المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9130 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
النُصح وحبّ الخير للآخرين
2024-12-10
علاج الحسد
2024-12-10
مراتب الحسد
2024-12-10
النتائج السلبية للحسد
2024-12-10
علامات الحسد
2024-12-10
دوافع الحسد
2024-12-10

Large Prime
17-1-2021
ما معنى الرؤية الكونية والأيديولوجية ؟ وما هي أقسام الرؤية الكونية ؟
31-1-2022
كتان أزغب Linum pubescens
31-5-2020
الصبر
8-10-2014
Clitics
25-1-2022
مشكلات المدن - مشكلة التلوث - انواع التلوث بحسب المصادر والبيئة الملوثة - تلوث التربة
5-6-2022


بيعة الإمام علي "ع" يوم الغدير  
  
829   04:50 مساءً   التاريخ: 2024-11-13
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج2، ص616-629
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن أبي طالب / حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله / بيعته و ماجرى في حكمه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-4-2022 1900
التاريخ: 9-4-2016 3410
التاريخ: 9-4-2016 3753
التاريخ: 9-4-2016 3341

1 - حديث الغدير في بيعة علي « عليه السلام » صحيح متواتر عندهم

حديث الغدير يهز المنكرين ويحيرهم ، لأنه عندهم صحيحٌ متواترٌ ، خاصة أنه حدث مستقل . وقد سمعت أحد علماء السلطة يقول متعجباً : لم يكن للنبي ( صلى الله عليه وآله ) أي شغل ولا هدف آخر في نزوله وخطبته في غدير خم ، إلا البيعة لعلي !

ومن أصح رواياته عندهم حديث أبي هريرة في فضل صوم يوم الغدير شكراً لله تعالي ، ونصه : « من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي ( صلى الله عليه وآله ) بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست ولى المؤمنين ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : من كنت مولاه فعلى مولاه . فقال عمر بن الخطاب بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ! فأنزل الله عز وجل : الْيوْمَ أَكمَلْتُ لَكمْ دِينَكمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكمُ الإسلام دِينًا » . تاريخ دمشق : 42 / 233 ، تاريخ بغداد : 8 / 248 والمنتظم : 5 / 233 .

وقد استقصى السيد الميلاني مصادره ، وكلماتهم فيه ، في نفحات الأزهار : 8 / 262 .

وأورد الأميني في الغدير : 1 / 236 عدداً من علماء السنة رووه ، وقال : « رواية أبي هريرة صحيحة الإسناد عند أساتذة الفن ، منصوص على رجالها بالتوثيق . .

ومع صحة حديث تاريخ بغداد ودمشق ، على شرط البخاري ومسلم ، فقد حاول الذهبي الطعن فيه بدون دليل ، إلا التعصب » !

وأما ابن كثير فزوَّر الحديث وكذب جهاراً نهاراً ، فزعم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بين في خطبته يوم الغدير أشياء ، ثم عالج مشكلة كانت بين على وكثير من الناس ! وكلاهما كذب ، فلم يبين فيها إلا ما يتصل بولاية على ( عليه السلام ) ، ولم يكن فيها أي معالجة للمشكلة المزعومة بين على ( عليه السلام ) وأحد من الصحابة !

قال في النهاية : 5 / 408 : « لما تفرغ النبي من بيان المناسك ورجع إلى المدينة خطب خطبة عظيمة الشأن في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة بغدير خم ، تحت شجرة هناك ، فبين فيها أشياء ، وذكر في فضل علي بن أبي طالب وأمانته وعدله وقربه إليه ، وأزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه ، وقد اعتنى بأمر حديث غدير خم أبو جعفر الطبري ، فجمع فيه مجلدين ، وأورد فيها طرقه وألفاظه ، وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة » . يحاول بذلك ابن كثير أن يصوِّر القضية بأن كثيراً من المسلمين كانوا غاضبين على على متحاملين عليه ، فأوقفهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) في غدير خم ليرضِّيهم عنه ويزيح « ما في نفوس كثير من الناس منه » ! و « أشياء » من هذا القبيل !

وارتكب العجلوني شبيهاً بتزوير ابن كثير « كشف الخفاء : 2 / 258 » ونقل تكذيب الذهبي للحديث بدليل واهٍ ولم يؤيده ، لكنه لم يذكر أسانيده الصحيحة !

وارتكب التحريف قبلهم الحسن البصري ، وهو من رواة السلطة القدماء ، لكن المحرفين جميعاً لم يبلغوا جناية ابن كثير ! ولهذا يحبه الوهابية ، وينشرون كتبه ؟ !

ومن رواياته الصحيحة عندهم ، ما رواه مسلم في صحيحه : 7 / 122 : « عن يزيد بن حيان قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً ، رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسمعت حديثه ، وغزوت معه ، وصليت خلفه ، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً . حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . قال : يا ابن أخي ، والله لقد كبرت سنى وقدم عهدي ، ونسيت بعض الذي كنت أعى من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فما حدثتكم فاقبلوا ، وما لا ، فلا تكلفونيه . ثم قال : قام رسول الله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّاً بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : أما بعد ، ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربى فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً ، فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته ؟ ! ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده . قال : ومن هم ؟ قال : هم آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس . قال : كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم » . « ورواه أحمد : 2 / 366 ، الحاكم : 2 / 148 » ، وفيهما وإنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض . وهو إخبارٌ بوجود إمام من أهل بيته ( صلى الله عليه وآله ) إلى يوم القيامة .

2 - جبرئيل ينزل بآية التبليغ ويوقف قافلة النبي « صلى الله عليه وآله »

كان جبرئيل ( عليه السلام ) ينزل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأوامر ربه طوال حجة الوداع ، وقد يملى عليه عبارات من خطبه . وكان قال له في المدينة : إن الله عز وجل يقول لك إنه قد دنا أجلك ، ويأمرك أن تدل أمتك على وليهم ، فاعهد عهدك واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث الأنبياء فورثه علياً وأقمه للناس علماً ، فإني لم أقبض نبياً من أنبيائي إلا بعد إكمال ديني ، ولم أترك أرضى بغير حجة على خلقي . . الخ .

ففي دعائم الإسلام : 1 / 14 ، أن رجلاً قال للإمام الباقر ( عليه السلام ) : « يا ابن رسول الله إن الحسن البصري حدثنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن الله أرسلني برسالة فضاق بها صدري ، وخشيت أن يكذبني الناس ، فتواعدنى إن لم أبلغها أن يعذبني ؟ قال له أبو جعفر : فهل حدثكم بالرسالة ؟ قال : لا ، قال : أما والله إنه ليعلم ما هي ولكنه كتمها متعمداً ! قال الرجل : يا ابن رسول الله جعلني الله فداك وما هي ؟ فقال : إن الله تبارك وتعالى أمر المؤمنين بالصلاة في كتابه ، فلم يدروا ما الصلاة ولا كيف يصلون ، فأمر الله عز وجل محمداً نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يبين لهم كيف يصلون ، فأخبرهم بكل ما افترض الله عليهم من الصلاة مفسَّراً ، وفرض الصلاة في القرآن جملة ، ففسرها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في سنته وأعلمهم بالذي أمرهم به من الصلاة التي فرض الله عليهم . وأمر بالزكاة فلم يدروا ما هي ففسرها رسول الله وأعلمهم بما يؤخذ من الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والزرع ، ولم يدع شيئاً مما فرض الله من الزكاة إلا فسره لأمته وبينه لهم . وفرض عليهم الصوم فلم يدروا ما الصوم ولا كيف يصومون ، ففسره لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبين لهم ما يتقون في الصوم وكيف يصومون . وأمر بالحج فأمر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يفسر لهم كيف يحجون حتى أوضح لهم ذلك في سنته .

وأمر الله عز وجل بالولاية فقال : إِنَّمَا وَلِيكمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ رَاكعُونَ . ففرض الله ولاية ولاة الأمر فلم يدروا ما هي ، فأمر الله نبيه ( عليه السلام ) أن يفسر لهم ما الولاية مثلما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج ، فلما أتاه ذلك من الله عز وجل ضاق به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذرعاً وتخوف أن يرتدوا عن دينه وأن يكذبوه ، فضاق صدره وراجع ربه فأوحى إليه : ياأَيهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيك مِنْ رَبِّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يعْصِمُك مِنَ النَّاسِ ، فصدع بأمر الله وقام بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه يوم غدير خم ونادى لذلك : الصلاة جامعة وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب . وكانت الفرائض ينزل منها شئ بعد شئ ، تنزل الفريضة ثم تنزل الفريضة الأخري . وكانت الولاية آخر الفرائض فأنزل الله عز وجل : الْيوْمَ أَكمَلْتُ لَكمْ دِينَكمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكمُ الإسلام دِينًا ، قال أبو جعفر : يقول الله عز وجل : لاأنزل عليكم بعد هذه الفريضة فريضة ، قد أكملت لكم هذه الفرائض » .

ونحوه في : 2 / 276 ، وفيه : « فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا جبرائيل أمتي حديثة عهدٍ بجاهلية ، وأخاف عليهم أن يرتدوا ، فأنزل الله عز وجل : ياأَيهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيك مِنْ رَبِّك - في علي - وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يعْصِمُك مِنَ النَّاسِ . فلم يجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بداً من أن جمع الناس بغدير خم فقال : أيها الناس إن الله عز وجل بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً فتواعدنى إن لم أبلغها أن يعذبني ، أفلستم تعلمون أن الله عز وجل مولاي وأنى مولى المسلمين ووليهم وأولى بهم من أنفسهم ؟ قالوا : بلي ، فأخذ بيد على ( عليه السلام ) فأقامه ورفع يده بيده وقال : فمن كنت مولاه فعلى مولاه ، ومن كنت وليه فهذا على وليه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار . ثم قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : فوجبت ولاية على ( عليه السلام ) على كل مسلم ومسلمة » .

ونحوه العياشي : 1 / 333 ، وفيه : « فقام إليه رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعشي ، كان يروى عن الحسن البصري . . إلى آخر ما تقدم » .

وفى شرح الأخبار : 1 / 104 : « قال جعفر بن محمد ( عليه السلام ) عن أبيه عن آبائه صلوات الله عليهم أجمعين : إن آخر ما أنزل الله عز وجل من الفرائض ولاية على ( عليه السلام ) فخاف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إن بلغها الناس أن يكذبوه ويرتد أكثرهم حسداً له ، لما علمه في صدور كثير منهم له ! فلما حج حجة الوداع وخطب بالناس بعرفة ، وقد اجتمعوا من كل أفق لشهود الحج معه ، علمهم في خطبته معالم دينهم وأوصاهم وقال في خطبته : إني خشيت ألا أراكم ولا تروني بعد يومى هذا في مقامي هذا ، وقد خلفت فيكم ما إن تمسكتم به بعدى لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عَلَى الحوض ، حبل ممدود من السماء إليكم طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، وأجمل ( صلى الله عليه وآله ) ذكر الولاية في أهل بيته إذ علم أن ليس فيهم أحد ينازع فيها علياً ( عليه السلام ) وأن الناس إن سلموها لهم سلموها لعلى ( عليه السلام ) ، واتقى عليه وعليهم أن يقيمه هو بنفسه . فلما قضى حجه وانصرف وصار إلى غدير خم أنزل الله عز وجل عليه : يا أَيهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيك مِنْ رَبِّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يعْصِمُك مِنَ النَّاسِ ، فقام بولاية على ( عليه السلام ) ونص عليه كما أمر الله تعالى فأنزل الله عز وجل : الْيوْمَ أَكمَلْتُ لَكمْ دِينَكمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكمُ الإسلام دِيناً » .

3 - خطبة النبي « صلى الله عليه وآله » يوم الغدير

جاءه جبرئيل ( عليه السلام ) بآية التبليغ وهو في كراع الغميم ، لخمس ساعات مضت من النهار ، فخشع لربه وتَسَمَّرَ في مكانه ، وأصدر أمره إلى المسلمين بالتوقف ، وكان أولهم قد وصل إلى مشارف الجحفة ، وهى بلدةٌ عامرة على بعد ميلين أو أقل ، لكنه ( صلى الله عليه وآله ) أراد تنفيذ الأمر الإلهى فوراً في المكان الذي نزل فيه الوحي ، ونادى مناديه :

أيها الناس أجيبوا داعى الله ، وأمرهم أن يوقفوا من تأخر من المسلمين ويردوا من تقدم منهم . وتقدم نحو دوحة غدير خم وأمرهم أن يكسحوا تحت الأشجار لتكون مكاناً لخطبته وللصلاة في ذلك الهجير ، فنصبوا له أحجاراً كهيئة المنبر ، ووضعوا عليها حدائج الإبل فصارت أكثر ارتفاعاً ، ووردوا ماء الغدير فشربوا منه وتوضؤوا . ولم يتسع لهم المكان تحت دوحة الغدير ، وكانت ستَّ أشجارٍ كبيرة ، فجلس بعضهم في الشمس ، أو استظل بناقته .

عرفوا أن أمراً حدث ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) سيخطب ، فقد نزل عليه وحى أوجب أن يوقفهم في هذا الهجير ، قبل محطة الجحفة القريبة ! وصعد ( صلى الله عليه وآله ) منبر الأحجار والأحداج ، وبدأ باسم الله تعالى وأخذ يرتل قصيدته في حمده والثناء عليه ، ويشهد الله تعالى والناس على عبوديته المطلقة لربه العظيم عز وجل . ثم قدم لهم عذره لأنه اضطر أن ينزلهم في مكان قليل الماء والشجر ، ولم يمهلهم إلى الجحفة المناسبة لنزول مثل هذا القافلة الكبيرة ، وكلفهم الاستماع إليه في حر الظهيرة !

أخبرهم ( صلى الله عليه وآله ) أن جبرئيل ( عليه السلام ) أمره أن يفسر للمسلمين فريضة الولاية ويقيم علياً إماماً بعده للناس ، قال لهم : إن الله عز وجل بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً وخفت الناس أن يكذبوني ، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لسانط : أمتي حديثو عهد بالجاهلية ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي ، يقول قائل ويقول قائل ! فأتتني عزيمة من الله بَتْلة « قاطعة » في هذا المكان وتوعدنى إن لم أبلِّغها ليعذبني ! وقد ضمن لي العصمة من الناس وهو الكافي الكريم ، فأوحى إلي : يا أَيهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيك مِنْ رَبِّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يعْصِمُك مِنَ النَّاسِ ، ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : « لا إله إلا هو ، لا يؤمن مكره ، ولا يخاف جوره أقرُّ له على نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية ، وأؤدى ما أوحى إلى حذراً من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعةٌ ، لايدفعها عنى أحدٌ ، وإن عظمت حيلته .

أيها الناس : إني أوشك أن أدعى فأجيب ، فما أنتم قائلون ؟

فقالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت .

فقال : أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأن الجنة حقٌ وأن النار حقٌ وأن البعث حق ؟

قالوا : بلى يا رسول الله . فأومأ رسول الله إلى صدره وقال : وأنا معكم .

قال ( صلى الله عليه وآله ) : أنا لكم فرط وأنتم واردون على الحوض ، وسعته ما بين صنعاء إلى بصري ، فيه عدد الكواكب قِدْحان ، ماؤه أشد بياضاً من الفضة ، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين . فقام رجل فقال : يا رسول الله وما الثقلان ؟

قال : الأكبر كتاب الله طرفه بيد الله وسبب طرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تزلوا ولا تضلوا . والأصغر : عترتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي « ثلاثاً » وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، سألت ربى ذلك لهما ، فلا تقدموهم فتهلكوا ولا تتخلفوا عنهم فتضلوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم .

أيها الناس : ألستم تعلمون أن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنى أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله .

قال : قم يا علي ، فقام على عن يمين النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخذ بيده ورفعها حتى بان بياض إبطيهما ، وقال : من كنت مولاه فعلى مولاه . اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار .

فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً مفترضةً طاعته على المهاجرين والأنصار ، وعلى التابعين لهم بإحسان ، وعلى البادى والحاضر ، وعلى الأعجمى والعربي ، والحر والمملوك والصغير والكبير .

فقام أحدهم فسأله وقال : يا رسول الله ولاؤه كماذا ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ولاؤه كولائي ، من كنت أولى به من نفسه فعلى أولى به من نفسه » !

وأفاض النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بيان مكانة على والعترة والأئمة الإثنى عشر من بعده : على والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين واحدٌ بعد واحد مع القرآن والقرآن معهم ، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا على حوضي .

ثم أشهد المسلمين مراتٍ أنه قد بلغ عن ربه ، فشهدوا له ، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ، فوعدوه . وقام إليه آخرون فسألوه ، فأجابهم .

وما إن أتم خطبته حتى نزل جبرئيل بقوله تعالي : الْيوْمَ أَكمَلْتُ لَكمْ دِينَكمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكمُ الإسلام دِينًا ، فكبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ، ورضا الرب برسالتي وولاية على بعدي . ونزل عن المنبر وأمر أن تنصب لعلى خيمة ويهنئه المسلمون بولايته عليهم ويبايعوه على الولاية ، وأمر نساءه فجئن إلى باب الخيمة وهنأنه !

وكان من أوائل المهنئين عمر بن الخطاب فقال له : بخٍ بخٍ لك يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة !

وجاء حسان بن ثابت وقال : إئذن لي يا رسول الله أن أقول في علي أبياتاً :

يناديهمُ يوم الغدير نبيهُمْ * بخمٍّ فأسمع بالرسول مناديا

يقول فمن مولاكمُ ووليكمْ * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت ولينا * ولم تر منا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدى إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى علياً معاديا

راجع : كمال الدين / 276 ، أمالي الصدوق / 50 ، الإحتجاج : 1 / 70 ، روضة الواعظين / 89 ، المسترشد / 117 والكافي : 4 / 148 ، الفقيه : 2 / 90 ، تهذيب الأحكام : 4 / 305 وثواب الأعمال / 74 وغيرها .

وفى كتاب الغيبة للنعماني / 74 : « أن معاوية لما دعا أبا الدرداء وأبا هريرة ونحن مع أمير المؤمنين على صلوات الله عليه بصفين ، فحملهما الرسالة إلى أمير المؤمنين على ( عليه السلام ) وأدياها إليه قال : قد بلغتمانى ما أرسلكما به معاوية ، فاستمعا منى وأبلغاه عنى كما بلغتماني » . قالا : نعم . وجاء في جوابه قوله ( عليه السلام ) : « فنصبنى رسول الله بغدير خم وقال : إن الله عز وجل أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس يكذبوني ، فأوعدني لأبلغنها أو ليعذبني ! قم يا علي ، ثم نادى بأعلى صوته بعد أن أمر أن ينادى بالصلاة جامعة فصلى بهم الظهر ثم قال :

أيها الناس ، إن الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم منهم بأنفسهم ، من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه .

فقام إليه سلمان الفارسي فقال : يا رسول الله ، ولاء ماذا ؟ فقال : من كنت أولى به من نفسه فعلى أولى به من نفسه ، فأنزل الله عز وجل : الْيوْمَ أَكمَلْتُ لَكمْ دِينَكمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكمُ الإسلام دِينًا ، فقال له سلمان : يا رسول الله ، أنزلت هذه الآيات في علي ؟ قال : بل فيه وفى أوصيائي إلى يوم القيامة . فقال : يا رسول الله ، بينهم لي . قال : على أخي ووصيي وصهري ووارثي وخليفتي في أمتي وولى كل مؤمن بعدي ، وأحد عشر إماماً من ولدي ، أولهم ابني حسن ، ثم ابني حسين ، ثم تسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد ، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا على الحوض . . .

يا أيها الناس ، إني قد أعلمتكم مفزعكم بعدي ، وإمامكم ووليكم وهاديكم بعدي ، وهو علي بن أبي طالب أخي ، وهو فيكم بمنزلتي فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم ، فإن عنده جميع ما علمني الله عز وجل ، أمرني الله عز وجل أن أعلمه إياه وأن أعلمكم أنه عنده ، فاسألوه وتعلموا منه ومن أوصيائه ، ولا تعلموهم ولا تتقدموا عليهم ولا تتخلفوا عنهم ، فإنهم مع الحق والحق معهم ، لا يزايلهم ولا يزايلونه » . انتهي .

هذه خلاصة خطبة الغدير ، وهى أطول من ذلك ، فقد روتها مصادرنا بصفحات وروتها مصادر السلطة بصفحة ، والمطلب الأساسي فيها حديث الثقلين ، وولاية أولهم على ( عليه السلام ) ، وبخبخة عمر بن الخطاب ! راجع : كمال الدين / 276 ، الإحتجاج : 1 / 70 ، روضة الواعظين / 89 ، المسترشد / 117 وغيرها .

4 - أمر النبي « صلى الله عليه وآله » بنصب خيمة لعلي « عليه السلام » وتهنئته ومبايعته

ظهرت عصمة لله لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) من الناس يوم الغدير ! فقد كمَّمَ أفواه قريش عن المعارضة وفتحها للموافقة فقالوا جميعاً : نشهد أنك بلغت عن ربك وأنك نعم الرسول ، سمعنا لك وأطعنا ! وكبروا مع المكبرين عندما نزلت آية : الْيوْمَ أَكمَلْتُ لَكمْ دِينَكمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكمْ نِعْمَتِي ثم أصغوا جميعاً إلى قصيدة حسان في وصف نداء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وإبلاغه عن ربه ولاية على ( عليه السلام ) . ثم تهافتوا مع المهنئين إلى خيمة على ( عليه السلام ) ، واستمرت التهنئة من بعد صلاة العصر إلى ما شاء الله ، وبعد صلاة المغرب والعشاء ليلة التاسع عشر من ذي الحجة ، فقد بات النبي ( صلى الله عليه وآله ) في غدير خم ، وقيل بقي فيه يومان !

في مسارِّ الشيعة للمفيد / 38 : « وفى اليوم الثامن عشر منه سنة عشر من الهجرة عقد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب العهد بالإمامة في رقاب الأمة كافة ، وذلك بغديرخم عند مرجعه من حجة الوداع ، حين جمع الناس فخطبهم ووعظهم ونعى إليهم نفسه ، ثم قررهم على فرض طاعته حسب ما نزل به القرآن وقال لهم . . . ثم نزل فأمر الكافة بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين تهنئة له بالمقام ، وكان أول من هنأه بذلك عمر بن الخطاب » .

وفى الإرشاد : 1 / 176 : « ثم زالت الشمس فأذن مؤذنه لصلاة الفرض ، فصلى بهم الظهر ، وجلس ( صلى الله عليه وآله ) في خيمته وأمر علياً ( عليه السلام ) أن يجلس في خيمة له بإزائه ، ثم أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنؤوه بالمقام ، ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين ، ففعل الناس ذلك كلهم ، ثم أمر أزواجه وجميع نساء المؤمنين معه أن يدخلن عليه ويسلمن عليه بإمرة المؤمنين ففعلن .

وكان ممن أطنب في تهنئته بالمقام عمر بن الخطاب فأظهر له المسرة به وقال فيما قال : بخ بخ يا علي ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة » !

وفى كتاب سليم بن قيس / 356 : « وأمر بنصب خيمة وأمر علياً ( عليه السلام ) أن يدخل فيها وأول من أمرهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هما أبو بكر وعمر ، فلم يقوما إلا بعد ما سألا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هل من أمر الله هذه البيعة ؟ فأجابهما : نعم من أمر الله جل وعلا واعلما أن من نقض هذه البيعة كافر ومن لم يطع علياً كافر ، فإن قول على قولي وأمره أمري ، فمن خالف قول على وأمره فقد خالفني » !

وفى مناقب آل أبي طالب : 2 / 237 عن أبي سعيد الخدري : « ثم قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا قوم هنئونى هنئوني ، إن الله خصني بالنبوة ، وخص أهل بيتي بالإمامة » .

5 - حجر من سجيل للمعترضين من قريش !

معنى قوله تعالي : « وَاللهُ يعْصِمُك مِنَ النَّاسِ » أنه تعالى تكفل بحفظ نبوة النبي وأن لا تقوم ضده حركة ردة إذا بلغ رسالة ربه في علي والعترة « عليهم السلام » . فهو ضمان لأن تتحمل قريش تبليغ النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولاية على ( عليه السلام ) نظرياً ، ولا يعنى ضمان طاعتها وعدم اعتراضها ، ولا عدم محاولتها قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) مجدداً !

لذلك بدأ الاعتراض يوم الغدير ، ووقعت محاولة قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في طريق عودته من حجة الوداع ، لكن لم تحدث حركة ردة عن نبوته ( صلى الله عليه وآله ) !

وروت مصادرنا وبعض مصادرهم ما قاله المعترضون القرشيون ! واعتراض بعضهم نزول العذاب عليهم ! وقد بحثنا ذلك في كتابنا آيات الغدير .

ونكتفي هنا بما رواه في الكافي : 1 / 422 و 8 / 57 وتفسير فرات / 504 وفيه : « طُرحت الأقتاب لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم غدير خم ، قال : فعلا عليها فحمد الله وأثنى عليه ، ثم أخذ بعضد علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فاستلها فرفعها ، ثم قال : اللهم من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله . فقام إليه أعرابي من أوسط الناس فقال : يا رسول الله دعوتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله فشهدنا ، وأنك رسول الله فصدقنا ، وأمرتنا بالصلاة فصلينا ، وبالصيام فصمنا ، وبالجهاد فجاهدنا ، وبالزكاة فأدينا ، قال : ولم يقنعك إلا أن أخذت بيد هذا الغلام على رؤوس الأشهاد فقلت : اللهم من كنت مولاه فهذا على مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ! فهذا عن الله أم عنك ؟ ! قال : هذا عن الله ، لاعني ! قال : آلله الذي لا إله إلا هو لهذا عن الله لاعنك ! قال : آلله الذي لا إله إلا هو لهذا عن الله لاعني .

ثم قال ثالثة : آلله الذي لا إله إلا هو لهذا عن ربك لاعنك ؟

قال : آلله الذي لا إله إلا هو لهذا عن ربى لاعني .

قال : فقام الأعرابي مسرعاً إلى بعيره وهو يقول : اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَالْحَقَّ مِنْ عِنْدِك فَأَمْطِرْ عَلَينَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . قال : فما استتم الأعرابي الكلمات حتى نزلت عليه نار من السماء فأحرقته ، وأنزل الله في عقب ذلك : سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع ٍ . لِلْكافِرِينَ لَيسَ لَهُ دَافِعٌ . مِنَ اللهِ ذِى الْمَعَارِجِ » .

وأقدم من روى ذلك من أئمة السنيين أبو عبيد الهروي في : غريب القرآن ، قال : « لما بَلَّغَ رسول بغدير خم ما بَلَّغ وشاع ذلك في البلاد أتى جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال : يا محمد ! أمرتنا عن الله بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وبالصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، فقبلنا منك ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلى مولاه ! فهذا شئ منك أم من الله ؟ ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : والذي لا إله إلا هو إن هذا إلا من الله . فولى جابر يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فَأَمْطِرْ عَلَينَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ! فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله ، وأنزل الله تعالى : سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ . . الآية » .

6 - نزلت ثلاث آيات في بيعة الغدير

فأولها قوله تعالي : يا أَيهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيك مِنْ رَبِّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يعْصِمُك مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يهْدِى الْقَوْمَ الْكافِرِينَ . المائدة : 67 .

والثانية : قوله تعالي : الْيوْمَ أَكمَلْتُ لَكمْ دِينَكمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكمُ الإسلام دِينًا . « المائدة : 3 » . نزلت بعد أن خطب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ونصب علياً ( عليه السلام ) خليفته .

والثالثة : قوله تعالي : سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ . لِلْكافِرِينَ لَيسَ لَهُ دَافِعٌ . « المعارج : 1 - 2 »

نزلت عندما اعترض على النبي ( صلى الله عليه وآله ) معترضون من قريش .

وفى كل واحدة منها حديث صحيح في مصادرنا ومصادر أتباع السلطة ، وقد فصلناها في رسالة : تفسير آيات الغدير .

7 - محاولة قريش اغتيال النبي « صلى الله عليه وآله » بعد يوم الغدير !

في بحار الأنوار : 2 / 97 : « فأقبل بعضهم على بعض وقالوا : إن محمداً يريد أن يجعل هذا الأمر في أهل بيته ، كسنة كسرى وقيصر إلى آخر الدهر ! لا والله مالكم في الحياة من حظ ، إن أفضى هذا الأمر إلى علي بن أبي طالب ! وإن محمداً عاملكم على ظاهركم وإن علياً يعاملكم على ما يجد في نفسه منكم ! فأحسنوا النظر لأنفسكم في ذلك وقدموا رأيكم فيه . ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالوا الرأي ، فاتفقوا على أن ينفروا بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ناقته على عقبة هرشي ، وقد كانوا عملوا مثل ذلك في غزوة تبوك ، فصرف الله الشر عن نبيه ( صلى الله عليه وآله ) » .

وفى تفسير القمي : 1 / 174 : « فقال أصحابه الذين ارتدوا بعده : قد قال محمد في مسجد الخيف ما قال ، وقال هاهنا ما قال ، وإن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له ! فاجتمعوا أربعة عشر نفراً وتآمروا على قتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقعدوا في العقبة وهى عقبة هرشى بين الجحفة والأبواء ، فقعدوا سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها ، لينفروا ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلما جن الليل تقدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في تلك الليلة العسكر فأقبل ينعس على ناقته ، فلما دنا من العقبة ناداه جبرئيل : يا محمد إن فلاناً وفلاناً وفلاناً قد قعدوا لك ، فنظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : من هذا خلفي ؟ فقال حذيفة اليماني : أنا يا رسول الله حذيفة بن اليمان ، قال : سمعت ما سمعت ؟ قال : بلي . قال : فاكتم ، ثم دنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منهم فناداهم بأسمائهم ، فلما سمعوا نداء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فروا ودخلوا في غمار الناس ، وقد كانوا عقلوا رواحلهم فتركوها ! ولحق الناس برسول الله وطلبوهم وانتهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى رواحلهم فعرفهم ، فلما نزل قال : ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة إن مات محمد أو قتل ألا يردوا هذا الأمر في أهل بيته أبداً ؟ !

فجاؤوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فحلفوا أنهم لم يقولوا من ذلك شيئاً ولم يريدوه ولم يكتموا شيئاً من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأنزل الله : يا أَيهَا النَّبِى جَاهِدِ الْكفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . يحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا : أن لا يردوا هذا الأمر في أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . وَلَقَدْ قَالُوا كلِمَةَ الْكفْرِ وَكفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ ينَالُوا : من قتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ . . .

فرجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة وبقى بها محرم والنصف من صفر لا يشتكى شيئاً ثم ابتدأ به الوجع الذي توفى فيه ( صلى الله عليه وآله ) » .

وفى كتاب سُلَيم / 271 ، عن أبي ذر « رحمه الله » أن بعض الصحابة تعاقدوا في الكعبة في حجة الوداع وقالوا : « ما بال هذا الرجل ما زال يرفع خسيسة ابن عمه ! وقال أحدهما :

إنه ليحسن أمر ابن عمه ! وقال الجميع : ما لنا عنده خير ما بقي علي » .

وفى الإقبال : 2 / 249 : « فلما كان في تلك الليلة قعد له ( عليه السلام ) أربعة عشر رجلاً في العقبة ليقتلوه ، وهى عقبة بين الجحفة والأبواء ، فقعد سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها لينفروا ناقته ، فلما أمسى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صلى وارتحل ، وتقدم أصحابه وكان ( صلى الله عليه وآله ) على ناقة ناجية ، فلما صعد العقبة ناداه جبرئيل : يا محمد إن فلاناً وفلاناً وسماهم كلهم . . » !




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.