اثر استعمال الإدارة المشروع لسلطتها في الإنهاء الانفرادي
المؤلف:
حسن محمد علي البنان
المصدر:
مبدا قابلية قواعد المرافق العامة للتغيير والتطوير
الجزء والصفحة:
ص76-78
29-3-2016
2890
ان كان مجلس الدولة الفرنسي قد استقر على حرمان المتعاقد من أي تعويض عن الفسخ الجزائي لعقده نظرا لانه قد ارتكب خطأ جسيما في تنفيذ العقد(1) . فانه قد استقر أيضا على استحقاق المتعاقد تعويضا كاملا عن إنهاء عقده لدواعي المصلحة العامة ، نظرا لانه لم يرتكب أي خطأ في تنفيذ العقد لكن دواعي المصلحة العامة ومصلحة المرفق العام هي التي اقتضت إنهاء العقد قبل نهاية مدته(2). ويسوغ لنا ان نتساءل في حالة قيام الإدارة بإنهاء العقد من جانبها لدواعي المصلحة العامة، عن اساس حق المتعاقد في الحصول على التعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء الاستخدام المشروع من جانب الإدارة لسلطتها في إنهاء العقد . يرى بعض الفقهاء ان القضاء الإداري في كل من فرنسا ومصر اقر بان قرار إنهاء العقد الإداري من جانب الإدارة دون وقوع خطأ من جانب المتعاقد ، يمكن ان ينشئ الفعل المولد لمسئوليتها التعاقدية دون خطأ من جانبها وتسويغ ذلك ان إنهاء العقد من جانب الإدارة نتيجة لاستخدام سلطتها القانونية من شأنه ان يحرم المتعاقد معها من المزايا المالية التي يجلبها له التنفيذ الكامل للعقد ، كما يمكن ان يضع هذا الإنهاء المتعاقد في موقف صعب ، إذا كان لم يستطع ان يستهلك رؤوس الأموال التي استثمرها في تنفيذ العقد ، ولهذا السبب يجب تعويض المتعاقد عن الضرر الذي أصابه نتيجة الاستخدام القانوني من جانب الإدارة لسلطتها في إنهاء العقد(3) . ولم يتخلف القضاء العراقي عن زميليه الفرنسي والمصري فقد قررت محكمة تمييز العراق في قرار لها بأنه إذا نظم العقد مدى استحقاق التعويض ونوعه في حالة إنهاء العقد عن طريق الإدارة يجب التقيد بذلك(4). ويقدر قاضي العقد التعويض المستحق للمتعاقد في حالة عدم وجود نص في العقد أو القوانين المنظمة لاوضاع منح التعويض عند إنهاء العقد من جانب الإدارة لدواعي المصلحة العامة ، وتطبيقا لذلك اقر مجلس الدولة الفرنسي بعدم قيام مانع عقبة أمام المتعاقد الذي أنهت الإدارة عقده قبل الأوان لدواعي المصلحة العامة في المطالبة بالتعويض الكامل للضرر الذي أصابه ، ويشمل هذا التعويض ما لحق المتعاقد من خسارة وما فاته من كسب(5). ويتفق الفقهاء على ان عناصر تعويض المتعاقد عما لحقه من خسارة نتيجة إنهاء عقده لا مجال للجدل فيه ولا ترد عليه استثناءات أو قيود ، مادام ان المتعاقد المطالب بالتعويض قد استطاع إثبات رابطة السببية المباشرة بين إنهاء العقد والخسارة التي لحقت به ، ويشمل هذا العنصر كافة النفقات والتبعات الضارة التي تكون قد لحقت المتعاقد فعلا(6) . فقد يصعب على المتعاقد تصريف المواد والتجهيزات التي قررت الإدارة التنازل عن استخدامها في المشروع محل التعاقد ففي هذه الحالة تلتزم الإدارة بتعويض المتعاقد عما يتحمله من خسارة نتيجة استخدام سلطتها في خفض حجم الاداءات التعاقدية(7). ولا بد من مراعاة طبيعة الضرر عند تقدير التعويض فيمكن ان يكون الضرر ماديا ، كتلف المواد المخزونة التي يصعب استعمالها في غرض آخر ، ويمكن ان يكون الضرر معنويا كالمساس بسمعة المتعاقد التجارية نتيجة لانتهاء العقد(8). أما العنصر الثاني من عناصر التعويض ، فهو ما فات المتعاقد من كسب فهو يشمل المبالغ المعقولة التي كان المتعاقد يسعى إليها باعتبارها ربحا مشروعا له قبل تدخل الإدارة وإنهاء العقد من جانبها(9). على ان مجلس الدولة الفرنسي