الفساد الإداري في العراق في فترة الاحتلال الأجنبي
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 12-13
2025-10-26
39
انتهت الدولة البابلية الحديثة باحتلال كورش الاخميني بابل عام 539 ق م ، وقد طبق سياسة الانفتاح على أهالي المناطق التي احتلها واحترم المعتقدات البابلية، وقد فرح الكهنة بذلك لأنه أعاد إليهم امتيازات الارستقراطية الدينية، وحاول من بعده ابنه قمبيز الثاني الاستمرار على سياسة أبيه إلا أن فشله في الحروب أدى إلى انتحاره (1).
وسيطر بعد ذلك على الحكم رئيس قبيلة اسمه (دارا) الذي ألغى سياسة اللامركزية واللين واتبع سياسة الحكم المباشر القائم على استغلال ثروات الأقاليم استغلالاً دقيقاً، فعين لكل حاكم إقليم مستشارين احدهما عسكري والآخر يجبي الضرائب الثقيلة التي فرضها على البلاد، كما انتشر الإقطاع في عهده، إذ قام بتوزيع أراضي العراق على جنوده وموظفيه مقابل خدمات متعددة أهمها إرسال حصته من الواردات والأرباح وتجنيد الفلاحين الحروبه، وقد تراكمت لدى هؤلاء الملوك أموال هائلة، فقد عثر الاسكندر المقدوني في خزائن دارا الثالث في مدينة (شوشة) على كميات كبيرة من الذهب والفضة كانت كلها مكدسة، وقد أدت هذه السياسة إلى عدم تمكن الأفراد من دفع الضرائب واضطرارهم إلى الاقتراض بفوائد عالية تصل إلى 40-50(2)، وهذا يشير برأينا الى أنه إذا فسد الملوك فسد الولاة والموظفون وانتشر الفساد على نطاق واسع بين أفراد الشعب. انتهى الحكم الاخميني عام 331 ق.م، عندما احتل الاسكندر ،بابل، ولم يستمر في حكمه طويلاً حيث مات عام 324 ق. م وحدثت اثر ذلك اضطرابات، وأخيرا أصبح سلوقس حاكماً على إقليم الشرق وبضمنه العراق عام 311 ق.م، واتسمت الحياة في بابل والعراق عموماً بعد هذا التاريخ بالحروب والويلات نظراً للصراع الدائر بين اليونانيين والمقدونيين، ولم يستطع السلوقيون خلق مناخ سياسي ثابت حتى غزا بطليموس الثالث بلاد الرافدين عام 246 ق.م. وهكذا عند بزوغ القرن الثاني ق. م غرقت بلاد الرافدين في الدم نتيجة الصراع المذكور، ونشبت خلاله عدة حروب بين الفرثيين القادمين من إيران والسلوقيين، انتهت اخيراً بسيطرة الفرثيين عام 141 ق.م واتخاذهم المدائن معسكراً دائماً لهم، وتعاقب الأجانب على حكم العراق فبعد السلوقيين جاء الفرثيون وأخيراً جاء الساسانيون الذين حكموا البلاد حتى التحرير الإسلامي، ونتيجة لذلك وبما أن الحاكم غريب عن البلاد ومحتلاً لها، فأن الوضع السياسي مضطرب وتسوده الفوضى، والوضع الاجتماعي في أسوأ حال ومن بين ذلك التنظيم الإداري الذي لم يستقر ولم تتضح معالمه مما يعني وجود فساد و انحراف في السلوك والتصرفات لدى القائمين على إدارة البلاد (3)
ورغم نشوء ممالك أو إمارات عربية في وسط العراق وجنوبه مثل مملكة (الحيرة) في منطقة الفرات الأوسط التي حكمها 25 ملكاً، من أشهرهم النعمان الأول 400-418م) والمنذر ابن ماء السماء وعمرو ابن هند (4). فلم يكن هناك تنظيم سياسي أو إداري بالمستوى المطلوب، بل كانت العلاقات القبلية والعشائرية هي السائدة ، وكانت الصراعات بين العرب والفرس المحتلين من جهة، وبين الفرس والروم من جهة أخرى هي الطاغية على الساحة السياسية.
إلا أن آخر ملوك الحيرة النعمان بن المنذر 8-602م) قد بني علاقات مع الغساسنة في الشام ومع العرب في الجزيرة العربية، وحينما شعر بالأوضاع غير الطبيعية التي تسود الدولة الساسانية بدأ التحدي على شكل مراسلات ومن بين ما قاله إلى جماعة من العرب ما يأتي: (إنما أنا رجل منكم وإنما ملكت وعززت بمكانكم وما يتخوف من ناحيتكم وليس شيء أحب إلي مما سدد الله أمركم، وأصلح به شأنكم وأدام به عزكم...) (5) . واستمر الصراع مع الدولة الساسانية حتى تم الفتح الإسلامي في معركة القادسية عام 14 للهجرة، وبدأت مرحلة جديدة هي مرحلة الدولة الإسلامية.
_____________
1- للمزيد، أنظر: جماعة من علماء الآثار السوفيت العراق القديم، ترجمة سليم طه التكريتي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد ، ط 2 ،1986، ص 453 وما بعدها.
2- للمزيد، انظر: د. مؤيد سعيد العراق خلال عصور الاحتلال الاخميني. السلوقي الفرثي الساساني موسوعة العراق في التاريخ، ص 235 وما بعدها.
3- للمزيد، أنظر: عباس العزاوي تاريخ العراق بين احتلالين، ج1، منشورات الشريف الرضي، مطبعة بغداد، 1935، ص 191 وما بعدها.
4- للمزيد عن الحياة السياسية في الجزيرة والدول التي قامت قبل الإسلام في اليمن والشام والعراق، أنظر:. د. رشيد الجميلي، تاريخ العرب في الجاهلية وعهد الدعوة الإسلامية، ط 2 ، مطبعة الرصافي، بغداد 1976 ص 21 وما بعدها.
5- أنظر: عباس العزاوي، المصدر السابق، ص 267 - 266.
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة