التكلم
المؤلف:
الشيخ أبو الصلاح تقي بن نجم الحلبي
المصدر:
تقريب المعارف
الجزء والصفحة:
ص 106
25-10-2014
1152
وهو تعالى متكلم، وكلامه فعله.
وأولى ما حد به الكلام أن يقال: هو ما تألف من حرفين فصاعدا من الحروف المعقولة، إذا وقع ممن يصح منه أو من قبيله الإفادة.
الدلالة على ذلك: أنه متى تكاملت هذه الصفات كان كلاما، وإن اختل شيء منها لم يكن كلاما.
وإذا ثبت أنه من جنس الصوت، وعلمنا ضرورة تجدده بعد عدم - لإدراكنا له بعد أن كنا غير مدركين له، وعدمه بعد وجوده، لانتفاء كونه مدركا في الثاني من حال إدراكه، إذ لو كان باقيا لاستقر إدراكنا له - فثبت أنه محدث.
والمتكلم من فعل الكلام، بدليل وقوعه بحسب أحواله.
وإذا ثبت حدوث الكلام وكونه من دخل المتكلم، وجب أن يكون تعالى قادرا عليه، لكونه قادرا على كل ما يصح كونه مقدورا، والكلام كذلك.
والطريق إلى العلم بكونه متكلما هو السمع، وقد علمنا ضرورة من دين النبي عليه السلام أن القرآن كلامه تعالى، وإذا ثبت كونه تعالى متكلما وجب أن يكون كلامه فعله، لثبوت الاشتراك فيما له كان المتكلم متكلما، ولأن كلامه تعالى من جنس الصوت، وهو محدث، فيجب كونه محدثا، ولأنه خطاب لمخاطبين، فلو كان قديما لكان ما فيه من الأخبار الماضية كذبا وباقي الأخبار والأوامر والنواهي عبثا، وهو يتعالى عن ذلك، ولأنه قد أخبر أنه محدث، فقال: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] ، و {مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ} [الشعراء: 5].
وقول المخالف: إن القديم هو ما هذا الكلام حكاية عنه.
ظاهر الفساد، لأنا قد بينا أن الكلام من جنس الأصوات، وهي محدثة، فيجب الحكم بحدوث كل كلام، لكونه صوتا، وما ليس بصوت لا يكون كلاما.
ولأن ما هذا القرآن حكاية عنه لا يخلو أن يكون من جنس هذا الكلام أو مخالفا له، فإن يكن من جنسه فحكمه حكمه في الحدوث، وإن كان من غير جنسه لم يجز أن يكون هذا القرآن حكاية له، لأن الشيء لا يكون حكاية لما ليس مثلا له، ولمن جاز أن يكون هذا المتلو حكاية لما ليس من جنسه ليجوزن ذلك في أصوات الطير، بل في كل جنس من الأعراض، فيوصف بأنه قرآن، وهذا ضلال.
ولأن ذلك يقتضي أن لا يوصف هذا بأنه قرآن ولا كلام الله تعالى، لأنه ليس بكلام الله ولا هو القرآن، وإنما القرآن خلافه، وهذا كفر، وقد وصف الله تعالى هذا المتلو بأنه قرآن وكلامه وأنه منزل من لدنه، وكل ذلك يقضي (1) بفساد ما قالوه.
والقرآن وإن كان محدثا، فوصفه بأنه مخلوق بدعة، وإن كان المعنى واحدا، لأمور:
منها: أنه لا يوجد هذا الاسم في كتاب ولا سنة، بل الوصف له مختص بالأحداث.
ومنها: أن وصف الكلام بأنه مخلوق يفيد: مكذوب، يقال: هذا كلام مخلوق ومختلق ومخترق ومفتعل بمعنى مكذوب، ومنه قوله: {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ} [الأنعام: 100] ، وقوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ } [الشعراء: 137] ، وإذا كان إطلاق الخلق على الكلام يفيد الكذب وجب تنزيه كلامه تعالى عن هذا الوصف.
ومنها ما روي عن أئمتنا عليهم السلام من القول بتبديع من وصفه بالخلق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في النسخة: " يقتضي ".
الاكثر قراءة في التكلم و الصدق
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة