أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-11-2018
![]()
التاريخ: 14-2-2019
![]()
التاريخ: 1-1-2019
![]() |
حين يتكلّم الفرد يتم كلامه في إحدى صورتين شهيرتين: إما النطق وإما الكتابة. وليس يدخل في غايتنا هنا أن نشرح كيف تتمّ الكتابة, ولا أن نقوم بدراسة تحليلية لمنحنيات الرموز الكتابية وزواياها, ولا أن نلقي ضوءًا أيًّا كان على الرموز الكتابية التي يستعملها "المتكلم", فذلك أمر تهتم به دراسات من نوع آخر, ولكننا مع كل التأكيد لا نستطيع أن نتخلَّى بنفس القدر من اللامبالاة عن العمل النطقي الذي يقوم به الإنسان الفرد, وذلك للأسباب الآتية:
1- إن تقاليد السماع في الكلام بحكم قِدَمِها, وحداثة تقاليد الكتابة جعلت الكلام المسموع يبدو أكبر أهميةً من الكلام المنظور, ذلك لأنه أدخل في الحياة من الكتابة, وأوغل في سلوك الفرد والمجتمع, حتى لقد زعم بعض العلماء أن التفكير لا يتمّ بدون الكلمات, ولعله قصد بالكلمات هنا ما قصده المتنبي بقوله:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جُعِلَ اللسان على الفؤاد دليلا
2- إن اعتماد الكلام المنطوق على أساسين أحدهما حركيّ يسمَّى المخارج, والثاني سمعي يسمى الصفات, قد عدد أسس الاختلاف بين الأصوات المنطوقة, فأمكن لهذه الأسس وما بينها وما في خلالها من مقابلات أو قيم خلافية أن تكون منطلقًا مناسبًا للسعي إلى إنشاء نظام صوتي لغوي تستخدم فيه هذه القيم الخلافية بين المخرج والمخرج, وبين الشدة والرخاوة مثلًا, وبين الجهر والهمس, وبين التفخيم والترقيق. أما الحركات الكتابية فلا تتعدد فيها الأسس على هذا النحو, ومن ثَمَّ لا يمكن أن يكون للنظام الكتابي من التركيب والتنوع ما للنظام الصوتي منهما.
3- إن الكلام المسموع يتَّسِمُ أحيانًا بطابع التضارب بينه وبين الأنظمة اللغوية "أي القواعد" صوتية كانت أو صرفية أو نحوية, وعند ظهور مشاكل تطبيق الأنظمة على الكلام المنطوق تعمد اللغة إلى تقديم طائفة من الحلول تسمَّى الظواهر الموقعية (1) أو المعالم السياقية, وإنَّ اختصاص النطق دون الكتابة بهذه الظواهر يجعل الكلام المسموع أغنَى وأكثر تنوعًا من الكلام المكتوب.
4- إن وجود النَّبر والتنغيم بالذات -من بين الظواهر المذكورة- في الكلام المسموع دون المكتوب يجعل الأول أقدر في الكشف عن ظلال المعنى ودقائقه من الثاني, ولقد حاولت الكتابة أن تستعيض عن التنغيم بالترقيم, ولكنها لن تعوض النَّبر بوسيلة أخرى, ولم يحاول الكاتبون ذلك.
لهذا كانت دراسة الكلام المنطوق المسموع مقدمة لا بُدَّ منها لدراسة الأنظمة -القواعد- اللغوية, أو بعبارة أخرى: لدراسة اللغة نفسها، وأصبح علم الأصوات تمهيدًا بالملاحظة الحسية لإنشاء علم الصوتيات الذي هو تخطيط عقلي لقواعد الأصوات, بناءً على هذه الملاحظة الحسية.
إذا رأى أحدنا سائق سيارة يصدم أحد المارة وتطوَّع بالشهادة أمام شرطة المرور, فإنه قد يقتصر على وصف الحركة التي أدَّت إلى المصادمة فيقول: "إن السيارة كانت مسرعة على الجانب الفلاني من الطريق, وعبر هذا الشخص الطريق في الوقت الذي كان النور الأخضر فيه مضاءً أمام السيارة, وحاول السائق أن يتوقَّف قبل بلوغ هذا الشخص, ولكنه لم يتمكن". في هذه الحالة يكون وصفه للأحداث غير مختلط بتفسيرها في ضوء قواعد المرور, ولكنه إذا جاء في كلامه بما كان ينبغي لهذا أو ذاك أن يفعله حسب ما تقضي به قوانين المرور, فقد بدأ يتخطَّى مجرد الوصف الحسي إلى ذكر قواعد معينة تُرَاعَى في العادة. وحين كان هذا الشاهد يقصر كلامه على وصف الحركات التي لاحظها فحسب, كان موقفه شبيهًا بموقف الباحث في أصوات اللغة, فهو يلاحظ ما يقوم به الجهاز النطقي لدى المتكلم من حركات, وما يصاحب هذه الحركات من آثار سمعية فيسجل ذلك ويكتفي به. وحين كان الشاهد المذكور يفسِّر موقف السائق وموقف الماشي في ضوء نظام المرور كان عمله شبيهًا بعمل صاحب الصوتيات الذي يهتم من الحركات والآثار النطقية بما لكلٍّ منهما من وظائف, وبما بين كل واحدة منها وبين الأخرى من علاقات, ويضعها جميعًا في إطار فهم معين. فعالم الأصوات مسجل, وعالم الصوتيات مفسِّر ومنظم, وأولهما يلاحظ والثاني يُقَعِّدُ.
__________
(1) انظر الفصل الذي يتناول هذه الظواهر في هذا الكتاب.
|
|
دراسة تكشف منافع ومخاطر عقاقير خفض الوزن
|
|
|
|
|
ارتفاع تكاليف إنتاج الهيدروجين ونقله يعرقل انتشاره في قطاع النقل
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يرفد مكتبة جامعة العميد بمجموعةٍ جديدة من الكتب العلمية
|
|
|