ردّ الرواية لمنافاتها الاعتقاد بالنبوّة (المثال الخامس)
المؤلف:
السيد علي حسن مطر الهاشمي
المصدر:
منهج نقد المتن في تصحيح الروايات وتضعيفها
الجزء والصفحة:
ص 37 ــ 40
2025-10-25
36
خامسًا: الروايات التي تصوّر خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) إنسانًا لاهيًا يحضر مجالس الرقص والغناء ويمنع من يعترض عليها ومن ذلك:
1 ـ ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة قال: بينا الحبشة يلعبون عند النبي (صلى الله عليه وآله) بحرابهم دخل عمر فأهوى الى الحصى فحصبهم بها فقال: (دعهم يا عمر). وزاد عليّ قال: حدّثنا عبد الرزّاق قال: أخبرنا معمر في المسجد (1).
2 ـ وعن عائشة: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسترني وأنا أنظر الى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) دعهم أمنًا بني أرفدة. يعني: من الأمن (2).
3 ـ وعن عائشة أيضًا: أنّ أبا بكر دخل عليها والنبي (صلى الله عليه وآله) عندها يوم أفطرَ أو أضحَى وعندها قينتان تغنّيان فقال أبو بكر: مزمار الشيطان مرّتين. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) دعهما يا أبا بكر إنّ لكلّ قوم عيدًا وانّ عيدنا هذا اليوم (3). فأمثال هذه الروايات ترسم للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) صورة لا تليق بساحته ولا تناسب قدسيّته وتدّعي أنّه لا يتورّع عن حضور مجالس اللهو والعبث ويسمح بأن يكون بيته ومسجده قاعة للغناء والرقص الأمر الذي يراه عمر وأبو بكر غير لائق بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا بحرمة مسجده فيقوم عمر بزجر الراقصين وقذفهم بالحصباء ويستنكر أبو بكر وجود مزامير الشيطان في بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ولكنّنا نفاجأ بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصرّح بأن يقرّ ذلك ويمنع عمر وأبا بكر من الاعتراض عليه!
قال الإمام شرف الدين رضوان الله عليه معقّبًا على أمثال هذه الروايات التي تنسب لساحة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ما يترفّع عنه حتّى علماء الدين الاعتياديّين: "إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبعد عن اللعب وأرفع عن العبث وأعرف بحرمات الله ورسوله من أن يوسع للجهال مجالا الى اللهو في المسجد بمحضر منه وإن أوقاته الشريفة المفعمة بالمهمات الأخرويّة والدنيويّة لا تتّسع للهو فيها بشيء وحاشا لله أن يشغل مسجده الشريف بعبث أو لهو أو لغو كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلّا كذبًا" (4).
ولست أدري كيف نصدّق بسماح رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالغناء والرقص في المسجد وهو الذي نهى عن نشدان الضالّة فيه؛ فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سمع رجلاً ينشد ضالّة في المسجد فليقل: لا ردّها الله عليك فإنّ المساجد لم تبنَ لهذا (5).
وأخرج أيضًا عن بريدة: أنّ رجلاً نشد في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لا وجدت، إنّما بنيت المساجد لما بنيت له (6).
فهل يُعقل مع هذا أن يسمح رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن تتّخذ المساجد للرقص والطرب؟ وكيف نوفّق بين هذه الروايات وبين ما هو ثابت في مصادر المسلمين من روايات تؤكّد حرمة الغناء؟ ومنها:
1 ـ "من استمع الى صوت غناء لم يؤذن له أن يستمع الروحانيّين في الجنّة" قال: ومن الروحانيّون؟ قال قرّاء أهل الجنّة" (7).
2 ـ عن ابن مسعود: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل" (8).
3 ـ عن أبي أُمامة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "ما رفع أحد صوته بغناء إلّا بعث الله اليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتّى يمسك" (9).
_________________
(1) صحيح البخاري، الحديث 2901؛ صحيح مسلم، الحديث 1953.
(2) صحيح البخاري، الحديث 3530.
(3) صحيح البخاري، الحديث 3931؛ صحيح مسلم، الحديث 1945.
(4) أبو هريرة، شرف الدين، ص 149.
(5) صحيح مسلم، الحديث 1147.
(6) صحيح مسلم الحديث 1149.
(7) كنز العمّال، المتقيّ الهنديّ 15/ 219؛ الحديث 40660؛ الجامع لأحكام القرآن القرطبيّ 14/56.
(8) سنن أبي داود ص922، الحديث 4927؛ السنن الكبرى، البيهقي، 15/327؛ الحديث 21610؛ الدر المنثور في التفسير بالمأثور، السيوطي، 6/445.
(9) الدر المنثور في التفسير بالمأثور، السيوطي، 6/445.
الاكثر قراءة في مقالات متفرقة في علم الحديث
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة