فكرة الانتقاء
المؤلف:
د. رضا باك نجاد
المصدر:
الزواج من العقد الى الزفاف
الجزء والصفحة:
ص15ــ18
2025-11-27
222
إن أهم الملاحظات البارزة التي يمكننا أن نخلص إليها من خلال الآية الشريفة: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] هو:
ان حق الاختيار لم يمنح إلا للزوج دون الزوجة وقد ذكر نص الأمر {وأنكحوا} قبل عبارة {إن يكونوا فقراء} في الآية السالفة، أي أن حق الاختيار قد منح للزوج شرط أن يتعهد بتوفير مستلزمات الراحة والمتطلبات المادية للأسرة ويغنيها من هذه الناحية عن الحاجة إلى غيره. وسيتحقق له ذلك بعد اجتياز المراحل والأمور المتعلقة بالزواج (طاعة لله) بمقتضى الوعد الالهي {يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}.
اننا نجهل حقيقة التضارب القائم بين العلم والعقل لدى بعض المثقفين، إنهم مثلاً يأخذون على بعض الشؤون الإسلامية دون مبرر كأن يتساءلون: لماذا يقال أن عقل المرأة أدنى مستوى من عقل الرجل؟ هل الدافع من سؤالهم هذا هو أنهم لا يفقهون ما ذهب إليه علم التشريح الذي أثبت قوة مكونات الفص الجبهوي لدى الرجل مقارنة معه لدى المرأة وأن قوة تحكم العواطف بالرجل أضعف من قوة عواطف المرأة لأن المهاد (وهو مركز المشاعر العاطفية) في دماغ المرأة قد مر بمراحل نمائية أكثر منه في الرجل بناء على هذا نقول أن الاختيار مـن حـق الرجل والرفض من حق المرأة، خاصة إن لاحظت فيه نزوعه إلى البطالة وتحمل المرض دون محاولته علاجها.
يسرد لنا القرآن الكريم قصة امرأة فرعون وقد أرهقها الجو المفروض على القصر والذي يتنافى مع الطبيعة النسائية، وكانت ممن لا يرغبون في الملك والحكومة والسلطة بل يشدها الشوق لبيت يكون مستقرها ومحل بيتوتتها فدعت ربّها بما عكسه على لسانها في القرآن الكريم {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم: 11]، ذلك البيت الذي حرمت منه في الدنيا، فتمنت أن يهبها الله هذا المستقر في الآخرة عندما تلتحق بذاته القدسية. وقد شرحت ذلك في المجلدات ،19، 20، 21، وما أود التطرق إليه ها هنا هو شرح المقصود من الآية {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} إذ فُسرت بأن فرعون قد أهلك زوجته الموحدة بمسامير أربعة شـد بـهـا كـفـي يـديها وقدميها إلى الأرض. ويتحتم علينا أن نفهم من الآية أنها تقصد فرعون الذي تفنن في أساليب التعذيب وإعداد الجلاوزة المعذبين.
أن المرأة تطمح لتستلم زمام الشؤون المنزلية برمتها لا غير، وأن تتعهد بمسؤولية المفاتيح، تعيين الأماكن المناسبة للطهي والنوم ولعب الأطفال وأن تكون هي سيدة الدار وزوجها رب الأسرة في الشؤون الخارجة عن نطاق البيت فتمتزج المهمتان لتثمرا حياة رغيدة آمنة. على أية حال يكون الاختيار حقاً للرجل والرفض من حقوق المرأة لأن الصواب يتحدد بصحة الخيار العقلي والرفض أو التأييد العاطفي، فمن بديهيات الحياة تدخل كل من الفؤاد والدماغ بتقرير الأوضاع.
قد تتحسس أحياناً مشاعر المودة دون مبرر إزاء شخص رأيته وقد يسرك نبأ تسلم شخص ما زمام مهام رئاسة الجمهورية فـي بـلـد مـن البلدان دون أن تراه وقد تغرم بمن سمعت صوته ولم تره، ربما يؤلمك فراق أبنائك وقد تشعر بمواقف أخرى تنتهجها دون معرفة الأسباب التي تبعث لديك هذا السلوك. أجل إنها قوة مبهمة تتحكم باتجاهاتك ألا وهي قوة القلب.
أن رغبة المرأة في حيازة سيادة البيت تتسق تماماً مع حمية الرجل؛ فالرجل الغيور لا يحبذ تدخل المؤثرات الخارجة على الدار في أسس إدارة شؤون المنزل خلافاً لعديم الغيرة والحمية فانه يشــق نـفـقاً ليسرب منه سيادة الدار خلافاً لما تحكم به الفطرة إلى خارجه فتفلت هذه الزعامة لتتلوث عندئذ في البيئة الخارجية وتؤول على الأسرة بما لا يحمد عقباه.
لا يخفى أن هنالك من يذهب في الدين إلى ما لم يحكم به الله على عباده فيجعل البيت قفصاً واسعاً يسجن فيه المرأة بدواعي الحمية خلافاً لما صرح به الاسلام حول حقوقهن.. {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]. وإعراضاً عما ينبغي مراعاته في حقهن فتغدو كالحمام تذبل في قعر بيتها وهي تؤثِر القبر عليه، حتى تتخلص منه بالموت حين يستضيفها قبر ربما يكون أوسع رحمة عليها من دارها.
إنني أعرف رجلاً متعبداً دون علم حسب تعبير الإمام علي (عليه السلام) يتصرف مع زوجته بمنتهى الرأفة ويوفر لها ما يفيض عن الحاجة مـن مستلزمات العيش إلا أنه يشوب سلوكه هذا بتصرفات يزعم أنها تنبع من روح حميته وهي في الواقع مجانفة للعدالة، وعلى سبيل المثال يضع مقداراً كبيراً من السكر في متناول يد زوجته وأطفاله يومياً قبل خروجه من الدار ويحرص على وضع مقدار من السكر في وعاء جميل خاص يوضع في غرفة استقبال الضيوف ثم يلقي ذبابة فيه قبل غلقه ويعود فور دخوله الدار مساءً ليتفحص الوعاء ويكسب علماً هل يا ترى زار المنزل أحد فلو حدث مثل هذا الأمر واستدعي الضيف لتناول قدح من الشاي، تكون الذبابة قد طارت بمحض رفع غطاء الوعاء.
يجب أن لا ننسى أن الآثام الصغيرة والأفعال الحمقاء المستصغرة تلذع القلوب وتحزّ فيها الآلام كثيراً. إن هذا الرجل كان يصل أحياناً إلى حد الجنون في فصل يندر فيه انتشار الذباب ويغفل أن زوجته الوفية قد وعت القضية وتعرف منذ البداية سر وجود الذباب في وعاء السكر إلا أن دينها منعها من الافصاح عن ذلك لئلا تزعج زوجها.
الاكثر قراءة في مقبلون على الزواج
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة