أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-9-2018
979
التاريخ: 27-8-2018
1629
التاريخ: 15-9-2016
1013
التاريخ: 15-9-2016
1678
|
ان لموقع العراق بالنسبة إلى الجزيرة العربية اثر في تركيب سكانه التأريخي منذ أقدم العهود، فقد نزحت من الجزيرة وأطراف بواديها أقوام كثيرة في وأزمان مختلفة لا يعلم تحديدها بالضبط إلا حين تخلف تلك الهجرات أثراً وذكراً لها في تأريخ حضارة وادي الرافدين كتأسيس دولة او سلالة حاكمة مثل الدول الآكدية والسلالات الحاكمة الأموية في العصر البابلي القديم.
التسمية:
اطلق على الأقوام العربية التي هاجرت من مهدها الأصل في الجزيرة العربية اسم الأقوام السامية وكان المستشرق الألماني "شلوتزر" (Shloezer) أول باحث أوجد مصطلح سامي وساميين (في عام 1781) لإطلاقه على المتكلمين بإحدى لغات العائلة السامية كالعربية والعبرانية والآكدية (البابلية والآشورية) والآرامية والكنعانية، بناء على تشابه هذه اللغات الواضح(1)، وطناً منه أن المتكلمين بها متحدرون من نسل "سام" بن نوح كما جاء في جدول الأنساب في التوراة (سفر التكوين، الإصحاب العاشر: 31- 21، والإصحاح الحادي عشر: 26-10)، فاتخذت تلك التسمية منذ آنذاك لإطلاقها على اللغات السامية وعلى الأقوام المتكلمين بها. على أن الرأي الحديث اتجه إلى البحث في هؤلاء الأقوام من الناحية اللغوية وليس من الناحية العرقية أو الرسية (Racial).
وقبل أن نعدد أشهر الأقوام السامية التي استوطنت وادي الرافدين يجدر ان نبين ان هذه التسمية الشائعة، أي الساميين واللغات السامية، غير موفقة ولا صحيحة في رأيي رغم شيوعها في الاستعمال. ولو أننا سمينا هذه اللغات بلغات الجزيرة أو اللغات العربية والأقوام السامية كل منهم باسم خاص مثل الآكديين والبابليين والعرب والعبرانيين وغيرهم يجعل إطلاق تسمية عرب على كل منهم لا يعبّر عن المدلول التأريخي الدقيق.
مهد الساميين:
عاش الساميون منذ أقدم عهود التأريخ المعروفة في مواطنهم التي عرفت في التأريخ، وهي الجزيرة العربية واطرافها أي ما يسمى بالهلال الخصيب(2)، وفي بوادي الشام وبوادي العراق. والنظرية الشائعة التي ترجع مهد الأقوام السامية إلى الجزيرة العربية لا تزال النظرية المعول عليها من جانب جمهور الباحثين. وانتشر من الجزيرة منذ أزمان مختلفة أقوام على هيئة هجرات استوطنت في أطراف الجزيرة ومنها بوادي الشام والعراق الغربية وبوادي ما بين النهرين العليا مثل منطقة الخابور والباليخ والفرات الأعلى، ومنها كانت تتغلغل إلى المناطق الأخصب مثل وادي الرافدين وسورية وفلسطين ولبنان وحتى وادي النيل حيث دخلت جماعات من الساميين منذ عصور ما قبل التأريخ في تركيب سكانه التأريخي.
ومع أن نظرية كون الجزيرة مهد الساميين كما ذكرنا أصبحت في عداد الحقائق تقريباً إلا أنه ينبغي التحوير في بعض تفاصيلها: فمثلاً مع صحة الفرضية القائلة إن صحاري الجزيرة كانت عامرة بالحياة، من حيوان ونبات وإنسان، في العصور الحجرية القديمة في الدهر الجيولوجي المسمى "بلايستوسين" (Pleistocene) حيث تمتعت بأمطار غزيرة(3)، بيد انه يشكل في أنها ظلت صالحة للاستيطان في العصور التاريخية التالية، لتعذر العيش فيها الشرق الادنى، ولا سيما منذ اواخر الألف الثاني ق.م (4). وقبل استعمال الجمل كان البدو الساميون على ما يرجح يستعملون في تنقلهم الحمير ويربون استعمال الجمل. ولذلك فإن الصورة القديمة التي كان يصور بها الساميون يكونون بدواً يتجولون في الجزيرة صورة غير صحيحة على علاتها، بل إن الكثير منهم سبق أن هاجر من الجزيرة في أزمان بعيدة واستوطن في البوادي الخصبة المجاورة لمراكز العمران والحضارة في الهلال الخصيب وصاروا زراعاً أو رعاة شبه مستقرين، كما أن جماعات كثيرة منهم كانت تتغلغل بالتدريج إلى تلك المراكز العمرانية في أزمان مختلفة. وهذه أحداث لم يسجلها التأريخ بل اقتصر الأمر من هجرات تلك القبائل على تلك الهجرات الكبرى التي أحدثت اضطرابات وتبدلات أساسية في مراكز الحضارات المجاورة كالقضاء على الدول القائمة فيها وإقامة كيانات سياسية لها سجلها التأريخ، والامثلة على ذلك كثيرة سيرد ذكر أشهرها في الفصول الآتية. ومن هنا منشأ ما تعارف عليه المؤرخون في تعداد ما يسمى بالموجات السامية إلى أقطار الهلال الخصيب. وبالنسبة إلى وادي الرافدين لم ينقطع تسرب الأقوام البدوية المتاخمة له من جهاته الغربية عبر الفرات بل استمر إلى العصور الحديثة. وكان للفتوح العربية الإسلامية منذ القرن السابع الميلادي لأقطار الهلال الخصيب وشمالي أفريقيا الأثر الحاسم النهائي في تركيب سكان هذه الرقعة الجغرافية الشاسعة بجعل غالبية سكانها من الأقوام السامية أي العربية.
