النانوتكنولوجي في أعمال الخيال العلمي
المؤلف:
منير نايفة
المصدر:
النانوتكنولوجي- عالم صغير ومستقبل كبير- صفات سلامة
الجزء والصفحة:
ص45
2025-10-22
26
العب الخيال العلمي science fiction - وما زال - راًودورا مهماً في تحقيق الكثير من الاكتشافات والإنجازات العلمية، التي كانت في كثير من جوانبها أحلاماً وخيالات في أذهان الأدباء والعلماء الذين حاولوا بخيالهم الخصب استشراف آفاق المستقبل واقتحام عوالمه المغلقة فالكثير من الاكتشافات العلمية والتكنولوجية التي تحققت خلال النصف الثاني من القرن العشرين، قد سبق التنبؤ بها في كتابات الخيال العلمي منذ أواخر القرن التاسع عشر، فلو نظرنا إلى الحقائق العلمية التي تحياها اليوم مثل الهبوط على سطح القمر واستكشاف الفضاء وصناعة الروبوت واستخدام أشعة الليزر والنانوتكنولوجي وزراعة الأعضاء البشرية وأطفال الأنابيب وتطبيقات الهندسة الوراثية والعلاج الجيني والاستنساخ، وغيرها، لوجدنا أن كل هذه الحقائق والإنجازات كانت -يوماً ما - خیالات تداعب أذهان العلماء والأدباء، لذلك يمكن القول بأن كتاب الخيال العلمي هم عيون البشرية نحو المستقبل.
ويتناول أدب الخيال العلمي التقدم العلمي والتكنولوجي ومنجزات التقنية وتطورها، الصالح منها والضار، من خلال أحداث درامية، وينطلق هذا الأدب من حقيقة علمية ثابتة أو متخيلة، لتكشف عن جانب مجهول من الكون أو لتصف حياة البشر في المستقبل القريب أو البعيد، أي أنه خيال قائم على فرضيات علمية يمكن تحقيقها، كما أنه يشكل منطلقاً أساسياً في تكوين صور ذهنية جديدة في أذهان الأفراد لما ستكون عليه الأشياء في المستقبل الأمر الذي يدفعهم إلى تعلم لمزيد عنها، والسعي حثيثاً نحو وضع هذه الصور موضع الحقيقة . (
وتتميز أعمال الخيال العلمي على اختلاف أجناسها وأشكالها بما فيها الرواية والقصة والفيلم السينمائي والكتب الكاريكاتورية والبرامج الإذاعية والتليفزيونية بالقدرة ليس فقط على إعطاء الفرد فرصة كبيرة للتخيل والاكتشاف والابتكار والإبداع وإنما أيضاً بإمداده بالوسيلة المناسبة لكي يتفحص ويختبر الأبعاد المختلفة والنتائج المحتملة للعلم والتكنولوجيا، مثل الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية والسياسية و الاقتصادية وحتى الفلسفية والسلوكية والشخصية منها. وتعتبر تقنية النانو من أبرز الموضوعات التي يوليها الخيال العلمي اهتماماً كبيراً منذ الثمانينات من القرن الماضي، نظراً للعلاقة الفضولية التي يتقاسمها الطرفان كما يؤكد عالم الفيزياء الأميركي "إريك در كسيلر Drexler Eric في كتابه عام 1986 بعنوان "محركات الخلق العصر القادم للنانوتكنولوجيا Engines of Creations: The Coming Era of Nanotechnology وفي تقديم المخترع الأميركي" مارفن مينسكي" Minsky Marvin أستاذ الرياضيات والذكاء الصناعي في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا لهذا الكتاب قال إن من أبرز المحاولات الناجحة للتنبؤ بإلى أين سيأخذنا العلم والتكنولوجيا تلك التي قدمها كتاب الخيال العلمي أمثال جول فيرن هـ. ج. ويلز روبرت هينلين فريدريك بوول، إسحاق ازيموف وارثر سي كلارك". وليس هناك أدنى شك أنه توجد ثمة اتفاق واضح بين كتاب الخيال العلمي من جانب وبين العلماء والباحثين في محال علوم وتكنولوجيا النانو من جانب آخر على أن هذه التكنولوجية سوف تحدث تغييراً جذرياً في حياة البشر في المستقبل القريب، بينما تختلف آراؤهم خاصة فيما يتعلق بمدى وكيفية ونوعية هذا التأثير الذي ستحدثه هذه التقنية .
