غادر النبيّ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌) مكّة ميمّما وجهه صوب يثرب وقد أنجاه الله من شرّ اولئك الوحوش الكاسرة الذين اترعت نفوسهم بالآثام والرذائل وصادفه في الطريق أبو بكر فصحبه وسار معه حتى انتهيا إلى جبل ثور  وفي أعلاه غار فدخلا فيه وأقاما فيه ثلاثة أيام وأرسل الله تعالى زوجا من الحمام فباضا في مدخله وأوحى الله تعالى إلى العنكبوت فنسجت بيتا لها فيه وخفّت قريش مسرعة في طلب النبيّ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌) يتقدّمهم سراقة بن مالك وكان عالما بصيرا بمعرفة الأثر فانتهى إلى باب الغار فرأى البيض وبيت العنكبوت فقال : لو دخله أحد لانكسر البيض والنبيّ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌) يراهم وهو يدعو : اللهمّ أعم أبصارهم.

وأعمى الله أبصارهم وسلب لبّهم وقال أبو بكر للنبيّ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌) : لو نظروا إلى أقدامهم لرأونا  وبلغ به الخوف أقصاه فقال له النبيّ :  لا تخف إنّ الله معنا  .

ونزلت الآية الكريمة على النبيّ العظيم : { إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40] ونزل رجل من قريش فبال على باب الغار ففزع أبو بكر وقال : يا رسول الله قد أبصرونا فنهره النبيّ وقال له : لو أبصرونا ما استقبلونا بعوراتهم ؛ ولمّا أمن النبيّ وأبو بكر من الطلب خرجا من الغار متّجهين نحو المدينة المنوّرة.