النظام الاجتماعي / محاربة البدع
المؤلف:
الشيخ عبد الله الجوادي الطبري الآملي
المصدر:
مفاتيح الحياة
الجزء والصفحة:
ص442ــ446
2025-11-05
46
البدعة تعني الابتداع أو الابتكار، وتارة يكون هذا العمل حقاً وصدقاً وخيراً وحسناً وأخرى باطلاً وكاذباً وشريراً وقبيحاً(1). والمراد بالبدعة هنا هو أن الدين كامل ومنزّه من كل نقص أو عيب، وأي إضافة أو نقصان بمثابة بدعة مذمومة، وقد حملت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بشدّة على كل من يُقدم على هذا العمل وتوعدته(2) بعواقب وخيمة.
التصدّي للمبتدعين
تقع على عاتق العلماء مسؤولية التصدّي للمبتدعين فهـي مـن العبادات المهمة.
وقد أمر الله تعالى نبيه الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن يحارب المبتدعين قائلاً: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145].
وذكرت الروايات طرقاً عديدة لمحاربة البدع والمبتدعين منها الإعراض عنهم والبراءة منهم والسبّ واللعن والتنوير والتوعية والتهديد والترهيب.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إِذَا رَأَيْتُمْ أَهْلَ الرَّيْبِ وَالْبِدَعِ مِنْ بَعْدِي فَأَظْهِرُوا الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ وَأَكْثِرُوا مِنْ سَبِّهِمْ وَالْقَوْلَ فِيهِمْ وَالْوَقِيعَةَ وَبَاهِتُوهُمْ كَيْلا يَطْمَعُوا فِي الْفَسَادِ فِي الإِسْلامِ وَيَحْذَرَهُمُ النَّاسُ وَلَا يَتَعَلَّمُوا مِنْ بِدَعِهِمْ يَكْتُبِ اللَّهُ لَكُمْ بِذَلِكَ الْحَسَنَاتِ وَيَرْفَعْ لَكُمْ بِهِ الدَّرَجَاتِ فِي الآخِرَةِ(3).
وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): ثَلاثُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ إِنْسَانِ تَجَنُّبُهَا: مُقَارَنَةُ الأَشْرَارِ وَمُحَادَثَةُ النِّسَاءِ وَمُجَالَسَةُ أَهْلِ الْبِدَع(4)؛ وعنه (سلام الله عليه) أيضاً:
لا تَصْحَبُوا أَهْلَ الْبَدَعِ وَلا تُجَالِسُوهُمْ فَتَصِيرُوا عِنْدَ النَّاسِ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ، قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله): الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ وَقَرِينِه(5).
محاربة العلماء للبدع
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعْ فِي أُمَّتِي فَلْيُظْهِرِ الْعَالِمُ عِلْمَهُ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله(6)؛ وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ سَبْعُونَ دَرَجَةً بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ حُضْرُ الْفَرَسِ سَبْعِينَ عَاماً. ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَضَعُ الْبِدْعَةَ لِلنَّاسِ فَيُبْصِرُهَا الْعَالِمُ فَيَزيلها [ويعمل على توعية الآخرين ليبتعدوا عنها] وَالْعَابِدُ يُقْبِلُ عَلَى عِبَادَتِهِ ولا يعنيه نجاة الضالين](7).
ثواب المحاربين للبدع
رفيع الدرجات في الجنة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
... وَبَاهِتُوهُمْ كَيْلا يَطْمَعُوا فِي الْفَسَادِ فِي الإِسْلامِ وَيَحْذَرَهُمُ النَّاسُ وَلَا يَتَعَلَّمُوا مِنْ بِدَعِهِمْ يَكْتُبِ اللَّهُ لَكُمْ بِذَلِكَ الْحَسَنَاتِ وَيَرْفَعْ لَكُمْ بِهِ الدَّرَجَاتِ في الآخِرَةِ(8).
الأمن والإيمان: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَنْ أَرْعَبَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ أمْناً وَإيماناً(9).
اليقين والرضا: وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً : مَنْ أَعْرَضَ عَنْ صَاحِبِ بِدْعَةٍ بُغْضَاً لَهُ مَلَا اللَّهُ قَلْبَهُ يَقِيناً وَرِضًا(10).
عواقب البدعة
الخسران والضلال: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [الأنعام: 140].
الظلم: {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [آل عمران: 94].
الحرمان من الفلاح: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116].
الحرمان من محبة الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87].
الحرمان من الهداية: ... {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 144].
ترك السنة: عن الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه): مَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلَّا تُرِكَ بِهَا سنة(11).
هدم الإسلام: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: مَنْ مَشَىٰ بِدْعَةٍ فَوَكَّرَهُ فَقَدْ سَعَى فِي هَدْمِ الإِسْلام(12).
استحقاق اللعن الإلهي: وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي فَلْيُظْهِر الْعَالِمُ عِلْمَهُ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه(13).
الابتلاء بالضلال ونار جهنم: عن الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ سَبِيلُهَا إِلَى النَّارِ(14).
العذاب الأليم: {...إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116، 117].
__________________________
(1) لمزيد من التوضيح انظر: تسنیم، ج 10.
(2) {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79] وانظر: سورة الأنعام، الآيتان 138ــ139.
(3) الكافي، ج 2، ص 375.
(4) تحف العقول، ص319.
(5) الكافي، ج 2، ص 375.
(6) الكافي، ج 1، ص 54.
(7) منية المريد، ص 100.
(8) الكافي، ج 2، ص 375.
(9) كنز العمال، ج 3، ص 82.
(10) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج 2، ص 116.
(11) الكافي، ج 1، ص 58.
(12) الفقيه، ج 3، ص 572.
(13) الكافي، ج 1، ص 54.
(14) الكافي، ج 1، ص 56.
الاكثر قراءة في مشاكل و حلول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة