المحرّم من الأفعال والصفات / الكذب
المؤلف:
الشيخ عبد الله المامقاني
المصدر:
مرآة الكمال
الجزء والصفحة:
ج2، ص 483 ــ 487
2025-11-15
62
ومنها: الكذب:
وقد عدّه مولانا الصادق [1] والرضا [2] عليهما السّلام من الكبائر، وورد انّ اللّه عزّ وجلّ جعل للشرّ أقفالاً، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شرّ من الشراب[3]، وانّ الكذب هو خراب الإيمان [4]، وانّه لعوق إبليس لعنه اللّه [5]، وانّ الكذب يهدي الى الفجور، والفجور يهدي الى النّار [6]، وانّ ممّا أعان اللّه به على الكذابين النسيان [7]، و انّ العبد ليكذب حتى يكتب من الكذابين، فإذا كذب قال اللّه عزّ و جلّ كذب و فجر [8]، وانّه لا يكون المؤمن كذّابًا [9]، وانّ أربى الربا الكذب[10]، وانّ الكاذب على شفا مخزاة [و] هلكة [11]، وانّ من كثر كذبه ذهب بهاؤه [12].
وتشتدّ الحرمة والقبح في الكذب على اللّه سبحانه ورسوله صلّى اللّه عليه وآله وأوليائه الكرام سلام اللّه عليهم أجمعين، وقد نصّ الصادق بكونه من الكبائر [13]، وقال اللّه سبحانه: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 60]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس: 69، 70]، وورد انّ الكذب على اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وآله من الكبائر [14]، وانّ الذي يحوك الكذب على اللّه ورسوله ملعون [15]، وانّ من كذب على أمير المؤمنين عليه السّلام فليتبوّأ مقعده من النّار [16]، وانّ من كذب على الأئمّة عليهم السّلام فقد كذب على رسول اللّه، ومن كذب على رسول اللّه فقد كذب على اللّه، ومن كذب على اللّه عذّبه اللّه عزّ وجلّ [17].
ثمّ المحرّم انّما هو الكذب المخبري وهو الإخبار بخلاف ما يعتقده دون الكذب الخبري، فلو أخبر بمقتضى معتقده بما اتّفق مخالفته للواقع لم يكن آتيًا بالمحرّم إذا لم يقصّر في مقدّمات الاعتقاد.
ولا فرق في حرمة الكذب بين جدّه وهزله، وقد ورد انّه لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجدّه [18]، وويل للذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم [19]، وقال زين العابدين عليه السّلام: اتّقوا الكذب الصغير منه والكبير في كلّ جدّ وهزل، فإنّ الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير، أما علمتم انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم قال: ما يزال العبد يصدق حتّى يكتبه اللّه صدّيقًا، وما يزال العبد يكذب حتّى يكتبه اللّه كذّابًا [20]. نعم، لو علم السامع بهزله في الكذب لم يبعد عدم الحرمة وان كان الترك أحوط [21].
ولا فرق في حرمة الكذب بين ترتّب مفسدة عليه وعدمها، كما لا فرق بين ما إذا كان في نثر أو نظم، إلّا مع قرينة المبالغة كما في أغلب الاشعار ويستثنى من مطلق الكذب، لا الكذب على اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وآله، الكذب في الإصلاح [22]، لما ورد انّ اللّه أحبّ الكذب في الصلاح، وبغض الصدق في الفساد [23]، وانّ ثلاثًا يحسن فيهنّ الكذب، المكيدة في الحرب، وعدتك زوجتك، والإصلاح بين الناس [24]، وثلاثًا يقبح فيهنّ الصدق: النميمة، وإخبارك الرجل عن أهله بما يكرهه، وتكذيبك الرجل عن الخبر [25]، وورد انّ المصلح ليس بكذّاب [26]، وفسّر عليه السّلام الإصلاح بين الناس بأن يسمع من الرجل كلامًا يبلغه فتخبث نفسه فتقول سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا وكذا خلاف ما سمعته منه [27]، بل ظاهر شطر من الأخبار هو جواز الكذب لمطلق الصلاح، مثل ما إذا استأذن عليه فقال للجارية قولي ليس هو هاهنا، ومثل الوعد الكاذب مع الزوجة بل مطلق الأهل [28]، وان كان الأحوط الترك في غير مقام الإصلاح.
ولا بأس بالتورية؛ لخروجها عن الكذب موضوعًا، كما لا بأس بالكذب فيما إذا دعت الضرورة إليه لخوف، أو تقيّة، أو نحو ذلك، بل يجوز الحلف كاذبًا لذلك من دون توقّف على العجز عن التورية حينئذٍ. نعم، التورية مع إمكانها أحوط [29].
والمدار في الضرر المسوّغ للكذب على ما يسوغ به سائر المحرّمات.
نعم، الأفضل ترك الكذب وتحمّل الضرر الماليّ إذا كان ممّا لا يجحف، واللّه العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الخصال: 2/610 خصال من شرائع الدين حديث 9.
[2] عيون أخبار الرضا عليه السّلام: 269 باب 34 ما كتبه الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الإسلام وشرائع الدين.
[3] أصول الكافي: 2/338 باب الكذب حديث 3.
[4] أصول الكافي: 2/339 باب الكذب حديث 4.
[5] معاني الأخبار: 138 باب معنى كحل إبليس ولعوقه وسعوطه حديث 1.
[6] مستدرك وسائل الشيعة: 2/100 باب 120 حديث 14 عن جامع الأخبار.
[7] أصول الكافي: 2/341 باب الكذب حديث 15.
[8] المحاسن: 117 باب 59 عقاب الكذب حديث 125 ذيله.
[9] المحاسن: 118 باب 59 عقاب الكذب حديث 126.
[10] الفقيه: 4/272 باب النوادر حديث 828.
[11] المحاسن: 289 باب الشرائع 64 حديث 346.
[12] أصول الكافي: 2/341 باب الكذب حديث 13.
[13] أصول الكافي: 2/339 باب الكذب حديث 5.
[14] عقاب الأعمال: 318 عقاب الكذب على اللّه عزّ وجلّ وعلى رسوله وعلى الأئمّة عليهم السّلام حديث 1، وصفحة 316.
[15] أصول الكافي: 2/340 باب الكذب حديث 10.
[16] مستدرك وسائل الشيعة: 2/101 باب 121 حديث 6.
[17] وسائل الشيعة: 8/575 باب 139 حديث 4.
[18] أصول الكافي: 2/340 باب الكذب حديث 11.
[19] وسائل الشيعة: 2/577 باب 140 حديث 4.
[20] أصول الكافي: 2/338 باب الكذب حديث 2.
[21] إنّ الاحتياط في المقام لا يترك؛ لأنّ الهزل يلازم غالبًا توهين المؤمن والحطّ من كرامته وهو محرّم فينبغي الاجتناب من الإكثار في الهزل وقديمًا قيل: الهزل في الحديث كالملح في الطعام فإذا تجاوز حدّه سقط عن الانتفاع.
[22] الكذب حرام مطلقًا. نعم، إذا زاحمت مفسدة الكذب مصلحة أهمّ وانّ الكذب المحرّم جائز لتحصيل تلك المصلحة أو دفع مفسدة أقوى وأهمّ وهذا حكم عقليّ أمضاه الشارع المقدّس كما في الحديث الآتي.
[23] الفقيه: 4/255 باب 176 النوادر حديث 821.
[24] الفقيه: 4/259 باب النوادر حديث 821.
[25] الخصال: 1/87 ثلاث يحسن فيهنّ الكذب وثلاث يقبح فيهنّ الصدق حديث 20.
[26] أصول الكافي: 2/342 باب الكذب حديث 19.
[27] أصول الكافي: 2/341 باب الكذب حديث 16.
[28] أصول الكافي: 2/342 باب الكذب حديث 18.
[29] جواز الكذب عند الضرورة مشروط بالعجز عن التورية أم لا وكذلك الحلف كاذبًا والمسألة ذات أبعاد واسعة وأبحاث علميّة ينبغي مراجعة المصادر الفقهيّة الاستدلاليّة.
الاكثر قراءة في الكذب و الرياء واللسان
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة