أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-11-05
174
التاريخ: 2023-04-13
1003
التاريخ: 6-1-2019
2732
التاريخ: 26-1-2018
1865
|
لم يكد البصريون يستريحون من تلك الفتن التي طحنتهم وجلبت عليهم ضروب النوائب حتى ظهر في سنة 254ﻫ رجل ادعى الغيب، وزعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين ابن الإمام علي، وجمع الزنوج الذين كانوا يسكنون السباخ، فالتف حوله منهم نحو الألفين فقوي بهم، وعاث في بادية البصرة فسادًا، ثم قصد البصرة فاضطر البصريون إلى قتاله، فحدثت بين الفريقين عدة معارك حتى تمكن البصريون من صده بعد أن قتل منهم أكثر من ألف رجل.
ولما انسحب صاحب الزنج عن البصرة نهب أكثر القرى، وأحرق بعضها، وكان قد تولى الخلافة المهتدي في سنة 255ﻫ، وبلغته أعمال صاحب الزنج، فأرسل في السنة نفسها أميرًا على البصرة الأحوص الباهلي، وسير معه جيشًا كبيرًا بقيادة جعلان التركي لقتال الزنوج؛ فحدثت بين الطرفين حروب عديدة فاز في آخرها صاحب الزنج، واضطر القائد جعلان إلى تحصين البصرة والدفاع عنها، وألف البصريون جيشًا منهم فكان فرقتين — السعدية والهلالية، وعلى إثر ذلك هجم الزنوج على البصرة في سنة 256ﻫ في الوقت الذي تولى فيه الخلافة المعتمد على الله، فجرت بين الزنوج وبين البصريين حروب عنيفة دامت أحد عشر يومًا، انتهت باندحار الزنوج (1)،فعادوا عن البصرة، ولكنهم نهبوا قراها وأحرقوا بعضها، وقاتلوا سكان أبي الخصيب أربعة أيام حتى استولوا على قريتهم وأحرقوا دورها ونهبوا ما فيها وأعملوا السيف في أهلها، وقد قُتِلَ في هذه الحادثة أكثر من خمسة آلاف رجل من البصريين، ثم حمل الزنوج على الأبلة فقاتلهم أهلها فانخذلوا، واستولى الزنوج على المدينة، ثم انسحبوا منها.
فلما كانت سنة 257ﻫ أرسل الخليفة المعتمد على الله جيشًا كبيرًا بقيادة سعيد بن صالح الحاجب لقتال الزنوج، فالتقى بهم سعيد فانتصر عليهم وفتك بهم، ولكنهم لموا شعثهم، وهجموا عليه هجمة المستميت، فانهزمت عساكره بعد أن قُتِلَ منهم عدد كبير، واضطر القائد سعيد إلى الهرب، فقُتل، فاستولى الزنوج على معسكره، فبلغ ذلك الخليفة، فولى في أواخر هذه السنة على البصرة منصور بن جعفر الخياط، وأرسله بجيش كبير، فحدثت بينه وبين الزنوج معركة هائلة في محل يبعد عن البصرة ثلاث ساعات، فانجلت عن انتصار الزنوج، فأغرقوا سفن الخليفة، وأتلفوا من فيها من الجنود والأموال، ووقع القائد منصور قتيلًا.
وعلى إثر اندحار جيش القائد منصور وقتله استولى الزنوج على الأهواز والأبلة وعبادان وواسط، وقوي أمرهم، واشتدت شوكتهم، فأعادوا الكرة على البصرة، فاجتمع البصريون، وألفوا منهم جيشًا بلغ عدده عشرين ألف مقاتل، وخرجوا للدفاع، فدامت الحرب بينهم وبين الزنوج ثمانية أيام بلياليها، وكانت حرب دموية هائلة أسفرت عن انكسار البصريين، فاستولى الزنوج على البصرة بعد أن قُتِلَ من البصريين عدد كبير، وذلك في أواخر سنة 257ﻫ.
ولما دخل الزنوج البصرة انهزم منها عدد كثير من البصريين، واختفى الناس في دورهم، فنهب الزنوج المدينة، وأحرقوا أكثر دورها، ودام النهب والسلب والقتل والتخريب والتدمير ثلاثة أيام، ثم أعلن قائدهم الأمان، ونادى مناديه باجتماع الناس في المسجد لاستماع الأوامر فاجتمعوا — وكانوا على ما قيل نحو مائة ألف نسمة — فأمر بقتلهم، وبإحراق المسجد وهدمه، فأعمل أصحابه السيف في البصريين، فلم يَنْجُ منهم إلا من فَرَّ.
وبلغ الخليفة المعتمد خبر سقوط البصرة بيد الزنوج، واستفحال أمرهم، فجهز جيشًا كبيرًا، وسيره بقيادة أحمد المولد — ويُرْوَى: محمد — فاندحر أحمد، واضطر الخليفة إلى تجهيز جيش آخر في سنة 258، وأرسله بقيادة مفلح، فأصاب مفلحًا سهمٌ فقتله، فانهزم جيشه، فأرسل الخليفة أخاه أبا أحمد طلحة المُلقب بالموفق بالله، وسيره بجيش كثيف، وكتب إلى بغداد وغيرها من المدن العراقية يأمر الولاة بجمع الجيوش وإرسالها مددًا للموفق.
فسار الموفق حتى وصل نهر معقل — بالقرب من البصرة — والتقى بالزنوج هناك، فجرت بينه وبينهم حروب عنيفة اندحر في آخرها الزنوج، ووقع كثير منهم في الأسر، وفيهم قائدهم يحيى بن محمد البحراني، فإنه وقع أسيرًا في قبضة الموفق، فأرسله إلى بغداد، ومنها أرسل إلى سامرا، فأمر الخليفة بقتله.
وكانت البصرة حينذاك قد فشا فيها الطاعون، وسرى منها إلى واسط وغيرها، فعاد الموفق إلى سامرا بعد هذا الانتصار، وتفرقت أكثر جنوده. فأرسل الخليفة في سنة 259ﻫ إسحاق بن كنداج، فقاتل الزنوج فدحرهم عدة مرات، ولكنه لم يتمكن من الانتصار عليهم انتصارًا نهائيًّا، فأرسل الخليفة قائده موسى بن بغا التركي بجيش كبير، فانتصر موسى على الزنوج، وقتل منهم عددًا كبيرًا، فبلغ انتصاره البصريين فثاروا على من عندهم من الزنوج فطردوهم، وتلاهم أهل أبي الخصيب فثاروا على الزنوج، ومنعوا إرسال الذخائر إليهم، فضاق الحال بالزنوج.
ولما كانت سنة 260ﻫ استقال القائد موسى بن بغا من ولاية البصرة وقيادة الجيش، فأرسل الخليفة بدله مسرورًا البلخي، وأودع إليه قتال الزنوج، فالتقى بهم وحدثت بينه وبينهم معركتين، فعاد إلى بغداد بسبب حدوث فتنة فيها.
دخلت سنة 261ﻫ فجهز الخليفة جيشًا جديدًا، وسيره بقيادة أخيه الموفق — مرة ثانية — إلى البصرة لقتال الزنوج، وسير معه ابنه أبا العباس، فسار الموفق بجيش جرار — قيل: كان عدده خمسين ألف مقاتل — حتى وصل بالقرب من البصرة، فعسكر في الجهة الشرقية منها بالقرب من شط العرب، وبنى هناك مدينة اتخذها مقرًّا للحركات الحربية فَسُمِّيَت الموفقية؛ نسبة إليه. ثم جلب إليها التجار والباعة فابتنى فيها سوقًا، فبنى الناس المنازل، وعمرت حتى صارت مدينة كبيرة، وبقيت مركزًا لسوق الجيوش حتى انتهى الموفق من أمر الزنوج كما سنذكره.
أما الزنوج فإنهم كانوا قد بنوا لهم مدينة كبيرة في غربي نهر أبي الخصيب وسموها المختارة، وبنوا عليها سورًا وأبراجًا وخندقًا، وجعلوا لحمايتها ثلاثة آلاف مقاتل، وجمعوا فيها عددًا عظيمًا من النساء والأطفال الذين نهبوهم في غاراتهم على البصرة والأبلة والأهواز وغيرها، واتخذوا هذه المدينة مركزًا للحركات الحربية، كما اتخذ الموفق مدينته مقرًّا لسوق الجيوش.
...........................................
1- ويُرْوَى أن البصريين اندحروا فتحصنوا بالمدينة.
|
|
واجه خطر الخرف.. بمعادلة "الركائز الأربع"
|
|
|
|
|
دراسة: القلب يملك "دماغا صغيرا" خاصا به
|
|
|
|
|
مليكة الروم.. إصدارٌ جديد للهيأة العُليا لإحياء التراث
|
|
|