أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-09-2015
1735
التاريخ: 29-09-2015
2221
التاريخ: 14-08-2015
13971
التاريخ: 27-7-2017
2635
|
اختص
الشعر الرومانسي بأنه كان أبرز الأنواع الأدبية وأشدّها مباينةً لمثيله في
الكلاسيكية. ويمكن القول إن أهم ما أنتجته الرومانسية هو الشعر، الذي عرف على يد شعرائها
الكبار حياة جديدة قوية بقيت ذات تأثير وجاذبيّة إلى القرن العشرين. إنها حياةٌ
تقوم على العبقرية الفرديّة وإغراقها في التعبير عن العواطف الذاتية والانسياق مع
شطحات الخيال والحريّة في المضامين والأشكال. وقد عاد الشعراء الرومانسيون إلى حرم
الشعر الغنائي الذي كان شائعاً من قبل في مختلف العصور، لأن الغنائية أهمّ مميزات
الشعر وخصوصياته. وقد وجد الرومانسيون في النهج الغنائي أفضل ما يناسبهم، على أن
الرومانسية الشعرية تختلف عن الشعر الغنائي، إنها تسير في ركابه ولكنها تتميز
بطابعها الخاص، والرومانسية إحدى عطاءات الغنائيّة وأشكالها. وقد مهدّ لها شعراء
ما قبل الكلاسيكية مثل رونسار وجماعته في فرنسا وبترارك في إيطاليا وغوته بمرحلته
الرومانسية في ألمانيا وبايرون في إنجلترا، فظهر في أعقابهم جيلٌ من الشعراء
الرومانسيين الكبار مثل لا مارتين وألفرد دوموسيه وألفرد دوفينيي وفيكتور هوغو
وشيلي وورذرورث... ولكنّ هوغو اختصّ من بينهم بأنه كتب الشعر السياسيّ والهجائي
إضافة إلى وتره الغنائي، متابعاً إيقاع عصره ومعبراً عما يجيش فيه. وفي الحقيقة لا
يمكن القول برومانسية غنائية خالصة الذاتيّة، لأنها تعبيرٌ مصوَّر عن عواطف
وأحاسيس فرديّة في نطاق المشاعر العامة. وحين كان شعراؤها يغنون ما ينتابهم من
أمواج الفرح والألم والأمل واليأس والإيمان والشكّ ومن مشاعر الحرية والتعاطف مع
الطبيعة والكآبة والاعتزاز بالمواطنية والإنسانية، إنما يعبرون عن كل المشاعر التي
يعيشها معاصروهم بل البشر في كل العصور. وما الآن المعيش عندهم سوى مناسبة لتجديد
الانفعالات المعتادة في الحياة.
ويتميز
الشعر الرومانسي بالخصائص الآتية:
1-الصدق في التعبير عن العواطف الفردية والمشاعر العميقة التي تعتلج
في أعماق النفس، والاستسلام إلى عالمها وتيارها المتدفق في منأى عن عالم الفكر
والواقع.
2-الاندياح في عالم الطبيعة الواسع، والركون إلى أحضانها
واستشعار حنانها والتسبيح بجمالها وروعتها ومناجاتها كحبيبة وأمّ وملهمة والتماس
العزاء لديها من آلام الانكسارات الحادة في عصرهم وتجاربهم الخاصة، والوصول إلى
فلسفة طبيعية قوامها ثنائية البشر والطبيعة، ورموز الطبيعة التي تقول لنا
بأبجديتها كل شيء وتعبر عن أشياء نحسّها ولا نراها وعن كل علاقات البشر وأحوالهم،
والتوحيد بين الطبيعة والإله والإنسان.
3-التمادي في الخيال والتصورات، سواءٌ ما كان منها إبداعياً واعياً أم
أحلاماً وهلوسات ونزواتٍ. ومردّ ذلك نفورٌ من الواقع المخيّب وهروب إلى عوالم
متخيلة ولو كانت عوالم الجن والخرافات وعرائس الشعر..
4-التعبير بالرمز الجديد الموحي، لأنه يناسب الأجواء الغامضة
التي يصعب تحديدها وإيضاحها، إن الرمز يوجز المعاني الكثيرة ويوحي بانطباعات دون
حاجة إلى تفصيل وبيان، ويخلق لدى المتلقي جواً من النشاط والفعاليّة والمشاركة مع
الشاعر..
... ولكن رموزهم كانت شفافة سهلة مستساغة؛ وكان لكلٍ منهم رؤيته
الرمزية وعالمه الخاص، فشيلّي كان يكثر من رموز الكهف والبرج والزورق والمعبد
والساقية والأفعى والصقر؛ وكيتس كان يرمز بالقمر والعندليب والمعبد والنّوم؛ وهوغو
يغوص في الرموز الأسطورية والطبيعية المملوءة بالمهابة والجلال والرهبة؛ وعموماً
كان هنالك عودٌ إلى أساطير اليونان لكن بتناولٍ يختلف عن تناول الكلاسيكيّة، إنه
عودٌ إلى المنابع الصافية والعفوية والبدائية عند هوميروس.
5-تحرّر الوزن والقافية إلى حدٍ معتدل، لشعورهم بأن الأطر
الموسيقية القديمة لم تعد تتسع لتوثباتهم الشعرية الجديدة، ولا بد من أطرٍ جديدة
تناسبها وتسعها.
حركة الانتقال:
ظهر
منذ عام 1848 على وجه التقريب ردّ فعلٍ مضادٌ للإفراط في الغنائية وذلك على يد
تيوفيل غوتييه الذي بدأ حركةً شعرية ستكتمل معالمها في المدرسة البارناسيّة وسيكون
أبرز ممثليها الشاعرُ لوكونت دوليل.
وفي
حوالي عام 1880 ظهر ردّ فعل آخر من قبل الرمزيين الذين أخذوا على البرناسيين شدة
احتفائهم بالشكل الفنّي، فعادوا إلى ما عهدوا لدى الرومانسيين من ميلٍ إلى الغامض
والمبهم لكنهم أباحوا لأنفسهم مزيداً من الحرية في الموسيقا الشعرية؛ ومن أبرز
ممثلي هذا الاتجاه بودلير.