المناوشات بين المسلمين واليهود وأحلافهم
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص371-375
2025-11-08
34
بالرغم من عهد الموادعة بين الطرفين ، فقد كانت المناوشات والتحرشات من المنافقين واليهود تهيئ الطرفين للانفجار في المدينة وخارجها بين الحين والآخر ، وكان الانتصار الذي حققه النبي في بدر واعتزاز المسلمين به قد فجر الموقف في المدينة وأصبح خطره لا يقل خطرا عن موقف قريش واتباعها ، واخذ اليهود والمنافقون يأتمرون بالنبي ويعدون العدة للكيد له والنيل منه مهما كانت النتائج ، ولم يكن هو لتخفى عليه هذه المواقف ، بل كان يقف على جميع اخبارهم ومؤامراتهم ، ويعمل على أن لا يترك لهم مجالا لبلوغ أهدافهم ، ووقف المسلمون منهم موقف الحذر المترقب الذي أعد لكل شيء عدته .
وجاء في حياة محمد لهيكل ان المسلمين لما رجعوا من بدر منتصرين تعهد سالم بن عمير بالقضاء على أبي عفك ( أحد بني عمرو بن عوف ) لأنه كان يرسل الأشعار يطعن بها على محمد وعلى المسلمين ويحرض بها قومه على الخروج عليهم ، وظل كذلك يغري بهم الناس بعد بدر ، فذهب إليه سالم في ليلة صائفة كان فيها أبو عفك نائما بفناء داره فوضع سالم على كبده السيف حتى خش في الفراش .
وأضاف إلى ذلك ان عصماء بنت مروان من بني أميّة بن زيد كانت تعيب الاسلام وتؤذي النبي وتحرض عليه واستمرت على ذلك إلى ما بعد بدر ، فجاءها يوما عمير بن عوف في جوف الليل حتى دخل عليها بيتها وحولها نفر من ولدها نيام وبينهم رضيع كانت ترضعه وعمير ضعيف البصر فجسها بيده فوجد الصبي على ثديها فنحاه عنها ثم وضع سيفه في صدرها حتى انفذه من ظهرها ، وذهب إلى النبي واخبره بأمرها ، ثم رجع مارا على بيتها فوجد بنيها في جماعة يدفنونها فأقبلوا عليه وقالوا يا عمير أنت قتلتها ، قال نعم فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ، فوالذي نفسي بيده لو قلتم بأجمعكم ما قالت لضربتكم بسيفي حتى أموت أو اقتلكم .
وكان كعب بن الأشرف من عشيرة طي وأمه من بني النضير يؤذي رسول اللّه ويهجوه ، وقال حين بلغته اخبار بدر : هؤلاء اشراف وملوك الناس ، واللّه لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها ، وذهب إلى مكة بعد معركة بدر يحرض قريشا على النبي ( ص ) وقال له أبو سفيان :
أناشدك اللّه أديننا خير وأقرب إلى اللّه أم دين محمد ، وأينا أهدى في رأيك وأقرب إلى الحق ، فقال له كعب بن الأشرف : أنتم اهدى منه سبيلا وأقرب إلى الحق ، فأنزل اللّه كما جاء في تاريخ ابن كثير الآية التالية .
أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا . أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ( النساء 51 - 52 ) .
ولم يخرج من مكة حتى اجمع امرهم على الحرب ودخل المدينة وهو يلعن العداوة للاسلام ويحرض الناس على الحرب ، وجعل يشبب بأم الفضل بنت الحارث وغيرها من نساء المسلمين .
وجاء في سيرة ابن إسحاق ان رسول اللّه ( ص ) قال : من لابن الأشرف فقال له محمد بن مسلمة أخو بني عبد الأشهل : انا له يا رسول اللّه قال فافعل ان قدرت عليه ، فقال له يا رسول اللّه لا بد لنا ان نقول قال فقولوا ما بدا لكم فأنتم في حل مني .
فاجتمع محمد بن مسلمة وأبو نائلة أحد بني عبد الأشهل ومعهم جماعة غيرهم وذهب إليه أحدهم يستدرجه ويطعن على محمد ( ص ) ومما قاله له :
لقد كان قدوم هذا الرجل بلاء علينا لقد عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس ، فقال كعب : انا ابن الأشرف لقد كنت أخبرك ان الأمر يصير إلى ما ذكرت ، فقال له الرجل اني أريد ان تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك ، فقال ترهنوني أبناءكم ، فقال له الرجل لقد أردت ان تفضحنا ان معي أصحابا لي على مثل رأيي ، وقد أردت ان آتيك بهم لتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك دروعنا فرضي كعب بذلك .
وجاءوه في ليلة مقمرة فلما انتهوا إلى حصنه هتف به أبو نائلة وهو مع زوجته حديث عهد ، فنزل إليه بالرغم من تحذير زوجته وتعلقها بثيابه ، فقال لها ان ابا نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني ، فقالت له : إني واللّه لأعرف في صوته الشر ، وسار الرجلان حتى التقيا بأصحاب أبي نائلة وكعب آمن لا يخافهم ، ومضى القوم يتماشون ويتحادثون في محمد وأصحابه حتى ابتعدوا عن الحصن ، ثم وضع أبو نائلة يده على رأس كعب الأشرف وشمها وقال ما رأيت كالليلة طيبا اعطر من هذا الطيب ، ومشى قليلا ثم عاد لمثلها واخذ بفوديه وقال لمن معه : اضربوا عدو اللّه فضربوه بسيوفهم فلم تغن شيئا وصاح صيحة سمعها من كان في حصون اليهود ثم ضربه محمد بن مسلمة بسيفه فقضى عليه .
ورجع المسلمون إلى النبي قبل الفجر فوجوده قائما يصلي فأخبروه بما جرى .
ولما شاع خبره انتشر الرعب والخوف بين اليهود ، ولم يبق يهودي إلا وأصبح خائفا على نفسه ، ومع ذلك فلم يتراجعوا عن الدس والتحريض على المسلمين والتصدي لهم ، والنيل من النبي ( ص ) ، وطلب منهم النبي ان يكفوا عما هم عليه وان يلتزموا بالعهد الذي اعطوه على أنفسهم حين دخوله المدينة ، فلم يزدهم ذلك الا عتوا وتماديا في ايذاء المسلمين ونشر الفساد ، والنبي ( ص ) من جانبه يوصي المسلمين بالهدوء وضبط الأعصاب .
وصادف ان امرأة مسلمة دخلت سوق الصاغة ، وكان تحت سيطرتهم وأكثر العاملين فيه منهم ، ومع المرأة بعض الحلى تريد ان تعرضها للبيع فجلست إلى يهودي ، فاجتمع عليها جماعة من اليهود وأرادوها ان تكشف عن وجهها وهي تأبى عليهم ، فجاء يهودي من خلفها من حيث لا تعلم فأثبت طرف ثوبها بشوكة إلى ظهرها ، فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا منها فصاحت تستغيث بالمسلمين ، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ وكان يهوديا فقتله وشد اليهود على المسلم فقتلوه ، فاستنجد أهل المسلم بالمسلمين ووقع بينهم وبين بني قينقاع الشر ، فأرسل إليهم النبي ( ص ) ان يكفوا عن أذى المسلمين ويلتزموا بعهد الموادعة ، أو ينزل بهم ما انزله بقريش ، فاستخفوا بوعيده وأجابوه لا يغرنك يا محمد انك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة مكنتك من رقابهم ، انا واللّه لئن حاربناك لتعلمن انا نحن الناس وسترى منا ما لم تره من غيرنا .
وجاء في البداية والنهاية عن سعيد بن جبير ان اللّه انزل على نبيه بهذه المناسبة الآية .
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ . قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ .
فلم يبق للنبي سبيل بعد ان أجابوه بهذا الأسلوب المتغطرس إلا أن يقاتلهم حتى لا يطمعوا به ويكتلوا حولهم من يشاركهم الرأي من المنافقين والأعراب .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة