نشاة الكيمياء الطبية 

بدأ ارتباط كل من الكيمياء والطب بعضهما ببعض حينما عرف الإنسان أن بعض الأعشاب وعصارات النباتات وقلف الأشجار لها القدرة على تخفيف بعض آلامه ، وتختفي نشأة هذا الارتباط في غياهب عصور ما قبل التاريخ . وبمرور عدد لا يحصى من القرون اكتشف كثير من الأدوية والعقاقير التي استخدمت في معالجة مختلف الأمراض . وظهر تغير كبير في مجال الطب خلال أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر على يد الطبيب السويسري المشهور باراسيلسس عن طريق ابتكاره لأدوية جديدة أساسها المواد المعدنية بدلاً من الأعشاب والخلاصات النباتية ، وأصبح عمله الريادي هذا أكبر منبه للعلاقة بين الكيمياء والطب .

كما أثار اهتمام الأطباء بإمكان استخدام الكيمياء في علم الطب وأدى هذا إلى مولد نشاط جديد بين  هذين العلمين استمر منذ هذا الوقت ومازالت تتسع خطواته حتى وقتنا الحالي .  ومن وقت لآخر خلال القرون التي تلت ، أضاف كيمائيون آخرون إضافات هامة وقيمة إلى الطب .  وكان بول إرليش من أعظم علماء القرن التاسع عشر الذي استحق أن يسمى "بوالد الكيمياء العلاجية " ) الكيموثيرا بي ( وهو الاسم الحديث لفن علاج الامراض بالعقاقير . وكان من ضمن اكتشافاته الكثيرة :  الدواء التي استخدمها في علاج مرض النوم من صبغة حمراء هي " أحمر تريبان " واكتشافه أن أحد مركبات الزرنيخ وهو " أرسفينامين " والذي عرف فيما بعد باسم سهل " سالفرسان " أو " الرصاصة السحرية " له أثر فعال في علاج مرض الزهري.

و بالرغم من مرور أكثر من أربعة قرون من البحث الشاق الذي قام به رجال الأبحاث المهرة لم تكن المساهمة التي ساهمت بها الكيمياء في مجال الطب ذات أهمية كبيرة حتى بداية الحرب العالمية الأولى . وكان يمكن أن تعد العقاقير المستخدمة في علاج مختلف الامراض على أصابع اليد الواحدة . وحتى 1918 كانت الأدوية التي تستوجب الاهتمام حقيقة والتي يمكن رؤيتها في حقيبة الطبيب العادي إذا أغفلنا الأدوية المستخدمة في تسكين الآلام والتخدير ومضادات السموم هي : الأفيون والزئبق والكينين والديجيتاليس واليود . وكان يبدو أن الكيماويين بالرغم من أنهم أكملوا وضع الأسس العلمية الرئيسية للكيمياء وبالرغم من أنهم بحثوا الخواص الكيميائية والفيزيائية لعدد لا يمكن حصره من المواد والمركبات قد أصابهم السهو فلم يجربوا سحر موادهم الكيماوية في الطب .