إفول الجيوبولتيكا:

مع نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا، صار ينظر إلى الجيوبولتيك على أنه مثال للتوظيف الخاطئ للجغرافيا في السياسة، وبلغ هذا الإشكال مبلغا كبيرا عندما أخذ ينظر إليه باعتباره علم زائف وحامل لأيديولوجيا عدائية؛ فقامت معظم الدول بمنع تدريس الجغرافيا السياسية والجيوبوليتك في جامعاتها؛ باعتبارهما علمين مشبوهين يسعيان إلى بذر العداء ويكرسان الأطماع القومية.

استبعدت الجيوبولتيكا أكاديميا لمدة عقود في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبذلك حرمت الجغرافيا السياسية من ميراثها المرموق، وأصبحت سمعة الجيوبولتيكا سيئة نتيجة للأثر البالغ الذي خلفته المدرسة الألمانية للجيوبولتيكا في ثلاثينيات القرن العشرين على الجغرافيا السياسية، ويوجه اللوم إلى الجيوبولتيكا الألمانية لأنها من وجهة نظر البعض تخلت عن الموضوعية لتبرر الخطط العدوانية للتاريخ الالماني الثالث في سياسته الخارجية، ويرى بعض الدارسين أن هذا الاتهام بالذاتية والتحيز لا يقتصر على الجيوبولتيكا الألمانية، لأنه قاسم مشترك لكل الميراث الجيوبولتيكي، ألمانيا كان أو غير ألماني.

تزعم المقالات التي صدرت عن المدرسة الجيوبولتيكية الألمانية في ثلاثينيات القرن العشرين أنها ترتكز على أساس علمي لأنها تقوم على جمع وتنظيم البيانات واستقرائها، إلا أن الجيوبولتيكيين من خارج ألمانيا يرون أن تعاليم هوسهوفر واتباعه لم تنحو الناحية العلمية، فالكثير من الكتاب الألمان أهملوا الحقائق التي لا تتفق والآراء التي كانت مدرسة الجيوبولتيكا الألمانية قد كونتها سلفا، ويرى بعض الدارسين, أننا إذا نظرنا إلى الجيوبولتيكا نظرة شاملة لوجدنا أن مظهرها العلمي ينحصر فقط في دراسة النواحي الجغرافية للدولة بطريقة موضوعية، أما الاقتراحات المتصلة بالسياسة الخارجية، فمرهونة بالأسس ووجهات النظر التي يحددها الأفراد أنفسهم, ولعل من العوامل التي زادت من تدهور الجيوبولتيكا الالمانية بعد الحرب العالمية الثانية هو ارتباطها في الأذهان بنظام حكم مهزوم، اتبع سياسة خارجية كارثية، وهكذا أصاب بعض التقريع والتوبيخ الجغرافيا السياسية بصفة عامة والجيوبولتيكا بصفة خاصة.