النواة بين الجغرافي الاقتصادي والجغرافي السياسي:

من المعروف أن كل إقليم له نواته، وكذلك كل دولة كما سبق أن ذكرنا، وإذا كان من الصعب إعطاء تعريف لهذه النواة، إلا أنه يمكن القول بأنها قلبه، ومركز الجذب الرئيس فيه، فإقليم لندن هو نواة إنجلترا، وباريس قلب فرنسا، والقاهرة الكبرى قلب مصر وهكذا، ولكن الصعوبة تطهر حين يبدا الإنسان بتحديد أبعاد هذه النواة على الخريطة سواء على مستوى الدولة أو حتى القارة، فما هي المساحة الداخلية في النواة؟ وما هي الخارجة عنها؟ يذهب البعض إلى أنها الإقليم ذو الإنتاجية المرتفعة، وبالتالي تصبح النواة هي ظاهرة اقتصادية، وبالتالي يمكن تعريف النواة بأنها إقليم محدد، يتميز بنشاط اقتصاد فائق، وبمدن تضم اعدادا كبيرة من السكان، وهذا التحديد لاشك يقتنع به الجغرافي الاقتصادي، ولكن قد لا يقتنع به الجغرافي السياسي، أو متخصص الجغرافية التاريخية، فالجغرافي السياسي يذهب إلى القول بأنه إذا كانت النواة في داخل الدولة ذات الحدود السياسية، فإن النواة السياسية لابد وأن تضم العاصمة بداخلها بوظائفها المختلفة، وبمشاعر السكان العاطفية نحوها، وفي الحق أن العواصم في معظم الأحوال تقع فعلا ضمن النوايات وإن كان هناك استثناء ففي

بعض الأحيان تظل العاصمة التاريخية كشاهد على أمجاد تاريخية، ولكنها في الوقت الحاضر تقع في الظل بالنسبة لإقليم صناعي جديد، قد يكون بعيدا عنها، ويضم مدنا كثيفة السكان تنافس العاصمة في كل شيء، ماعدا ارتباطها بالتراث السابق، في إيطاليا لاشك أن إقليم حوض البو، وميلانو حيث النشاط الزراعي يمثل هذه الحالة، ولكنك إذا بحثت عن قلب وروح إيطاليا لاشك ستتقدم روما على ميلانو.

ويعد مفهوم منطقة النواه Core – Area أحد أكثر المفاهيم المستخدمة في تفسير الدولة في أول مراحل تطورها, وقلما تم تعريف مفهوم منطقة النواه وتحديده، وهذا المفهوم تم استخدامه بصورة واسعة ليضم مناطق السيادة السياسية ومناطق سيادة الوعي القومي، بل وأحيانا لمناطق الريادة الاقتصادية في الدول المعنية.

ويعد ويتلسى Whittlesty أكبر المساهمين في تطوير هذا المفهوم. وعرف منطقة النواه على أنها المنطقة التي تبلور حولها الدولة وأنها التواء التي تتبنى التكامل. وعلى نفس المنوال فقد وصفها بانها أكثر أجزاء الدولة سكانا.

وعرف الجغرافي البريطاني ايست؛  Eastمنطقة النواه على أنها المنطقة التي تقع حول العاصمة، وتضم السكان والموارد والقيادة السياسية الرئيسة.

بإيجاز: فقد استخدم مفهوم منطقة النواه. ليعبر عن معنيين مختلفين أحداهما متعلق برؤية القلب في محتوى معاصر كانت فيه منطقة النواه - Core – Area جزءا من الدولة ليس به أكبر عدد من السكان فحسب، بل وبه أكثر الموارد، وأنه يشكل محور شبكات النقل والاتصالات. ومن ثم ذهب البعض إلى وصف منطقة النواة بانها منطقة القلب. وكل أطراف الدولة مرتبطة بها بشكل أو بآخر.

المعنى الآخر: لمفهوم منطقة النواة يعبر عنه بالمصطلح التاريخي أو التطوري حيت إن المنطقة الرئيسة تعرف على أنها النواه التي نشأت منها وحولها الدولة من خلال عملية تدريجية للتوسع المساحي والالتحام actrelion حتى وصلت فيه الدولة إلى مساحتها الحالية. ومع مرور الوقت ترابطت أجزاء الدولة اقتصادية واجتماعيا وثقافيا من خلال مفاهيم مثل: الأرض الأم Motherland, أو الأرض الأب Fatherland.

ومعظم المناقشات التي دارت حول تحديد مفهوم واضح لمنطقة النواة أدت إلى زيادة التشويه واختلاط الأمور، وفي محاولة لإنهاء هذا التشويش في فهم المصطلح، قام أندرو برجارد Andrew Burghardt بنشر مقال عام 1969 اقترح فيه منظورا تطوريا لتفسير منطقة النواه على أنها ذات توجه تاريخيHistorically oriented أبر أو منعطفة النواه الرئيسة المعاصرة.

ومن منظور هذا الاتجاه التاريخي يمكن أن تلحظ فئتين:

(1) النواه تمثل مساحة صغيرة من الأرض نمت لتصبح دولة كبيرة من خلال ضم عدد أكبر من السكان والمساحة على فترات طويلة من الزمن.

(2) المنطقة الرئيسة الأصلية Original core، تمثل منطقة كانت لها أهمية سياسية واقتصادية كبيرة، ولكن نظرا لظروف ما غير ملائمة لم تتمكن من الاستمرار في أداء الدور الرائد من البداية، ولهذا السبب فشلت في أن تكون نواة يتم حولها أو من خلالها ضم سكان وأراضي جديدة.

وهناك أيضا نوع آخر من مناطق النواة وهي المعاصرة core Contemporary تمثل جزءا من الدولة أصبح ذات كثافة سكانية، وقيمة اقتصادية جديدة. وقد كانت في الماضي خارج نطاق المعمور، ولكن اكتسبت سمات جديدة جعلتها إحدى بورات الهيمنة الاقتصادية والسياسية ومراكزها حاليا. يمثل هذه الحالة إقليم حوض نهر البو في شمال إيطاليا.