يستبعد من التعويض عنصر الأرباح التي تفوت المتعاقد من جراء الفسخ في حالتين ، الأولى إذا ثبت ان إنهاء العقد كان مرجعه إلى ظروف خارجية لا دخل للإدارة فيها ، وتجعل الفسخ نتيجة لا يمكن تجنبها على الأقل من حيث الواقع ومن أوضح الأمثلة على ذلك قيام الحرب أو انتهاؤها(10). والحالة الثانية تتمثل في حالة ما إذا كان الإنهاء الانفرادي للعقد من جانب الإدارة راجعا إلى طلب المتعاقد نفسه أو راجعا إلى تخلي المتعاقد عن تنفيذ العقد بموافقة الإدارة(11). وفي ضوء ما سبق يتضح لنا ان القاضي الإداري عد قرار الإدارة بفسخ العقد الإداري لدواعي المصلحة العامة دون قيام أي خطأ لا من جانب المتعاقد ولا من جانب الإدارة ناشئاً على عاتق الإدارة المتعاقدة التي فسخت العقد بمفردها التزاما بالتعويض لصالح المتعاقد ، وتكمن فرادة هذه المسؤولية التعاقدية دون خطأ من الإدارة ، في ان الفعل المولد للالتزام بالتعويض يجد مصدره في التصرف المشروع للإدارة المتعاقدة وهو تجسيد واضح لصورة من صور عمل الأمير ، لذا كان التعويض للأضرار الناجمة عنه هو التعويض الكامل وفقا للقواعد المقررة في القانون الإداري(12).
______________________
[1]- د. محمد عبد العال السناري ، مبادئ واحكام العقود الادارية ،مصدر سابق ، ص247.
2- السيد السلال سعيد جمعة الهويدي ، المصدر السابق ، ص270 وص271.
3- د. محمد صلاح عبدالبديع ، المصدر السابق ، ص537.
4- حكم محكمة تمييز العراق بقرارها المرقم 508 – حقوقية – 59 في 14/4/1959. أشار إليه السيد محمد عبدالله الدليمي ، المصدر السابق ، ص83.
5-C.E : 24. Jany 1955, clerc، lenaud, Rec, p.55.
6-G. pequigot : contribution a la theorie jenerale , du contrat administratif these , montpellier , 1945 , p37. L . Richere : Droit des Contrats Administratif, L.G.D.L.1955.p.188.
ود. سليمان الطماوي ، الاسس العامة للعقود الادارية ، مصدر سابق ، ص714 . ود. علي الفحام ، المصدر السابق ، ص391 . ود. محمد صلاح عبدالبديع ، المصدر السابق ، ص540 . والسيد محمد عبدالله الدليمي ، المصدر السابق ، ص84 . ود. فاروق احمد خماس والسيد محمد عبدالله الدليمي ، المصدر السابق ، ص195.
7- C.E. 8Fb 1922, carrarei, Rec, p.119.
8- C.E. 26 jany 1930, stechantiers maritimes, Rec, p.616
أشار إليه د. حمدي علي عمر، المصدر السابق ، ص271.
9- د. حمدي علي عمر ، المصدر السابق ، ص273.
0[1]- د. محمد عبدالعال السناري ، مبادئ واحكام العقود الادارية ، مصدر سابق ، ص248 . وراجع : الأحكام التي أصدرها مجلس الدولة الفرنسي بهذا الصدد في هامش الصفحة نفسها ، ولقد اختلف الفقه في تسويغ هذا الاستثناء فالبعض يذهب إلى وجود حالة القوة القاهرة والبعض الآخر يرى المسوغ في العدالة المجردة إذ انه من العدل متى فرض على الإدارة إنهاء العقد ان يقتصر التعويض على ما يتحمله المتعاقد من خسائر فعلية دون حساب الأرباح المحتملة . انظر : الخلاف حول الموضوع د. حمدي علي عمر ، المصدر السابق ، ص273. ود. سليمان الطماوي ، الاسس العامة للعقود الادارية ، مصدر سابق ، ص714. ونحن بدورنا لا نجد فارقا كبيرا بين الرأيين إذ ان النتيجة واحدة وهو حرمان المتعاقد من تعويضه عن الأرباح المحتملة.
1[1]- د.حمدي علي عمر ، المصدر السابق ، ص273.
2[1]- للمزيد عن هذه القواعد راجع : ، حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 30/6/1957 الذي اشار إليه د. عبد العظيم عبد السلام عبد الحميد ، المصدر السابق ، ص103وص104.
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة