عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال له رجل: جعلت فداك إن الله يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وإنّا ندعو فلا يستجاب لنا، قال: "لأنكم لا تفون الله بعهده، وإن الله يقول: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] والله لو وفيتم لله لوفى الله لكم" (1).

إشارة:

أ- يستشف من هذه الرواية أن جملة {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] ناظرة إلى أصل عام ولا تختص ببني إسرائيل. وبعبارة أخرى، فلا المورد مخصص، ولا هذا اللسان لسان تخصيص، بل إنَّ مفاده هو التلازم بين الوفاءين. وهو يحكي قضيّة أنه ما دام وفاء العبوديّة لم يتحقق، فلا تكون الربوبية ملزمة بالوفاء بعهدها. بالطبع إن عدم الإلزام بالوفاء هو غير الإلزام بعدم الوفاء؛ وذلك لأنه لا يوجد إلزام بعدم الوفاء بالعهد إطلاقاً؛ لأنه لا يترتب محذور على خُلف الوعيد، لكنه لن يكون في هذه الحالة من سنخ الوفاء بالعهد، بل يكون من صنف الفيض الابتدائي، وإن كانت جميع الفيوض الإلهية ابتدائية؛ كما يقول الإمام السجاد (عليهم السلام): "منتك ابتداء"(2)، "كل نعمك ابتداء" (3).

ب- كون الإجابة الإلهيّة مشروطة إما أنّه يُستفاد من الدليل المتصل وإما من الدليل المنفصل؛ فأما استخلاص الاشتراط من الدليل المتصل فهو أن الداعي لابد أن يكون موحداً في المناجاة وأن لا يدعو غير الله: {ادْعُونِي} [غافر: 60] ، {إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186].

فمن كان التوكل على قدرة نفسه، أو قبيلته، أو عشيرته، ... الخ في سويداء قلبه فمثل هذا الداعي لم يراع التوحيد في المناجاة، وهو - من هذا الجانب - فاقد لشرط الإجابة. وأما استفادة الاشتراط من الدليل المنفصل فهو من منطلق أنه طبقاً لبعض النصوص الدينية فإن بعض الذنوب تشكل مانعاً من الإجابة. من هنا فقد جاء في دعاء كميل ما نصه: "اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء"(4).

ج- إن كل تكليف - أصلياً كان أم فرعياً، اعتقادياً كان أم أخلاقياً وفقهياً وحقوقياً - فهو عهد إلهي يتعهد المؤمن به، وإن الالتزام بالعمل به هو ذاك الوفاء بالعهد الذي يمثل النصاب اللازم لإجابة الله الدعاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير القمي، ج۱، ص ٥٦؛ والبرهان في تفسير القرآن، ج۱، ص ۲۰۱؛ والثقلين، ج۱، ص ۷۳.

(2) الصحيفة السجادية، الدعاء ٤٥.

(3) الصحيفة السجادية، الدعاء ۱۲.

(4) مفاتيح الجنان، دعاء كميل بن زياد.