ملاحظات على خصائص عائلة اللغات السامية:
تؤلف اللغات السامية ما يصطلح عليه اسم العائلة اللغوية. وقد انتشرت لغات هذه العائلة التي سنعددها منذ أقدم العصور التأريخية القديمة في المناطق التالية من آسية الغربية، وهي ابتداء من الشرق إلى الغرب: ما بين النهرين وسورية وفلسطين (أي بلاد الشام جميعها) وشبه الجزيرة العربية وفي السواحل المقابلة للأجزاء الجنوبية من الجزيرة ولا سيما بلاد الحبشة. وانتشرت من هذه المناطق الأصلية أما بالهجرة والاستيطان او الفتوح إلى وادي النيل وشمالي إفريقيا وغيرها.
وتمتاز اللغات السامية بصفتها عائلة لغوية بخصائص مشتركة تميزها عن غيرها من أفراد عائلات اللغات البشرية الاخرى أبرزها الأمور التالية:
1ـ تعنى اللغات السامية في كتابتها بالحروف الصحيحة أكثر من اعتمادها على حروف العلة، مع أنها تتميز على اللغات الاخرى بثروتها الكبرى من الاشتقاق والتصريف المستندين إلى تغيير حركات الكلمات بدرجة كبيرة.
2- ترجع الغالبية الكبرى من المفردات في اللغات السامية إلى أصل أو جذر ذي ثلاثة حروف، وتشتق من هذا الأصل صيغ وأبنية مختلفة كثيرة فيها معنى الأصل وزيادة، بتحوير حركات ذلك الأصل الثلاثي أو بإضافة زوائد إلى أوله أو وسطه او آخره. وبهذه الوسيلة من الاشتقاق صارت في اللغات السامية ثروة كبيرة من المفردات لا تكاد تضاهي في اللغات الأخرى، وكان هذا مصدر نمو وحيوية فيها. إلى الأصول الثلاثية الغالبة في اللغات السامية لا يندر وجود الأصول الثنائية، ومن الباحثين من يرى الأصل الثنائي، وتتشابه اللغات السامية في عدد أصواتها أي حروفها وبوجود أصوات خاصة بها كحروف الحلق والضاد والظاء.
3- الفعل في اللغات السامية بوجه عام محدود الزمن في أصل ما وضع له، فالأصل في أزمناه الماضي والحاضر، ولكن الكثيرة من اللغات السامية ومنها الآكدية والعربية يستعمل أدوات خاصة أو يحدث تحويرات في صيغ الفعل لمد هذين الزمنين إلى المستقبل وإلى الماضي البعيد او القريب، وللدلالة على تمام الحدث (Perfect) كما في اللغة الآكدية بوجه خاص.
4- ليس في اللغات السامية سوى جنسين هما المذكر والمؤنث.
5- وتتميز اللغات السامية بظاهرة غريبة في العلاقة العكسية بين العدد والمعدود من حيث التذكير والتأنيث من الثلاثة إلى العشرة، وشمول ذلك الأعداد المركبة بشيء من التحوير على نحو ما هو معرف في اللغة العربية، وتسمى هذه الظاهرة بالاستقطاب الجنسي (Polarity).
6- وتندر في اللغات السامية ظاهرة التركيب في الكلمات أي دمج كلمة مع اخرى لتصبح كلمة واحدة على غرار الإلصاق الذي نوهنا به في اللغة السومرية. ويستثنى من ذلك التركيب الخاص بأسماء الأعلام في كثير من اللغات السامية حيث الغالب فيها، كما في البابلية والآشورية، انها تتألف من عبارة أو جملة مفيدة من مسند ومسند إليه.
ولعل أقرب شبه بعائلة اللغات السامية عائلة اللغات الحامية التي سنتطرق إلى صلتها بها بحيث عدت العائلتان عائلة واحدة كبرى على رأي جمهور من الباحثين(5).
وتصنف عائلة اللغات السامية إلى مجموعات او كتل لغوية على أساس التوزيع الجغرافي والتشابه اللغوي إلى المجموعات اللغوية التالية:
1ــ كتلة اللغات السامية الشرقية:
أو الشمالية الشرقية وتتألف بالدرجة الأولى من اللغات أو اللهجات الآكدية في العراق القديم، وقد بدأ تدوينها بالخط المسماري منذ 2500ق.م.