ويذكر أن النانوتكنولوجيا قد تنبأ بها العديد من العلماء وكتاب الخيال العلمي، حيث تشير الدراسات والبحوث الأكاديمية إلى أن البدايات الأولى لهذا العلم، قد تنبأ بها عالم الفيزياء الأميركي ريتشارد فينمان، وذلك في محاضرته الشهيرة بعنوان "هناك متسع كبير عند القاع" أمام جمعية الفيزياء الأميركية في 26 كانون الأول/ديسمبر عام 1959. ويعتبر عالم الفيزياء الأميركي إريك دريكسلر هو المؤسس الحقيقي لعلم النانوتكنولوجي، خاصة بعد أن نشر كتابه "محركات الخلق، الذي يصنفه النقاد ضمن أعمال الخيال العلمي الرائدة في هذا المجال. ولكن تفنية النانو كغيرها من التقنيات سبق التنبؤ بها واكتشافها في أعمال الخيال العلمي منذ زمن طويل قبل أن يتم تطويرها في معامل الأبحاث والتطوير، حيث قام كتاب الخيال العلمي بالفعل بإجراء تجاريهم الفكرية على الورق وبخاصة في ما يتعلق بالأبعاد الاجتماعية و الأخلاقية للبحث والتطوير في مجال علوم وتكنولوجيا النانو، كما أبدى البعض منهم إعجابه بالنانو كقوة لديها إمكانية تغيير العالم - ذرة بذرة - محدثه ثورة في أسلوب وطرائق حياة البشر في هذا الكون، ويعتبر بعض نقاد الخيال العلمي أن تكنولوجيا النانو عنصراً أساسياً في مستقبل الخيال العلمي، ويؤكد هذه الفكرة أيضاً كلاً من " جاك دان" و جار در دو زیوس Dozois Jack Dann & Gardner في تقديمهما 11 المجموعة قصصية بعنوان "نانوتك" NanoTech عام 1998 بقولهما : " إن النانوتكنولوجي موجودة ومقبولة بالفعل في الخيال العلمي وتمثل مكوناً مهماً من مكونات الرؤية الجماعية المشتركة بين كتاب الخيال العلمي وبخاصة في ما يتعلق بما سيؤول عليه المستقبل، إلى الحد الذي يمكن القول بأنه إذا لم يتميز المجتمع المستقبلي الذي يتخيله الكاتب باستخدامه للنانو تكنولوجيا، فعليه أن يوضح لماذا، حتى يمكن إعطاء عالمه المستقبلى مصداقية ما .
ولقد لجأ الباحثون بالفعل لأعمال الخيال العلمي لدراسة الأبعاد الاجتماعية والبيئية والأخلاقية لعلوم وتكنولوجيا النانو، فعلى سبيل المثال قام كلاً من الباحثة روزالين بيرن Berne Rosalyn من جامعة فير جينيا الأميركية، والباحث جواشيم شومر Schummer Joachim!! من جامعة دارمستا الألمانية Technical University of Darmstadt بإجراء دراسة استخدما فيها الخيال العلمي كوسيلة تربوية لتدريس علم أخلاقيات علوم وتكنولوجيا النانو لطلاب كليات الهندسة، وتوصلا إلى أنه مساعدة استخدام أعمال الخيال العلمي مثل رواية "تواريخ النانوتك" The Nanotech Chronicals عام 1991 للكاتب الأميركي مايكل فلين Michael ،Flynn والتي تضم ستة قصص قصيرة، وبخاصة القصة الثانية في الرواية بعنوان "الغسالة عند فورد The Washer at the Ford تعتبر نموذجاً مثالياً لتدريس أخلاقيات النانو، إذ تقدم مجموعة كبيرة ومتنوعة من القضايا الأخلاقية التي قد تنجم عن البحث والتطوير في تكنولوجيا النانو، وكذلك رواية الكاتب الأميركي "نيل ستفينسون" The Diamond Age "الماسي العصر "بعنوان Neal Stephenson عام 1996، التي تتناول الأمراض والمشاكل الاجتماعية جراء التقدم في محال علوم وتكنولوجيا النانو، فقد تمكن الطلاب من الانتقال بأفكارهم و آرائهم من حيز الواقع الفعلي إلى عوالم متخيلة، حيث استطاعوا التوصل إلى إجابة عن أسئلة كثيرة والتعامل مع قضايا أخلاقية متعددة تتعلق بتكنولوجيا النانو، بطريقة تتسم بالإبداع والابتكارية، وبعد ذلك يعودون إلى عالم الواقع ليجدوا أنفسهم أمام مشاكل حقيقية، حيث يتم التعامل معها بشكل أكثر سهولة، وبالتالي يمكنهم توجيه مسار هذه التكنولوجيا إلى الطريق الصحيح، والتعرف على وتحديد تأثيراتها الاجتماعية والأخلاقية والسياسية وغيرها على حياة البشر، وقد ساعدت هذه الطريقة الطلاب على تفادي قيود أسلوب حل المشكلات، والتركيز بشكل أكثر عمقاً على الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية لعصر النانوتكنولوجي .
الاكثر قراءة في الفيزياء الجزيئية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة