت وعوقبت، امّا اذا انتُظِرَ من النملة، حسب شعورها وإدراكها، أن لا تسلب ظلماً حبّةً من فم نملة أصغر، فانّ هذا ليس بظلم، وهذا التكليف تكليف بالحق بمقدار القابليّة والفهم والإدراك، ومتلائم والسعة والظرفيّة الوجوديّة للنملة، وهو عين العدل المحض.
واذا ما كلّف الله أفراد الأمّة بمثل التكليف الذي كلّفه للأنبياء فانّ هذا سيكون ظلماً، اما اذا انتظر من كلّ فرد من أفراد الأمّة ظهور وبروز استعداداتهم وقابلياتهم في طيّ طريق الله ولقاء حضرته، وكلّفهم بالمجاهدة والصبر والعبودية قدر سعتهم وظرفيّتهم في متابعة ذلك النبيّ، فانّه لن يكون ظلماً أبداً.
البحث السادس: انّ الأنبياء يمتلكون علماً واختياراً شأنهم شأن سائر افراد البشر، والافعال التي تصدر عنهم بعنوان المعجزة أو الوحي الالهي الذي يبلغونه للناس، او في مقام العبودية والاستكانة عند ما يعفّرون وجوههم بتراب المذلّة امام الله، هي كلها نابعة من علمهم واختيارهم، فلا يصدر شيء منهم اضطراراً أو إجباراً، لكنّ التزكية والطهارة والعلم والقدرة الفكريّة والعملية تترشحّ كلها بإذن الله من كيانهم، ويظهر- تبعاً لذلك- آثار وخواص عجيبة وخارقة للعادة.
والآن وقد أصبحت هذه الأبحاث واضحة ومعيّنة، فقد اتّضح كذلك كيفيّة خلقة الأنبياء والأئمة عليهم السلام وكيفيّة عصمتهم.
فأوّلًا: انّ ملكة العصمة في الأنبياء التي تحذّرهم من أي خطأ أو معصية، كانت اثر الموهبة الالهية، ومنسجمة كاملًا مع عنوان الوراثة والتأييد بروح القدس، لكنّ هذه العصمة كانت كذلك في المراحل الاولية بعنوان القوّة والقابلية، وهي معهم في كلّ الأحوال، في النوم واليقظة والتجليات، وقد وصلت؛ على اثر المجاهدة والعبوديّة التامة والابتلاءات الثقيلة والامتحانات الكثيرة؛ إلى مرحلة الفعلية والتماميّة.
عيناً مثل سائر الملكات المكتسبة لأفراد البشر من العلوم والفنون والصنائع، التي تبقى- بعد حصول الملكة- في أعلى درجاتها لا تنفصل عنهم أبداً، وتبقى في كلّ حال ملازمة لوجودهم.
ان فعليّة وتماميّة هذه الملكة أمر اكتسابي، لكنّ أصلها (أي القابلية والاستعداد) موهبة تختصّ مراحلها العالية بالأنبياء والأئمة، كما وُهبت سائر مراحلها لأولياء الله والمقرّبين له بحسب اختلاف درجاتهم.
ثانياً: ان ملكة العصمة فضيلة وشرف علميّ اختياريّ، وهي من صفات نفوس الأنبياء، والتي أصبحت على هذا الأساس سبباً في كرامتهم وشرفهم، وميّزتهم عن سائر أفراد الأمّة، عيناً مثل ملكة علم الطبّ والرياضيّات والفلك التي تميّز عالم الطب وعالم الرياضيات وعالم الفلك عن سائر الأفراد، مع هذا الاختلاف انّ ملكة العصمة هي ملكة الواصل إلى الواقع ومتن الحقيقة، والعلم الحضوري بالنسبة إلى الأشياء، والوصول إلى حقيقتها الخارجيّة، وبالطبع فكما انّ الخطأ والذنب ليس له معنى في متن الخارج، فانّ الذنب والخطأ كذلك لا معنى له لدى الأنبياء.
بيد انّ ملكة علم الطب والرياضيّات ليست كذلك، فهي تمنح القوة فقط لنفس الطبيب وعالم الرياضيّات في مجالٍ معيّن، بحيث يمكنه الاستفادة من ملكته واظهار آثارها في الخارج في أي لحظة يشاء.
ثالثاً: انّ إعطاء هذه الملكة للأنبياء وعدم إعطائها لغيرهم ليس ظلماً ولا جوراً، لأن الظلم سيكون حين يُنتظر من موجودٍ ما نضح آثار تزيد عن حدّ وجوده؛ والله سبحانه لم يكلّف غير الأنبياء بالتكليف الذي حمّلهم ايّاه حسب السعة الوجوديّة لنفوسهم لئلّا يكون ذلك ظلماً، بل انّه كلّف كلّا حسب قابليّته واستعداده، علماً بأنّ قابليّة واستعداد الموجودات ليسا خارجين عن إحاطة قدرة الله بل هي بإعطائه، وكلام ابن سينا (مَا جَعَلَ اللهُ المِشْمِشَةَ مِشْمِشَةً بَلْ أوْجَدَهَا) له دلالة جيّدة على ذلك.
وبناءً على هذه فانّ الخالق العليم قد خلق الموجودات، ومن جملتها أفراد الإنسان مختلفة متفاوتة دون أي ذرّة من الاستحقاق الذاتي، وابتلى كلّا منها في طريق تكاملها، ومن جملتهم الأنبياء الذين ابتلاهم- بسبب تفوّق قابليتهم التي وهبها الله لهم على قابليّات الأخرين- بابتلاءات أعجب وامتحانات أصعب ومجاهدات أشقّ، فسلكوا هذا الدرب وطووا هذا السبيل بقدم الطاعة والاختيار. وأخيراً، ولأن الكمال مختصّ بالله وحده، فان مرجع الكمالات من الأنبياء أو غيرهم، إلى الله وحده[10].
لقد تجلى الله سبحانه وتعالى في الأنبياء تجلياً تاماً، وتجلى في نبيّ الاسلام تجلّيا أتمّ وأكمل، كما تجلى في سائر الموجودات تجليات متفاوتة، ولا يعني هذا أنّ الله أخرج شيئاً من وجوده فأدخله فيهم، أو أنّه سلب ملكية صفة وملكة ما فنقلها اليهم.
{لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}[11].
فلا يوجد في عالم التوحيد موجود غير ذاته الأحدية المقدّسة، له بنفسه شيء يستحقّ المدح، لا الأنبياء ولا غيرهم، بل انّ كلّ شيء من الله وراجع اليه.
{لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى والْآخِرَةِ}[12].
الحمد والشكر مختصّان بذات الخالق المقدّسة في النشئة الاولى وفي النشئة الاخرى.
بلى، هذا المدح والفضيلة والشرف في عالم الكثرة وظهور الموجودات على حسب اختلاف الكثرات والاعتبارات، ومن الواضح أن الأنبياء هم أفضل وأشرف جميع الموجودات لأنّ سعتهم الوجوديّة أكثر من جميع الموجودات، ولأن إدراكهم وعلمهم أعلى، ومجاهدتهم وابتلاءاتهم أكثر، والحَمْدُ لِلّهِ أولًا وآخِرًا وظَاهِرًا وبَاطِنًا.
كانت هذه مطالب بيّناها في شأن العصمة الكلّيّة للأنبياء.
[1] الآية 15، من السورة 35: فاطر.
[2] الآية 285، من السورة 2: البقرة.
[3] صدر الآية 253، من السورة 2: البقرة.
[4] الآية 6، من السورة 84: الانشقاق.
[5] الآية 110، من السورة 18: الكهف.
[6] الآية 33، من السورة 23: المؤمنون.
[7] الآية 286، من السورة 2: البقرة.
[8] الآية 7، من السورة 65: الطلاق.
[9] الآية 44، من السورة 10: يونس.
[10] يقول الشيخ محمد جواد مغنية في كتاب (الشيعة والتشيّع)، طبع مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبنابي- بيروت، حي 37 و38: العصمة قوّة تمنع صاحبها من الوقوع في المعصية والخطأ، بحيث لا يترك واجباً ولا يفعل محرّماً، مع قدرته علي الترك والفعل، والّا لم يستحقّ مدحاً ولا ثواباً، أو قل: انّ المعصوم قد بلغ من التقوي حدّاً لا تتغلّب عليه الشهوات والأهواء، وبلغ من العلم في الشريعة وأحكامها مرتبةً لا يخطئ معها أبداً.
ويقول في التعليقة: قال الإمام يصف نفسه: "مَا وَجَدَ النَّبِيّ صلّي الله عَلَيْهِ والِهِ لِي كذْبَةً في قَوْل، ولا خَطلَةً في فِعْلٍ؛ وكُنْتُ أتَّبِعُهُ اتّبَاعَ الْفَصِيلِ أثَرَ أمِّهِ. يَرْفَعُ لِي كُلَّ يَوْمٍ نَمِيراً مِنْ أخلَاقِهِ، ويَأمُرُنِي بِالاقْتِداءِ بِهِ". وهذا معني العصمة عند الشيعة، لا كذب في قول ولا زلّة في فعل.
[11] الآية 3 و4، من السورة 112: الإخلاص.
[12] الآية 70، من السورة 28: القصص.
الاكثر قراءة في النبوة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