وتفرعت الآكدية منذ مطلع الألف الثاني إلى اللهجات الرئيسية التالية:
أ- البابلية:
(في حدود 2000 ق.م إلى القرن الأول الميلادي):
1ـ البابلية القديمة (1500 – 2000 ق.م).
2- البابلية الوسيطة (1000 – 1500 ق.م).
3- البابلية الحديثة (600 – 1000 ق.م)
4- البابلية المتأخرة (600 ق.م إلى القرن الأول الميلادي).
ب ـ الآشورية:
(في حدود 600 – 2000 ق.م):
1ـ الآشورية القديمة (1500 – 2000 ق.م).
2- الآشورية الوسيطة (1000 – 1500 ق.م).
3- الآشورية الحديثة (600 – 1000 ق.م).
2- كتلة اللغات السامية الغربية:
وموطن هذه الكتلة من اللغات السامية بالدرجة الأولى في بلاد الشام بمفهومها الجغرافي التأريخي العام، أي سورية وفلسطين ولبنان وشرقي الأردن وتنقسم كتلة اللغات السامية بدورها إلى مجموعتين كبيرتين هما:
أ- اللغات الكنعانية:
ومن أفرادها الاموية والكنعانية ــ الفينيقية، والعبرانية والأوغاريتية(6) والموأبية (نسبة إلى موأب في شرقي الأردن) والفينيقية الحديثة في قرطاجنة وشمالي افريقيا.
ب – الآرامية:
الآرامية القديمة ما بين القرنين العاشر والثامن ق.م وتفرعت الآرامية القديمة ما بين القرن الأول ق.م والقرن الثاني الميلادي إلى فرعين رئيسين احتوى كل منها على عدة لهجات:
1ـ الآرامية الشرقية:
منها اللهجة الحضرية (مدينة الحضر المشهورة) والآرامية البابلية والرهوية (سريانية الرها) واللهجة الصابئية (المندائية) والآثورية في العراق.
2ـ الآرامية الغربية:
ومنها الآرامية النبطية والتدمرية والآرامية الفلسطينية والسورية وغيرها من اللهجات المحلية.
3- كتلة اللغات السامية الجنوبية (الجنوبية الغربية):
وهي لغات الجزيرة العربية واللغة الحبشية، واللغة العربية الشمالية (ألحجازية) التي تسود فروعها ولهجاتها المختلفة الآن جميع الأقطار العربية. ومنها اللغات العربية الجنوبية التأريخية مثل المعينية والسبئية والحميرية والقتبانية واللهجات والحبشية.
وهناك اختلاف في الرأي حول موقع بعض اللغات السامية من هذه الكتل التي عددناها مثل مكانة الأوغاريتية والأمورية ما بين الكتلتين الغربية والشرقية، ومكانة النبطية والتدمرية ضمن الآرامية، ومكانة اللغات العربية الجنوبية ما بين الحبشية واللغات العربية الأخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الواقع أن التشابه ما بين اللغتين العبرية والعربية قد فطن إليه بعض أحبار اليهود من اهل القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين، وأخذ البعض منهم، مثل الرباي أبو زكريا يهوذاً (القرن الحادي عشر) يطبق النحو العربي على اللغة العبرية:
Geiger, Ursprung der Speache (1889), P. 22.
(2) أول من استعمل مصطلح الهلال الخصيب (Fertile Crescent) المؤرخ الشهير "هنري بريستد" في كتابه "العصور القديمة".
(3) انظر الفصل الخاص بعصور ما قبل التأريخ حول أحوال المناخ في منطقة الشرق الادنى في العصور الحجرية القديمة.
(4) حول إدخال الجمل واستعماله لأول مرة في أقاليم الشرق الأدنى راجع:
Forbes, Studies in Ancient Technology, II, (1955), 187ff.
(5) أحدث مرجع عن اللغات السامية وخصائصها ونحوها المقارن وفيه الإشارات الكثيرة إلى الدراسات والبحوث الخاصة بالموضوع المصدر الآتي:
Moscati, Spitaler, Ullendorf, Von Soden, an Introduction to the Comparative Grammer of Semitic Languages (1964). Mosati, the Semites in Ancient History (1959).
(6) الأوغاريتية نسبة إلى مدينة "أوغاريت" (رأس الشمرا الآن قرب اللاذقية في سورية) وكانت مركز مستوطن كنعاني ازدهرت حضارته في الألف الثاني ق.م، ووجد في أوغاريت أدوار حضارية تمتد إلى عصور ما قبل التأريخ.
|
|
"الرعاية التلطيفية".. تحسين جودة حياة المرضى هي السر
|
|
|
|
|
العلماء الروس يطورون طريقة جديدة لإعادة تدوير النفايات البلاستيكية
|
|
|
|
|
اختتام المراسم التأبينية التي أهدي ثوابها إلى أرواح شهداء المق*ا*و*مة
|
|
|